توكل كرمان: محور الشر الإيراني أساء إلى قداسة القضية الفلسطينية وعدالتها فصائل المعارضة السورية تفاجئ الجميع وتحقق انتصارات ميدانية ضد المليشيات الايرانية وقوات الأسد أول تعليق من أردوغان بخصوص مبادرة بايدن لوقف النار في غزة قيادي حوثي بمحافظة إب يقوم بالاعتداء على مجمع 26 سبتمبر بسبب اسمه ويفرض تغييرات قسرية داعمة للإمامة طارق وبن عزيز يناقشان وضع الجيش ورفع اليقظة والجاهزية الأمم المتحدة ترعى مؤتمراً دوليا «حاسماً» في السعودية ماذا قال مدرب ليفربول عن صلاح ومبابي بعد المباراة المثيرة؟ الريال اليمني يستعيد شيئًا من قيمته أمام الدولار والسعودي ''أسعار الصرف الآن'' ''فضيحة''.. مليشيا الحوثي تُعين تاجر مخدرات في منصب مدير أمن مكافئة وإشادات بأول فوز لأهلي صنعاء في بطولة الخليج للأندية
مقدمة لا بد منها:
استسمح القرّاء الأعزّاء في أن أُطيل عليهم في هذا الموضوع وأن أُدخل عليه الكثير من النصوص المنقولة ، لأن طبيعة المقال تتطلب حشد كم هائل من الأدلة والبراهين ، خصوصاً ونحن نقف أمام مطالب تجاوزت حد المعقول من القول والفعل ، ولأن سوء الظن هو الغالب لدى كثير من الناس ، فأنا على يقين أنه بمجرد الدخول في هذا الأمر سيكون الكاتب ووسيلته الإعلامية تحت طائلة التهديد والوعيد واللوم الشديد والاتهام الصريح بالوقوف ضد مطالب جماهير تئنّ من وطأة المعاناة لعدم توفر العدل والمساواة وضياع الكثير من الحقوق.
ونحن هنا نؤكد براءتنا المسبقة من هذه الاتهامات من خلال عدم رضانا عن الوضع العام للبلاد والذي أوصلتنا إليه ممارسات السلطة الفاسدة ، ولكننا مع هذا لا نرضى بامتهان الوطن وترك الحبل على الغارب لمن هب ودب ، ولا نرضى أن يصبح شعبنا مطية سهلة الركوب لأصحاب المصالح والنفوذ والمشاريع الصغيرة.
وعليه كان لا بد لنا من الرجوع والاستناد إلى ماضينا الثوري بمختلف مراحله وأشخاصه وأحداثه على اعتبار أن ((من لا ماضي له لا مستقبل له)) وهذا يستلزم النقل الموضوعي والأمين من كل المصادر المرتبطة بذلك الماضي والتي تحكي بصدق عن واقع الممارسة خلال الفترة الزمنية السابقة ليوم 22 مايو 1990م ، لأنها الحجة الدامغة والقوة الرادعة لكل من تسول له نفسه بالرجوع بنا إلى ما قبل ذلك التاريخ ونحن في غناء تام عن العودة إليه وتحمل آلامه وأتعابه وحتى محاسنه ، ولأنه ماضي جميل نقلنا إلى حاضر أجمل منه فينبغي علينا استذكاره واستلهام عبره ومواعظه في كافة مناحي الحياة.
وعوداً على بدء فالحراك الجنوبي عبارة عن هبّة شعبية عارمة اجتاحت المحافظات الجنوبية والشرقية من الوطن اليمني الكبير ، يتقدمها كوكبة من مناضلي الثورة التحررية والثورة الوطنية الديمقراطية ، وقليل من لا يملك هذه الصفة أو تلك ، أما لصغر السن أو لغيره من الأسباب.
