إيران... عامل مضاعف لهموم أمة الإسلام
بقلم/ احمد الظرافي
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 28 يوماً
الجمعة 25 مايو 2007 06:44 ص

مأرب برس ـ خاص

تتعرض الشعوب الإسلامية في الوقت الحاضر لأشرس وأعنف الحروب والحملات الصليبية الصهيونية الحاقدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تستهدف إذلال أمّة الإسلام وتدمير بنيتها وكل مقومات وجودها وتحطيم معنوياتها الذاتية واستنزاف مواردها وثرواتها الاقتصادية وتسخيرها لخدمة مصالحها ومصالح أبنتها المدللة ( إسرائيل ) وما احتلال أفغانستان عام 2001 وما احتلال العراق عام 2003 وباستخدام تلك الأسلحة الفتاكة المفرطة في التدمير والمحرمة دوليا وعلى ذلك النحو الهمجي الوحشي إلا في إطار تلك الحرب العدوانية المنظمة والتي جرى التخطيط لها مسبقا في أروقة الموساد الإسرائيلي والبنتاجون الأمريكي، وهانحن اليوم – وبعد أن تحقق لهم إخ ضاع ليبيا وتمزيق السودان وترويض العديد من الأنظمة العربية بدون قتال وانغماس البعض الآخر في العمالة بصورة سافرة – هانحن نتابع الحملة الإعلامية والسياسية الصهيوغربية المسعورة ضد سوريا والتي تبدو في جوهرها وكأنها تكرار لنفس المسلسل الذي جرّب في العراق لاسيما بعد تسييس وتدويل قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي يتهم النظام السوري بأنه يقف وراءها. وهناك مشاريع اقتصادية وسياسية وثقافية وعسكرية كثيرة للمنطقة جرى الإفصاح عنها من قبل تجار الحروب والساسة الامبرياليين الصهيو أمريكيين والعمل جار حاليا وعلى قدم وساق لتنفيذها ولم يحد منها سوى المقاومة العراقية الباسلة التي أجهضت المشروع الأمريكي في العراق. 

إن كل هذا حدث ويحدث على مرأى ومسمع من الشعوب العربية والإسلامية والتي تدرك أنها جميعا هي المستهدفة من وراء تلك الحملات الإجرامية والعدوانية الظالمة، وهذا المخطط الجهنمي اللعين– وليس فقط شعبا عربيا أو مسلما بعينه - ولكن ما لعمل ؟ وما عسى أن تفعل هذه الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها والتي تحالف حكامها مع أعدائها عليها ؟ إن الشرفاء من أبناء الأمة الإسلامية يراقبون تلك الأحداث العاصفة بأمة الإسلام وذلك المشهد الدموي المريع بقلوبٍ مكلومة ونفوسٍ محطمة وأعينٍ تذرف الدم بدلا عن الدموع . وأي شيء أقسى على المسلم من أن يرى إخوانه وهم يتعرضون لحروب الإبادات الجماعية جهارا نهارا وهو ممنوع من نصرتهم ؟ وأي شيء أفدح وأشد مرارة على هذا المسلم من أن يرى أراضي المسلمين تسلب وأعراضهم تستباح ومقدراتهم تغتصب ومقدساتهم تنتهك ودمائهم تسيل سجاما وهو محرم عليه إغاثتهم أو إسعافهم أو تقديم أي نوع من أنوع المعونة أو المساعدة لهم؟ الموت أهون من هذا بالنسبة للمسلم الحر الغيور على دينه. 

