التحرش الجنسي ضد الاطفال
بقلم/ نهله القدسي
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 18 يوماً
الجمعة 04 يناير-كانون الثاني 2013 10:08 م

لعل وقع كلمة التحرش الجنسي بالأطفال في مجتمعنا ثقيل جدا حتى أن البعض قد يستبعد وجودها ولكننا نؤكد أنها موجودة فعلا شئنا أم أبينا وبدلاً من دس رؤوسنا بالرمال يتوجب علينا الاعتراف بكونها واقع فرض نفسه علينا مما يستدعي منا وقفة جادة لحماية أطفالنا من ذلك الخطر الذي يهدد براءتهم . كما ينبغي علينا المشاركة الفعالة في في مواجهة قضية التحرش الجنسي بالأطفال وهذا لا يتأتى إلا بالعلم والنقاش العلني أما التستر والتكتم عليها بدعوى الخوف أو العيب فانه سوف يسهم في زيادة انتشارها الأمر الذي لن يكون إلا في مصلحة الجاني وحده , ويعتبر التحرش الجنسي من اشد أنواع العنف ضد الأطفال.

مفهوم التحرش الجنسي :

يطلق على كل إثارة يتعرض لها الطفل عن عمد وذلك بملامسة أعضائه التناسلية أو حثه على لمس أعضاء شخص أخر أو تعليمه عادات سيئة أو تعريضه للمشاهد الفاضحة أو الصور الجنسية إضافة إلى الاعتداء الجنسي المباشر في صورته الطبيعية أو الشاذة.

والطفل هنا يقصد به كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة بحسب اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة .

أسباب التحرش الجنسي :

ولمزيد من إلقاء الضوء على قضية التحرش الجنسي بالأطفال التقينا بالأخ الرائد / صالح الكمال مدير إدارة شرطة المرأة والأحداث والذي تحدث قائلاً : " ازدادت حالات الاعتداء والتحرش الجنسي على الأطفال في الآونة الأخيرة ففي خلال الفترة من شهر مارس إلى شهر مايو2008م أي خلال ثلاثة أشهر فقط بلغت جرائم التحرش الجنسي بالأطفال 13جريمة وطبعاً يظل هذا الرقم اقل من الواقع بكثير لان اغلب الناس لا يفضل الإبلاغ عن هذه الجرائم خوفاً من الفضيحة وحفاظاً على سمعة الطفل, ولا يقتصر التحرش على البنات بل إن نسبة التحرش بالذكور تفوقها , كما انه قد توجد حالات يكون المعتدي فيها حدث على حدث أخر وأتذكر هنا قضية طفل عمره لم يتجاوز الثامنة حيث اقتاده حدث أخر في عمر الخامسة عشر إلى منطقة مهجورة واعتدى عليه بطريقة بشعة و فر هارباً ولكن تم القبض عليه بعد ذلك .

ومن أسباب التحرش الجنسي بالأطفال غياب الوازع الديني وضعف الرقابة الأسرية على الطفل والرفقة السيئة والمسلسلات والبرامج التي تحض على العنف وتدعو إلى الرذيلة ,كذلك صعوبة المعيشة والتي تدفع الأطفال إلى ترك المدرسة و البحث عن عمل وبالتالي يصبح عرضة لكثير من حالات التحرش الجنسي , كما إن إحاطة موضوع الجنس بكثير من الحذر والسرية قد تدفع بعض الأطفال إلى إيجاد مصادر للحصول على معلومات تشبع فضولهم فينزلقوا إلى مطبات الانترنت وأصدقاء السوء ويتعرف على الممارسات الشاذة والأفلام الإباحية وهذا قد يؤدي به إلى محاكاة ما يرى من منطلق حب الاستطلاع والتقليد الأعمى فتصبح عادة لديه . وهناك حالات تحرش جنسي ضد أطفال وقعت لهم من أقاربهم مثل الأب أو الأخ أو العم ولكنها تظل حالات نادرة .

وانوه إلى انه يجب على الأسرة إن تبذل قصارى جهدها لحماية أبناءها من التحرش عن طريق مراقبتهم المستمرة وملاحظة أي سلوكيات غريبة قد تطرأ عليهم , كما يجب على الأسرة إن تحرص على توعيتهم بأسلوب مبسط وتحذرهم من خطورة لمس الآخرين لأجسادهم وكيفية التصرف في مثل هكذا حالات ومصارحة الوالدين عند التعرض لأي مشكلة .

وهناك بعض المؤشرات التي يمكن للوالدين من خلالها أن يعرفا إن كان طفله قد تعرض لتحرش جنسي وهي مؤشرات جسدية مثل صعوبة المشي أو الجلوس ,أمراض وأوجاع في الأعضاء التناسلية ,إفرازات أو نزيف في مجري البول ,أوجاع في الرأس أو الحوض , أما المؤشرات النفسية فهي مثل الانطواء والانعزال والانشغال بأحلام اليقظة وعدم النوم وكثرة الكوابيس وتدني المستوى التعليمي والهروب من المدرسة ,العدوانية , عدم الثقة بالنفس , القلق الدائم , و قلة التركيز .