وحريٌ بنا أن نغوص قليلاً في أعماق هذا الحراك الذي جمع بين الأصالة والمعاصرة وهو على مفهومنا جمع بين المتناقضات وربط بين الأقطاب المتضادات ، وقبل أن نخوض في تفاصيل هذه المصطلحات العصرية علينا أن نعترف بأن هناك مُسلّمات في العمل السياسي يجب أخذها بعين الاعتبار في إطار مناقشتنا لهذا الموضوع وهي أن أي مفوض أو مندوب يمثل أي جهة في المحافل والمناسبات مخوّل الصلاحيات وما يصدر عنه واجب التنفيذ في نطاق الاختصاص المنطلق من الشرعية الدستورية ، وأن المجلس النيابي المنتخب من قبل الشعب وكيلاً عنه فيما يصدره من تشريعات وما يوقعه من معاهدات واتفاقيات ، وأن الحزب أو التنظيم السياسي الذي يتصدر قيادة العمل الثوري حتى يحقق الاستقلال يصبح القيادة السياسية والتشريعية المخولة قيادة البلد.
لقد بدأ الحراك الجنوبي مطلبياً حقوقياً تمثل في مطالب المتقاعدين العسكريين والمدنيين ممثلاً بمجلس التنسيق الأعلى لجمعيات المتقاعدين في المحافظات الجنوبية والشرقية ، وتطور هذا الحراك إلى أن وصل حد المطالبة بالانفصال ، وقد كان الجديد المعاصر في مسألة الحراك الجنوبي ما جاء على لسان ((عميد المتقاعدين)) حيث طالب بالاستفتاء على الوحدة وحق تقرير المصير وما تلا ذلك على أفواه العديد من قادة الحراك على مستوى الداخل والخارج من ((فك الارتباط)) و((الجنوب العربي)) وغيرها من المصطلحات الحراكية المستمدة من آهات المظلومين والمنطلقة من معانات المحتاجين الذين تقوّضت أحلامهم وخابت آمالهم لما رأوه من عبث بمقدرات الوطن ((أرضاً وإنساناً)) الأمر الذي أوصل الزعامات الحراكية إلى تناسي الماضي الوحدوي الذي ناضلوا فيه كثيراً وعاشوا لأجله دهراً طويلاً ما بين مستعجلٍ مطالب بتحقيق وحدة اندماجية فورية وما بين متريّثٍ يرقب تغيرات الزمان ... الخ.
توثيق الارتباط
إن مطلب الحراك المتمثل في ((فك الارتباط)) مطلب جوهري لا يمكن دحضه أو تأييده بمجرد رأي شخصي أو قرار فردي ، ولكنه مطلب يجب الوقوف أمامه بجدية من واقع سرد التاريخ النضالي للقيادات النضالية الجنوبية التي حملت على كاهلها مسئولية هموم الوطن خلال الفترة الزمنية الماضية ، ومن هنا كان لا بد من الرجوع إلى دور السلطة الثورية في الشطر الجنوبي من الوطن ليتبين لنا مدى صوابية هذا المطلب من عدمها ، ولتكن البداية من اتفاقية القاهرة والتي مثل الشطر الجنوبي فيها (علي ناصر محمد رئيس الوزراء) في سبتمبر 1972م حيث جاء فيها: {إن حكومة الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية باسم شعب اليمن الواحد وباسم الأمة العربية وانطلاقاً من واقع المسئولية التاريخية والمسئولية القومية ، وإيماناً بأن شعب اليمن وأرضه وحدة واحدة لا تقبل التجزئة والانقسام وأن هذه الحقيقة قد أثبتت نفسها على مر التاريخ برغم كل محاولات ترسيخ الانقسام وخلق الحواجز والسدود والحدود} وفي لقاء الجزائر بين رؤساء الشطرين الذي مثل الشطر الجنوبي فيه سالم ربيع علي في سبتمبر 1974م