أقلام في قفص الاتهام
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و يوم واحد
الأربعاء 21 مارس - آذار 2007 05:04 م

مأرب برس - خاص

من أعظم الأمانات وأكبر المسؤوليات ، أمانة الكلمة ومسؤولية القلم ، غير أنه مع الانفجار العلمي والتكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات ، اختلط الحابل بالنابل ، وغاب تأثير الديانات وغابت سلطة الضمائر عن كثير من الأقلام والكتابات ، ومع غياب العقول سادت الكتابات المعتمدة على الغريزة والشهوة والهوى الفاسد ، فتجد أنّ من القضايا ما هو متفق على تحريمه لدى كل الديانات السماوية ، فيما لا تجد بعض الأقلام المأجورة غضاضة في إباحته وتحليله والدعوة إليه ، وعلى أوسع نطاق إعلامي ممكن .

 فعلى مدى نحو قرن من الزمان والبشرية تنادي بحقوق الطفولة وبحقوق المرأة وتحريرها من التسلط والظلم...واستبشرت الإنسانية المضطهدة والبائسة بهذه النداءات والشعارات الجميلة والرائعة ، بيد أنّ الأيام والأحداث كشفت مدى الخداع ومدى هو تزييف الوعي الذي يمارس على العقل البشري ، لا سيما في بلداننا وأوطاننا الإسلامية والعربية .

يحل على شعب العراق وفلسطين وأفغانستان والعالم عيد الأم ، وإن كنا ابتداءاً وانتهاءاً نرفض هذه المسميات الخادعة ، ونتهم مروجيها ، لما فيها من إلغاء في حقيقة الأمر للأمومة الحقة ومكانتها وحقوقها الإنسانية في الحياة ، إلا بعض يوم في السنة .

 تحل هذه الذكرى لتكتب كثير من الأقلام التي في العادة ينقصها الولاء للأمة ولقضاياها العادلة ، لتتحدث عن حقوق المرأة وعن حريتها ، فيما تغض الطرف عن المرأة العراقية والفلسطينية والأفغانية والصومالية التي تعيش بين هدير الدبابات ، وأنغام المتفجرات ، وأزيز الطائرات التي لا تحمل بالطبع معها القنابل العنقودية والأسلحة الكيماوية ، وإنما تحمل الخبز والحليب والدفئ لأطفال ونساء العراق!! ، تعيش المرأة في أوساط التصفيات العرقية والمذهبية والطائفية ، ويحيط بها الجوع والخوف والهلع وتبحث عن لقمة عيش لأطفالها بين أكوام القمامات بعد أن فقدت الأسر العراقية والأفغانية والفلسطينية عائلها ، ليس هذا فقط بل هي مهددة فوق كل هذا بالاغتصاب والاغتصاب الجماعي المنظم والاقتحام والمداهمة في منتصفيات الليالي لمسكنها إن كان لها مسكن ليعيث المحتلون المجرمون فيه الفساد والتدمير .

إن كثيراً من الأقلام المحسوبة على الإسلام والعروبة للأسف بلغت بها الفظاظة والقسوة مبلغاً لم يبلغه حتى المحتلون أنفسهم ، الذين لهم كتابات واعترافات عن جرائمهم في حق الإنسانية وهم يتأسفون لها ، وربما انهالت أعينهم بالدمع وهم يكتبونها ، إنهم يعترفون بأنهم إرهابيون من أمثال جوشوا كي الضابط في جيش الاحتلال الأميركي والذي صدر له كتاب بعنوان حكاية هارب من الجيش الأمريكي ، الذي قال فيه معترفاً بملئ فيه :"إننا نحن الإرهابيون" .

إنّ كثيراً من أقلامنا المأجورة يحلوا لها الحديث كثيراً جداً عن حرية المرأة في الرقص والاختلاط والعمل والدعارة والعري ، وتشيع فينا هذه الأقلام المأجورة صباح مساء ثقافة اللحم المكشوف والأجساد العارية ، وهي تصمت صمتاً بهيماً رهيباً مفجعاً مخيفاً عن قضايانا ومشكلاتنا الحقيقية ، تغفل عن آلاف من جرائم الاغتصاب ، وعشرات الآلاف من جرائم القتل والإبادة الجماعية للأطفال والشيوخ والنساء ، وملايين المهجّرين عن أوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم ، ولا تزال مع كل الجرائم هذه تدندن بالديموقراطية الأميركية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل على طريقة أمريكا ، وحين يأتي الحديث عن المرأة الفلسطينية والعراقية والأفغانية والصومالية فالأمر لا يعنيها!!.