يا ألهى! كم هم مساكين شرفاء هذه الأمة ؟ إن حجم معاناتهم لا تقل عن حجم معانات إخوانهم القابعين في لهيب النار وفي جحيم الاحتلال الهمجي الغاشم سواء في فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو غيرها من بلاد المسلمين. إن الغيارى من أولئك قد يجدون متنفسا لهم في مقاومة المحتلين الجاثمين فوق صدورهم ولو حتى بتفجير أنفسهم بين حشودهم البغيضة أو مواجهة دباباتهم بصدورهم العارية، وهذا هو ما يحدث بالفعل على أرض الواقع وهم بذلك قد كبدوا ويكبدون المحتلين خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، بيد أن تلك الأرواح البريئة والدماء الزكية لن تذهب سدى فهي رسالة للمحتلين الغاصبين ليعرفوا أن شباب أمّة الإسلام لا ينامون على الضيم ولا يركعون إلا لله وأن الشهادة في سبيل الله غاية كل منهم، وهي غاية ثمينة لا تتأتى لغيرهم للأسف الشديد وبعبارة أخرى فإن فرصة المشاركة في هذا الشرف العظيم غير متاحة للشرفاء من أبناء هذه الأمة فما أكثر الحواجز في طريقهم وما أصعب المراحل أمامهم ليبلغوا ذلك. بل حتى تقديم اقل القليل من ذلك أصبح متعذرا عليهم. فمجرد تعبير هؤلاء عن رفضهم للظلم والاحتلال من خلال التظاهر صار محرما وجناية خطيرة وربما اتهم هؤلاء بالإرهاب وهي تهمة جاهزة يوصف بها كل حر شريف مناهض للاحتلال وإرهاب الدولة المنظم وهي أيضا تهمة يتعرض المشتبه بها لأقسى عقوبات أنظمة حكام العرب والمسلمين الموالين للغرب والمتحالفين معهم ضد إخوانهم وضد شعوبهم بل وضد أنفسهم – لو كانوا يفقهون –. 

وعلى ذلك فإن ما هو متاح أمام شرفاء هذه الأمة ليس أكثر من مراقبة المشهد والتذرع بالصبر. ولله ما أصعب الصبر وما أقساه في هذه المرحلة الحرجة وفي ظل هذا الواقع المرير. ومع ذلك فهاهم شرفاء هذه الأمة لا يزالوا صابرين محتسبين وهم لمّا يفقدوا الأمل بعد. بل إن كل واحد منهم يتجمع في مكانه كالأسد منتظرا لحظة الوثوب وهم جميعا يتطلعون بلهفة وبقلق بالغ هنا وهناك ويقفون على أحر من الجمر منتظرين ليوم الفرج يلهجون بالدعاء إلى الله رب العالمين أن يبعث إليهم خالد بن الوليد الجديد أو صلاح الدين الجديد أو السلطان قطز الجديد أو محمد الفاتح الجديد أو.. أو الجديد الذي يحطم قيود العزلة المفروضة عليهم ويكسر طوق الحصار الحديدي الذي يفصل بينهم وبين بعضهم ويلم شعثهم ويوحد كلمتهم وينطلق بهم لجهاد أعداء الله وأعدائهم تحت راية " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وبالتالي يفتح أمامهم آفاق التضحية والفداء وليتنصروا لربهم ولدينهم ولأنفسهم من أولئك الغزاة المجرمين مصاصي دماء الشعوب ومنتهكي حقوق الإنسانية والذين لقيت منهم أمة الإسلام وعلى مدى خمسة قرون من الزمان - ولازالت تلقى- من المذلة والهوان ومن الويل والثبور وعظائم الأمور ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.  

وفي سبيل ذلك وفي ظل هذا الواقع المؤلم لا أتردد في القول في أن الشعوب الإسلامية مستعدة لتسيلم قيادها لأي قائد مسلم شجاع محنك يسعى بها نحو هذا الهدف المأمول الذي طال انتظاره حتى ولو كان محمود أحمدي نجاد رئيس جمهورية إيران الحالي. ولم لا؟ لم لا ؟ وتلك أنظمة الدول الإسلامية الرئيسية الأخرى والتي كان يفترض بها أن تتصدى لقيادة الأمة في هذا الوقت الحرج قد تخلت عن هذا الدور القيادي ؟ 

 لم لا ؟ وهاهي تركيا الدولة الإسلامية التي قادت العالم الإسلامي ورفعت راية الجهاد ضد حملات الاستعمار الامبريالي الغربي لأكثر من أربعة قرون قد تخلت طواعية وبدون أي ثمن عن هذا الدور وأسقطت الراية وأنهت الخلافة التي كانت مظلة ينضوي تحتها المسلمون وتركت هؤلاء المسلمين أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام ومنذ ذلك الحين وهي واقفة موقف المتسول مطأطئة الرأس باهتة الجبين ومدلية الكف على أبواب الإتحاد الأوروبي مناشدة إياه أن يعطف عليها ويقبلها عضوا فيه وما هو بفاعل حتى ولو انسلخت عن جلدتها وتخلت عن عقيدتها وأصولها – وهو ما فعلته وتفعله في الواقع – وهي في نفس الوقت قد ربطت نفسها ومصيرها بالأمريكان والصهاينة المتطرفين وأصبحت الحليف الاستراتجي لهم ورأس حربتهم لتنفيذ مخططاتهم العدوانية ضد المسلمين في أفغانستان وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. 

