الإخوان والتوريث.
بقلم/ علي عبد العال
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 21 يوماً
الخميس 06 أغسطس-آب 2009 05:50 م
 
  

سأل (محمدوف): "ما هو موقف الإخوان من قضية التوريث؟"، فأجابه (الغلبان) بعامية معهودة في المنتديات: "أنا زي كل الإخوان، نرفض التوريث، لكن أنا رأيي إن دي مش قضيتنا (...) دي قضية خسرانة خسرانة"، فجاءه الاحتجاج سريعا من (الفهم أولا): "أخي الغلبان، بمبدأ القضية خسرانة خسرانة يبقى بلاش نشتغل في مصر، ونلغي الجماعة في مصر، ونشتغل في أي دوله تانية، عشان كل القضايا في مصر خسرانة خسرانة".

كان نقاشا محتدما بين شباب الإخوان المسلمين على المنتدى المعروف باستقطابه عناصر الحركة، دفع خلاله (الغلبان) بوجهة نظره في أهم قضية سياسية تشغل بال المصريين حاليا، نافيا أن يكون تفكيره "استسلاميا" بل على العكس يراه "تفكيرا واقعيا" لأن الاهتمام بتصحيح المفاهيم، ونشر الوعي، وإتاحة الحريات، هو الذي "يُولد رفض التوريث عند الأمة"، وهو دفاع لم يقبله الإخواني الذي اختار (الفهم أولا) اسما مستعارا له، فرد متسائلا: "امال ايه هي قضيتنا بالزبط؟"، واستطرد: "لما يحصل التوريث بخطواته للي بتمسنا في كل الاعتقالات اللي حاصله دي يبقى قضية مين؟"، وأجاب نفسه متهكما: "شكلها كده قضية عم أحمد، خلينا نقعد نصحح المفاهيم لحد ما نموت، وولادنا من بعدنا يصححوا المفاهيم، وولادهم وولاد ولادهم".

عكس النقاش الإخواني الإخواني إلى أي مدى يمكن أن يحتدم الجدل داخل الجماعة لإيجاد مخرج من هذه الإشكالية التي قد يؤدي التعامل غير المحسوب معها إلى تدمير الحركة الإسلامية أو على أقل تقدير تلقيها ضربات ربما تؤدي إلى تراجع مشروعها إلى عشرات السنين، وهو نقاش لم يكن حكرا على قادة الجماعة ورموزها بل ربما هو أشد ضراوة على مستوى القواعد خاصة الشبابية منها، وهو ما برز واضحا عبر المدونات والمنتديات على شبكة الإنترنت.

رفض مطلق للتوريث

وإذا كانت قضية توريث الحكم تحتل هذه المساحة من تفكير الإخوان المسلمين فإن قراءة متأنية للمواقف المعلنة تؤكد أن الجماعة منذ طُرحت هذه القضية على الساحة السياسية بالتوازي مع تصعيد جمال مبارك عام 2002، تعارض تمرير هذا السيناريو بل تسعى جاهدة للحيلولة دون تنفيذه، ولعل ذلك ما بدا واضحا من خلال تصريحات عدد من كبار قادتها على رأسهم المرشد العام محمد مهدي عاكف، الذي أكد ضمن تصريح له: "أن الجماعة لن توافق في أي حال من الأحوال على أن يكون (جمال مبارك) رئيسا لمصر".

وإذا كان موقف الجماعة هو الرفض المطلق لنجل رئيس الجمهورية، فإن وراء ذلك جملة كبيرة من الأسباب يدفع بها الإخوان، أهمها: أن مبارك الابن "لا يعرف شيئا عن الشعب، وليس له تاريخ يتقدم به"، حسبما قال مهدي عاكف، كما أنه يتولى أمانة لجنة السياسات التي تنتهج "تزوير الانتخابات"، وبات "يتصرف في أمور الدولة، وساهم في إنشاء المحاكم العسكرية، ورعا الاعتقالات التي تنال الإخوان يوميا"، يضيف عاكف في حديث لوكالة "فرانس برس": وقد فصلت المادة 76 من الدستور على مقاسه، لذلك فهو "أكثر إنسان يتحمل الكراهية الناجمة عن كل فساد العهد"، هذا على صعيد ملفه الداخلي حسبما يرى الإخوان المسلمون.

أما بالنظر إلى ارتباطاته الخارجية وعلاقاته الدولية، فإن النائب الأول للمرشد د.محمد حبيب، فصل في ذلك معتبرا الابن الأصغر للرئيس مبارك "سياسيا شابا يتبنى الفكر الأمريكي، وله أجندة لا تتسق مع المجتمع المصري"؛ لأنها أجندة قادمة من واشنطن، على حد قوله، يسعى جمال لتحقيقها فقط "لمصلحة رجال الأعمال على حساب الطبقة الوسطى والفقراء"، ففي مقابلة أجرتها صحيفة "القدس العربي" رأى حبيب أن هذا لا يتفق مع سمعة وكرامة مصر.

مما سبق يتبين أنه لم يعد ثمة مجال للخلاف لدى الإخوان على رفض التوريث والوريث معا، لكن ربما ما لم يتم حسمه حتى الآن داخل أروقة الجماعة هو مساحة المناورة المتاحة وخيارات التحرك المستقبلي، والتي ستلجأ إليها إذا تمكنت مجموعة التوريث في النظام والحزب الحاكم من فرض هذه الأجندة على البلاد، خاصةً أن الإخوان دائماً ما ينظر إلى كونهم القوة الكبرى والمنظمة في المعارضة المصرية، وهو ما تضعه الحركة في حسبانها خاصة أمام مطالب دائما ما تصدر عن قواعد الشباب في الجماعة بضرورة حسم الحركة الإسلامية الأم لمواقفها أمام الملفات الكبرى التي تشغل الرأي العام كالتوريث والانتخابات الرئاسية.

فعلى الرغم من هذه المعارضة الشديدة التي يبديها الإخوان المسلمون أمام طموح جمال مبارك ورغبته في أن يرث حكم البلاد بعد والده، فإنها بقيت وما تزال معارضة "باردة"، لم تشتمل على أي تحرك عملي حتى الآن، وهو ما عكسه تصريح المرشد العام لوكالة الأنباء الفرنسية، بالقول: "لا نملك إلا أن نعلن رفضنا"، وهو الموقف الذي كرره محمد حبيب بصيغة أخرى حيث قال: "يجب أن نفرق بين أمرين، الأول أنك ترفض شيئاً، والثاني أن تكون لديك القدرة على منع حدوث هذا الشيء الذي ترفضه"، ما جعل المحللين يذهبون يمينا ويساراً في تأويلهم والتكهن بما قد تنتهي إليه خيارات الجماعة في المستقبل، خاصة في ظل ما يعتقد أنها إجراءات تجري على قدم وساق من قبل الحزب الحاكم من أجل إتمام المسلسل.

ما بعد الرفض

وقد تباين المتكهنون حول الخيار الأخير للإخوان أمام "التوريث" بين احتمالات عدة منها: لجوء الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها مئات الألوف من المصريين إلى تنظيم المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي قد تشمل العاصمة والمدن الكبرى في البلاد، وقد يقودها ذلك في حال نجاحها في تحمل الضربات الأمنية التي ستزداد عنفا كلما اقتربت ساعة الحسم إلى تنظيم إضراب عام يعم البلاد أو حتى عصيان مدني، ولعل ما يشير إلى ذلك التصميم الذي يبديه محمد حبيب في بعض تصريحاته مستبعدا أن يقدم الإخوان أي تنازلات تحت الصعوبات، قائلا: "أيا كان التصعيد، فموقفنا من التوريث لن يتزعزع"، مشيرا إلى أن جمال مبارك سيكون حاكما مستبدا، و"ليس بوسعنا بأي حال من الأحوال أن نهدر ثلاثين عاما أخرى من عمر الشعب في تجربة مشابهة لتجربة مبارك الأب"، وهو ما قد يفسر شراسة الحملة الأمنية والإعلامية والاقتصادية التي تستهدف الجماعة هذه الأيام.

الخيار الآخر، أن تجنح الحركة إلى الانصياع والقبول بعملية ترويض يمارسها النظام في مرحلة ما؛ تفاديا لأي مواجهة تعكر الصفو على جمال في طريق مروره إلى كرسي الرئاسة، خاصة أن هذا الترويض حتما سيسبقه عدد من الضربات العنيفة التي قد تحمل الجماعة على الرضوخ، هذا الترويض قد يحصل منه الإخوان على بعض المكاسب التي سيحددها فقط اتجاه الأحداث، ومعدل ميل الكفة في كل اتجاه، إلى جانب ثقة كل طرف بما في يديه من أوراق.

ومما يعزز هذا الرأي حرص الإخوان على إبراز جانبهم اللين والتأكيد عليه كخيار أوحد أمام الجماعة في جميع الأحوال، مهما تعاظمت التحديات، ففي الندوة التي نظمتها يومية "الشروق" القاهرية دفع د.عصام العريان التساؤلات حول موقف الجماعة في حال فرض النظام جمال مبارك بتجربتهم التاريخية التي وصفها بـ"المؤلمة" مع النظام الملكي، حيث جرى تصفية المرشد الأول حسن البنا، مؤكدا أن "ذاكرة الإخوان بالتأكيد تختزن هذه التجربة، ولا يمكن أن يقامروا على محاولات أخرى في هذا الصدد".

وفي تعليقه على ما يمكن اعتباره تناقضا في تصريحات الشدة واللين من قبل قادة الجماعة أمام ملف التوريث نفى العريان وجود أي "تناقض"، وفي تصريح خاص لموقع "الإسلاميون.نت" أشار إلى أهمية أن تقرأ تصريحات قادة الجماعة "في سياقها الزمني والسياسي"، فـ"الإخوان لا يمكن أن يوافقوا على التوريث"، وفي الوقت نفسه "لا توجد صفقات"، مفسرا ذلك بقوله: "أحيانا يلجأ الإخوان إلى تخفيف حدة التصريح فقط"، كما أن "كل أخ يعبر بطريقته اللينة أو الشديدة".

وأمام هذه الإشكالية التي لم تعرف معالمها بعد ظل الإخوان المسلمون يعولون كثيرا على الشارع المصري، وقواه الحزبية، ونخبه السياسية والثقافية والدينية، ويشددون في التأكيد على هذا المبدأ في جميع لقاءاتهم وتصريحاتهم، حيث يقول محمد حبيب: "إن رهاننا الحقيقي على الشعب"، الذي لديه طاقات هائلة لو تمت توظيفها واستغلالها بشكل جيد -من وجهة نظره- فسيحقق ما يريده، مؤكدا أهمية الدور الذي ينبغي على "القوى الوطنية والسياسية" أن تلعبه "لأن الشعب لن يتحرك بمفرده"، رافضا "أن يدفع بالكرة في ملعب الإخوان" وحدهم.

وهو ما يدلل من جهة أخرى على المخاوف التي تحيك في صدور الإخوان المسلمين من تحملهم عبء الوقوف في وجه النظام وحدهم، أو أن تعول باقي القوى على دور جماعتهم منفردة في قيادة الشعب المصري إلى الاحتجاج، ضد قضية ربما باتت تمثل مسألة (حياة أو موت) للنظام الحاكم في مصر.