خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت اللواء العرادة يطالب المجتمع الدول بإتخاذ تدابير عاجلة تجفف منابع الدعم الخارجي للمليشيات مليشيات الحوثي تحول مدارس صنعاء إلى معسكرات تدريب للطلاب حزب الإصلاح يلتقي بعيدروس الزبيدي مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية
* في يوم (22/3/2004) الذي استشهد فيه شيخ المجاهدين في هذا العصر أحمد ياسين مات الآلاف من في الصين والهند وأمريكا وما بينها، فلم يفطن لموتهم، ولم يبك عليهم، إلا ذووهم، وهؤلاء لن يلبثوا أن يطويهم النسيان.
أما موت أحمد ياسين، فقد زلزل الناس، واهتزّ له البيت البيضاوي الذي جلّله سدنته بالسواد، كما اهتزت عروش ونفوس، ولم يفرح لموته حتى قاتلوه، فالرعب من استشهاده قتل الفرحة في قلوبهم الصدئة، وأما الذين بكوه، فلا يحصيهم عدّ، بكوه بصدق وإخلاص وحبّ، ولعنوا كل من أسهم في قتله بكلمة، أو قرار، أو تخطيط، أو وشاية من جاسوس لا يساوي شسع نعل أيّ مجاهد أو شهيد.
حياته
ولد أحمد ياسين في قرية جورة عسقلان، قضاء المجدل، جنوبي قطاع غزة في شهر يونيو (حزيران) عام 1936 عام الثورة الفلسطينية الكبرى التي قادها إخوان الشيخ القائد الشهيد عز الدين القسّام وتلاميذه.
توفي والده وعمر أحمد خمس سنين، وذاق الطفل بموت أبيه مرارة اليتم، وخشونة العيش.
التحق الفتى بمدرسة القرية حتى الصف الخامس الابتدائي، ثم كانت النكبة الكبرى عام 1948 وكان القتل، والطرد، والتشريد لأصحاب الأرض، وكان اليهود لا يوفّرون صغيراً ولا كبيراً من اضطهادهم الذي لا مثيل لها بين بني البشر، واضطرت أسرة الفتى إلى الهجرة واللجوء إلى غزة، لتعيش في أحد مخيماتها عيشة لا يقوى على احتمالها بشر، إلا هؤلاء الفلسطينيون الذين ذاقوا ألوان الفقر والجوع والمرض، والحرمان من سائر مقومات الحياة، فكان الفتى أحمد يذهب إلى معسكرات الجيش المصري مع بعض الفتيان والفتيات ليأخذوا فضلات طعام الجنود، ويعودوا بها إلى أهلهم الفقراء الجياع، وقد اضطر الفتى لترك التعليم عام 1949 – 1950 ليعين أسرته المكونة من سبعة أفراد، فقد كان يعمل في مطعم فوّال، ويعول أسرته.
شلله
في عام 1952 وفيما كان الفتى أحمد، ابن السادسة عشرة من العمر، يدرّب بعض الفتيان على السباحة في (بحر غزة) أصيب بكسر في فقرات عنقه، وبعد أن وُضع عنقه داخل جبيرة من الجبس مدة 45 يوماً، تبيّن أنه سيعيش طوال حياته مشلولاً، ولا رجاء في شفائه.
أمراض
وصبر الفتى على ما أصابه من شلل، ثم ما أصابه من أمراض تتالت عليه واجتاحت جسمه العليل، مثل فقدان البصر في عينه اليمنى، إثر ضربة لئيمة من محقق يهودي جلاد في المخابرات الإسرائيلية أثناء اعتقاله، إلى جانب ضعف بصر عينه اليسرى أيضاً، والتهاب مزمن في الأذن الوسطى، وحساسية في الرئتين، إلى جانب أمراض أخرى، كالالتهابات المعوية وسواها.
