دراسة تحليلية للخطاب الرئاسي خلال الحملة الإنتخابية
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر
الثلاثاء 28 يوليو-تموز 2009 09:45 م

إغراق لما ينبغي أن يكون, وركون للسيف, وهروب إلى الماضي, وغياب للإرادة

خَلُصَت دراسة علمية حديثة إلى أن الخطاب الرئاسي في اليمن رغم لغته الديمقراطية وإهتمامه المكثف بحقوق الانسان في إطار علاقة المجتمع والدولة, إلا أنه يبقى إستبدادي الفعل والممارسة, مشيراً إلى "حضور (لفظي) لحقوق الإنسان في مقابل غياب لجوهرها ومعناها".

الدراسة التي أعدها أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور محمد الظاهري, أوضحت أيضاً أنه خلال فترة الدراسة كان "الخطاب الرئاسي حقوقياً على المستوى المنطوق", وأستدركت "لكنه عجز عن ترجمة هذا المنطوق إلى فعل وممارسة على أرض الواقع", مؤكدةً أن "محصلة محددات الخطاب الرئاسي اليمني وتجلياته ليست في صالح الحفاظ على حقوق الإنسان ونيلها".

وتناولت دراسة الظاهري رؤية الرئيس علي عبدالله صالح لحقوق الانسان من خلال 24 خطاباً رئاسياً خلال حملته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية والمحلية سبتمبر 2006م, مع الإهتمام ببحث حالة حقوق الانسان واقعاً, والذي توصلت إلى وجود إنتهاكات واضحة لحقوق الانسان اليمني, منوهةً إلى وجود روافد (ثقافية وإجتماعية وسياسية ونفسية وتاريخية) للقابلية الشعبية والمجتمعية لهذه الانتهاكات والتعايش معها.

وبحسب الدراسة المنشورة في العدد الأخير من دورية شئون العصر, فإنه "من أهم ما في أي خطاب سياسي ليس بالضرورة ما أعلن فيه, بل ما تم السكوت عنه", مشيرةً إلى أنه إستناداً على تعريف السياسة بأنها ماتقدم عليه الحكومة ومالا تقدم عليه أو تعزف عنه, فإن "تجاهل الحكومات اليمنية المتعاقبة بما يتعين عليها فعله يعد في إطار الممارس", وأهم الممارس في النظام السياسي اليمني يتمثل في عدة أشياء, منها: كراهية المؤسسية, والخوف من الجوهر والمعنى المؤسسي والهروب تجاه الشكل المؤسسي.

وأضافت كذلك "إغراق الخطاب السياسي في ماينبغي أن يكون لا فيما هو كائن, والركون إلى المؤسسة العسكرية (أهل السيف) بدلاً عن التعويل على مؤسسات المجتمع المدني (أهل القلم), الهروب إلى الماضي التليد وأمجاده بدلاً من العيش في الحاضر بمنجزاته وتحدياته, غياب الإرادة السياسية عن إدارة المجتمع والدولة وتواري إرادة الفعل, الإكتفاء بنحت النصوص وإصدار المبادرات والبرامج دون إحترام الكثير منها أو تطبيقها, السعي لتسييس التنوع المجتمعي اليمني وإستقطابه في ثنائيات مسيسة نزاعية, السعي لتمديد سلمي للسلطة بدلاً عن تداولها وتناوبها سلمياً".

وأوضحت الدراسة بالرغم من أن محاولة القياس الكمي للخطاب الرئاسي قد أظهرت وجود إهتمام رئاسي مكثف ومركز تجاه حقوق الإنسان, والسمة الديمقراطية الغالبة عليه, ولكثير من النصوص الدستورية, " إلا أن الإشكالية تتمثل في وجود فجوة وفصام نكد بين الخطاب الرئاسي والنص الدستوري من جانب, والتطبيق على أرض الواقع من جانب آخر". 

