لماذا هاجم الشرع السعودية؟
بقلم/ حسن الرشيدي
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 26 يوماً
الإثنين 27 أغسطس-آب 2007 06:01 م

في تطور غير مسبوق وفي كلمة بجامعة دمشق قال وزير الخارجية السوري فاروق الشرع إن دور السعودية في المنطقة أصيب بالشلل بشكل فعلي مشيرا إلى انهيار اتفاق الوحدة الفلسطينية الذي أبرم في مدينة مكة في فبراير. وذكر الشرع أن الخطوط العريضة لاتفاق مكة كانت قد صيغت بالفعل في دمشق ولمح إلى أن انهياره يثبت أن السعودية إما باتت عاجزة أو أنها فقدت اهتمام حليفتها القديمة الولايات المتحدة.وانتقد الشرع أيضا قرارا سعوديا بعدم حضور اجتماع بشأن الأمن في العراق استضافته سوريا في وقت سابق من الشهر الجاري.

وقد رفضت السعودية الاتهامات السورية ووصفتها بأكاذيب ومغالطات مما يشير إلى تر اجع جديد في العلاقات الدبلوماسية المتوترة بالفعل بسبب لبنان والعراق. ونقل البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسئول لم يذكر اسمه قوله تابعت حكومة المملكة العربية السعودية بكثير من الاستغراب التصريحات النابية التي أدلى بها السيد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري مؤخرا والتي تضمنت الكثير من الأكاذيب والمغالطات التي تستهدف الإساءة إلى المملكة.

وقال إن الحديث عن شلل دور المملكة العربي والإسلامي هو حديث لا يصدر عن إنسان عاقل متزن فهذا الدور يعرفه القاصي والداني عبر العالمين العربي والإسلامي بل والعالم أجمع ولعل السيد الشرع زل لسانه وكان يقصد بالشلل السياسة التي ينطلق باسمها ويمثلها.

والمثير أن هذه التصريحات جاءت بعد صمت طويل وهدوء ساد العلاقات بين البلدين.

والسؤال الملح الذي يدور في الخواطر لماذا فاجأ الشرع العالم بهذه التصريحات ؟

لاشك أن هناك خلافا بين الدولتين السورية والسعودية ولكن ما سبب هذا الخلاف ؟للإجابة على هذا السؤال يجب معرفة الإستراتيجيات المتصارعة في المنطقة وموقع كل من سوريا والسعودية في خضم هذه الإستراتيجيات.

أولا: الإستراتيجية الأمريكية الصهيونية:

تتركز أهداف هذه الإستراتيجية في الثلاثية المعروفة:ضمان أمن إسرائيل والسيطرة على منابع النفط والقضاء على الإرهاب وفق المفاهيم الغربية والذي يعني في حقيقته روح المقومة في الأمة وصحوتها الإسلامية.

وقد مرت الإستراتيجية الأمريكية لتحقيق هذه الأهداف وفي التعامل مع العناصر المكونة للمنطقة وهي الشعوب والحكومات أو النظم والقوى الفاعلة في المجتمعات الإسلامية بعدة مراحل:

مرحلة الحرب الباردة: وفي هذه المرحلة تعاملت الولايات المتحدة مع مكونات المنطقة على النحو التالي: على مستوى الشعوب جرى تخديرها وغزوها ثقافيا وحضاريا وإعلاميا واقتصاديا لتسود المفاهيم الغربية والسوق أما على مستوى النظم فإن الولايات المتحدة عملت على استقرار تلك النظم وتسليحها لتتمكن من مواجهة المد الشيوعي.أما على مستوى القوى الفاعلة في هذه المجتمعات فلم تألو لها أمريكا بالا فقد كان اعتمادها الكلي على النظم الحاكمة في المنطقة ومن الطبيعي أن لا تحاول الولايات المتحدة استفزاز هذه النظم بتعاملها مع القوى المعارضة.

