تنظيف الإحساس بالمواطنة
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 8 أيام
الخميس 13 ديسمبر-كانون الأول 2012 06:10 م

كنت أنوي أن أعقد مقارنة بين إخوان مصر وإخوان اليمن في مقالي هذا الخميس ، غير أن إحساس المشاركة والتضامن في حملة نظافة العاصمة قفز إلى الواجهة ، ووجدت نفسي مجبراً على تغيير المقال صباح أمس الأربعاء مع المنظر الاستثنائي الجميل للشباب والشابات والصغار والكبار والنساء والرجال وهم يلمعون مدينتهم ويزيلون الغبار عن إحساس المواطنة في نفوسهم ، وقيم المشاركة والتضامن والتآزر التي ذوت وأصابها الضمور طوال السنوات العجاف لعهد صالح ونظامه.

هذه الروح العامة التي تفاعلت وشاركت ليست مجرد حملة نظافة لشوارع العاصمة ، بل أكثر من ذلك ، لأنها تعيد بناء الأمل وإحياء قيم خلاقة توارت طويلاً خلف مرحلة الكذب والنهب واللامبالاة إزاء كل ماهو عام وجمعي. 

ولا يقوم أي مجتمع دون هذه القيم وأولها التضامن والمشاركة والتلاحم والتعاون المجتمعي وهي مبادئ سامية تتجاوز موضوع النظافة في الشوارع إلى التآزر مع الحق ونصرة المظلوم والتكاتف لبناء الفضاء المجتمعي على قيم العدالة والأخوة والتعايش وترسيخ احترام النظام والحقوق والحريات.. وغيرها من القيم والمبادئ التي غابت عن حياتنا تحت وقع الخراب الكبير الذي طال الدولة والمجتمع والنفوس والأفراد ، وتتجلى مظاهره من القمامة في الشوارع والفوضى عند إشارات المرور إلى الغش في المقاولات والطرقات ونهب الأراضي وغلبة المتنفذين والأقوياء على الضعفاء وعلى الدولة والمجتمع عموماً الذي دهس تحت عجلات النفوس المستذئبة والجشعة التي لا تشبع إلا من التراب. 

المشاركة الواسعة التي شاهدناها أمس من سكان العاصمة في تنظيف الشوارع والحارات والأزقة تعيد لنا الأمل أن هذه مدينتنا بالفعل وليست «مدينتهم» ، وأن اليمن يمننا وليس «يمنهم» بحسب التوصيف الذي يطلق في قرانا على بلستنا و«بلستهم» والمقصود بهم الجن ، وهنا اليمنيون من ماركة علي صالح التي راجت في الأسواق طوال ثلاثة عقود.

هذه الانتفاضة الحضارية تنظف إحساسنا بالمواطنة ، وتقول لنا إن اليمنيين ليسوا مجرد أدوات ، وليسوا طارئين على بلدهم ومدنهم ، وهـذا الأمل الجديد يخلق تطلعاً لدى المجتمع للمشاركة في كل القضايا والمهام المرتبطة بالمصلحة العامة كمجتمع متلاحم وليس كأفراد منعزلين عن بعض ومقطعة أواصر الأخوة بينهم.

لقد استشرست سياسة التجزئة في المجتمع حتى وجد الناس أنفسهم في نهاية المطاف ليس فقط مقطعين اشطاراً وطوائف وقبائل ومناطق ومذاهب ، بل إنهم كأفراد تحولوا إلى جزر منعزلة عن بعض وليسوا أفراداً متعاضدين يضمهم فضاء مجتمعي واحد.

وفي هذه الصحراء الموحشة التي سادت حياتنا طوال المرحلة الانفلاشية كانت الفئات المستفيدة من المتنفذين والعوائل والمشايخ والضباط المتغولين والمحتكرين للسلطة والثروة ، كان هؤلاء يدمرون كل ماهو فضاء عام ويقيمون بدلاً عنه مجتمعهم الخاص في قصورهم، بعيداً عن الفضاء المجتمعي العام الذي أقفروه وأفقروه وعمموا عليه الخراب الكبير .

كانوا يقصقصون الحدائق والمتنفسات العامة التي رسمها الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي ويقتطعونها لأنفسهم أو يبيعونها ، فيما يقيمون حدائقهم الخاصة ومسابحهم الخاصة وملاعبهم الخاصة وعالمهم الخاص في قصورهم الفخمة، مقيمين الحواجز بينهم وبين مجتمعهم الذي جففوه وشعبهم الذي أفقروه !!

نهبوا كل الأراضي العامة وجزءاً كبيراً من الخاصة.

 ضاعفوا الأسوار في قصورهم والوزارات والمؤسسات العامة وكأنهم عصابات تعيش في غابة تخشى على سكينتها من غضب المجتمع الذي تم إفقاره على جميع المستويات ؛ مادياً وثقافياً وحضارياً وقيمياً .

شكرًا لرجل الدولة الفائض بالحيوية والمسؤولية عبدالقادر هلال الذي يثبت دوماً أنه ابن الشعب ويحرك البرك الراكدة أينما حلْ.

وبانتظار مبادرات مجتمعية تمس حياة الناس في قضايا احترام القانون وتحقيق العدالة وإقامة أسس العلاقات المجتمعية على التضامن والتعاضد والتآزر والتعاون والتعايش ونصرة المظلوم.