جاء ما يلي: {وانطلاقاً من روح المسئولية التاريخية وإيماناً بحق الشعب اليمني في استعادة وحدته بعد انتفاء مبررات التجزئة بزوال الحكم الإمامي من الشمال والاحتلال البريطاني من الجنوب} وفي لقاء قمة الكويت بين رؤساء الشطرين الذي مثل الشطر الجنوبي فيه عبد الفتاح إسماعيل بصفته الأمين العام للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني ورئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى الموقع في مارس 1979م جاء ما يلي: {وتمسكاً بإعادة تحقيق وحدة اليمن التاريخية تلبية لواقع وحدة الشعب اليمني ووحدة مصيره وإفشالاً لكل محاولات تكريس التمزق والتجزئة والانفصال ، ووفاءً لتضحيات شعبنا اليمني وثمرة نضالاته الوطنية عبر التاريخ من أجل تحقيق هدفه النبيل في الوحدة} وفي لقاء قمة صنعاء بين زعماء الشطرين الذي مثل الشطر الجنوبي فيه علي سالم البيض بصفته الأمين العام للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني الموقع في مايو 1988م جاء ما يلي :{وحرصاً من القيادتين في الشطرين على الدفع بالعمل الوحدوي إلى مراحل متقدمة تقرب من يوم الوحدة باعتبار أن الوحدة قدر ومصير شعبنا في الشطرين وعلى المضي بخطوات إعادة تحقيق وحدة الوطن بالطرق السلمية} وفي البلاغ الصادر عن الدورة الثالثة للجنة الوزارية للشطرين والتي مثل الشطر الجنوبي فيها حيدر أبو بكر العطاس بصفته رئيس الوزراء الموقع في ديسمبر 1985م جاء ما يلي: {في ظل الجهود الوطنية التي تبذلها قيادتا شطري الوطن في سبيل إعادة الوحدة اليمنية وفي نطاق استمرار الاجتماعات واللقاءات الأخوية} وفي البلاغ الصادر عن الدورة الرابعة للجنة الوزارية للشطرين والتي مثل الشطر الجنوبي فيها الدكتور ياسين سعيد نعمان بصفته رئيس الوزراء مارس 1989م جاء ما يلي: {في جو سادته روح العمل البناء والمخلص على طريق إعادة الوحدة اليمنية وفي إطار الجهود الدءوبة التي تبذلها قيادتا شطري الوطن في سبيل بلوغ ذلك الهدف السامي} أما اتفاقية إعلان الوحدة الموقعة بصنعاء في أبريل 1990م والتي حضرها كافة القيادات السياسية والحزبية والعسكرية والأمنية في الشطر الجنوبي من الوطن فقد جاء فيها: {والوطن اليمني يعيش مرحلة الإعداد الكامل لإعادة بناء وحدته وإنشاء دولة الوحدة وانسجاماً مع ما تشهده مسيرة الوحدة من مناخ ديمقراطي ، وتعزيزاً لهذا المناخ الذي يعبر عن أهم الأهداف والمكاسب الوطنية لثورتي سبتمبر وأكتوبر الخالدتين كمرتكز أساسي قامت عليه حوارات أبناء الوطن اليمني من أجل إعادة وحدتهم}.
وبنظرة فاحصة وقراءة متأنية ودقيقة لما سبق يتضح جلياً مقدار المسافة الفاصلة بين مفهوم ((فك الارتباط)) ومفهوم إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ،ولكننا نترك للقارئ حرية التفكير ومن ثم الحكم على أيهما يتم الاعتماد ، لأن فك الارتباط يعني فسخ عقد الاتحاد الذي تم بين قطرين مختلفين ، لا تربط أيهما بالآخر أي روابط سابقة لذلك الاتحاد.
