ثقافة القتل وصناعة الجثث
بقلم/ احمد منصور
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 7 أيام
الثلاثاء 21 يوليو-تموز 2009 08:11 ص

"في الحقيقة... القتل شيء مليء بالمتعة، عندما تذهب لأفغانستان تجد رجالا كانوا يصفعون النساء بلا مبالاة طيلة خمس سنوات لأنهن لا يرتدين الحجاب..... لذا قتلهم هو شيء مليء بالمتعة "، بهذه اللغة وهذه الثقافة تحدث الجنرال الأمريكي جيمس ماتيس قائد إحدي فرق مشاة البحرية الأمريكية في ندوة عامة في مدينة سان دياجو بولاية كاليفورنيا الأمريكية في الأول من فبراير عام 2005، ولم يكن الجنرال يتحدث بهذه اللغة عن ثقافة خاصة به وإنما عن ثقافة عامة لدي القوات الأمريكية التي تمارس القتل والخراب والدمار في أنحاء العالم منذ أن قامت الولايات المتحدة على أطلال قبائل الهنود الحمر السكان الأصليين لما عرف بعد ذلك بالولايات المتحدة الأمريكية نهاية القرن السابع عشر، غير أن ثقافة القتل وصناعة أكوام الجثث لم تكن تجد في ذلك الوقت من يقوم بتصويرها تليفزيونيا وربما فوتوغرافيا، فلم تتوفر صور حقيقية لها ولكن بقيت ثقافتها يمارسها الأمريكيون جيلا بعد جيل في أطراف الدنيا، وكانت القنبلتان النوويتان اللتان ألقيتا من طائرتين أمريكيتين على كل من مدينة هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين في السادس والتاسع من أغسطس من العام 1945، أكبر جرائم القتل الجماعي للبشر التي ارتكبت في تاريخ الإنسانية في ساعات معدودة، فخلال ثلاثة أيام فقط قتل ما يقرب من مائتين وخمسين ألف شخص وجرح ما يزيد على مائة ألف فيما بقي الملايين على مدي أجيال يعانون من آثار الإشعاع النووي، وبقي الطيارون الذين ارتكبوا هذه الجريمة الإنسانية الجماعية التي لن تمحي من تاريخ البشر لا يشعرون بأي ذنب تجاه ما قاموا به حتى اللحظات الأخيرة في حياة كل منهم حيث توفي الأخير منهم قبل سنوات معدودة، وكان هذا الطيار الذي يدعي بول تيبتس قد حاورته صحيفة الواشطن بوست الأمريكية في شهر أغسطس عام 1995 في ذكري مرور خمسين عاما على إلقاء القنبلتين حول مشاعره تجاه ما قام به بعد مرور خمسين عاما وما إذا كان قد شعر بأي ندم أو أرق لمقتل وإصابة مئات الآلاف من البشر بسبب قصفه لهم فأجاب قائلا: "لا... لم يحدث أن عانيت من أي أرق نتيجة التفكير في هذه المسألة، ولن أعاني أبدا من مثل ذلك، فأنا لم أقم بعمل يمكن أن أخجل منه " أما الطيار الذي كان قد كلف بمهمة إلقاء قنبلة ثالثة على مدينة يابانية أخري والذي ألغيت مهمته بعد إعلان اليابان عن استسلامها علق على إلغاء مهمته قائلا : " لقد شعرت في ذلك الوقت بخيبة أمل حينما أبلغوني بإلغاء العملية، فقد أردت أن أعرف كيف يكون ذلك ".