وواصلت "فثمة بون شاسع بين المنطوق به والمسكوت عنه والممارس في الحياة السياسية اليمنية, بمافيها حقوق الإنسان وحرياته", وزادت "فالخطاب الرئاسي والمبادرات الرئاسية بمثابة منجزات لفظية لا يرى اغلبها النور, ولا يتم تطبيقها على الأرض, لأنها كما يبدو صادرة: إما عن نخبة حاكمة ليست مهيئة لتقاسم السلطة أو تداولها, أو انه ليس من إهتمامها إقرار الحقوق والحريات".

ولفتت إلى أن الاشكالية أيضاً في الخطاب والمبادرات التي يتبناها والمعاهدات الدولية المصادق عليها, "تصدر في سياق مجتمعي مأزوم, وتفتقر لإدارة الفعل والتطبيق, فهي بمثابة أحلام يقظة تهرب إليها النخبة الحاكمة لعجزها عن إصلاح الحياة السياسية أو إنتشال اليمن من الازمات والحروب", وأضافت "فالخطاب الرئاسي ومايصدره من مبادرات بمثابة مُتكآت لا تلد إصلاحات, ولا توفر حقوق, بل تمثل ظاهرة هروبية تشكل تعويضاً نفسياً لدى اصحابها, تعويضهم عن إحداث تطور وتحديث على مستوى اليمن مجتمعاً ودولة".

وأكدت الدراسة أن إشكالية اليمن تتمثل في وجود "ديمقراطية اللغة وإستبدادية الممارسة, حضور النص الديمقراطي وغياب السلوك الرشيد, حضور المفاهيم الديمقراطية وغياب إرادة الفعل السياسي, والإكتفاء بنحت النصوص وتحويلها إلى غاية دون تحويلها إلى فعل, وعدم الإعتراف بالفشل السياسي الرسمي والهروب نحو إصدار مبادرات تُطرح على أنها (مُنجز) ويفلت المقصر من العقاب, ويزداد الواقع سوءاً, بينما النخبة الحاكمة تكتفي بحشد التأييد لهذه المبادرات التي هي غالباً لا ترى النور أو التطبيق على أرض الواقع".

ويخلص الباحث الظاهري إلى أن ما سبق يؤكد معاناة الخطاب الرئاسي في إطار النظام السياسي اليمني مما يمكن تسميته بـ (التحايل السياسي), منوهاً إلى أن من أهم صور وشواهد ذلك التحايل السياسي, "إستجلاب الشكل المؤسسي ومحاكاته في مقابل ترك الجوهر ومخاصمته, إضعاف المعارضة السياسية والسعي لتهميش دورها في إطار النظام السياسي, الركون إلى أهل السيف (العسكريين) على حساب أهل القلم (مؤسسات المجتمع المدني), وهو مايتضح من خلال تأثير العسكريين في عملية صنع القرار وإتخاذه".

ويضيف إلى تلك الصور والشواهد على التحايل السياسي الذي يمارسه النظام وخطابه الرئاسي "إصطناع شرعية لا تستند إلى الرضاء الطوعي والإرادي للمحكومين أو لغالبيتهم, والسعي لإصطناع حكام كارزميين (مُلهمين) رغم عدم توفر شروط الإلهام والرشد لدى غالبيتهم, وبروز حكم الشخص الواحد برداء مؤسسي (شخصانية السلطة السياسية) رغم كراهية كثير من الممارسين السياسيين للمؤسسية وحكم القانون, وحضور التعبئة السياسية على حساب المشاركة السياسية الحقيقية".

وبالنسبة لإشكالية الخطاب السياسي الرسمي, فوفق ما توصل إليه الباحث فإنها تتمثل في أنه "يكتفي بصنع الحدث دون الإلتفات إلى رعايته وتقويمه, أو الإصرار على جني ثماره, ويحاكي الخارج عبر أفعال يفترض أنها موجهة لإصلاح الداخل ومنفعته, ويستأثر بعاطفة صانعه أكثر من عقله, ويستند على ثقافة تجعل من مقدمات الفعل بمثابة نتائج له فتكتفي بالمقدمات وتضيع النتائج المتوخاة أو تُجهض قبل نضوجها, والإكتفاء بالقول دون الإنتقال إلى الفعل, والإقتراب من الديمقراطية لفظاً وشكلاً والإبتعاد عنها سلوكاً وممارسة".

