حكم الإمامة ... صورة ثانية
بقلم/ خالد اليافعي
نشر منذ: 8 سنوات و 8 أشهر و 16 يوماً
الأربعاء 09 مارس - آذار 2016 03:20 م

-في مذكراته التي يرويها خلال مرحلة النضال الوطني في أربعينيات القرن الماضي ذكرالرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني عن قصة الراديو الذي كان ممنوعاً شراؤه و استخدامه بحجة أنه يذيع أغاني يحرم استماعها ، فقد طلب عن طريق برقية أرسلها إلى الإمام يطلب منه السماح بشراء الراديو للاستماع إلى الأخبار و ما يذاع من برامج ثقافية و علمية حيث جاء الرد بخط الإمام (و مثلكم ممن لا يلهو بسماع الملاهي ) .

-في حادثة أخرى عندما وصل محمد أحمد نعمان أحد أبرز رواد الحركة الوطنية في القرن الماضي الى القاهرة مع ولي العهد محمد البدر ، قال في بعض تصريحاته عند وصوله القاهرة أن الإمام يعزم على العمل لتطوير البلاد و الخروج بها من العزلة ، وسمع الامام الحديث من الإذاعة فجن جنونه وانتفخت أوداجه إذ كيف يجرؤ هذا الشخص على أن يتحدث بأن اليمن في عزلة أو أنها تحتاج إلى تطوير !

-هذه صورة مصغرة عن حكم الإمامة البغيض الذي كان قائماً على الخرافة و الاستعباد و الذي حكم على اليمن أن تعيش في عزلة مظلمة خارج أسوار التاريخ ويمنع عن كل يمني التواصل مع الخارج و يمنع التعليم حتى لا يطالب الناس بحياة عادلة و كريمة .

-لم يسمح الإمام باقتناء الراديو للقاضي عبدالرحمن الإرياني إلا لأنه كان أحد ولاته و أحد مسئولي الدولة في ذلك الحين ، هذا التسطيح و التجهيل في آن واحد ، إذ كيف يمنع الراديو بحجة سماع الأغاني بينما هو في نفس الوقت يدوس كرامة الإنسان و يستحل الدماء البريئة و يصادر الحريات و يحكم على شعب باكمله بالعيش في هذا السجن الكبير البعيد عن كل ماله ارتباط بالعلم و المعرفة و الحياة الكريمة.

-هذا الحكم القائم على الاصطفاء و العنصرية والتي يرى في هذا الشعب مجرد عمال و خدم من أجل هذه السلالة التي تمتلك حق الحكم عن طريق الاصطفاء الإلهي والذي يجب أن يستمر في هذه السلالة الى ما لا نهاية .

-لم يتعايش اليمنيون مع هذا الحكم الشاذ ذلك أنه مستفز للمشاعر و الكرامة الوطنية كم يصفه المؤرخ و الأديب مطهر الارياني فظلو في ثورات و انتفاضات مستمرة حتى جاءت الثورة الخالدة ثورة السادس و العشرين من سبتمبر 1962 .

-كان هذا الحكم هو أكبر خطر في وجود و حياة اليمنيين طيلة ألف عام ، ذلك أنه قائم على الامتهان والاذلال و عدم الاعتراف بكرامة الانسان ومصادرة حقه في تقرير مصيره و اختيار حكامه ، و لهذا كان من أدبيات الحركة الوطنية في برنامج الانقاذ للتمهيد لثورة سبتمبر هو أن التاريخ اليمني الطويل و التجارب المتكررة قد أثبت ان نظام الامامة في اليمن ماضياً و حاضراً هو مبعث مشاكل و كوارث و حروب و خراب و دمار البلاد على مدار التاريخ .

-نعيش اليوم صورة أخرى مظلمة و كابوس كنا نتمنى الا يعيدها التاريخ ، جماعة مسلحة تنتمي لذلك الحكم الامامي البغيض تجتاح العاصمة بقوة السلاح و تستحل دماء الناس و تدمر بيوتهم بحجة زيادة تعادل 5 دولار في البترول مثلما منع الامام السابق الراديو بحجة سماعة الاغاني بينما هو يدوس على كرامة الانسان و يستحل دمه و ينتهك كل المقدسات .

-اجتاحت هذه الجماعة المسلحة المدينة تلو المدينة وفي كل مدينة لها أسباب لاجتياحها ، جند مئات بل الالاف الاطفال المخدوعين بحجة محاربة الدواعش تارة و بحجة الموت لامريكا و اسرائيل تارة أخرى .

-شيدت المقابر المزخرفة و المزينة و اقطعت مئات الملايين من خزينة الدولة لرعاية شهدائها الذين قتلتهم هذه الجماعة نفسها في اعتدائها على اليمنيين و زرعت الالاف الالغام في كل مدينة قبل مغادرتها ووزعت الموت في كل مكان مرت عليه هذه الجماعة المسلحة .

-هو نظام و مشروع موت و دمار بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، لا نحتاج الى دليل ولا نحتاج الى واعظ ولا الى مزيد كلام في شرح مشروع الموت الذي رآه المينيين في طول البلاد و عرضها ، رأه هذه الجيل الذي ولد بعد ثورة الألف عام ، ثورة 26 سبتمبر 1962 و أدرك هذه الجيل ما عاناه و ما لا قاه آبآءنا و أجدادنا جراء هذا الحكم الكهنوتي البغيض و كم كانت التضحيات حتى نالو شرف التحرير .

-خلال ستة عقود مرت على ثورة سبتمبر الخالدة لم تقنتع او تحاول هذه السلالة او ما يسمى بالهاشمية السياسية أن تندمج مع الشعب ومع المجتمع اليمني كي تكون جزء منه بل ظلت على الدوام بأفعالها القبيحة و عنصريتها المقيته تثبت على الدوام أنها دخيلة و خارجه عن سياق المجتمع اليمني الأصيل .

-كيمنيين نتفق أو نختلف لكن تظل الحرية و الكرامة و المواطنة المتساوية و حرية اختيار الحاكم هي اسس نتفق عليها جميعاً باستثناء هذه الجماعة المسلحة و ما تبقى من هذه السلالة ولا خيار عن الوقوف و المواجهة – وهو ما يحصل اليوم من مقاومة لاسترداد الدولة و مؤسساتها – لهذه الجماعة حتى تخضع لإرادة اليمنيين .