ومن الحالات النفسية الأخرى التي تلي تعرض الطفل للتحرش الجنسي ما يعرف باضطراب الضغوط التالي للصدمة وهو اضطراب غالبا ما يظهر لدى الأفراد الذين تعرضوا لحالات شديدة من العنف الجسدي والنفسي وما تمثله من ضغوط نفسية شديدة تظهر أعراضها بشكل قلق واكتئاب واضعف الانتباه واسترجاع الصور الذهنية المتعلقة بالحادث وانخفاض مستوى النشاط والطاقة

كما أشارت كثير من الدراسات الحديثة إلى إن التعرض للتحرش الجنسي يرتبط بظهور اضطرابات نفسية في مراحل تالية من الحياة كاضطراب الوظائف الجنسية والخجل والارتباك وانخفاض مفهوم الذات وتدني مستوى تقدير الذات واضطرابات الأكل ولا سيما الشره العصبي وصعوبة الثقة بالآخرين , وأشارت دراسات في الصين إلى وجود علاقة ذات دلالة بين التعرض المبكر للتحرش الجنسي المبكر والسلوك الانتحاري ومعاقرة الخمور وارتكاب بعض الجرائم كالسرقة والاعتداءات الجسدية العنيفة على الآخرين .

و في دراسة أخرى أكدت إن الأطفال الذين تعرضوا لإساءة جنسية في مرحلة الطفولة يعانون من انخفاض مستوى التحصيل الدراسي وتدني مستوى الاختبارات المعرفية والأكاديمية واختبارات الذكاء وانخفاض مدة الاحتفاظ بالمعلومات و ارتفاع نسبة الهروب من المدرسة كما إن الأضرار قد تصل إلى حد الإصابة بالأمراض العضوية الخطرة كالايدز والتهاب الكبد الوبائي والتي يكون الجنس احد أسباب انتقالها ."

كيف نقي أطفالنا من التحرش الجنسي :

هنا نورد لكم أعزائي القراء بعض النقاط التي قد تساعد في حماية أبناءنا من التحرش الجنسي :

1- ينبغي على الأسرة مراقبة أطفالها ومعرفة أين يذهبون والتأكد من حسن سلوك أصحابهم .

2-ينبغي التأكد من نوعية علاقة الكبار بالأطفال وسلامة نيتهم مهما كانت درجة قرابتهم للطفل .

3- على الأمهات اخذ الحيطة والحذر من المنحرفين وان كانوا من أفراد العائلة .

4- العمل على إحاطة الطفل بالحب والحنان وأجواء من الألفة وإتاحة الفرصة لهم ليعبروا عما بداخلهم .

5- مراقة سلوك الخدم وعلاقتهم مع الأطفال .

6- تحذير الأطفال من الوثوق في الغرباء وعدم الذهاب إلى مكان مهجور بعيدا عن الأعين .

7- التفريق بين الأطفال أثناء النوم .

8- الحذر من ممارسة الوالدين للعلاقة الجنسية قريبا من الأطفال أو حيث يكون بمقدورهم سماع ما يدور بينهم

9- تشجيع الأطفال عل الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي وغرس قيم الفضيلة فيهم وتنمية الحس الديني لديهم .

10- مراقبة مراكز الانترنت من قبل الجميع سواء كانوا سلطات امن أو مربين أو غيرها

11- يجب تفعيل دور الإعلام بشكل اكبر ليسهم في توعية المجتمع للحد من هذه الظاهرة

12- تطوير ورفع مستوى العاملين في المؤسسات التعليمية لتقديم التوجيه والإرشاد المناسب للناشئة بشكل عام

كيف تتصرف في حالة تعرض طفلك إلى تحرش جنسي :

1- ينبغي أولاً فحص الطفل جيداً للتأكد من سلامته من الالتهابات إن وجدت ومعالجتها بأسرع وقت .

2-عرض الطفل على طبيب نفسي يقوم باسترجاع تفاصيل هذه الحادثة المؤلمة معه حتى لا تظل مختزنة بداخله وتحدث له أثار سلبية .

3-لا بد أن يتم الإبلاغ عن الجريمة لينال المجرم عقابه ولا يكرر فعلته مع أطفال آخرين.

4-يجب تجنب الاستهزاء بالطفل وإطلاق الصفات التي قد تحطم شخصيته كالضعيف أو الجبان.

5- إشغال الطفل بأنشطة مختلفة لإبعاد تفكيره عن التفكير بالحادث .

6- توفير الراحة النفسية للطفل وإشعاره بالحب أكثر من أي وقت مضى .

7- عدم إشاعة الخبر حفاظاً على مشاعر الطفل .