بالمقابل ساهمت هذه الأقلام المتهمة في إستعداء قوى الاستكبار والظلم والهيمنة الدولية على شعوبها المستضعفة ، وإلا فما المصلحة من تهويل شخص كأسامة بن لادن ، وكأنه القوة الضاربة التي تكاد تملك حرب النجوم والأسلحة المتطورة والجيوش الجرارة التي ربما أمريكا نفسها لا تملكها!! فيما هو في أحسن أحواله في جحر من الجحور إن كان على قيد الحياة!! .

لقد نجح أعداء أمتنا في صناعة أهدافهم ، ونجحوا كذلك في اللعب بوعينا وعقولنا وثقافتنا إلى حد بعيد ، وإن كان بحمد الله تحتفظ أمتنا رغم كل المكر والكيد بعوامل النصر والاستعصاء والتحدي والمقاومة والظفر بإذن الله ، لكن ليست عن طريق أسامة بن لادن ، الذي يشن معركته مع الجميع حتى مع القوى الحيّة والخيّرة من أبناء أمته كحماس الرباط والجهاد والاستشهاد والفداء ، وجبهة الإنقاذ السودانية الوعي والحنكة السياسية والإرادة والبطولة وغيرهم من الأحرار والشرفاء في أمته ، وربما في القريب يُصدر شريطاً يدين نفسه بعد أدان الجميع ولم يبق لديه أحد يدينه ويتهمه بالعمالة والخيانة أو التقاعس إلا نفسه .

لم يصنع من أسامة بن لادن ذاك الأخطبوط الهائل إلا إعلام العدو وأقلامه العبرية المأجورة ، في ظل غيبوبة العلماء المخلصين الذين يبينون الحق والهدى ، ولا يتسجيبون للإملاءات والفاكسات .

لقد أسهمت هاتيك الأقلام في سقوط وإسقاط حصوننا الحصينة والتي ما كانت لتسقط لولا أقلامهم ، التي كانت هي في مقدمة طلائع الغزاة والمحتلين ، وهي التي مهدت الطريق وزرعت لها الورود والبساتين لتعبر بسلام إلينا وإلى أوطاننا وحصوننا وحرماتنا .

وهي هي التي كرّست وصنعت فينا الظلم والاستبداد ونافحت عنه وجاهدت لأجله ، وحملته إلينا على صفحات المطبوعات والجرائد والمجلات ، وهي الأقلام الحامية لعروش الجبابرة والطغاة والمستبدين ، هي التي تبرر لهم على الدوام وتحميهم وتدافع عنهم .

إننا وفي عيد الأم ننتظر الكتابات التي تعنى بمعاناة المرأة المسلمة ومشكلاتها الحقيقية وقضاياها ، المرأة الأرملة ، والمطلقة ، والعجوز المسكينة ، والمرأة العانسة ، والمرأة اليتيمة التي لا عائل لها ، والمرأة العاملة المجاهدة لإعفاف نفسها وأبنائها ، المرأة العراقية المهجّرة على حدود سوريا التي تفترش الأرض وتلتحف السماء ، دون نظر رأفة من السلطات في سوريا ، والمرأة المجاهدة التي تعد الأبطال الميامين في فلسطين ، المرأة العراقية والفلسطينية التي يعيش زوجها وأبناؤها بالآلاف في سجون المحتلين ، ننتظر الحديث عن معالجات حقيقية علمية لكل هذه القضايا والمشكلات والملفات العالقة في قاموس المرأة المسلمة المعاصرة ، تنتظر حديثاً عنها في صحافتنا ومواقعنا الإلكترونية ، ولا حديث ، وكأن هذه الصحافة والمواقع الإلكتروينة تحتاج ضوءاً أخضر من المستر خواجة .

والله تعالى من وراء القصد ،،،

Moafa1@hotmail.com