هذه الثقافة التي يتم غرسها في نفوس هؤلاء البشر هي التي أوجدت هذه الحروب التي لا تتوقف وهذه الجرائم البشعة التي ترتكب فيها حيث كان قتل خمسة أو ستة من البشر من قبل يعتبر مجزرة، فأصبح بعد ذلك مسمي مجزرة يطلق على شعب بأكمله أو جماعة بمكوناتها من النساء والأطفال والشيوخ، وكانت الفلسفة الأمريكية في تصفية القرى والمدن والنساء والأطفال تعلن بشكل واضح لا يدعو للأرق أو الندم أو التردد في كل حروبها وأطولها حرب فيتنام حيث كانت المنشورات الأمريكية تلقي على سكان القرى من الطائرات وتقول لهم : " إن قوات الفيتكونج تختبئ بين النساء والأطفال في قراكم وإذا ما استخدمكم الفيتكونج في هذه المنطقة أو استخدموا قراكم لهذا الغرض فانتظروا الموت من السماء " وكان الموت يأتي الفيتناميين نساء وأطفالا وشيوخا وحيوانات وبشراً على مدار الساعة طيلة عشرين عاما على يد الآلة العسكرية الأمريكية فيما كان مهندس الحرب وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت ماكنمارا يعلن ثقافة القتل التي تقوم على أن "التصرف المعقول في التعامل مع القنابل هو التخلص منها " والتخلص منها هنا بإلقائها على البشر الأبرياء، حيث ألقيت كافة أنواع القنابل على الفيئتناميين فقتلت وجرحت وشردت الملايين وأهلكت الحرث والنسل، وما حدث في فيتنام على مدي عشرين عاما يحدث في أفغانستان منذ العام 2001 وفي العراق منذ العام 2003، لكن أفغانستان تعرض في أكتوبر ونوفمبر من العام 2001 إلى أكبر عملية " قصف سجادي " في تاريخ الحروب ـ أي مسح الأرض شبرا بشبر وذراعا بذراع بالقنابل ـ حتى أن البروفيسور الأمريكي مارس هيرولد أعد تقريرا حول هذا الموضوع قال فيه إن مخازن وزارة الدفاع الأمريكية قد تم تفريغها من كافة أنواع القنابل الكبيرة الحجم التي كانت متراكمة بها طوال عقود وتم التخلص منها حسب ثقافة ماكنمارا ولكن على رؤوس الشعب الأفغاني المسلم، فصنعوا أكواما هائلة من الجثث وراكموا كما هائلا من القصص المروعة والجرائم البشعة، وربما كانت وسائل الأعلام حتى عقد أو عقدين على الأكثر تتجنب إلى حد ما إظهار صور الجثث والمذابح على صفحات الصحف أو عبر شاشات التلفزة لاعتبارات كثيرة، ولعل الجميع يذكر تلك الصورة التي لعبت دورا كبيرا في إيقاف حرب فيتنام ودفع الأمريكيين للخروج وهي صورة العائلة التي كانت تهرب من قنابل النابلم التي كانت تحرق الأخضر واليابس في تلك البلاد والتي طورت الولايات المتحدة ما هو أكبر وأشد فتكا منها الآن حيث تستخدمه ويستخدمه حلفاؤها الإسرائيليون في كل من أفغانستان والعراق وفلسطين فينشرون ثقافة أكوام الجثث حتى أن الكاميرات لم تعد تستطيع أن تهرب من تلك الأكوام بل أصبحت أكوام الجثث تدخل بيوت الأحياء عبر شاشات التلفزة بالليل والنهار في أطراف الدنيا دون أن تحرك ساكنا لدي الناس، حينما تشير التقارير إلى أن عدد من قتلوا في العراق منذ العام 2003 وحتى الآن يزيد على مليون عراقي كثيرون منهم لا يعرفون لم قتلوا، وحينما يقتل ما لا يقل عنهم في أفغانستان حيث لا تفرق القنبلة والصاروخ الأمريكي بين طفل يرضع على ذراع أمه أو شيخ ساجد يدعو ربه أو مقاتل يتواجد بعيدا في الجبال يرد ويواجه المحتل الذي غزا أرضه، فتكون نفس السياسة التي أعلنها ماكنمارا في فيتنام وهي إدانة الشعب كله طالما أن هناك مقاتلين بين صفوفه، هذه الثقافة أدت إلى نشر تلك الثقافة " ثقافة القتل " ووجود تلك الصناعة الشيطانية " صناعة أكوام الجثث "، حتى تعود الناس على مناظر الدماء والأشلاء والخراب والدمار صباح مساء، حيث كانت صورة أم تهرب من قنابل النابلم وعلي ذراعها ابنتها قبل أربعين عاما كفيلة بإيقاف حرب كبري لكن أكوام الجثث التي تعرض علينا بالليل والنهار لم تعد تحرك ساكنا لدي الناس، إن ما يحدث في أفغانستان والعراق وفلسطين ليس عبثا، وما تبثه الكاميرات ووسائل التلفزة دون أن يحرك لدي الناس شيئا ليس عبثا كذلك، حيث أصبح القتل وأكوام الجثث لا يحرك عند الناس شيئا سوي الأسف وهم جالسون على أرائكهم يلومون الضحية أحيانا، لكنهم في الحقيقة ينتظرون دورهم في القتل