التحرش الجنسي في القانون اليمني :

كان لا بد من وقفة مع الأستاذ المحامي/ عبد الرحمن البذيجي والذي تحدث عن عقوبة التحرش الجنسي بالأطفال في القانون اليمني قائلاً :

" تنص المادة (2) من القانون رقم(45) لسنة 2008 بشأن حقوق الطفل على حماية الأطفال من جميع أنواع الاستغلال واعتبارها افعلاً يحرمها القانون وبين العقوبات الخاصة بمرتكبيها.

ونصت المادة رقم (117) على وجوب حماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والاقتصادي واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير المشددة لحماية الأطفال من مزاولة أي نشاط لا أخلاقي أو استخدامهم في الدعارة أو الممارسات غير المشروعة .

ونصت المادة رقم (95) على حظر ونشر وعرض أي مطبوعات أو ملصقات مرئية ا مسموعة خاصة بالطفل تخاطب غرائزه أو تزين له السلوكيات المخالفة للعقيدة الإسلامية ولقيم المجتمع و تقاليده .

كما نصت المادة رقم (159) على إن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو بغرامة قدرها مائة ألف ريال كل من خالف أحكام المادة السابقة أعلاه ,مع مصادرة تلك الملصقات والمطبوعات وإغلاق الأماكن التي تم فيها العرض لمدة تقررها المحكمة وتضاعف لعقوبة في حالة التكرار .

ونصت المادة رقم (163) مع عدم الإخلال بأي عقوبة اشد منصوص عليها في قانون أخر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن عشر سنوات كل من حرض طفلاً كان ذكراً أم أنثى على ممارسة الفجور والدعارة.

تأثير التحرش الجنسي على الأطفال :

وللحديث عن قضية التحرش الجنسي بالأطفال ومدى تأثيرها على الطفل يتحدث د . فهمي حسان أستاذ علم النفس الاكلينكي المساعد بكلية الآداب جامعة الحديدة ويقول :

" تعد مرحلة الطفولة من أهم مراحل النمو الانساتي من حيث تأثيرها في تحديد معالم الشخصية الناضجة لدى الفرد في المستقبل ووفقا لمعظم التشريعات والقوانين الدولية يعد كل فرد طفلاً إذا كان لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره و يظل بحاجة إلى الرعاية والتوجيه من قبل الكبار وفي حالة عدم توفر هذه الرعاية أو تخاذل القائمين عليها يتعرض الطفل لمشكلات عديدة .

ومن هذه المشكلات ما قد يتعرض له بعض الأطفال من إساءة جنسية من قبل الكبار وبطرق شتى كاللمس الخطر والاغتصاب و مشاهدة مواقف جنسية فاضحة في حين إن الطفل يجهل الدلالات الأخلاقية والاجتماعية لما يشاهده وفي كل الأحوال يعد تعريض الطفل لمواقف جنسية بمثابة انتهاك لحرمته ولحقوقه ولبراءة الطفولة كما يعد بمثابة إساءة نفسية وبدنية وجسمية يفترض إن ينال مرتكبها العقاب الرادع .

وقد وجد الباحثون إن الإساءة الجنسية تترك أثارا سلبية على الطفل منها قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى وتظهر هذه الآثار على هيئة علامات واعرض نفسية تختلف باختلاف شدة ونمط الإساءة الجنسية التي تعرض لها الطفل , وتؤثرفيها كثير من العوامل الأخرى منها عمر وجنس الطفل ومدى مقاومته وشدة الإصابات البدنية الناتجة عن هذه الإساءة ومدى تفهم الوالدين لطبيعة الموقف الذي تعرض له الطفل ومستوى الدعم والفهم اللذان يقدمانه إلى الطفل .

ويأتي الانطواء والانعزال عن الآخرين في مقدمة الأعراض التي تظهر في شخصية الطفل الذي تعرض للتحرش الجنسي ,و غالباً ما يكون الانطواء مغلفاً بالحزن والاكتئاب وينتج ذلك من إحساس الطفل بالعجز عن مواجهة الموقف والدفع عن نفسه إضافة إلى جهله بالأساليب المناسبة لعرض شكواه على الراشدين , فقد أشار احد الباحثين في دراسة أمريكية إلى إن الطفل يعجز في مثل هذه الحالات عن التفريق بين المصادر الآمنة والمصادر غير الآمنة أثناء البحث عن الدعم والمساندة الاجتماعية لهذه يظل الأطفال متكتمين عن هذه الإساءة لفترة طويلة مما قد يؤدى إلى استمرار تعرضهم للتحرش الجنسي بشكل مستمر دون إن يتمكنوا من الإفصاح عن ذلك بسبب العرف الاجتماعي الذي ينظر إلى الإساءة الجنسية إلى أنها وصمة اجتماعية وأخلاقية في شخصية المجني عليه قد تظل تلاحقه إلى فترات متقدمة من حياته .