المراحل الثورية
إن مما يؤسف له أن قيادات تاريخية كان لها شرف النضال ضد الاستعمار البريطاني حتى تحقق استقلال الشطر الجنوبي من الوطن في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م تحت راية ((التنظيم السياسي الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل)) ظهرت اليوم بمظهر المتنكر لتلك الحقبة التاريخية وما كان يعتمل فيها من التوجه الوحدوي وكأنها لا تمت إلى تلك الحقبة بصلة ، ومن هذا المنطلق أود أن ألفت انتباه آبائي وإخواني المناضلين الثوريين إلى أساس نضالهم التحرري الوحدوي والمنطلق من ميثاق ((الجبهة القومية الصادر في يونيو 1965م)) حيث جاء فيه (إن المنطقة ــــ اليمن شمالاً وجنوباً ــــ ظلت تشكل وحدة طبيعية متكاملة وتجمع شعبها روابط وعوامل كثيرة ، منها وحدة الأرض ووحدة اللغة ووحدة المعاناة اليومية للحياة ووحدة المصلحة ووحدة المصير ، وقد تجسدت هذه الوحدة على مستواها السياسي في عصر الإسلام في دول متعددة تعاقبت على المنطقة ... ولظروف تاريخية واجتماعية معينة تهاوت هذه الدول وحطم بعضها بعضاً ، وبدأ قادة الجيش والولاة في مناطق الجنوب يشرفون على إدارتها والاستقرار فيها ثم أخذوا يقتطعون الأرض لملكيتهم الخاصة ويعلنون انفصالهم التدريجي عن الحكومة المركزية في صنعاء أو في تعز أو زبيد أو عدن) كما جاء في الميثاق أيضاً :(إن الشعب العربي في إقليم اليمن شماله وجنوبه جزء من الأمة العربية وأن إقليم اليمن جزء لا يتجزأ من الوطن العربي ، لذا فإن إعادة وحدة شعبنا العربي في إقليم اليمن شماله وجنوبه مطلب شعبي وضرورة تفرضها متطلبات الثورة) وهناك نظرة أعمق وأبعد تعود بنا إلى تاريخ حركة القوميين العرب في اليمن ذكرها الدكتور أحمد عطية المصري في كتابه النجم الأحمر فوق اليمن جاء فيها: (لأهمية البعد القومي في فكر الحركة فقد أكدت على وجوب تكتل أطراف الحركة الوطنية في (جبهة نضالية قومية) لمواجهة الاستعمار ، وفي هذا الصدد قدّم أحد أقطاب الحركة في اليمن في مارس 1961م دراسة عن واقع الحركة الوطنية وتصوره ــــ وهو تصور فرع الحركة في اليمن ــــ لشكل التنظيم الثوري المطلوب لمواجهة الموقف ، وأبرز ما أكده هو ضرورة قيام (جبهة قومية) تضم العناصر المؤمنة بالكفاح القومي في كل إقليم اليمن من أجل التحرر من الاستبداد في الشمال والاستعمار في الجنوب ، حيث ترى الحركة أن اليمن شمالاً وجنوباً يشكل وحدة واحدة هو إقليم اليمن الذي يعد جزاءً من الوطن العربي الكبير).
وفي إطار مناقشتنا للحراك الجنوبي جدير بنا العودة إلى ما كنا نسميه (مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية) لنرى ما ذا كنا نطرح من الأفكار والرؤى تجاه موضوع الوحدة اليمنية لكي يتسنى لمناضلي تلك المرحلة الاستذكار والتأمل في تلك الأطروحات وبالتالي سيتحدد الطريق المطلوب السير فيه ، لاستثمار جهود المناضلين القدامى على ضؤ مواقفهم المتباينة (قديماً وحديثاً) أو كما أسميناه في بداية الموضوع (الأصالة والمعاصرة)حيث يقودنا دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الصادر في نوفمبر عام 1970م إلى حقيقة الموقف الوحدوي لتلك المرحلة إذ جاء في مقدمته ما يلي: (إيماناً بوحدة اليمن ووحدة المصير للشعب اليمني في الإقليم ، واعتماداً في الأساس على وحدة الشعب والأرض اليمنية فقد ناضل شعبنا اليمني ببسالة ضد الامبريالية والاستعمار وضد رجعية الإقطاع المحلي متمثلاً في الحكم الإمامي والسلاطيني ، ورغم الأوضاع الاستثنائية غير الطبيعية التي وجدت متمثلة بتجزئة الإقليم اليمني إلى شطرين ، إلاّ أن هذه التجزئة لم تستطع أن تقف عائقاً أمام وحدة النضال الوطني المشترك لإقليمنا اليمني شمالاً وجنوباً ... وبالرغم من التجزئة فإن الترابط الجدلي لنضال الشعب اليمني بشطريه مستمر في تلاحمه ووحدة نضاله ليس ضد المؤامرات الامبريالية والرجعية في الإقليم فحسب ، وإنما في سبيل الخلاص النهائي من واقع التجزئة ولإعادة الأوضاع الطبيعية لوحدة الإقليم)أما نص المادة الثانية من ذلك الدستور فقد جاء فيه: (الشعب اليمني شعب واحد وهو جزء من الأمة العربية والجنسية اليمنية واحدة).