ويتساءل الباحث "ألا يعلم المعنيون الرسميون أن هذا الخطاب وهذه المبادرات والبرامج الإنتخابية تولد لدى الناخب أو المواطن اليمني قدراً من التوقعات, وبالتالي يتعين على أصحابها الوفاء بها وتطبيقها وتفعيلها على أرض الواقع؟", ويستدرك "لكن من المحزن والمبكي معاً, أن أصحاب هذا المبادرات أمسوا عاجزين عن الوفاء بوعودهم ومبادراتهم".

ويضيف "والخطورة هنا, أن المحكومين أو المواطنين يفقدون الثقة بالنخبة الحاكمة, وهنا تتضاءل الشرعية السياسية ويغدو الحاكم بمنأى عن رضا المحكوم ويصاب المجتمع بالتخلف ويعاني النظام السياسي من ظاهرة عدم الاستقرار السياسي ويدخل النظام السياسي, بل والمجتمع والدولة مرحلة الخطر".

الباحث في دراسته التي أستخدم فيها أسلوبي التحليل الكمي والكيفي معاً للخطابات الرئاسية, يرى في ختامها انه وفي سبيل حماية حقوق الانسان اليمني من الانتهاك يتعين توفير متطلبات سابقة تساعد على وجود خطاب رئاسي يثمر ويأتي أكله, مشيراً إلى أن من تلك المتطلبات "متطلب مؤسسي, بحيث يتم الإنتقال من الشكل والمبنى المؤسسي إلى المعنى والجوهر المؤسسي, فلا يكفي وجود وزارة لحقوق الإنسان ترأسها إمرأة, لأن إستمرار الضعف المؤسسي وشخصانية السلطة يؤثر سلباً على إنتهاك الحقوق والحريات وعلى تطور اليمن مجتمعاً ودولة".

ويضيف لتلك المتطلبات "متطلب ثقافي, من خلال ضرورة السعي نحو تغيير الثقافة اليمنية السائدة من ثقافة زاهدة في التمتع بالحقوق والحريات إلى ثقافة مساندة ومنتزعة لحقوقها وحرياتها, ومتطلب إجتماعي, عبر إيجاد تنشئة إجتماعية تحرض على رفض الطاعة العمياء والسعي لتحقيق حياة شريفة وكريمة وضرورة التفريق بين إبتلاء السماء وتقصير الأرض (أي تقصير النخبة الحاكمة) الذي بمثابة المتغير المستقل في إنتهاك الحقوق والحريات, كما ينبغي التوقف عن تسييس التنوع المجتمعي اليمني في ثنائيات تنازعية ومستقطبة, والإبتعاد عن محاولات العبث بالجسد المجتمعي وتعزيز الشعور بالإقتدار نحو الحصول على الحقوق والحريات".

ويختم تلك المتطلبات بالمتطلب الإقتصادي, مشيراً إلى ضعف الإقتصاد اليمني وهشاشته ومن ثم إرتفاع نسبة الفقر بين اليمنيين ويتعين السعي إلى رفع معدل أداء الحكومة وضرورة إنتقالها من شرعية الوحدة إلى شرعية الأداء والإنجاز.

ويضيف الظاهري "المطلوب مؤسسات حديثة لا عصبية مصطنعة, وتسامح سياسي لا ثأر سياسي, والإعتراف بالآخر لا نفيه, ومشاركة سياسية عبر إنتخابات حرة ونزيهة لا تعبئة سياسية, وتنوع سياسي لا إستقطاب سياسي, وتعايش سياسي لا نزاعات سياسية, وثقة سياسية لا شك سياسي, وشعب حي يستأسد عندما تنتهك حقوقه لا موات سياسي".