عمله
بعد أن أنهى أحمد ياسين دراسته الثانوية عام 1957/1958 عمل مدرساً لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، رغم الاعتراض عليه من الحاكم المصري لغزة آنذاك، وكان معظم دخله من التدريس يذهب لمساعدة أهله الفقراء.
ووجد ضالته في التدريس الذي أحبّه، لأنه هيّأ له الجوّ المناسب لبث آرائه وأفكاره لطلابه الذين سيكونون أعمدة العمل في المستقبل.
ولم يكتف المدرس أحمد ياسين بتعليم الطلاب، بل انتقل إلى المسجد مدرساً وخطيباً، وحقّق في المساجد نجاحاً كالنجاح الذي حققه في المدرسة، وربما زاد عليه، فقد غدا أشهر خطباء غزة، بما أوتي من فصاحة وبلاغة، وقوة حجة، وشجاعة في قول الحق، من دون أن يخشى في الله لومة لائم.
كما عمل الشيخ رئيساً للمجمّع الإسلامي في غزة.
مع الإخوان المسلمين
سمع الشيخ الشاب أحمد ياسين بدعوة الإخوان المسلمين ، وقرأ رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ، رحمه الله رحمة واسعة، وتأثر بأفكاره وأفكار من تلاه من مفكري الجماعة وكتّابها وأدبائها ودعاتها، وعرف الكثير عن جهاد رجالها في فلسطين، وفي مصر وسورية والأردن وسواها من الأقطار، أثناء دراسته في الأزهر بالقاهرة التي شهدت مولد جماعة الإخوان المسلمين، فانتمى إليها، وصار من أنشط دعاتها الشباب في قطاع غزة، كان ذلك في بداية الستينيات، والشيخ شاب في بداية العقد الثالث من عمره، في وقت كان التدين غريباً على المجتمع الفلسطيني، وكانت المساجد مهجورة من الشباب، ولا يؤمّها إلا العجائز، وكان هذا نتيجة للفكر القومي العلماني الذي ساد تلك الحقبة من الزمان، والذي قاده وبشّر به دعاة القومية العربية، والأحزاب الاشتراكية والشيوعية، ونتيجة للمدّ الناصري المعادي للإسلام ودعاته، وجاءت حركة فتح لتكون ثالثة الأثافي في العلمانية المناهضة للفكر الديني.
في هذه الجِواء المحمومة المعادية للإسلام ودعاته، برز الشاب أحمد ياسين ليسبح عكس التيار، وليبدأ من المدرسة والمسجد والنادي معاً، يدعو الشباب الفلسطيني إلى الإسلام، ويحبّب إليهم الإيمان، ويغرس في عقولهم وقلوبهم قيم هذا الدين، ويعلمهم أمور دينهم، وينأى بهم عن العمل المسلح الذي كانت تنادي به سائر الفصائل الفلسطينية، وواجه الشيخ الشاب ألواناً من الاتهامات بالعمالة والرجعية والخيانة، والشاب ماضٍ في طريقه الذي رسمه لنفسه ولمن معه من الشباب، يعدّهم إيمانياً، ويرفع معنوياتهم، حتى إذا ما رأى فيهم القاعدة الصلبة التي يمكنه الاعتماد عليها، بادر إلى تنظيمهم سراً، وأبدى موهبة فذة في الإعداد والتنظيم الذي كان عام 1982 ولكن هذا التنظيم الذي كانت ترصده عيون العملاء والخصوم معاً، ما لبث أن انكشف.
الشيخ القائد في المعتقل
واعتقل الشيخ القائد عام 1983 ومعه ثلة من إخوانه الأولين، وحكمت المحاكم اليهودية عليه بالسجن ثلاثة عشر عاماً، بتهمة تشكيله تنظيماً عسكرياً يحرض على مقاومة الاحتلال، وتحرير الأرض من اليهود المستعمرين، وبتهمة حيازة أسلحة وتدريب الشباب على استعمالها.
