إلى المُتملِّقين للرئيس هادي!
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
الخميس 28 فبراير-شباط 2013 11:03 م

التملُّق صفة مذمومة لأنها إحدى أخوات النفاق، ولأنها نوع من التذلل المذموم الذي يحُط من قدر صاحبه ويهوي به إلى مصاف العبيد، وهي بالضرورة نوع من اللؤم والخبث، إذ اللئيم وحده من يضع نفسه في مصاف العبيد، أما الكريم فنفسه تأبى الذل إلاَ في مقام الكريم سبحانه، وترفض العبودية للعبد أياً كان شأنه أو مقامه، لأنها جُبِلت على الفطرة، والمُتملِّق إنسانٌ مُواربٌ بطبعه ومُداهن يُظهرُ خلاف ما يبطن، ويَصدُق عليه قول القائل:

لا خيرَ فـي ودِّ أمرئِ مُتملِّـقٍ ** حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ

يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ ** وإذا تـوارَى عنـكَ فهـوَ العقـرَبُ

يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً ** ويَروغُ عنكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ

أما في السياسة فالأمر أشدُّ قُبجاً، إذ المتملق هنا هو ذاك الشخص الانتهازي الوصولي المتلون كالحرباء، الذي يمتهن التسبيح بحمد الحاكم مهنة يقتات منها في الحِل والترحال والغدو والآصال، مقابل حصوله على فُتاة هذا الحاكم أو ذاك، ثم إذا جار الزمان وتغيرت الأحوال رأيته أول البائعين وبأبخس الأثمان، دينُه السلطة.. ومذهبه المصلحة.. وأخلاقه المال..

يدور مع الزجاجة حيث دارت ** ويلبسُ للسياسة ألف لبسِ

فعند المسلمين يُعدُّ منهم ** ويأخذُ سَهمه من كل خُمسِ

وعند الإنجليز كذاك منهم ** وفي باريس محسوبٌ فرنسي

عندما كان الرئيس صالح يقود سفينة الوطن نحو المجهول، والعقلاء حينها يصيحون ويحذرون من حتمية غرقها إذا استمرت في السير بذات الاتجاه وبنفس الأسلوب، كان "المتملقون" حوله يصفونه بالربان الماهر والقائد الحكيم والزعيم المُلهم، الذي لن يستطيع أحد سواه إيصالها إلى بر الأمان، ولأنها كانت تتجه صوب الغرق فعلاً فقد أتت سفينة الثورة لتنقذ من على متنها، فتقاطر الناس للركوب وأبحرت "بسم الله مجراها ومرساها"، ولم يتخلف سوى ثلة من المقامرين ومعهم المتملقون والطبَّالون، الجاهزون دوماً لبيع كل شيء في سبيل مصالحهم.

وما أن شعَر المتملقون بأن ربّان سفينتهم قد أدركه الغرق وأنه هالك لا محالة، بدأ بعضهم يتلوَّنُ بألوان الثورة ويرتدي عباءتها، والبعض الآخر ظل يناور ولا يريد أن يُصدِّق ما يحدث حتى جاءت المبادرة الخليجية، ليصبح بعدها النائب هادي أول رئيس لليمن تأتيه الرئاسة طواعية وإن بشكل توافقي، بل لربما لو ذهبت لغيره في تلك اللحظة الحرجة لما عرفت اليمن استقراراً إلى اليوم، ليس لأنه الرجل القوي أو الخارق للعادة على طريقة "المتملقين"، ولكن لأنه كان - فعلاً - الوحيد المناسب للرئاسة في هذه المرحلة لاعتبارات دستورية وقانونية بالدرجة الأساس، والوحيد الذي لم يكن من خيار أمام كافة الأطراف السياسية إلاّ القبول به كحل عملي وواقعي يجنب اليمن ويلات ما حصل ولايزال يحصل في بعض دول الربيع العربي، لأن تحقيق الانتقال السلس للسلطة بطريقة سلمية وحضارية لن يتم إلاّ من خلاله بحكم منصبه كنائب للرئيس، وهو ما حصل فعلاً وشكَّل نقطة البداية للانطلاق نحو التغيير الذي هو لب مطالب ثورة الشباب السلمية.

إن نزول تلك البوسترات الكبيرة والفخمة ذات المقاسات المتعددة، التي تحمل صور الرئيس هادي في العديد من محافظات الجمهورية بمناسبة تنصيبه رئيساً لليمن، وبتلك العبارات المُنمقة والمزركشة التي تذكرنا بالعهد البائد، بل وتستفزنا كمواطنين وكثائرين، وكأننا لم نقم بثورة أصلاً وكأن شيئاً لم يكن، كل تلك المظاهر لا أراها شخصياً إلاَ في سياق تلك الهوايات الصبيانية لأناس تعودوا على التملق والنفاق في الماضي بشكل صارخ وفجّ، واليوم يحاولون إعادة إنتاج الماضي بصيغة تُوائم الحاضر، من خلال ممارسة نفس هواياتهم القديمة، وتضليلنا ببعض الرتوش التجميلية للمفردات، وأنا حقيقة أربأ برئيس منتخب بإرادة شعبية "توافقية" حرة أن يكون قد أعطى توجيهات للقيام بمثل هكذا أمور تسيىء إليه في المقام الأول والأخير، على اعتبار أنه أتى للسلطة بعد ثورة عارمة وفي أجواء الربيع العربي، وليس من الفطنة والحذق السياسي أن يقبل بمثل هكذا أشياء في مثل هكذا ظروف تمر بها البلد.

المثير للقرف أن نفس الشخوص وذات الأسماء التي كانت تكيل المديح للرئيس السابق بمناسبة وبغير مناسبة، هي من يقوم بذات الفعل في الوقت الحالي، فقط وضعت بعض المساحيق على وجوهها و"نطَّتْ" من على السفينة الغريقة إلى سفينة النجاة، وبدأت تمارس هواياتها في النفاق والدجل السياسي وتبحث لها عن أماكن شاغرة داخل مراكز وأروقة القيادة في المركب الجديد، لأنها جُبلت على قلة الحياء وانعدام الخجل، والمثير للغرابة أكثر أن من بين تلك الشخصيات التي باتت تجيد التملق والتلون ومسايرة الوضع، شخصيات سياسية وقامات اجتماعية وإعلامية مرموقة، كنَّا وما نزال نكن لها قدرا كبيرا من الاحترام، ولذلك نتوجه لها بالنصح الصادق والأخوي - بدافع الحب ليس إلاّ- أن تنأى بأنفسها عن الدخول في مواطن تُقزِّم من حجمها وتقلل من احترامها بين أوساط المجتمع، حتى وإن رأت هي عدم أهليتنا لنصحها فذاك واجبنا قطعاً، "واللي على رأسه بطحة يحسسها" والحليم بالإشارة يفهم.