حكاية الحمار وميراث الحاكم
بقلم/ د شوقي الميموني
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 5 أيام
الجمعة 22 يوليو-تموز 2011 04:32 م

الإرث والميراث والوراثة والتوريث كلمات عربية تدل على معاني متعددة يجمعها معنى واحد تعني انتقال الشيء من المالك المتوفى إلى ورثته الشرعيين كالأبناء والآباء والزوجات وغيرهم والميراث خصة الله تعالى بميزة عظيمة هي انه تولى تقسيمه مباشرة بنفسة جل وعلى لأنه يعلم خبايا النفس البشرية وطمعها وارتباطها بالمال لذلك انزلها مقسمة موضحة في نصوص جاهزة للتنفيذ وما صعب فهمه فقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين والعلماء من بعدهم.

الميراث: هو التركة التي يتركها الميت والتي كان يمتلكها قبل موته وتقسم على ورثته الشرعيين.

التركة: هي ما يترك من مال بكل أنواعه وعقار بكل أصنافه وحيوانات بتعدد أسماءها وفي الماضي كان يدخل العبيد والجواري ضمن التركة.

ما دمنا علمنا معنى الميراث ومعنى التركة والكل يعلم بالتأكيد فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل سمع احد منكم ان الشعوب تورث بتسكين الثاء أو تورث بتشديد الثاء سواء في الكتاب أو السنة أو اجتهاد الصحابة أو الإجماع أو القياس أجزم بان أحدا لم يسمع بذلك مطلقا.

لقد كرم الله الإنسان على جميع المخلوقات وميزه بالعقل والتفكير والاستقلالية في اتخاذ القرار حتى في أمور الاعتقاد وعبادة الله تعالى لم تفرض علية بالقوة بل بالقناعة والرضى وجعل له حق الاختيار قال تعالى وهديناه النجدين مع تحمله المسؤولية الكاملة لاختياره.

الإنسان هو خليفة الله في الأرض قال تعالى { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً }يحكم فيها بالحق والعدل قال تعالى { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } ويستصلحا ويبنيها ويعمرها ويبتكر فيها قال تعالى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} يستصلحها بما لا يتنافى أو يخالف الأسس والقوانين التي وضعها الله تعالى في الكون فجعل له الحرية الكاملة في إدارة شؤنه الحياتية مثل الزراعة والبناء والتشييد والصناعة والابتكار وغير ذلك من أمور الحياة لكنها حرية للبناء لا للهدم حرية للعزة لا للمذلة حرية للتفكير والإبداع لا للأفكار الهدامة وتخريب العقول ولهذا سخر الله تعالى كل ما في الكون وطوعه للإنسان وهذا يدل على عظمة هذا المخلوق ومكانته عند الله .

نشاهد في بلدنا ونلمس ونعايش طغيان بعضنا على البعض الأخر ومحاولة الهيمنة والتملك والتجبر واحتقار الأخرين واعتبارهم خلقوا عبيدا من أجله، ألا ترى أخي القارئ ان هذا التصرف يتنافى مع القانون والسنن الإلهية التي أودعها الله في هذا الكون الفسيح.

لمسنا في بلدنا في السنوات الماضية وهذه الأيام بالذات محاولة ترسيخ هذا المبدأ من قبل النظام الذي يحكمنا باعتبار ان الشعب اليمني مجرد تركة تركها مورثه ويمارس اقصى أساليب الضغط والقوة للرضوخ لنزواته والانصياع لأوامره ويساعده في ذلك حلفاءه من الداخل والخارج.

لا اعتقد ان هذا الأمر غريب لان حب الجاه والسلطان والجبروت صفة من صفات الإنسان اذا خلى منه الأيمان والقيم والمبادئ السامية وصفة حب التملك أيضا من صفات الإنسان لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب قال أنس عن أبي قال كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت ( ألهاكم ) سورة التكاثر) البخاري

لكن الغريب فعلا والمحير والمؤدي الى الدهشة ان تجد صنف من الناس يرضى ان يكون مجرد تركة أو ارث مثله مثل قطع الأثاث أو العقارات أو الجماد بل اكثر من ذلك انه يسعى لذلك ويساعد الحاكم لتحقيق رغبته .