أمضى الشيخ في الاعتقال أحد عشر شهراً، ثم أفرج عنه عام 1985 في إطار عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال من جهة، وبين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، من جهة أخرى.
وانطلق الشيخ يعمل في هدوء، وسريّة شديدة، ولم يضع لحظة من وقته في غير فائدة، حتى إذا ما انطلقت الانتفاضة الأولى، انتفاضة المساجد، بادر الشيخ إلى الإعلان عن تنظيم جديد أطلق عليه اسم: حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكانت عيون الجواسيس والعملاء والموساد والشين بيت ترصده، وفي أواخر شهر آب 1988 دهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزله، وفتّشته بدقة، وهددت الشيخ المقعد بدفعه في كرسيه المتحرك عبر الحدود، ونفيه إلى لبنان.
وفي ليلة 18/5/1989 قامت سلطات الاحتلال باعتقال الشيخ مع المئات من أعضاء حركة حماس، في محاولة منها لوقف المقاومة المسلحة التي كانت تستعمل السلاح الأبيض في هجماتها على جنود الاحتلال، وقطعان المستوطنين، واغتيال العملاء والجواسيس.
وفي المعتقل تعرّض الشيخ لألوان العذاب أثناء التحقيق، لانتزاع بعض الاعترافات، وصبر الشيخ ومن معه وصمدوا في وجه العدو الصهيوني اللئيم.
وفي 16/10/1991 أصدرت إحدى المحاكم الصهيونيه حكمها الجائر على الشيخ، بسجنه مدى الحياة، وإضافة 15 سنة أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذا الحكم كان بسبب التحريض على اختطاف وقتل الجنود الصهاينة، وبسبب تأسيسه حركة حماس، وجهازيها: العسكري (كتائب عز الدين القسّام) والأمني.
خطفت مجموعة من كتائب القسام جندياً إسرائيلياً يوم 13/12/1992 وعرضت على المحتلين الصهاينة مبادلته بالشيخ الأسير، فرفض الصهاينة هذا العرض، وشنّوا هجوماً على مكان احتجاز الجندي، مما أدّى إلى قتله ومقتل قائد الوحدة العسكرية المهاجمة، واستشهاد قائد مجموعة القسام التي تحتجز الجندي.
الإفراج:
في أواخر أيلول 1997 حاولت مجموعة من الموساد اغتيال الأستاذ خالد مشعل – رئيس المكتب السياسي لحماس، في عمان، وفشلت المحاولة، واعتقلت السلطات الأردنية اثنين من منفذي العملية الفاشلة.
وفي الأول من تشرين الأول 1997 جرت عملية مبادلة بين الأردن وإسرائيل، فأفرجت إسرائيل عن الشيخ، مقابل تسليمها عميلي الموساد.
محاولة اغتياله
في 6/9/2003 حاولت الحكومة الإسرائيلية اغتيال الشيخ بوساطة مروحيات الأباتشي التي أطلقت صواريخها على شقة كان فيها الشيخ مع تلميذه وأخيه ومرافقه الشيخ إسماعيل هنية ، وأصيب الشيخ بجروح طفيفة في ذراعه الأيمن، ونجا من الموت.
أبرز صفاته وآرائه
كانت عناية الله عزّ وجلّ ترعى الشيخ فكان المسدَّد الملهم في أفكاره، وتخطيطه، وفي إجاباته على أسئلة دقيقة ومحرجة كان يوجهها إليه بعض الصحفيين، عن طيب قلب حيناً، وعن مكر حيناً آخر.
وكان إيمان الشيخ بربه، وثقته بإسلامه، وعدالة مبادئه وشريعته بلا حدود.
وكان الشيخ عابداً لله منذ نعومة أظفاره، وكان مفهوم العبادة عنده مفهوماً سليماً، واسعاً، فكل عمل تنوي به رضا الله وطاعته، هو عبادة كسائر العبادات.
