بقنابل وصورايخ خارقة للتحصينات… ضربة جوية قوية في قلب بيروت وترجيح إسرائيلي باغتيال الشبح عربيتان تفوزان بجوائز أدبية في الولايات المتحدة قوات كوريا الشمالية تدخل خط الموجهات والمعارك الطاحنة ضد أوكرانيا هجوم جوي يهز بيروت وإعلام إسرائيلي: يكشف عن المستهدف هو قيادي بارز في حزب للّـه مياة الأمطار تغرق شوارع عدن خفايا التحالفات القادمة بين ترامب والسعودية والإمارات لمواجهة الحوثيين في اليمن .. بنك الاهداف في أول تعليق له على لقاء حزب الإصلاح بعيدروس الزبيدي.. بن دغر يوجه رسائل عميقة لكل شركاء المرحلة ويدعو الى الابتعاد عن وهم التفرد وأطروحات الإقصاء الانتحار يتصاعد بشكل مخيف في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي.. طفل بعمر 14 عاما ينهي حياته شنقاً تقرير دولي مخيف....الإنذار المبكر يكشف أن اليمن تتصدر المركز الثاني عالميا في الإحتياج للمساعدات الإنسانية حرب المسيّرات.. التكنولوجيا التي أعادت تشكيل وجه النزاعات العسكرية
من أخطر وأسهل الأخطاء التي يقع بها البعض هي: المقارنات السطحية بين حالة وأخرى وقضية وقضية، فمثلاً هذه الأيام إذا أشار أحد السوريين إلى حجم الدمار والتضحيات الكبيرة التي دفعتها غزة، يخرج له البعض ليشتمه أو يزجره مذكراً إياه بأن السوريين دفعوا أيضاً ملايين الضحايا في سبيل التحرر، فلماذا حلال على السوريين وحرام على الغزاويين أن يفعلوا ما فعل السوريون؟ وكي لا يصطاد أحد في الماء العكر هنا، من الخطأ الفادح أولاً تشبيه الحالة السورية بحالة غزة، فالمقارنة خاطئة من أساسها، فغزة وبقية فلسطين تتعرض منذ عقود وعقود لاحتلال غاشم باعتراف العالم كله، وهي من حقها تماماً أن تقاوم بكل الطرق والوسائل لتتحرر من الغزاة والمحتلين، ولا ينكر على الشعوب التي ترزح تحت نير الاحتلال حق المقاومة سوى جاهل. لكن أن يقوم البعض بمقارنة الوضع السوري بوضع غزة، فهو يجافي الحقيقة تماماً، ويدخل في مقارنات ومقاربات بلهاء، فالسوري واجه نظاماً محلياً، بينما الفلسطيني واجه ومازال يواجه عدواً لدوداً.
ولمن تنقصه المعلومات حول ما جرى في سوريا منذ عام ألفين وأحد عشر، يمكن أن نذكره بألف باء الحالة السورية، فالشعب السوري الذي انتفض قبل ثلاثة عشر عاماً كان يواجه نظاماً أمنياً قاهراً طاغياً ظالماً بشهادة العالم أجمع، وما فعله بالسوريين بعد أن تحركوا لم تفعله أي قوة احتلال حتى الآن. فالنظام السوري استخدم الأسلحة المحرمة كالسلاح الكيميائي في أكثر من بقعة في البلاد لكسر إرادة المقاومين للنظام. ولم يقم الإسرائيلي بتصفية عشرات بل مئات آلاف المعتقلين بكل أساليب الوحشية، مع العلم أنه يعتبر الفلسطينيين أعداءه، بينما فعل النظام السوري الأفاعيل بشعبه وبلده المفترض أنه رئيسه. وما فعلته إسرائيل بغزة من مجازر وفظائع فعله النظام بعشرات المدن والقرى السورية، ومسحها عن بكرة أبيها.
وللذين يقارنون بين أساليب المقاومة الغزاوية والمقاومة السورية، فهم للأسف يهرفون بما لا يعرفون، لأن الانتفاضة السورية بدأت بمظاهرات شعبية بسيطة جداً كانت تطالب بأبسط أساسيات الحياة الكريمة من حرية وكرامة وعيش كريم. وكل الشعارات الطائفية التي سمعنا عنها في بداية الحراك كانت من تصميم النظام ومخابراته عبر عناصر تابعة له لتشويه الحركة الشعبية ومطالبها وتأليب السوريين والعالم عليها.
وقد نجح النظام وحلفاؤه في القضاء على الحراك السلمي خلال الستة أشهر الأولى وأنهوا كثيراً من الرموز السلمية بالقتل والتنكيل والسجن.