لم لا؟ وهاهي مصر أم العرب وأرض الكنانة والنيل والأزهر الشريف، مصر منارة العلم وصاحبة التاريخ العريق والمجد التليد، مصر التي تمتلك خير أجناد الأرض، الذي قهر الغزاة من فرنجة صليبين وتتار متوحشين ، بطل معركة المنصورة وعين جالوت وملحمة السويس، وبطل أشهر قصة عبور في تاريخ الحروب الحديثة ، وهي عبور خط بارليف، بتلك الصورة التي أدهشت العالم، وذلك في حرب عام 1973 التي دك فيها قواعد بني صهيون، وقهر جيشهم الذي قيل أنه لا يقهر، أقول هاهي مصر – وأقصد النظام بطبيعة الحال - وبعد كل ما قدمه الشعب المصري من تضحيات جسيمة دفاعا عن الإسلام والعرب وبعد الكفاح الطويل مع الاستعمار وضد القواعد الأجنبية تتناسى دورها الحيوي وتتحول – يا للعار- إلى حارس لأمن إسرائيل وإلى شرطي مرور مختص بتأمين قناة السويس لعبور ناقلات النفط الأمريكية العملاقة التي تنهب النفط من الخليج ومن بلاد الرافدين وأيضا لعبور أساطيلهم البحرية كي تصل إلى أقرب مدى يمكنها من ضرب بلاد العرب والمسلمين الخارجة عن بيت طاعتها كما حدث مع العراق في عام 1991 وعام 2003 وكما حدث مع أفغانستان عام 2001 وكما حدث ويحدث مع الدول العربية أو الإسلامية الأخرى كل ذلك مقابل حفنة حقيرة من الدولارات الملطخة بدم الشعوب. 

لم لا؟ وهاهي المملكة العربية السعودية - أرض الحرمين الشريفين ومهبط الوحي والرسالة ومهد ومنشأ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقبلة المسلمين ومركزهم الروحي والديني - هاهي تسخر كل مواردها النفطية والمالية الهائلة ونفوذها الروحي والمعنوي لخدمة الاقتصاد الأمريكي والمصالح الأمريكية ولكل ما من شأنه تعزيز الوجود الأجنبي في أرض العراق والخليج ويأتي هذا متزامنا مع ما يقوم به بعض أعضاء الأسرة الحاكمة وبصورة شبه رسمية من رفع لراية الفساد والأفساد في الأرض من خلال دعم وإنشاء القنوات الفضائية المتخصصة في الخلاعة والمياعة والداعية إلى الانحراف والفجور ونشر القيم الفاسدة المدمرة للأخلاق والخادشة للحياء العام مثل قناة روتانا وغيرها من القنوات الماجنة وذلك جنبا إلى جنب مع القنوات الفضائية الإخبارية التي تتبنى الخطاب العام الأمريكي المعادي للعرب والمسلمين والمثير للنعرات الطائفية والقومية وبصورة سافرة مستفزة للشعور العربي والإسلامي . 

بعد كل هذا إخوة الإسلام أفلا يكون من حق إيران أن تتصدى لقيادة العالم الإسلامي؟ أليس من حقها أن تسد الفراغ وأن تضع حدا لهذا التشرذم والتمزق الذي يعيشه العرب والمسلمون؟ 