مرحلة ما بعد سقوط الإتحاد السوفيتي:في هذه المرحلة تعاملت الولايات المتحدة مع مكونات المنطقة كالتالي: فمع الشعوب استمرت سياسات الغزو الفكري والثقافي وأمركة الشعوب ومع النظم أبقت على استراتيجيات المحافظة على استقرارها ولكن الجديد في هذه المرحلة هو التدخل العسكري المباشر وإقامة القواعد العسكرية في المنطقة مستغلة حاجة النظم إلى الولايات المتحدة لصد اجتياح صدام حسين للكويت.أما على مستوى القوى الفاعلة داخل المجتمع فتشهد تلك الفترة تغيرا أمريكيا تمثل في المساعدة على ميلاد منظمات الحقوقية مثل منظمات حقوق الإنسان والدفاع عن المرأة تلك المنظمات الممولة غربيا أما قوى المجتمع الحقيقية والمتمثلة في الإسلاميين فقد فتحت الولايات المتحدة حوارا معها.

مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر:

في هذه المرحلة تبدت الولايات المتحدة في تفعيل حروب الأفكار على مستويات الشعوب العربية رغبة منها في إفشال تفريخ ما تسميه الإرهابيين وعلى مستوى النظم حدث تحول استراتيجي تمثل في أن المحافظة على هذه النظم واستقرارها لم يعد مطلبا أمريكيا ملحا بل العكس هو الصحيح فوجود هذه النظم لم يمنع الإسلاميين من ضرب الولايات المتحدة فأخذ أساطين الإستراتيجيين الأمريكيين يصيغون مفردات لما بات يعرف بشرق أوسط جديد وهذا يتطلب بدوره التعامل مع القوى الفاعلة الحقيقية في المجتمع ومحاولة تطويرها بما يتلاءم مع الإستراتيجيات الأمريكية فنشطت بالتالي المنظمات الحقوقية والجماعات الليبرالية والجماعات الإسلامية والتي تعتمد الخيار السياسي.

مرحلة ما بعد حرب العراق:

على مستوى الشعوب رفعت الولايات المتحدة وتيرة حرب الأفكار أما على مستوى النظم فقد شهدت الإستراتيجية الأمريكية تراجعا جديدا وعودة إلى إستراتيجية الحفاظ على استقرار النظم بعد الفشل العسكري والسياسي الذريع والتي منيت بها الولايات المتحدة في العراق مما أدى إلى تراجع الحديث عن الشرق الأوسط الجديد وما صحبها من شعارات كالديمقراطية وغيرها وبدأت أمريكا في التخلي التدريجي عن مؤسسات المجتمع المدني والقوى الليبرالية لصالح هذه النظم.

ثانيا / الإستراتيجية الإيرانية:

تتنوع الإستراتيجية الإيرانية وتتعدد مفرداتها ولكن يمكن ضمها تحت عدة عناصر رئيسة:

الإستراتيجية العسكرية:

و لها ذراعان رئيسيان:

الذراع الأول: الجيش الإيراني والحرس الثوري

الذراع الثاني: فهو البرنامج النووي، أما يمثله هذا البرنامج النووي من تهديد للعرب والمسلمين فإن ذلك يتضمن شقين:

الأول: التهديد البيئي فالمنشأة النووية في حد ذاتها تشكل تهديدا لاستقرار المنطقة حتى لو كانت لأغراض سليمة إذا أخذنا بعين الاعتبار انه من الممكن أن يحدث تسرب للوقود النووي من تلك المنشأة وبالتالي فإن ذلك يعد تهديدا لمنطقة الخليج كما انه يمكن أن تصل بعض المواد المشعة في المياه التي تستخدم كمياه شرب.

الثاني: ما تمثله القوة النووية كأحد عناصر القوة العسكرية بل أهمها على الإطلاق في الوقت الحاضر لفرض الشروط السياسية والخضوع على الخصم إذ هي ترغم الخصم على القبول بما يقوله الطرف الآخر وبما يريده وتجعل الخصم في الوضع الإستراتيجي الأضعف.

