وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين
«إن خلاص الشرق متوقف على تفرنج الشرقيين بكل معنى الكلمة.. إن فصل الدين عن الدنيا أمر واجب لتقدم الشرق، وبدونه لا يستطيع الشرقي أن يدخل في دائرة المدنية ويتمتع بالحرية الحقيقية نفسها».
كلمات لأحد أبرز رواد العلمانية في العالم العربي في النصف الأول من القرن العشرين، هو الكاتب اللبناني الأصل جميل معلوف، الذي كانت له المبادرة في تكوين جمعية «سوريا الفتاة» وأحد أكثر كتاب عصره من العرب شغفًا بـ»التفرنج» ودعوة له، وجمع في أفكاره بين تقليد الثورة الفرنسية والفكر الدستوري الأمريكي، ونفى وجود مسألة شرقية، وأكد أنه ليس هناك سوى «مسألة أوروبية» بمعنى أن خلاص الشرق مرهون بفهم التغييرات الاجتماعية والسياسية التي حدثت في الغرب، والارتكاز عليها للنهوض على نحو يماثل الحياة الغربية، وأبرز تلك التغييرات كان إقصاء الدين عن الحياة. شخصيات عربية يصعب حصرها سارت على الدرب ذاته، برزت كرموز تقود الفكر العربي إلى التغيير، عبر استيراد الفكرة العلمانية من الغرب إلى يومنا هذا.
على الرغم من تمتع علمانيي العرب بظهير غربي يناصر أفكارهم ويدعمها، وعلى الرغم من توغلهم في مؤسسات الدولة والعديد من مراكزها الحيوية، وعلى الرغم من أن معظمهم لم يدخل في صدام مع الأنظمة العربية، وكثير منهم يتماهى مع توجهاتها ويحظى برضاها في مقابل التضييق على الفكرة الإسلامية ودعاتها، على الرغم من ذلك كله، فإن العلمانيين العرب فشلوا في إحداث نهضة في بلادهم، فما السبب؟
الفكر العلماني العربي فكر ثوري، لكنه فكر ثوري على المنهج الإسلامي بغية تقويضه واختزاله وإقصائه، وليس فكرا ثوريا على الأنظمة المستبدة، بل كثيرا ما نرى أصحاب هذا التوجّه ممالئين للحكام المستبدين، وكل جهودهم لا تتجاوز التنظير والمعارك الفكرية التي تدار رحاها في المؤلفات والمؤتمرات والمنابر الإعلامية على كل من يحمل فكرة إسلامية شاملة، تنبثق من كون المنهج الإسلامي عبارة عن حياة تُساس بالمنهج الرباني.
الفكر العلماني العربي وقف عند سياق أوروبي مجتزأ، ولم ينظر بموضوعية إلى الاختلاف في طبيعة المنهج، وطبيعة البيئة في الحالتين كما سيتضح لاحقا. وعندما نفكك المشروع العلماني العربي، وننظر في أسباب فشله في إحداث نهضة، فإننا ننطلق من تقييمه وفق قوانين هذه النهضة ومقوماتها، وليس المقصد تقييمها وفق ميزان الشريعة أو بمنظور الفكر الإسلامي. وعلى ذلك نشير إلى مقومات النهضة، ثم نرى موقع علمانيي العربي من التعاطي معها:
أول هذه المقومات، الفكرة المركزية، وهي الفكرة الحية التي تطبع على المجتمع الدَّفعة التي تجعله يدخل التاريخ، بتعبير المفكر الجزائري مالك بن نبي، أو هي مجموعة المسلمات والعقائد التي يُبني عليها نظام القيم ويصطبغ بها نظام المجتمع، كما يقول الدكتور جاسم سلطان.
جمع من المفكرين وعلماء الاجتماع رأوا أن الحضارات غالبا ما تقوم على الفكرة الدينية كفكرة مركزية، ومنهم أرنولد توينبي، الذي ذكر في كتابه «التحديات الكبرى» أن الدين كان مصدر الحيوية الاجتماعية التي أدت إلى وجود الحضارات، وحافظت على وجودها. كما يؤكد مالك بن نبي في كتابه «شروط النهضة» أن الحضارة لا تنبعث إلا بالعقيدة الدينية. تلك الفكرة المركزية لابد لها من القدرة على الاستجابة لمستجدات العصر، والمتغيرات التي تطرأ في كل حقبة زمنية، فالفكرة المركزية الصحيحة ذات مُكوِّن صلب يميّزها، وهو ما يتعلق بالأيديولوجيا، ومكون مرن يتيح الاستجابة لاحتياجات المجتمع، وهو ما يتعلق بنظام الحياة. كما لابد للفكرة المركزية من أن تتوافق مع منظومة القيم المتجذرة في وجدان المجتمع، التي صاغت هويته الثقافية، وذلك هو مكمن الخطأ الذي وقع فيه علمانيو العرب، إذ استوردوا الفكرة المركزية التي يقوم عليها مشروعهم من الغرب، إلى بيئة لا تصلح لاحتضانها على الإطلاق، ومن ثم نشأت مصادمات عنيفة مع فئات المجتمع، إذ أنه يمر بحالة من هدم الميراث الثقافي يأباها ويلفظها. فالعلمانية نشأت في أوروبا كثورة على الحكم الثيوقراطي والاستبداد الكنسي، الذي يقف حجر عثرة أمام التقدم العلمي، ويصادم الفطرة البشرية، ويتجاهل متطلباتها، فمِن ثَمَّ ثار الأوروبيون عليه، فكان هناك ما يبرره لديهم، أما أمتنا فلها موروثها الثقافي المتجذر، المتمثل في المنهج الإسلامي، الذي استوعب المسلمين وغير المسلمين تحت مظلته الجامعة، والذي يحترم العقل ويُرغِّب في العلم، ويحض على الإنتاج والبذل وإعمار الكون، والأخذ بأسباب القوة والحضارة، وبفضل هذا الدين تعلم المسلمون المنهج التجريبي في العلوم، ويكفل كذلك الأمان لكل الناس في أعراضهم وأموالهم وأنفسهم، ويراعي الرغبات البشرية، ولا يقمعها، بل يهذبها ويجعلها في نطاقها النظيف.
