المتدينون الجدد
بقلم/ حسن الرشيدي
نشر منذ: 17 سنة و أسبوع و 6 أيام
الأربعاء 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 08:13 م

هذا مانشيت إحدى الصحف مقتطعة جزء من حوار أجرته مع تامر حسني وهو أحد ظواهر الغناء الجديدة متجاوبا مع أحد ظواهر الدعاة الجدد.

ومن المعروف أن تامر حسني قدم عدة أغاني في مقدمة برامج عمرو خالد الأخيرة في نفس الوقت الذي ظهر مؤخرا في أحد الأفلام المبتذلة التي انتقدها النقاد في وسائل الإعلام لإباحيتها كما أحيا هذا المطرب حفلات الخيام الرمضانية بكل ما فيها من اختلاط بالرغم من تجنب كثير من المطربين هذه الخيام مراعاة لرمضان وصيامه.

هذه الفارقة ونمط التدين الذي انتشر في دعوة عمرو خالد تدفع المرء لدراسة هذه الظاهرة في التدين لتقارنها بأنماط التدين السائدة وعلاقتها به.

و الملاحظ لظاهرة التدين في المجتمع المصري يجد أنها تأخذ عدة أشكال :

§ الشكل الصوفي

§ الالتزام السلفي

§ تدين العامة

§ التدين الجديد

وكل شكل من هذه الأشكال يتميز بخصائص معينة تعطيه طابعا مختلفا عن الآخرين:

أولاً: الشكل الصوفي للتدين: أصدرت مشيخة الطرق الصوفية في مصر جدولاً يضم أسماء الطرق الموجودة فيها حيث بلغ عددها المعترف به من قبل المجلس الصوفي الأعلى حتى عام 1989م اثنين وسبعين طريقة. وكل طريقة من تلك الطرق يتفرع عنها عشرات المئات من الطرق الأخرى فمثلاً الشاذلية يتبعها فروع كثيرة منها طريقة تسمى الحامدية الشاذلية، وهذه الطريقة فقط يصل عدد فروعها في جميع قرى ومدن الريف المصري إلى ألف فرع.

برغم من هذا الانتشار فإن التدين الصوفي في مصر في انحسار عن ما كان في السابق رغم الدعم الرسمي لها فقد شهدت سنوات السبعينات انتشار للفكر السلفي بين المتدينين هذا الانتشار السلفي الكثيف أثر على كثير من الاتجاهات الفكرية السنية والصوفية .و يأخذ شكل التدين الصوفي مظاهر أهمها التعلق بما يطلقون عليهم أولياء وحضور الموالد والحرص على الصلاة في المساجد التي بها القبور والبدع في العبادات وغيرها ومن أخص خصائص هذا النوع من الإسلام هو مهادنة الحكام والسير في ركابهم.

ثانيا: تدين العامة: وهو التدين في معناه البسيط وهو أداء الصلوات وإن أمكن في المساجد والحرص على الحج والعمرة وبذل الصدقات والابتعاد عن الكبائر وغيرها مع العلم أن نسبة كبيرة من أفراد المجتمع المصري ومعظم المجتمعات العربية يندرجون تحت هذا التصنيف.

ثالثا: التدين السلفي: يكاد يكون التدين محصورا في مصر في النموذجين السابقين حتى بداية السبعينات من القرن الماضي إلا من أفراد قليلين التزموا بهذا النمط من التدين من خلال دعوة أنصار السنة الغير مؤثرة ولكن مع الحقبة الساداتية والطفرة البترولية في الخليج وتدفق المصريين إلى أرض الجزيرة للعمل حيث سادت الدعوة السلفية ممثلة في شيوخ الصحوة وكتبهم وتسجيلاتهم الصوتية بدأت المظاهر السلفية تنتشر في أوساط الشعب المصري ومما ساعد على هذا الانتشار في تلك الفترة وجود عدد كبير من القيادات الإخوانية داخل المعتقلات المصرية وهم الذين تأثروا بشكل كبير بنموذج الأفندية الذي تحدث عنه محمد قطب في كتابه واقعنا المعاصر.

يقوم نموذج التدين السلفي والمنتشر في مصر على عدة أسس أهمها :الإتباع ومحاربة البدع ومظاهر الشرك ونشر العلم الشرعي بقواعده العلمية وأصوله السليمة ثم الدعوة والإصرار عليها.

وغاب عن هذا النموذج قراءة الواقع وافتقاد العمل السياسي وغياب إستراتيجية واضحة للتعامل مع جميع الاتجاهات والتيارات التي يموج بها الواقع المصري.

 ومع ذلك تغلغلت السلفية في المجتمع المصري ولم تعد تيارا مقتصرا على مجموعة من الناس بل إن مظاهرها البسيطة من جلباب ولحية ونقاب باتت مشهدا مألوفا في الشارع المصري ومعلما رئيسا له والعجيب أنه كلما ازداد الهجوم على هذه المظاهر في بعض الفضائيات ازداد انتشار هذا النموذج السلفي وتغلغله ولعل العامل الرسمي كان له دور ما تمثل في فتح الباب على مصراعيه في الفضائيات لدعاة التدين السلفي كما فتحه في السابق لدعاة التدين الجديد.

رابعا: التدين الجديد: كثيرون من رصدوا مظاهر هذا التدين ولكن قل من تتبع تاريخه وحلل العوامل التي شجعت ظهوره.