أما السنوات التي تلت إخماد الانتفاضة السلمية، فهي قصة أخرى، وقد كان النظام وحلفاؤه ينتظرون تحويل الانتفاضة إلى حرب مسلحة بفارغ الصبر، لأن النظام لا يجيد أصلاً سوى أساليب القتل والعنف والهمجية والوحشية. وكي لا يصطاد البعض هنا بالماء العكر أيضاً، نحن لسنا هنا بصدد شيطنة كل الجماعات السورية التي اضطرت في لحظة ما إلى حمل السلاح للدفاع عن أهلها ومناطقها ضد همجية النظام وحلفائه الطائفيين. معاذ الله، فقد دفع النظام السوريين إلى الصراع المسلح دفعاً ورغماً عنهم. ولا يمكن لعاقل هنا أن ينتقد أو يدين الجماعات الوطنية الأولى التي اضطرت إلى حمل السلاح، لكن قصة السلاح والجماعات المسلحة لم تبدأ وتنتهي بما يمكن أن نسميه بالجماعات القتالية الوطنية التي كانت صادقة في تصديها المسلح للنظام، بل تطور الأمر لاحقاً إلى توسيع رقعة الصراع الدامي باستقدام جماعات وفصائل مرتزقة من خارج سوريا بحجة مناصرة السوريين والتي راحت تتاجر بإقامة مشاريع الخلافة لهم على أنها المنقذ والمخلص، وهذا قد أضر كثيراً بالجماعات السورية الوطنية المسلحة الأولى التي كانت أهدافها فقط الدفاع عن مناطقها في وجه النظام الوحشي والتي عانت من تلك المجموعات الداعشية التكفيرية التي كانت تقاتل الفصائل الثورية ولا تقاتل النظام أصلاً، والتي راح النظام بحجتها يدمر ويقصف ويتهم كل معارضيه بالإرهاب والدعشنة. ثم كانت قضية الدعم والتمويل الخارجي الدولي الذي استغل حاجة السوريين للتمويل والسلاح في معركته وبدأ يتحكم بمسار الثورة وينفذ فيها أجندات لا علاقة لها بثورة السوريين، تطيل الصراع ولا تنهي النظام، وتتحكم بمسار المعارك عبر التضييق وقطع الدعم في أوقات محددة، أو الدفع بمتسلقين داخل الفصائل والمجموعات للتخريب والتشويه والإفشال.
أما بالنسبة للمقارنة بين الدمار الذي حصل في غزة وبين الذي حصل في المدن السورية، فهذه أيضاً خاطئة لاختلاف الحالتين والأسباب. ويتساءل البعض: لماذا تلومون قيادات غزة على الدمار الحاصل لأنها اتخذت قرار الحرب، ولا تقولون ذات الشيء على المعارضة السورية، وهنا تقع المقارنة الخاطئة، ففي سوريا لم يكن هناك جهة تمتلك قرار المتظاهرين، لأنها كانت موجة شعبية عارمة رافضة للنظام في حين أن قرار الحرب في غزة اتخذته قيادة تحكم غزة منذ سنوات، وهي قيادة لديها حكومة واستخبارات وأجهزة إعلام ولديها موارد وسلاح وقادة عسكريون من الطراز الأول، في حين أن الثورة السورية انطلقت عفوية وشعبية وشملت كل بقاع سوريا ولم يكن أحد يملك قرار التحكم بخيارات الناس. وهناك اليوم أصلاً جدل كبير بين من يبرر مواجهة النظام داخل الحواضن الشعبية وبين من يرفضها رفضاً قاطعاً. ويتساءل كثيرون هنا: ألم يحذر رياض الأسعد أحد قادة الجيش الحر الشرفاء الأوائل من أن حرب المدن خاطئة وكارثية، وقد استفاد منها النظام كثيراً؟ لماذا لم تفكر الجماعات التي حاربت داخل المدن بنقل المعركة مثلاً إلى معاقل النظام وثكناته خارج المدن بدل الدخول في معارك ضارية في الأحياء المكتظة بالسكان أدت إلى تدمير معظم مناطق المعارضة وتهجير الملايين من سكانها؟ لماذا لم تلجأ إلى حرب العصابات بدل خوض المعارك على ترابها؟ وبالتالي فإن نقطة التلاقي الوحيدة بين الحالتين السورية والغزاوية التي تثير الخلاف حولها هي مواجهة العدو داخل الحواضن الشعبية. هل أخطأت قوى المقاومة الغزاوية والسورية خطأً فادحاً في استدراج العدو إلى مناطقها والتسبب بتدميرها وتهجير شعبها، أم إن المواجهة فُرضت عليهما فرضاً، ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان؟
المصدر/ القدس العربي