وكان الشيخ شجاعاً، كريماً، دؤوباً على العمل، جلداً في الصبر عليه وعلى الشدائد، كما هو صابر على الصيام والقيام والأوراد والأذكار.
وكان الإيثار، والتضحية، والبذل والشهامة من أجلى صفاته وأروعها، لم يبخل يوماً بمال أو براحة أو بوقت، يبذل كل ذلك بجبّ وإقبال وإخلاص.
وكان حبّه لدعوته وأبناء الدعوة لا حدود لها أيضاً، يفتديها ويفتديهم بالغالي والنفيس، بل بأغلى ما يملك: بهذه الدماء الطاهرة، ليسلموا هم من الأذى.
وكان الشيخ ابن زمانه، عركه وعرف ما فيه، واكتسب منه خبرات وتجارب ما ضنَّ بها على دعوته.
وكان يكره الظلم، ويرى في استبداد الحكام، واستعمار الشعوب، واعتقال الحريات، أقسى أنواع الظلم.
وكان يرى أن على الفلسطينيين أن يعتمدوا على أنفسهم في جهادهم لتحرير أرضهم، فيتدبروا أمور السلاح والتدريب، والتمويل، وألا يعتمدوا على غيرهم من العرب والمسلمين والمجتمع الدولي الظالم الذي تآمر مع الصهاينة على فلسطين أرضاً وشعباً وقيماً.
تحدّث الشيخ عن نكبة فلسطين عام1948 فقال:
"لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب إسرائيل.. السلاحَ من أيدينا، بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش العربية، فارتبط مصيرنا بها، ولمّا هُزمتْ هُزمنا، وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا، لتغيرت مجريات الأحداث".
وكانت القاهرة هي المكان الذي تشكّل فيه إيمان الشيخ أحمد، بأن فلسطين أرض إسلامية، ويجب أن تبقى إسلامية حتى يوم القيامة، وليس لأي زعيم عربي الحقُّ في التخلّي عن أي جزء من هذه الأرض المقدسة التي باركها الله وبارك ما حولها.
كان الشيخ منظماً في صفوان الجناح الفلسطيني من حركة الإخوان المسلمين في القاهرة، وقد تعلّم فيها ثوابته التي لا يجوز لمسلم أن يتجاوزها تحت أي ظرف، كما تعلم منها ألواناً من السياسة الشرعية التي جعلته يسعى إلى المحافظة على علاقات طيبة مع السلطة الفلسطينية التي كانت لا تتردد في الحجر على حركته تحت إقامة جبرية، وكان يرى بحق أن الفرقة تضر بمصالح الفلسطينيين..
وكذلك كانت صلاته جيدة مع بعض حكام العرب، ولكنه لم يساوم مرة فيما يخصّ موضوع التوصل إلى (سلام) مع إسرائيل، وكان يكرر دائماً:
"إن ما يسمّى بالسلام ليس سلاماً بالمرة، ولا يمكن أن يكون بديلاً عن الجهاد والمقاومة".
ولعل أبرز صفة في الشيخ، تميز بها من سائر القيادات الإسلامية وغير الإسلامية في الوطن العربي، أنه لم يكن مركزياً، بل كان يصنع القيادات ويربيها، حتى لا يعيش التنظيم في فراغ إذا ما أصيب القائد ومن حوله من القيادات، حتى ليمكن القول:
"إن حجم ما هو مجهول من رموز غزة القادرين على ملء أي فراغ، لا يزال أكبر مما هو معلوم، والحمد لله".