 ولكي نتتبع تاريخ هذا النوع من التدين وظهوره في مصر يجب رصد أهم مظاهره :في الملبس الذي يغلب عليه الطابع الأوروبي وتتبع آخر خطوط الموضة للرجال الحليقي اللحية بينما حجاب النساء لا تتوافر في معظمه الحد الأدنى من شروط الحجاب وفي العلاقات الاجتماعية تسود ثقافة الاختلاط بين الرجال والنساء طالما بعيدة عن الابتذال كذلك يظهر مظاهر التدين في استخدام الآلات الموسيقية بكثافة في الأناشيد والأغاني الدينية وتتعدد مجالات مظاهر التدين الجديد حتى تصل إلى المستوى السياسي فيظهر في تبني أفكار مثل ولاية المرأة وجواز قتال المسلم في الجيش الأمريكي قتال المسلم الأفغاني وغيرها وهناك المجال العقيدي حيث ظهرت مصطلحات المواطنة لإسقاط أحكام مثل الجزية وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم.

فإن أحاديث دعاة التدين الجديد والتي تتسم بالسطحية والسذاجة في معالجة أمور الدين تناسب الطبقات والشعوب التي ألهاها الجري وراء أسباب الرزق أو مظاهر العيش الرغيد أو تطلعات الرفاهية في المجتمعات أو بصفة عامة الانشغال والغرق في أمور الدنيا فيأخذوا أحاديث خالد بجوار متعهم فلا تغير منها شيئا يذكر سواء في السلوك أو الآراء والأفكار فخلاصة هذه الأفكار تقول لهم أنهم على جزء كبير من الحق وأنه لا داعي لتغيير ما في نفوسهم أو سلوكهم فقليل من الشعائر وقليل من الأخلاق والمعاملات سوف يكتمل بها الجانب الروحي المفقود في حياتهم ويستمرون في ما هم فيه منشغلون به.

فهي بمثابة وجبات التيك أواي السريعة التي يأخذها المرء بديلا عن وجبات الطعام الرئيسة الثقيلة فلا وقت عنده للجلوس والاستقرار لهذه الوجبات التقليدية.

فالشباب مستمر في لهوه وضياعه بلا هدف ألا يكفي أنه يسمع ويشاهد ويتابع دعاة هذا التيار فهذا الإسلام الجديد هو إسلام بلا تكاليف ولا مشقة.

ليس كإسلام مصعب بن عمير الشاب المرفه الثري وكان أكثر فتيان مكة شبابا وجمالا وتيها وكانت أمه غنية كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقه وكان أعطر أهل مكة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول: ما رأيت بمكة أحسن لِمّة ولا أرق حُلّة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير ثم اتجه إلى الإسلام فكانت نهايته كالتالي مضى من الدنيا ولا يملك شيئا سوى ثوبه الذي عليه إن غطوا رأسه بدت رجلاه وإن غطوا رجليه بدا رأسه. ويقول خباب بن الأرت: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله، فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى لسبيله لم يأكل من أجره شيئا منهم: مصعب بن عمير قتل يوم أحد ولم يترك إلا نمرة كنا إذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر.

وبدأت مظاهر التدين الجديد مع نشأة جماعة الإخوان المسلمين في أواخر عشرينات القرن الماضي وظهور الفئة من الطبقات الوسطى والتي انضمت للجماعة ممن أطلق عليهم محمد قطب لقب الأفندية ولم تتبنى الجماعة في ذلك الوقت أي نمط محدد من أنماط التدين لرغبتها في جذب أكبر عدد من الناس فكان فيهم الصوفي والسلفي ولكن غلب عليهم الأفندية ومع انحسار موجة التدين نتيجة القمع الناصري في الخمسينات والستينات حتى عادت إلى الظهور مرة أخرى مع بداية السبعينات فغلب عليها طابع التدين السلفي حتى خرجت القيادات الإخوانية من المعتقلات الذين حاولوا اختراق الجماعات الإسلامية وأسلوبها الذي يغلب عليه طابع التدين السلفي وبالتدريج ومع اجتذاب عدد من القيادات الجماعة الإسلامية إلى التوجه الإخواني ومع بداية الثمانينات وخروج هذه القيادات من الاعتقالات التي أعقبت اغتيال السادات ورغبة في نشر التوجه الإخواني الذي وجد صد سلفي وأعقبه تعصب مضاد وبدأت تظهر الأجيال الجديدة من كوادر وشباب الإخوان الذين تقع عليهم نشر الدعوة في الجامعات وهؤلاء غلب عليهم طابع الأفندية ولكن بطابع أواخر القرن العشرين وليس بطابع أوائل القرن ومن هؤلاء خرج عمرو خالد فاللحية التي كانت من مظاهر التدين في السبعينات تم حلقها والحجاب الذي كان خمارا أو نقابا صار حجاب الموضة وغيرها من المظاهر التي تحدثنا عنها سابقا.

أي أنه كانت هناك دفعة إخوانية وتركيز أخواني لظهور هذا النمط من التدين مع وجود هدف جزئي وهو رغبة في كسب الشباب عن طريق التمايز عن النموذج السلفي ولكن مع نهاية التسعينات وبدايات القرن الجديد تلقى تيار التدين الجديد دفعة من توجهات رسمية محلية وإقليمية ودولية خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتبني فرع من فروع السلفية في هذه الأحداث وهي السلفية الجهادية فتلاقت روافد كثيرة معادية للتوجهات السلفية لإبراز هذا النمط من التدين وتغليبه على نمط التدين السلفي.

ونعتقد أن هذا النمط من التدين الجديد سيستمر طالما ظلت هذه الدفعة الثلاثية له سواء من الإخوان أو الحكومات أو الغرب .