عن الجندي الأمريكي الذي قتل في جامع ريده
بقلم/ عمرو محمد الرياشي
نشر منذ: 12 سنة و شهر و 28 يوماً
الثلاثاء 25 سبتمبر-أيلول 2012 07:11 م

أتم الله عز و جل دين الإسلام بأن بعث خاتم الأنبياء والرسل سيد الخلق محمد صلى الله عليه واله وسلم مبشرا بهذا الدين ليخلص الثقلين الإنس والجن من التشوهات والانحرافات التي أُحدثت في الديانات السماواية السابقة ويحظى الجميع بسبل السعادة والنجاة في هذه الحياة .

فلا يوجد مسلم على ظهر المعمورة إلا وقد سمع عن حجة الوداع تلك الحجة التي اعلن فيها رسول الأمة محمد صلى الله عليه وسلم خطبة سياسية اجتماعية شملت واحتوت مسائل جوهرية في غاية الأهمية كانت بمثابة وصايا أخيرة لأمته من اجل استمرار رسالة البناء بعده وترسيخ دعائمها .

لم تكن تلك الخطبة المصيرية الا تحذيرا من سيدنا خير الخلق قبل وفاته بـ 81 يوما احساساً ويقينا منه بأن أمته ستغرق في كثير من الفتن ويسعى أعدائها الى تفرقيهم والنيل منهم .

وصية استمع فيها الآلاف من الصحابة فنقل كل منهم ما سمعه ووعاه وجاءتنا بمختلف المصادر في كتب الحديث والسيرة والتاريخ عمل بها صحابته الأخيار واله الأطهار فرفعوا شأن الأمة بعد وفاة سيد الخلق وحملوا راية الإسلام إلى أقاصي بقاع الأرض .

ولكن بعد أكثر من الف واربعمائة سنة نطرح ونتساءل أين نحن الآن من كلام رسول الله ومن وصاياه التي كانت أشبه ببيان سياسي لكل المسلمين محذرا من موقف الفتنة التي ستطال المسلمين بعد رحيله وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يعلم حينها اننا سنواجه الفتن ونغرق في ظلمات بحرها .

في تلك الخطبة العظيمة يقول صلى الله عليه وسلم ( ... أما بعد، أيها الناس، اسمعوا مني أُبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس، إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام -إلى أن تلقوا ربكم- كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت اللهم اشهد...) .

(...أيها الناس إنَّما المؤمنون إخوة فلا يحل لمرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسه، ألا هل بلغت، اللهم اشهد. فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم أعناق بعض، فإنِّي قد تركت ما إن أخذتم به لم تضلوا: كتاب الله، ألا هل بلغت، اللهم اشهد. أيها الناس: إنَّ ربكم واحد، وإنَّ أباكم واحد، كُلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجميٍّ فضل إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم؛ قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب.)

لم يبدأ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- خطبته بتذكير الناس أنَّ دماءهم وأموالهم وأعراضهم عليهم حرام ألا وهو ينفذ من خلال هذا الخطاب بقراءة مستقبلية ليُشير إلى الفتن التي أعقبت وفاته ولا تزال يقظة بين أظهرنا ونعيش في أوساطها الآن .

فقبل أيام قليلة قتل احد أئمة المساجد في ريدة بعمران وكأنه (جندي مارينز امريكي) دون سبب حقيقي يذكر فقط سوى الانتماء المذهبي و الحمى الدينية التي تستعر ويغلبها نكهة سياسية لبعض الأحزاب والجماعات المتمردة التي اتخذت الأيدلوجية الدينية الاقصائية ستارا لتغطية مصالحها وتمرير كثير من جرائمها .

الدم الذي يسال اليوم هو دم يمني والأرواح التي تزهق هي ارواح يمنية ومهما كان الخلاف والنكاف بين الأخوة في الدين لا ينبغي ان نجعل اراقة الدماء وسيلة لفرض الفكرة وتنفيذ الأجندة التي أصبحنا كيمنيين جميعا مجرد استمارة يتم تعبئتها لمرور القوى الأجنبية والإقليمية الى بلادنا اليمن لعمل ما ينفعها وما يفسد حال شعبها وهذا هو الحال القائم في اليمن مع الأسف .

أنصار شعار الصرخة من الحوثيين أصبحت صرخاتهم عطسات حوت شعارات وعبارات يزداد انحرافها يوما بعد يوم لتتحول في نهاية كل جمله (وعملائهم) وهذا هو حقيقة الشعار العملية الآن.

