آخر الاخبار
تهامه حيث للفقر لغة واحدة وللموت ألف سبب
بقلم/ نهله القدسي
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 15 يوماً
الأحد 06 يناير-كانون الثاني 2013 09:50 م

تهامة الواقعة في غرب اليمن و العامرة بأغنى أوديتها و التي تنتج لها ما نسبته 40 % من احتياجاتها الغذائية , إنها الأرض الأكثر عطاءاً و الأشد فقراً. 

الفقر , الجهل , الأمية , المرض , الأوبئة كلها أضحت مفردات لم تجد سوى تهامة مرتعا خصبا لها رغم إن تهامة اسم يرمز إلى العطاء و الخير لكنها محرومة من أدنى مقومات الحياة الكريمة لأبنائها الذين فضلوا مرارة الاغتراب والذل بحثا عن لقمة عيش في وطن آخر قد لا يمنحهم حتى تأشيرة دخول لأراضيه فيضطرون لدخوله بطرق تؤدي في كثير من الأحيان إلى مشارفتهم على الهلاك.

تهامة حيث لا يمكنك إن تفرق بين الإنسان و خيال المأته بين النهار و بين الليل فهناك كابوس شديد السواد جاثم على صدرها منذ زمن يأبى النهوض حتى غدت تهامة كعجوز ثكلى لا تقوى حتى على الصراخ.

 و نحن هنا تنقلنا بين بعض قرى تهامة لنقل لكم مواجع شتى قد تكون غيضاً من فيض.

حيــاة كالـــمــوت :

أغلب سكان قرى تهامة إن لم نقل جميعهم يعيشون تحت خط الفقر الذي صار و كأنه فرد منهم يشاطرهم منازلهم المصنوعة من الطين و القش و هذه المنازل إن صح لنا التعبير لا تتوفر بها أدنى مقومات المسكن اللائق بإنسان فحيواناتهم هي الأخرى تشاركهم المبيت في نفس المسكن إن لم يكن في نفس الغرفة و تشمل الأبقار والأغنام و الحمير والكلاب و الدواجن والقطط و جمعيها تؤدي إلى كثرة انتشار الذباب و البعوض الأمر الذي يؤدي إلى إصابتهم بمختلف الأمراض و الأوبئة لا سيما بين الأطفال و كبار السن.

ولأنهم بدون كهرباء ودرجة الحرارة شديدة فمساكنهم مكشوفة وبالتالي يتعرضون لحرارة الشمس الأمر الذي لم يكسبهم اللون الأسمر فقط بل جعلهم أكثر عرضة للأشعة فوق البنفسجية و المسببة لسرطان الجلد.

وتصوروا في مديرية السخنة نفسها وجدنا أسرة فقيرة لم تجد سوى قصر الإمام مسكناً وملاذاً لها رغم أن القصر مهجور ومليء بالأوساخ والقاذورات وقد تهدمت منه أجزاء كثيرة وتسكنه الخفافيش.

تـجــــــــرع الأمــــــــراض :

الماء النظيف من أهم مقومات الحياة لكن هنا لا يهم إن كان كذلك أو كان حتى ممزوجاً بالطين أو الديدان يكفي إن يكون لديك شربه ماء و لا تسأل من أين , إنهم يجلبون الماء من الآبار أو العيون البعيدة و يتم تخزين هذه المياه في أواني ملوثة و مكشوفة لفترات طويلة لهذا لا تسأل هنا عن وفيات مرضى الملا ريا و الكوليرا والاسهالات.

لا توجد أي مشاريع مياه في القرى هذه , يؤلمك منظر الأطفال وهم ينقلون الماء على ظهور الحمير و يذبحك منظر النساء في قرية الجرن التابعة لمديرية برع و اقسم بالله إنني كدت أبكي ألما وأنا أشاهد نساءهن وفتيانهن على حد سواء لا يمكنك التفريق بينهن فالكل شاب قبل الأوان يحملن أضعاف أوزانهن أوعية مملؤة بالماء من أسفل الوادي حتى بيوتهن في أعلى الجبل وحتى لا يتسبب هذا الحمل الشاق في سقوطهن من على المنحدرات الوعرة أو يتسبب في حدوث "هزر" لهن كما يقال بالعامية فأنهن يعمدن إلى لف قطعة أشبة بالحبل لكنها مصنوعة من القماش حول بطونهن وظهورهن بإحكام , أترون عذاب اشد من هذا سوى تجرعهم مرارة العناء ومكابدة العيش.

كما تفتقر هذه القرى إلى أدنى مقومات النظافة فالأوساخ والمخلفات الآدمية والحيوانية منتشرة في كل مكان إذن لا تستغرب انتشار وباء الدودة الحلزونية المرض الأكثر فتكا بالحيوانات هناك , ففي قرية دير تاعس بمديرية الزهرة تسبب هذا المرض في عام واحد في فقدان أحد المواطنين لأكثر من ثمانية رؤوس من المواشي ورغم إنهم فد تقدموا ببلاغ إلى الجهات المعينة إلا أنها لم تحدث ساكناً كما أكدوا لنا حينها.

ولا تستغرب إن رأيت الكثير من جثث الأبقار المتعفنة على طول الخطوط التي تربط المديريات فذلك حتما يعود إلى الأوبئة الغامضة التي تسكن تهامه. 