في تصوري ان هؤلاء الصنف من البشر لديهم قصور في الفهم وعدم الإدراك من حكمة خلقهم لم يعوا قول الله تعالى{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } ولم يدرك انه حر له القدرة على التفكير والإبداع وله الحق الكامل في العيش حياة كريمة بعيدا عن البئس والشقاء والتبعية والذلة والمهانة.

في جمعة دولة مدنية كان الخطيب في ميدان الستين الشيخ المهندس عبدالله صعتر حفظه الله ورعاه شدتني فكرة قالها أثناء الخطبة هي التي شدتني لكتابة هذا المقال.

قال ان الأشياء التي تورث هي الأموال والعقار والحيوانات مثل البقر والحمير والأغنام وغيرها ونحن شعب حر كريم لا نرضى ان نكون حمير أو أغنام تورث لمن يأتي بعده من الأقارب .

من يرضى ان يكون حمارا يورث هذا من شأنه وله الحرية الكاملة في ان يكون مجرد حمار أو دابة أو قطعة أثاث يرثها الابن بموجب وصية يكتبها الأب قبل موته .

من يرضى ان يبيع حريته بلا ثمن ليصبح عبدا للحاكم فليكن لان هذا اختيار وتصرفه وهذه حياته يديرها كيفما يشاء.

من يرضى ان يكون مجرد تابع أو صفر على الشمال فهو زائد على الحياة لا يقيدها ولا يستفيد منها.

من يرضى ان يعيش من اجل غيره فقد خسر نفسة وضيعها.

من يرضى ان يعيش ليأكل و يشرب فقط فالدواب تأكل وتشرب لكنها لا تفكر.

أما الصنف الأخر من الناس فلا والف لا لا يرضون ان يكونوا تركة أو عبيد أو تبع إلا لله وحده لانهم فهموا سر وجودهم في الحياة فهموا قدرهم عند ملكيهم جل وعلى فقد سخر لهم ما في البر والبحر بل ما في الكون كله فهموا ان لهم الحرية الكاملة في إدارة شؤن حياتهم وتنظيم أمور الحكم والسلطة بما لا يتنافى مع دينهم.

فهموا ان لهم عقولا تعي وتفكر وتبدع وتبتكر وتعطي وتأخذ وتأمر وتنهي

فهموا ان الناس سواسية كأسنان المشط ليس لاحد على احد فضل لا لونه ولا جنسه ولا شكله لان كل هذه بتقدير الله تعالى والتفاضل فقط في التقوى.

فهموا ان التباين في الرزق والمناصب والأعمال إنما قدره الله تعالى لكي يتحرك دولاب الحياة قال تعالى وكذلك { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}

فهموا ان الحياة هي وحدة متكاملة من التكاتف والتراحم والأخوة والبذل والعطاء.

فهموا ان المذلة والمهانة والاستعباد يقتل المثل ويميت العزة والكرامة في نفوس الناس.

ولأنهم فهموا هذا كله فتشوا عن ماضيهم فلم يجدوه وفتشوا عن حاضرهم فوجدوه مهانة ومذلة واستعباد وفتشوا عن مستقبلهم فوجدوه مظلم عندها قاموا بثورتهم كي يجدو ماضيهم ويغيروا حاضرهم الى الأفضل وينيروا مستقبلهم .

فليعلم الحاكم ومن رضي ان يكون تبعا له ان الثورة ماضية بخطى ثابته وحثيثة وستصل الى مبتغاها عن قريب { لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}

وليعلم القاصي والداني ان الحاكم يموت لكن الشعوب لا تموت .