ومن البرنامج السياسي للتنظيم السياسي الجبهة القومية لمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية المصادق عليه في المؤتمر العام الخامس في مارس 1972م جاء ما يلي: (إن الأوضاع الاجتماعية والثقافية التي وجدت في بلادنا تعكس مدى التخلف الذي أورثه لنا النظام الملكي الإقطاعي والنظام الاستعماري الشبه إقطاعي ، وإذا كان التخلف في الإقليم اليمني أحد نتائج هذه التركة ، فإن الاستعمار البريطاني قد عمل على استخدام سياسة (فرق تسد) ومارس هذه السياسة على نطاق واسع بعد أن عمّق الانفصال والتجزئة ، حيث كرس وجود كيانين لليمن بالتواطؤ مع الحكم الملكي الإقطاعي ، وواصل على نفس الطريق في تكريس التجزئة الجغرافية والسياسية والاقتصادية للشطر الجنوبي من الإقليم.) كما جاء فيه: (إن أصالة الشعب اليمني لا تكمن في قدراته على البذل والتضحية عبر التاريخ القديم من أجل تشييد الحضارات وصنع اليمن الخضراء ، اليمن السعيدة فحسب ، ولكن أصالته تكمن أيضاً في نضاله الدائم ضد كل أنواع الاضطهاد والظلم ولقد خاض شعبنا اليمني في الإقليم كله نضالاً شاقاً وعنيداً ودون يأس ضد كل الغزاة والطامعين .. وفي العصر الحديث قاوم الشعب اليمني الاحتلال البريطاني للجنوب وبعد الحرب العالمية الثانية كان شعبنا يناضل ضد الحكم الملكي الإقطاعي الإمامي ومن أجل إقامة الجمهورية). ومن التقرير السياسي للقيادة العامة للجبهة القومية المقدم إلى المؤتمر العام الخامس في مارس 1972م جاء ما يلي: (وهكذا تستمر جماهير الشعب اليمني في الإقليم شمالاً وجنوباً في نضالها ولن تتوقف ولن تهدأ حتى يحقق شعبنا اليمني هدفه الكبير المتمثل بقيام اليمن الديمقراطي الموحد).
وفيما يتعلق بمطلب الحراك بشأن دولة (الجنوب العربي) فيمكن القول أن هذا المطلب لم يكتفي بعزل جنوب الوطن عن شماله فحسب ، ولكنه يدعو إلى ما هو أبعد من ذلك ، لأن التسمية تسمية انفصالية كرسها النظام الإمامي والاستعمار البريطاني ، وهذا ما أشار إليه التقرير السياسي للقيادة العامة للجبهة القومية المقدم إلى المؤتمر العام الخامس في مارس 1972م بقوله: (وقد تمكن الاستعمار من تكريس التجزئة الاجتماعية عبر التجزئة الجغرافية لوطننا اليمني حيث لم يكتف بتكريس التجزئة في الإقليم بالتواطؤ مع النظام الملكي الإمامي ، بل وعمل على تعميق تجزئة الشطر الجنوبي من الإقليم إلى أكثر من 23 سلطنة وإمارة ومشيخة) وكأننا نسعى إلى إعادة تفتيت جنوب الوطن إلى وحدات إدارية مصغرة ، وهنا نتساءل هل هذه التجزئة تفيد الشعب اليمني أم لا ؟؟.. لأن كل منطقة تريد أن تحكم نفسها !! وإلاّ من يحكم من؟.