الإرهابي
زعم القتلة وأذنابهم أن الشيخ أحمد كان إرهابياً، وقد تسبب بمقتل مئات اليهود، وهذا كذب صريح، فقد كان الشيخ الشهيد يسعى إلى تحرير أرضه المحتلة، ويدعو شعبه إلى تحريرها بشتى الوسائل المشروعة، وكان يدعو اليهود إلى الكفّ عن قتل المدنيين والأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، لكنه لم يجد آذاناً تسمع، ولا قلوباُ ترقّ، ولا ضمائر حيّة ووجد في يهود آذاناً صماء، وقلوباً أقسى من قلوب الذئاب، وضمائر ميتة.. ووجد أوباشاً منسوبة إلى البشر، وهي إلى وحوش الغاب أقرب، تقتل، وتغتصب، وتخرّب، وتدمّر، ولا تسمح لأحد من الفلسطينيين أن يعترض على هدم منزله على رؤوس أسرته، ولا أن يعترض على تجريف أرضه، وقلع أشجار زيتونها وبرتقالها وليمونها، وتينها وعنبها، بل لا يسمح أوباش يهود وهمج البشرية من قطعان المستوطنين الذين جيء بهم من الأزقة والملاجئ، فهم لا يُعرف لهم آباء ولا أمهات.. لا يسمح هؤلاء الشذّاد أن تعترض أمّ على اعتقال ولدها الفتى، أو على قتله أمام عينيها.. والتي تعترض إرهابية تستحق الموت، والأب الذي يعترض على شيء مما تقدّم، إرهابيّ أيضاً ويستحق الموت، ويبقى كبير مجرميهم (شارون) رجل السلام الأول في عرف سيد البيت الأسود.
لم يكن الشيخ إرهابياً، بل كان مجاهداً ينشر ثقافة المقاومة والجهاد والاستشهاد من أجل تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
استشهاده
من إكرام الله لهذا الشيخ الضعيف بدناً، القوي إيماناً، والواسع عقلاً، أن وهبه الشهادة في سبيله، ليكون موته عبرة وعظة وكرامة، كما كانت حياته عبرة وعظة وشبه أسطورة لو لم نشاهدها، لشككنا بها..
الشيخ/أحمد ياسين مع أطفال غزة
الشيخ/أحمد ياسين مع أطفال غزة
كان الشيخ قبل يومين من استشهاده، راقداً في المستشفى في حالة احتضار، وكل من حوله ينظرون إليه نظرات الوداع، ثم دبّ النشاط في جسده العليل النحيل، وعاد إلى البيت محمولاً على كرسيه، ولم يسمع لقول ناصحيه بأن يأوي إلى بيت آمن، فقد ينفذ شارون اللعين تهديده، وسبق له أن حاول اغتياله فنجا، ولكن الشيخ الشجاع رسم على شفتيه اليابستين ابتسامة ساخرة، سخر بها من سائر الشارونات.. أجل.. من سائر الشارونات، ومن عملائهم الذين يرصدون كرسيّه، وقال لهم:
- يا مرحباً بلقاء الله..
هذا ما أتمناه
أن أفوز بالجنة
ويبوء بالخزي والعار
ثم تكون النار مأواه..
وقال بصوت حاول أن يكون قوياً:
- نعم الحارس الأجل.