قرى متناثرة ولا يوجد بها وحده صحية أو مركز صحي على الأقل وأقرب مرفق صحي يبعد عنها مسافة كبيره قد تكون هي نهاية الحياة لذوي الحالات الحرجة بالذات النساء الحوامل , وفي بعض القرى التي توجد بها مركز صحي نجد انه لا تتوفر فيه اغلب الشروط الصحية كالتجهيزات والمعدات وحتى الكادر الطبي المتخصص.

جــــــــيل أمـــــــــيُ :

لن نكون بمنأى عن الحقيقة إذا قلنا نسبه ألاميه بين سكان تهامه تصل إلى أكثر من 80% وهي نسبه قابله للزيادة في ظل أميه متوارثة جيلاً بعد جيل وفي ظل فقر شديد لا يبقي ولا يذر , فالمدارس معدومة في هذه القرى وان وجدت فهي تبعد عنهم كثيراً الأمر الذي يؤدي إلى عزوف الطلاب عن الالتحاق بها ولجوؤهم إلى العمل في سن مبكرة .

وان وجدت في بعض القرى مدرسه قريبه فهي لا تسمى مدرسه إلا مجازاً فعلى سبيل المثال في قرية السبع العليا بمديريه حيس لديهم مدرسة من القش يملؤها التراب يعود الطالب منها وقد اكتسى به من رأسه حتى قدميه.

وفي قرية دير المضيع التابع لمديرية الزهرة كان الوضع أسوأ حيث إنهم يدرسون تحت الأشجار أو بجوار المسجد.

وفي قرية المدافن التابعة لمديريه باجل بحثنا ً عن أي شخص يجيد القراءة فلم نجد , كلهم أميون اسر بأكملها عاشت في أميه وجهل تورثه لمن بعدها, منظر الأطفال الصغار وهم يحلمون بالمدرسة ويقولون لنا نتمنى أن ندرس يشعرك هذا المنظر بالانكسار والتقزم ماذا ترد عليهم وأي كلمات تبرر لهؤلاء الأبرياء وأد أحلامهم البسيطة.

وفي قرية الشقفه التابعة لمديريه المغلاف كان الوضع أفضل حالاً حيث توفرت لهم مدرسه نستطيع أن القول عنها مناسبة من حيث الشكل والبناء إلا أنها تفتقر إلى وجود المدرسين فيها فعددها قليل جداً وأغلبهم لا يداوم على الحضور.

 وفي قرية الجرن بمديريه برع شكي لنا الطلاب من فرض مبلغ ألف ريال مقابل استلامهم لأرقام الجلوس للشهادة الأساسية.

ضمــــان بـــلا ضمـــــــــان :

اذا عجزت الدولة عن توفير الخدمات الأساسية لهذه القرى فحرى بها أن تضمهم تحت مظلة الضمان الاجتماعي كونهم الأكثر فقراً وحرمانا.

 في كثير من القرى أفادوا بأنهم مسجلون منذ سنوات لكنهم لم يتسلموا ريالاً واحداً حتى الآن وفي قرى أخرى قالوا بحسرة أنها تذهب إلى جيوب شيوخ القبيلة وعقال القرى

وأكد لي احدهم إن شيخاً من قريتهم عضو مجلس النواب قام بتسجيل أقاربه في الضمان وتناسى أهل قرية البؤساء.

خـتـــامـــــــــاً :

يا مسئولي الدوله ، يا فضائيات , يا وسائل الإعلام , يا منظمات حقوقيه تلك هي تهامه ، فماذا انتم فاعلون من اجلها ؟

هي لا تريد منكم الكثير فقط كل ما تحلم به مشروع مياه نظيفة يريح أطفالهم ونسائهم من رحلاتهم المكوكية إلى الآبار البعيدة , ومدرسة تبعد عن أطفالهم شبح ألاميه والجهل, ومرفق صحي مجهز بما يلزم على الأقل لإسعاف الحالات الطارئة والتي قد لا تحتمل مشقه الانتظار والسفر إلى مشافي بعيده.

تهامه التي قال لنا احد سكانها " نحن في هذه القرية لم يتغير بنا الحال منذ عصور ما قبل الثورة إلى الآن نسمع كلمات كثيرة كمشاريع ومنجزات الثورة والوحدة لكنا لا نعرف معناها ولم نلمس لها أثراً هنا ".

تهامه حيث للشيخ سطوه ونفوذ لا يقوي أي مواطن على التمرد أو العصيان وإلا فالسجون الخاصة بانتظاره.

تهامه تنزف في صمت لتبقى أسئلة حائرة في انتظار من يجيب عنها فهل ستنتظر كثيراً؟

لكن ها هي تهامة وقد بدأت فيها مؤخراً دعوات باسم الحراك التهامي تدعوا لرفض الظلم والتهميش والإقصاء عن الوظائف والامتيازات وتطالب بضرورة إشراكهم في مؤتمر الحوار كبقية التكتلات التي لجأت للعنف لإبراز قضيتهم أم تهامه فكانت ولا تزال وستظل مطالبتها سلمية كما هو حال أبنائها المسالمين.

فهل ستحقق تهامه ما تحلم به أم ستظل في طي النسيان الى ما شاء الله .

 هذا ما ستعلن عنه الأيام القادمة فحتى ذلك الحين .. لك الله يا تهامه .