إن إيران - من الناحية النظرية على الأقل- دولة إسلامية بل إنها صاحبة أشهر ثورة إسلامية في الربع الأخير من القرن العشرين - وهي الدولة الوحيدة التي تقوم صراحة على أساس نظام الإسلام كما تدعي أو تزعم على الأقل– وهي تستند على الدين في قوانينها ونظمها وتشريعاتها وتتخذ من هذا الدين شعارا ومنهجا لها في توجهاتها وفي خطابها الإعلامي، كما أن إيران دولة كبيرة الحجم والمساحة ( أكثر من 1.6 مليون كم مربع ) وذات كثافة سكانية كبيرة نسبيا ( حوالي ثمانين مليون نسمة ) وهي دولة غنية ولديها إمكانات نفطية واقتصادية هائلة ولديها أيضا جيش ضخم مدرب سبق له أن خاض حربا من أشرس الحروب استمرت زهاء ثماني سنوات مع العراق، لديها الحرس الثوري الذي لايقل تنظيما وعددا عن الجيش، علما بأن كل منهما يمتلك مختلف الأسلحة الحديثة والمتطورة – والذي تتولى صناعة بعضه إيران نفسها لحسن الحظ – وهو ما يؤهلها لمواجهة أقوى جيوش العالم فضلا عن الردع والمناورة وقبل ذلك وبعد ذلك لدى إيران الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يمكنها من أن تلعب أخطر الأدوار سواء في الحاضر أوفي المستقبل كما كانت في الماضي، وهي دولة ذات سيادة كاملة فليس على أراضيها أية قواعد أو جيوش أجنبية وليس في مياهها الإقليمية أية أساطيل غربية تقيد من نشاطها وتحد من تحركاتها كما لا ينقصها التاريخ والمقومات الحضارية كي تلعب هذا الدور. ومعنى كل ذلك أن إيران مؤهلة كل التأهيل ومن مختلف الوجوه لقيادة الأمة الإسلامية؟وذلك من حقها ألم يفعل الأتراك العثمانيين ذلك من قبل ؟ ألم يفعله المماليك الشراكسة ؟ ألم يفعله الأكراد ؟ ألم يفعله العرب ؟

قد يسرع البعض بالقول أن الزمان قد تغير وأن ما كان ممكنا بالأمس لم يعد ممكنا اليوم ثم أن حكام العرب والمسلمين سوف لا يقبلون بهذا وسوف يسارعون بالتكتل وإعلان الحرب ضدها – مستعينين بحلفائهم الأمريكان والصهاينة – ليتغدوا بها قبل أن تتعشى هي بهم وسيفعلون ويفعلون وهذا كله صحيح وتجارب الماضي القريب خير شاهد على ذلك. ولكن ليست هذه في الواقع هي المشكلة ، المشكلة أعقد وأكثر عمقا من ذلك ، المشكلة متعلقة بإيران نفسها عقيدة ونظاما قبل كل شيء وليس بتلك الأنظمة الرجعية المتخلفة الموظفة لخدمة الأعداء والسائرة في فلكهم عكس إرادة شعوبها. وعلى ذلك لن يكون السؤل: هل ستقبل الأنظمة الإسلامية بلعب إيران لهذا الدور في قيادة الأمة؟ فهي حتما لن تقبل وهذا شيء مفروغ منه ولا داعي اللجدال حوله وأرى أن يكون السؤال هو: هل ستقبل إيران بذلك ابتداء؟ أي هل هي مستعدة مع توافر المقومات والفرصة المتاحة والرضا الشعبي أن تتصدى لقيادة الأمة ألإسلامية وترفع راية الجهاد ضد الغزاة كما رفعها الأتراك العثمانيون في القرون الأخيرة وكما رفعها غيرهم قبلهم؟ هذا هو السؤال الهام من وجهة نظري؟ 

والجواب: طبعا لا ؟ إن إيران لا يمكن أن تقوم بأي دور توحيدي ولا من أي نوع بحيث يحقق مصالح الإسلام العليا ومصالح الأمة ككل فهذا هو آخر شيء يمكن أن يعوله المسلمون على إيران. فهموم أمة الإسلام في واد وهموم إيران في واد آخر بل لا أكون مغاليا إن قلت إن إيران هي نفسها عامل مضاعف لهموم أمة الإسلام ولعدم الاستقرار في المنطقة.

إنني في هذا التحليل لا أنطلق من زاوية عدائية لإيران - حاشا لله- فأنا عندما أرى مواقف إيران المتحدي لأمريكا فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني أرفع رأسي عاليا واشعر بالفخر كما هو شعور إخواني المسلمين ولكنني أعود فأرى مواقف إيران المخزية في العراق وأفغانستان فأشعر بالأسى والأسف. إن إيران في موقفها وفي علاقاتها مع الشعوب الإسلامية وخاصة العربية منها لا تنظر إلى الحاضر ولا تفكر في المستقبل وإنما تنظر إلى الماضي وإلى الماضي فقط ، ولديها حسابات عديدة تسعى لتصفيها معها – ومع العرب بالتحديد - وأما ما يتعلق بالمستقبل فلديها مشاريعها الخاصة به ، وهذه هي مأساة إيران وبسبب هذه النظرة ستظل إيران متقوقعة على نفسها ولن تستطيع كسب ود الغالبية العظمى من المسلمين . وهي مهما فعلت فستخسر في نهاية المطاف .

أحمد الظرافي – صنعاء