الإستراتيجية الاقتصادية:

تستند هذه الإستراتيجية إلى أموال النفط والذي زادت أسعاره في السنوات القليلة الماضية بمعدلات غير مسبوقة فإيران تضخ في سوق النفط العالمية نحو 2.5 مليون برميل يوميا من إجمالي 4 ملايين برميل تنتجها باعتبارها رابع منتج للنفط علي مستوي العالم، أي أن صادرات النفط الإيراني تشكل نحو 8.5% من إجمالي الصادرات النفطية في العالم كما أن إيران إن إيران تضخ 80 مليار متر مكعب من الغاز سنويا في السوق العالمية، وهو ما يمثل نحو 3% من إجمالي الصادرات العالمية من الغاز، وتعتبر سادس مصدر للغاز عالميا وبنظرة سريعة علي الوضع الراهن للإمكانات الاقتصادية الإيرانية في ظل الارتفاع السريع لأسعار النفط وزيادة عوائدها من صادراتها منه‏,‏ نجد أن ناتجها المحلي الإجمالي قد ارتفع من‏114.1‏ مليار دولار عام‏2001,‏ إلي‏ ‏230‏ مليار دولار في عام‏2006 ويتمتع الاقتصاد الإيراني بنسبة عالية من الاحتياطيات من العملات الأجنبية التي تراكمت لديه خلال السنوات الأخيرة، بسبب زيادة عوائد النفط من العملات الأجنبية التي يتوقع أن تصل إلي نحو 60 مليار دولار عام 2006 -2007.

كل هذه الأموال تمول الإستراتيجيات الإيرانية في المنطقة بدء من التمويل العسكري والبرنامج النووي وتسليح الجيش وتطوير قدراته التسليحية والتدريبية كذلك تنتقل هذه الأموال إلى الأذرع الشيعية في العالم سواء كانت دعوية أو سياسية أو عسكرية.

الإستراتيجية السياسية:

قامت الإستراتيجية السياسية الإيرانية منذ قيام الثورة الإيرانية على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: وكان هدفها تحقيق الاستقرار الداخلي ومحاولة إيجاد صيغة سياسية تلتقي عليها جميع القوى الداخلية الإيرانية وفي نفس الوقت نشر الدعوة للتشيع في أقطار مختلفة وإيجاد بذور تنظيمات شيعية في الخارج وقد استغرقت هذه المرحلة فترة طويلة نظرا لدخول إيران في حرب مريرة مع العراق.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة الصعود الإقليمي وكسر القوى التي تحول بين هذا الصعود وهي طالبان ونظام صدام حسين وجاءتها الفرصة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر عندما اندفعت أمريكا بقوتها الغاشمة إلى المنطقة فتحالفت إيران معها وساندتها حتى خرج أحد المسئولين الإيرانيين يمن على أمريكا قائلا لولا إيران ما سقطت كابول وبغداد.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الطموح العالمي والوصول إلى حلم الدخول في نادي القوى الكبرى عن طريق البرنامج النووي وهي مرحلة التصادم مع الولايات المتحدة حيث تتقاطع الإستراتيجيتان لكل من الدولتين.

ولكن ما موقع كل من سوريا والسعودية في هاتين الإستراتيجيتين المتصارعتين ؟

لقد تحالف النظام السوري مع نظيره الإيراني بل أصبح جزء من الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة يأتمر بأمر قيادتها ويعمل على تنفيذها بجدية وإخلاص.

أما السعودية فقد رأت في كل من الإستراتيجيتين خطرا عليها لذلك حاولت أن تسلك مسلكا وسطا محاولة إيجاد إستراتيجية ثالثة بديلة لتشق طريقها بين هاتين الإستراتيجيتين.

وهذا دفع كثيرا من السياسيين الأمريكيين لانتقاد الدور السعودي في المنطقة في الآونة الأخيرة في نفس الوقت الذي وجه القادة الإيرانيون تقريبا نفس الانتقادات ولعل تصريحات الشرع تصب في ذلك الاتجاه.

istratigi@hotmail.com
 

مفكرة الإسلام: