انقطاع مفاجئ لخدمة الإنترنت في صنعاء مصرع قيادي حوثي بارز في محافظة الجوف ومصادر تكشف التفاصيل آبل تصدر تحديثًا لإصلاح طال انتظارة في ثغرات أمنية خطيرة في أجهزة تفاصيل لقاء رئيس مجلس القيادة بالمبعوث الأمريكي لليمن المليشيات الحوثية تجبر طلاب المدارس على زيارة روضة الشهداء بمحافظة الضالع مباحثات سعودية أمريكية بخصوص السودان وتداعيات المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اتحاد الادباء وصف رحيلها بالفاجعة .. اليمنيون يودعون الكاتبة اليمنية المتخصصة بأدب الطفل مها صلاح بعثة النادي الأهلي بصنعاء تصل مدينة صلالة بسلطنة عمان بن وهيط يناقش مع رئيس المنطقة الحرة بعدن استيراد المعدات والآلات الخاصة بتوزيع الغاز المنزلي وفق المعايير العالمية خبراء: تعنت الحوثيين أوصل السلام في اليمن إلى المجهول
لا أريد أن أبدو من خلال العنوان أعلاه وكأنني أروج لقوى الاستعمار والهيمنة والتسلط العالمية قديماً أو حديثاً، أو أن أبرر أفعالها المهولة من نهب وسلب واستغلال واستعباد وجرائم وإبادة بحق البشرية على مر العصور. لكن هل فكر أحدنا يوماً بأن يضع نفسه مكان تلك القوى؟ هل حاول أحدنا أن يفكر بعقليتها العظمى الخارقة لا بعقلية الدول المستضعفة الخاملة والأفراد المساكين أو البسطاء الطيبين أو المثقفين الطهوريين أو الصحفيين الغوغائيين أو الزعماء الذين يستثيرون مشاعر شعوبهم ضد القوى الكبرى لا لشيء إلا كي يبقوا متشبثين بالحكم بحجة التصدي للطامعين "بخيرات بلادنا وثرواتها"؟ لا شك أن الكثيرين من الزعماء العرب يتفهمون جيداً سياسات الدول الكبرى ومطامعها بما تنطوي عليه من طموح وتوسع واستغلال للدول الصغرى والضعيفة، لكنهم بدلاً من إيضاح ذلك لشعوبهم كي يستنهضوها فهم يستغلون النهم الاستعماري لدى دولة عظمى كالولايات المتحدة مثلاً في إحكام قبضتهم على بلادهم بدعوى أنهم خط الدفاع الأول ضد المطامع الاستعمارية في المنطقة. وهذا طبعاً كذب مفضوح. فكم بطشت بعض الأنظمة العربية بشعوبها وأذلتها وعذبتها وقمعتها واضطهدتها وداستها بحجة التصدي للقوى الاستعمارية والتوسعية، مع العلم أنها تعرف في أعماق أعمقاها أنها ليست مستعدة أو قادرة على قتل ذبابة معادية كما قال يوماً نزار قباني، هذا إذا كان لديها النية أصلاً في مقاتلة الذباب الأجنبي.
لكن هذا لا يعني أن نبث روح الاستسلام والخضوع في نفوس الشعوب العربية كي تستسلم للأمر الواقع، فالتاريخ مليء بالصراعات بين القوى الاستعمارية العملاقة والشعوب المستضعفة التي كانت الموازين مختلة بشكل مرعب في غير صالحها، ومع ذلك استطاعت أن تهزم أعتى الغزاة. لكن لا ضير أبداً في إطلاع الشعوب على حركة التاريخ وتصرفات القوى العظمى كي تكتمل الصورة لديها بحيث تستفيد من تجارب الأقوياء وتتعلم منها من أجل النهوض. ليس هناك دول كبرى خيرة على مدى الزمان، خاصة وأن كل الدول التي سادت تاريخياً عملت بمقولة هوبز المفكر والفيلسوف الانجليزي الشهير الذي اعتبر أن "الإنسان ذئب للإنسان". كما أنه ليس هناك مستعمر أفضل من آخر. وكما يقول المثل:" ما بتعرف خيرو حتى تجرب غيرو". فقد فعل المغول والتتار ببغداد ما فعله الأمريكيون وأكثر قبل مئات السنين.
كل القوى التي وجدت لديها فائض قوة حاولت استخدامه واستغلاله خارج حدودها. فعلها الرومان من قبل والبرتغاليون والبريطانيون والفرنسيون والعثمانيون وأيضاً العرب والمسلمون. فعندما وجد الأمويون لديهم قوة فائضة ذهبوا بها إلى بلاد الغال (فرنسا حالياً)، وخاضوا هناك معركتهم الشهيرة المعروفة ب"بلاط الشهداء". لم يذهب العرب إلى هناك من أجل الاستجمام أو صيد الحمام البري، بل من أجل أغراض استعمارية. لم يتوجهوا إلى أقاصي إندونيسيا في رحلة حول العالم، بل لنشر دعوتهم وثقافتهم واستغلال الأمم الأخرى. أما استبدالهم كلمة استعمار بكلمة غزوات فهذا لا يغير من الأمر شيئاً. لا يمكن أن نضحك على الناس بمجرد تغيير المسميات.
إن الكثير من العرب ينظر إلى الصين نظرة ودودة ويعتبرها دولة خيرة وطيبة ومسالمة، فهي لم تحاول حتى الآن أن تستعمر دولاً أخرى، بالرغم من قوتها الهائلة وعدد سكانها الرهيب. لكن كل من ينظر إلى الصين هذه النظرة الساذجة فهو لا يعرف الحقيقة كاملة. فالصين لم تحاول استغلال فائض قوتها حتى الآن في تصديره إلى الخارج، لأنه ليس لديها ما يكفي من فائض القوة كي تستغله خارجياً. لكن لا تتفاجئوا فقد شهدت إحدى الجامعات الصينية قبل فترة مؤتمراً مهماً تحت عنوان " الدور الرسالي للصين في العالم". والمقصود بالدور الرسالي أن الصين بدأت تراودها أحلام السيطرة على الغير، وهي تفكر الآن بأن يكون لها رسالة في هذا العالم، وهو الاسم الكودي للاستعمار الصيني القادم. إذن هي تستعد. ويجب أن لا نصاب بالدهشة بعد عقود إذا وجدنا الصين تنتقل من الهيمنة على تايوان المتنازع عليها إلى مناطق أخرى، خاصة وأن بكين عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وهو أحد مظاهر الهيمنة المطلوبة. ولا أعتقد أن قوى عظمى كاليابان وألمانيا لا تروادهما أحلام الهيمنة لولا المعاهدات المقيدة لهما منذ هزيمتهما في الحرب العالمية الثانية. وربما اكتفت برلين وطوكيو حتى الآن بالهيمنة الاقتصادية والتجارية الهائلة على العالم، خاصة وأنه قلما يخلو بيت في العالم من السلع الالكترونية اليابانية الباسطة نفوذها على الجميع على أمل أن تتاح لهما فرصة الاستعمار والسيطرة على الغير لاحقاً.
علينا أن نعرف أن الكبار يفكرون بعقلية أخرى غير تلك التي يفكر بها الصغار. وكما يقول المثل الشعبي: "على قدر بساطك مد رجليك". وبما أن البساط المتوفر للدول الكبرى طويل للغاية فلا بد من استغلاله إلى أقصاه. وقبل أن ندين قوى التسلط والهيمنة ونذرف الدموع على البلدان المستضعفة في آسيا وأفريقيا وأمريكيا اللاتينية، لا بد أن نعرف أن هناك ما يشبه القانون الطبيعي الذي يشجع هيمنة القوي على الضعيف تماماً كما هو الوضع في الغابة، فكما أن لدى الحيوانات العاشبة القابلية للافتراس من قبل الحيوانات المفترسة فإن لدى الإنسان المتخلف القابلية للاستعمار كما أوضح من قبل المفكر الجزائري مالك بن نبي. لا فرق أبداً بين الإنسان والحيوان، فالحيوان صاحب الجسم القوي والمخالب الجارحة والسرعة الرهيبة والأنياب القاطعة لن يخلد إلى مداعبة الفراشات الحالمة والتسلي برحيق الزهور، بل سيستخدم كل ما توفر له من عناصر القوة للتنكيل بالحيوانات الضعيفة وإخضاعها واستباحتها. لكنه بالتأكيد لن يتعرض لحيوان آخر من صنفه. فالأسد لا يحاول إخضاع الأسود الأخرى والنمر لا يحاول فرض سطوته على نمر آخر وكذلك الفهد. وهكذا الأمر بالنسبة للدول العظمى.
لقد وجدت الولايات المتحدة نفسها مثلاً تستحوذ على أكبر قوة اقتصادية وعسكرية وتكنولوجية وعلمية وإعلامية وثقافية في التاريخ، هذا في الوقت الذي ترزح فيه المنطقة العربية تحت تخلف اقتصادي وعلمي واجتماعي وثقافي رهيب. بعبارة أخرى لدينا نحن العرب فراغ هائل يجب أن يُملأ. وقانون الطبيعة لا يسمح بوجود فراغات. لقد وجدت أمريكا لدينا ثروات نفطية خيالية يسيل لها لعاب الدول المتقدمة ونحن ليس لدينا حتى القدرة على معرفة مكامنها، ناهيك عن أن يكون بوسعنا استخراجها، مما جعل الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان يصف بنوع من العنصرية الدول العربية المنتجة للبترول بأنها مجرد "محطات وقود" للأمريكيين. هل نلومه على نظرته الدونية للتخلف العربي؟ بالطبع لا. فنحن لم نستطع، بفضل "قيادتنا العربية الرشيدة" أن نعلم أكثر من سبعين مليوناً من سكان الوطن العربي الحروف الهجائية بعد، في وقت تعتبر فيه إسرائيل الأمي الحقيقي لديها ذلك الشخص الذي ليس لديه جهاز كومبيوتر، ناهيك عن أننا لم نتمكن من تصنيع أبسط مستلزماتنا حيث نستورد الفول والفلافل والطعمية والغترة والعقال من الغرب واليابان. فكيف لنا أن نخترع المعدات الثقيلة التي تكتشف الثروات تحت باطن الأرض وتستخرجها وتكررها وتصنعها وتحولها إلى سلع عجيبة غريبة؟ وكذلك الأمر بالنسبة للأفارقة فقد حباهم الله بثروات هائلة ومعادن نفيسة تحت باطن أرضهم، لكنهم لم يتمكنوا من استغلالها فوقعوا فريسة للقوى التي تعرف كيف تستغل الطبيعة والإنسان، ليصبحوا مثلنا ضحايا للمستعمرين الأمركيين الجدد.
من السخف الشديد ومن القفز فوق الواقع أن نضع رأسنا برأس أمريكا أو نصارعها ونحن لسنا قادرين على تأمين أتفه احتياجاتنا اليومية. هل يستطيع أحد أن ينكر أننا نعتمد في معظم متطلباتنا على المصنوعات الغربية والأجنبية؟ دعونا أولاً نحقق الشعار الذي رفعه غاندي في مواجهة الاستعمار البريطاني: "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع" وبعدها نفكر بصوت عال على طريقة المناجاة في الفن المسرحي (السولولوكوي)، أي سراً، في مقارعة أمريكا والطامعين بخيرات بلادنا وثرواتها. وطالما ليس لدينا القدرة على استغلال ما حبانا الله به من خيرات فمن الأفضل لنا أن نخرس كي لا أستخدم عبارة أكثر ضراوة، وأن لا نرفع سيوفنا الصدئة في وجه مالكي العالم بالتكنولوجيا والعلم والاقتصاد والتجارة والإعلام! فقبل أن نفكر بالتصدي لقوى الهيمنة العالمية فلنتصد أولاً لقوى الهيمنة الداخلية العربية التي تسومنا يومياً سوء العذاب.
إنها ليست أبداً دعوة للهوان والخنوع والركوع، بل للاستنهاض وبناء مكونات القوة. قد يقول لي قائل إن العرب عبر تاريخهم هزموا المستعمر تلو الآخر، وأن ثورات التحرير والاستقلال ضد الفرنسيين والبريطانيين مازالت ماثلة في الأذهان, وهذا صحيح ولتعش سواعد المناضلين الأبطال الذين حرروا أرضنا من رجس المستعمرين! لكن ماذا فعلنا بعد التحرير والاستقلال؟ ألم نستبدل مستعمراً خارجياً بمستعمر داخلي حقير عاث خراباً وفساداً في بلادنا، ومهد الطريق للغزاة كي يعودوا إلينا ثانية؟ أليس جديراً بنا أن نحقق "الاستقلال الثاني"؟ آه كم شعرت بحزن شديد عندما سألت شاباً عراقياً قبل فترة عن رأيه بالاحتلال الأمريكي للعراق، فقال لي وهو يشد الرحال من الدوحة إلى بغداد بسعادة غامرة: "لقد كنا نحن العرب نحلم دائماً بالذهاب إلى أمريكا للاستمتاع والانتفاع بنهضتها العلمية والتكنولوجية والاقتصادية العظيمة، والآن ها هي أمريكا وقد جاءت إلينا بأرجلها، فلماذا لا نستغل وجودها بين ظهرانينا كي ننهض ببلادنا ونستفيد من التجربة الأمريكية العملاقة في كل الميادين؟" (لكن صاحبنا العراقي عاد إلى الدوحة، فقد شاهدته قبل أيام في السيتي سنتر لكنني آثرت أن لا أتحرش به رأفة بخيبة أمله) لماذا انطلت اللعبة على بعض شبابنا المتعلقين بأهداب الأجنبي؟ إن الأسد لا يهجم على الغزال في الغابة كي يمد له يد العون، بل لكي يفترسه. وهكذا أمر القوى العظمى على مر التاريخ، فهي لا تمخر عباب البحار والمحيطات، وتجيش الجيوش الجرارة، وتضحي بأرواح جنودها، وتنفق المليارات كي تأتي لمساعدة "أخينا العراقي" وتنتشله من حفرته ومعاناته تحت الاستبداد، بل كي تفعل به ما تفعله الحيوات المفترسة في الغابة عادة بالحيوانات الضعيفة.
طبعاً من حقنا أن نشتم ونلعن هذه القوى المتوحشة ليل نهار، لكن الحل الحقيقي يكمن في تطوير أنفسنا وخلق دول قوية لا تكون لقمة سائغة في فم الطامعين بها أو فراغاً يستغله المستعمرون الباحثون دائماً عن أي ثقب ينفذون منه إلى ثروات الشعوب وخيراتها، فلا تعطوهم الفرصة. الأمر بأكمله عبارة عن معادلة طرفاها قوي متسلط وضعيف مسكين، فإذا قاوم الضعيف كما يفعل العراقيون الآن وفعل الفيتناميون من قبلهم فإن القوي سيهرب. لكن الأهم ليس مجرد طرد المستعمر، بل الحيلولة دون عودة أمثاله في المستقبل عندما تختل المعادلة ثانية. وهذا هو بيت القصيد.
الاستعمار، يا جماعة الخير، طاقة وقوة وحيوية واستنفار دائم وتحفز ونهم شديد وطموح ليس له حدود وتغول. فكروا بعقلية القوى العظمى فقد تعذرونها وتدينون أنفسكم لعلكم تنهضون!