وأما مطلب الحراك المتمثل في (الاستفتاء) فإنه مطلب ميسور تحقيقه وقد تحقق على صعيد الواقع وبأكثر من طريقة ،ولنعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً ، حيث كانت توجد سلطة تشريعية في الشطر الجنوبي من الوطن تسمّى مجلس الشعب الأعلى والذي من مخرجات عمله القرار رقم 207/11 لعام 1989م بشأن العمل الوحدوي والذي جاء فيه: (ناقش مجلس الشعب الأعلى في دورته الاعتيادية الحادية عشر باستفاضة خبرات ونتائج جهود قيادتي الشطرين واستخلص المجلس من خلال مناقشته للقضية الوطنية اليمنية أن استمرار حالة التجزئة التي يعيشها شعبنا اليمني والتي فرضتها عوامل وظروف الماضي المظلم تشكل عائقاً كبيراً أمام انبعاثه الوطني الشامل وتقدمه الاجتماعي ونهوضه الحضاري ... وبهذا الصدد أشاد المجلس وثمن عالياً النتائج التي توصلت إليها القيادة السياسية في شطري الوطن ، وقرر المجلس في ضؤ المناقشات تكليف هيئة الرئاسة والحكومة ببلورة مبادرة وحدوية نوعية تسهم في إيجاد صيغة اتحادية انتقالية باتجاه تحقيق الوحدة الاندماجية الكاملة) وفي نفس الاتجاه فقد تمت عملية الاستفتاء الشعبي على دستور دولة الوحدة خلال يومي 15و16 مايو 1991م وأعلنت نتائجه يوم 20 مايو 1991م وبنسبة تجاوزت 98% مع العلم بأن القرار الجمهوري رقم 24 لعام 1991م الخاص بلائحة تنظيم الاستفتاء صادر تحت توقيع الأستاذ حيدر أبو بكر العطاس رئيس وزراء الجمهورية اليمنية.كما لا ننسى أن الانتخابات الرئاسية في عام 2006م كانت بمثابة استفتاء جديد لا سيما وقد تزامنت مع بدء أعمال الحراك الجنوبي.
الخلاصة والاستنتاج
مما سبق ومن مضامين النصوص يستنتج أمر في غاية الأهمية يتمثل في تأكيد القيادات السياسية في الشطر الجنوبي من اليمن على الوجود التاريخي للوحدة اليمنية منذ أقدم العصور وأن التشطير كان وضعاً استثنائياً فقط ... كما يستنتج أن مطالب الحراك العصرية تتنافى مع التاريخ النضالي الوحدوي للغالبية العظمى من قيادات الحراك على اعتبار أنهم ممن ساهموا في صياغة الوحدة عبر مراحلها المختلفة ، وكان لعدد منهم بصمات واضحة في التوقيع على عدد من الوثائق الوحدوية خلال تلك المراحل السابقة ليوم الوحدة (22مايو 1990م) ... كما يستنتج أيضاً أن هذه المطالب استثنائية في حد ذاتها ، وأن الدافع إليها فساد السلطة وسؤ تصرفاتها تجاه قضايا ومطالب الجمهور الأساسية وأنها مطالب عارضة قد تزول سريعاً عند زوال أسبابها !!
وعلى هذا الأساس نهمس في أذن كل قيادي في الحراك وفي أذن كل متأثرٍ به أنه إذا كنا في الشطر الجنوبي من الوطن قد عانينا كثيراً من نتائج حرب لم تتجاوز مدتها شهرين من الزمن أو (ألف ساعة حرب كما سماها عبد الولي الشميري) وصرنا نطالب بإعادة الاعتبار للمتضررين منها وتسوية أوضاعهم المعيشية والوظيفية لكي تنتهي آثار تلك الحرب ، فما بالكم بحرب مدتها ست سنوات لا زالت نتائجها مجهولة وأسبابها غير واضحة وآثارها مدمرة ، وما ذا نسمي هذه الحرب الطويلة الأمد التي يصطلي بنارها جزء من الوطن اليمني الكبير، وماذا كنا فاعلين لو أنها تدور على رؤوسنا خلال هذه الفترة ؟؟ وما هي ردود أفعالنا تجاهها ؟؟.
إن مشكلتنا في عموم الوطن اليمني شماله وجنوبه وشرقه وغربه مشكلة واحدة تستلزم منا رصّ الصفوف وتوحيد الجهود في إطار معارضة وطنية رائدة تحت راية ((اللقاء المشترك)) ومشروعه الحضاري الرامي إلى معالجة أوضاع البلاد كافة تحت الشعار الجامع ((النضال السلمي طريقنا لنيل الحقوق والحريات)) حتى لا نتيح فرصة أكبر للمتنفذين والفاسدين في الركوب على الموجات وتوجيه الحركات والتحركات المطالبة بالحقوق وصرفها عن مسارها الحقيقي إلى ما يخدم توجهات الفساد والمفسدين ..