تجاهل علمانيو العرب في دعواهم أن الحضارة الإسلامية، التي أذهلت العالم، قامت في ظل نظام إسلامي متكامل، والعكس هو الصحيح، فإنما تخلفت الأمة بعد أن ولّت ظهرها لهذا النظام وهذا المنهج.
ثاني مقومات النهضة التي فشل فيها العلمانيون العرب، هي الفكرة المحفزة، وهي الفكرة التي تترجم الفكرة المركزية، وترتبط بواقع الناس وتخاطب حاجتهم الحياتية، فعلى سبيل المثال كانت الفكرة المحفزة في المشروع الصهيوني شعار (فلسطين أرض الميعاد) وكان الخبز هو الفكرة المحفزة في الشيوعية، وأما في الإسلام فكانت الفكرة المحفزة متجلية في عبارة ربعي بن عامر في خطابه لقائد الفرس، التي تمثلت في إخراج الناس من الظلم إلى العدل ومن الضيق إلى السعة. أما العلمانية فلم تجمع الشعوب على فكرة محفزة صحيحة قوية، بل كل نتاجها إنما هو محاولات لأخذ الوعي بعيدا عن المنهج الإسلامي فحسب، تحت مظلة التنوير، وهي قضايا تخص النخبة المثقفة لا غير، ولا تتجه إلى البسطاء الذين يمثلون الأكثرية في مجتمعاتنا.
ثالث هذه المقومات النهضوية، التي أخفق علمانيو العرب في التعامل معها، هي منظومة القيم والثقافة التي تنبثق من الفكرة المركزية، وهي المبادئ التي يؤمن بها أفراد المجتمع وتمثل ثقافتهم الأم الراسخة، وتنظم العلاقات بينهم، وهي ليست عِلما يتعلمه الإنسان، بل هي محيط يحيط به، كما يقول بن نبي، وهي ضابط لسلوك الإنسان وداخله معاً. عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني ماكس فيبر تحدث عن دور القيم في عمليات النهوض، فيرى أن القيم تتحول في الحياة اليومية إلى اتجاهات توجه الحياة طبقا للمثل الدينية، ومن هذه القيم الدينية والاتجاهات تنمو الحركات الدينية كقوة كبرى، ويحدث التغيير الاجتماعي. والخطأ الذي وقع فيه علمانيو العرب في هذا المقوم النهضوي، أنهم رغم إيمانهم الشديد بالقيم الغربية، قد ركزوا على الجوانب السلبية فيها، وعلى الرغم من تنفّذهم وامتلاكهم الأدوات التي تمكنهم من صياغة أفراد المجتمع، وفق قيم العدل والتراحم ومعرفة الحقوق والواجبات، وتقدير العلم وقيمة الوقت والنظام، إلا أنهم سخروها في ترسيخ قيم مستوردة من النظم الأخرى، كالحرية الجنسية والصدام مع الثوابت الدينية والمجتمعية، واختلاق المشاكل في ملف حقوق المرأة وقوانين الميراث ونحو ذلك، كما أنهم لم ينشغلوا بأوجه التقدم العلمي والتقني والتكنولوجي والتعليمي لدى الغرب وأدواته.
ورابع هذه المقومات يعد محصلة نهائية لاجتماع المقومات الثلاثة الأولى، وهي الإنتاجية الشاملة، التي ينتظم فيها أفراد المجتمع على اختلاف مشاربهم وتخصصاتهم ومواقعهم في اتجاه واحد للبناء، وهي في المنهج الإسلامي تعتبر تكليفا شرعيا، انطلاقا من مهمة الاستخلاف في الأرض التي تقتضي الإعمار. وفشل علمانيي العرب في هذا المقوم هو فشل بالتبعية، أعني نتيجة لفشلهم في المقومات الثلاثة الأولى: الفكرة المركزية، والفكرة المحفزة، والقيم والثقافة، فالسؤال الذي لابد أن نواجه به علمانيي العرب، ويواجهوا هم به أنفسهم: ماذا قدمتم للأمة في ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، على الرغم من امتلاككم أدوات التغيير؟
لا ريب في أن تفكيك المشروع العلماني وإبراز أسباب فشله، سوف يستثير بعض قرائنا الذي يتبنون هذا التوجّه لتجهيلنا واتهامنا بعدم فهم العلمانية كالعادة، لكنني أدعوهم لترك الجدال حول ماهية الفكر العلماني، والنظر إلى الواقع ودلالاته، والإجابة على السؤال القائم: ماذا قدم علمانيو العرب لأمتهم؟! والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية