فيصل بن شملان : رحيل السياسي المثقف النزيه
بقلم/ علي أحمد العمراني
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 23 يوماً
الأحد 03 يناير-كانون الثاني 2010 11:09 م

عرفت المرحوم الأستاذ / فيصل بن شملان لأول مرة عندما كنت في مكتب وزير المالية في العام 1992 ، وقد لفت أحدهم نظري إلى وجوده في المكتب واقفا بأدب جم وبساطة لا تتناسب مع ما ألفناه في سمة وسلوك كثير ممن يعتبرون أنفسهم كبارا ... ومع أننا اجتهدنا في الإحتفاء بالرجل ، فقد كان بعض ممن في المكتب حينها لا ينزلون كثيرا من الناس منازلهم ،ربما إنطلاقا من فلسفة خاطئة ترى أن الغلظة وشىء من الفضاضة هي من سمات القائمين على شؤون المال !

كنت أسمع عن بن شملان أنه مستقيم ونزيه ومتدين .. وجلست معه ، أول مرة ، بعد إتنخابات 1993 ، في مقيل الدكتور المرحوم محمد بن يحيى الشرفي ... ومع أن بن شملان كان له موقف مبدئي من القات ، فقد لفت نظري أنه تناول سيجارا أعطاه إياه الدكتور الشرفي يرحمها الله... ولفت نظري أيضا أنه - وهو الذي سمعت عنه التدين والإستقامة - حليق اللحية والشارب أيضا...ومعروف أن كل ذلك بعيد عما نألفه في واقعنا ، حيث يظن كثيرون ويفتون أيضا أن التدين بقدر ما هو جوهر فلا بد أن يكون له شكل ومظهر ، حتى صار يطغى المظهر على الجوهر ، وصارت المعارك اليوم محتدمة بين المتدينين أصحاب المظهر المتشابه والجوهر المختلف ، وبين بعض منهم وبقية خلق الله أجمعين... كنت ولا زلت أرى أن التدين والإلتزام والإستقامة أفضل ما تكون عندما لا يدل عليها مظهر أو شكل أو جلبة ، ولا يصاحبها استعلاء أو تجهم أو كراهية لأحد...وأفهم أن التدين جوهره الرحمة لكل بني البشر " وما أرسلناك إلا للعالمين"...

كان بن شملان وطنيا ونزيها بحق ولكنه ظل أبعد ما يكون عن الإدعاء أو الدعاية لذلك ... في مجلس النواب ، تجسد في بن شملان دور وحقيقة النائب المستقل فعلا ، ولم يكن بن شملان يتحدث في كل شيء كما يروق لكثيرين منا ، لكنه عندما يتحدث نصغي ونستمع ، ولا يتحدث إلا في أمر ذي أهمية خاصة ، وكان يطيل الحديث غالبا ، غير أن الشيخ عبد الله لا يقطع حديثه ... كان حديثه سياسةً وفِكْرا عميقا ، وينم عن مسؤلية وطنية وأخلاقية عالية ...وظل أبعد ما يكون عن المناكفة والمزايدة ، رفض التصويت ذات مرة على الموازنة[ ربما آخر مرة حضر نقاش الموازنة في المجلس ] لأنها لم تتضمن أي معالجات لمشلكة القات ! انسحب بهدوء من المجلس إثر التمديد لمدة المجلس عامين في التعديلات الدستورية لكنه عدل عن ذلك وعاد يحضر بناء على تدخل الشيخ عبد الله الذي كان يحترم بن شملان كثيرا لكن الشيخ أعلن وقوفه إلى جانب الرئيس صالح في انتخابات الرئاسة 2006...

ظل بن شملان مستقلا برايه ومواقفه بالفعل ، ولم ينصفه بحق أحد سوى وقوف غالبية مواطني دائرته الأنتخابية الطيبين معه لمرتين ، ولكن خذله غالبيتهم في الثالثة ، في انتخابات 2003 لم يقف معه المشترك الذي أسهب قادته في الحديث عن مزاياه الحقيقية عندما ترشح للرئاسة في 2006 ، وقد غلبته الأحزاب جميعها في 2003.. ومثلما كان المشترك ينكر أي مزية أ و نجاح سابق على الإطلاق للرئيس صالح في أنتخابات 2006 فقد كنا نحن أيضا في المؤتمر ننكر على بن شملان أي مزية أو فضل أو صلاح، بل وصل بعضنا إلى حد شتم الرجل الشريف النظيف المحترم...

أكثر من أي شيء آخر ، كنت أتقرب إلى بن شملان المثقف ذي الأفق العالمي. وفي أواخر عام 1998 كنت أعد للسفر إلى بريطاينا وسألت الأستاذ بن شملان عما ينصح به من الكتب .. فقال لي :

“ “ The Future of Capitalism  ( مستقبل الرأسمالية ) ، وأضاف: وجدته مع الدكتور فرج بن غانم ...وهو من تأليف أستاذ الإقتصاد في جامعة “ “ M.I .T  لاستر ثارو...

عرفت اليمن ساسة مثقفين كبار من أبنائها أمثال عبد الكريم الأرياني وياسين سعيد نعمان وأحمد الأصبحي وعلي لطف الثور وحسن مكي ويحيى المتوكل ومحسن العيني ، لكن أكثرهم قد توارى إما إلى الظل أو في الثرى ... وهناك مثقفون سياسيون آخرون -غير من ذكرت هنا - توراوا في الثروة وانغمسوا في الفساد ... والملاحظ أن الساحة السياسية صارت تفسح المجال وتحفل بأهل المال والجهل وتضيق ذرعا بأهل الفكر والعقل ... والنتيجة انحطاط مروع وفساد مستشري وبلد مضطرب ودولة تترنح ...

ولولا أنه قدر لبن شملان أن يكون مرشح المشترك لإنتخابات الرئاسة في 2006 ولابن غانم تولي رئاسة الحكومة لفترة قصيرة واستقال بشرف ، لما عرف عنهما أهل اليمن إلا الشئ القليل ، ولكان حظ كثير من الجاهلين ممن يجب أن يبقوا خارج وجدان الشعب و خارج التاريخ أكثر من هذين السياسين العملاقين المثقفين الكبار ...

رحم الله الراحل الكبير " ابا تمام " وأسكنه فسيح الجنات وأعلى الدرجات...

ربنا أغفر لنا وله و لا تحرمنا من أجره ولا تفتنا بعده...والهمنا الرشاد والسداد والصبر ...ولله الأمر من قبل ومن بعد..