(الموت لأمريكا وعملائها وهكذا ... ) فلم يقتل جندي أمريكي في اليمن فوجدنا المخلص قولا وعملا كلمة(عملاء) وهذه المعادلة المطبقة عمليا في المشهد السياسي والاجتماعي فالحل السحري بإضافة (عملائهم) فقط مجرد البحث عن متهم يخالف الرأي والتوجه فتلصق تهمة العمالة ولا أفضل من عمالة اليمنيين وهو النهج المعمول به من قبل الحوثيين .

ما نراه من القتل والعدوان كوَن سياسة ومسيرة ومنهج للوصول الى غاية تضليلية فأصبحت ساطعة جليه فالإعتداء على الآخرين وتشريدهم وقتلهم ومصادرة ممتلكاتهم وتدمر بيوت الله وقتل أئمة المساجد وفي نهاية المطاف يتم الإدعاء بالمظلومية فلا يقبل هذا منطقا ولا عقلا ان يتساوى الجلاد والضحية .

فمثلما أن يصبح تواجد أمريكا في اليمن شيطانا ويكون هذا التواجد في العراق قوات تحرير وفي أفغانستان قوات التحالف امر لا يستوي ايضا كون ان المصدر المشرع للفكرة مصدره من إيران فكان يرفع شعار (امريكا الشيطان الأكبر ) لكن هذا النظام تجاهل هذا الشعار ولم يتأخر في مد العون لهذا الشيطان الأكبر لاحتلال العراق والعبور الى افغانستان !!

وهنا في اليمن ايضا الغاية تبرر الوسيلة فتحقيق المصالح والمكاسب له الأولوية القصوى ولو كان على حساب قتل وسفك دماء اليمنيين واباحة قتلهم بحجة انهم عملاء لأمريكا وإسرائيل وما اسهل رمي التهم الجزاف في زمن أصبح الحرام فيه مباح .

حتى وصل التدليس ليصبح شعار ( الصرخة ) يطلق ضد الكفار ليقتل به المسلمين وكأنهم مارينز امريكي, وتحول الى مبرر قائم وداعم لقتل اليمنيين وتخوينهم وشحنهم مذهبيا ضد بعضهم البعض.

بكلمات بسيطة الى من أخذتهم الحمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب عليهم ان يثوروا على أنفسهم كونهم لم يطبقوا وصية خاتم النبيين ولم يلتزموا بالحد الأدنى من تعالميه . فمن اخذتهم الحمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عليهم لزاما ان يثوروا على عرض الرسول وزوجاته ضد من ينتهك حرماتهن على المنابر .

لكن حقيقة الأمر وواقعه لم يتطاول الآخرون على الدين وحامل هذا الدين الا وهم يعلمون ضعفنا وهزلنا الذي نعاني منه بسبب اعمالنا وفشلنا في توصيل رسالة خاتم الانبياء كما فعله الجيل الأول من طلاب مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم من الأصحاب وال بيته رضي الله عنهم جميعا .

تلك الصرخة المادة الإعلانية والإعلامية المخدرة لعقول الكثيرين لترويج شعار يراد له ان يستمر ليهدر من خلاله الدماء وتزهق الأنفس فالغضب الغضب والحمية الحمية لاوامر خاتم النبيين من تحريمه لسفك دماء المسلمين النازفة اليوم لكنَّ هناك من تخاذل وارتضى و رضي ما يجلب الهوان والذلة على مسيرة ومصير المسلمين .

ختاما... يجب على الجميع مراجعة الذات وإعادة النظر في التمسك بوصايا وتحذيرات سيد الخلق وخاتم النبيين وايضا الحذر من تزايد احتمال الحوادث التي ستحصل وتتزامن مع شهر سبتمبر و اقتراب موعد الحوار الوطني المقرر هذا الخريف ، في إطار الاتفاق السياسي الذي أدى الى خلع علي صالح من حكم اليمن ومحاولاته المستميتة في خلق اقتتال وإرباك قد يصل الى العاصمة صنعاء من اجل تعطيل مسار العمل السياسي بشتى الطرق ومختلف الوسائل لينتقل الحوار السياسي الى حوار مسلح يجد الرئيس المخلوع مكانا له من خلال إشاعة الفوضى والصراع المحتمل حدوثه.