وحُمل إلى بيته، وعيون العملاء تلاحقه، وألسنتهم الفاجرة تبث لأسيادها –وليسوا سادة- عن تحركات الأسد الهصور المقعد، ومن البيت أمر محبيه أن يحملوه إلى المسجد، ليصلّي ما شاء له الله أن يصلّي الفجر جماعة، ثم نظر إلى إخوانه المصلين نظرة مودّع، وطلب منهم أن يغادروا المسجد قبله، فهو يخشى عليهم أن يصيبهم أذى إذا هوجم وهو بينهم ومعهم، واستجاب المصلون لطلبه، وخرجوا بقلوب دامية، وعيون دامعة، يرتجفون خوفاً عليه، وبعد أن عرف الشيخ أنهم جميعاً صاروا في مأمن، طلب من ولديه وبعض تلاميذه الذين لا يفارقونه أن يخرجوه من المسجد، وخرج اثنان يستطلعان الجو والطرقات، ثم أشارا بالأمان، فخرج الموكب المهيب، تحفّه ملائكة الرحمن، وقرآن الفجر، وما كاد الموكب يبتعد خطوات، حتى كانت طائرات الأباتشي الأمريكية الصهيونية تصبّ حممها.. صواريخها على الأسد الرابض على كرسيه، وكلها تستهدف رأسه الذي طالما أوقع بهم، بما أوتي من حصافة، وكياسة، وشجاعة، وإقدام، فهو الذكي المسدَّد، والقائد الملهم، وهو رأس الفارس الشجاع، الذي كان عبئاً ثقيلاً على يهود وهو حي، ولعله يكون أشدّ وطأة عليهم وهو شهيد؟
لقد بدا واضحاً أن الحقد على الشيخ، هو حقد على رأسه، لما فيه من فكر وعقيدة، ولهذا حرصت كاميرا الصاروخ الأمريكي الذي أصابه، أن تصور الرأس المفجّر، وقد صار مزقاً محروقة، مبعثرة، ظناً من قاتليه، أنهم بتفجير هذا الرأس العبقري، قد قضوا على ما فيه من فكر مجاهد.. وقد كذبهم ظنهم هذا، فقد انتشر فكر الشيخ الشهيد في كل مكان، بتناثره في فضاء غزة المجاهدة، وحلّ في رؤوس الشبان المؤمنين حيث كانوا، ولسوف تجسّده الأجيال جيلاً بعد جيل، فكراً مقاوماً، ينشر ثقافة المقاومة في الرؤوس الشابة، في زماننا هذا وفي كل زمان فيه احتلال أو استبداد.
انتهى أجل الشيخ، ولكل أجل كتاب، وكان من الممكن أن يموت على كرسيه كسائر الناس، ولو مات كذلك، لحزن الناس عامة، والمجاهدون خاصة عليه، ولذرفنا الدموع، وابتهلنا بالدعوات الصالحات أن يتغمد الشيخ بفيض رحمته ورضوانه، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يعوّض المجاهدين والمسلمين قائداً مثله، ثم نعود إلى منازلنا والحزن يلفّنا من كل جانب.
ولكن الله أراد له وللمجاهدين ولفلسطين غير ذلك..
أراد أن يكرمه بالشهادة، وأراد أن يموت هذه الميتة التي يتمناها كل مجاهد صادق..
وأراد أن يحيي ميت الآمال في نفوس القعدة والمتخلفين والمحبطين.. من دعاة الاستسلام.
ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى ابتلي الشيخ بالضعف، ليكون قدوة للضعفاء في الدنيا، وشاهداً على أن الإيمان بالله أقوى من أية قوة أخرى مهما عظمت..
فمن ذا، في العالم كله، اهتزت البشرية لموته كما اهتزت لاستشهاد الشيخ أحمد؟
وهل من رجل سواه اجتمع مجلس الأمن ليناقش موته؟
صحيح أن الولايات المتحدة عطلت بالفيتو قراراً دولياً بإدانة جريمة قتل الشيخ، ولكنْ هل بوسعها أن تعطل الإدانة في ضمائر البشرية على حدّ تعبير الدكتور رياض نعسان آغا.
أراد أن يكون استشهاده عبرة لمن يريد أن يعتبر، ليبقى –على الزمان- رمزاً للجهاد والمقاومة، ويبقى غيره رمزاً للتسوية والاستسلام.
أراد أن يقول أحمد ياسين كما قال سيف الله خالد:
فلا نامت أعين الجبناء.
وأراد –فيما أراد- أن تبقى اللعنات تلاحق سائر الشوارين وعملائهم وجواسيسهم الذين نعرفهم، والذين لا نعرفهم، ولكن الله يعلمهم، وسوف يبوؤون بخزي الدنيا، وعذاب مهين في نار الجحيم، يكونون فيها وقوداً لأصحاب النار.
المراجع
شهيد الفجر: الشيخ أحمد ياسين بقلم عبد الله الطنطاوي (رابطة ادباء الشام)