عطست صنعاء.. فحُمَّت لندن
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 21 يوماً
السبت 03 يوليو-تموز 2010 10:10 م

ما الأمر؟

عطست صنعاء. وماذا بعد؟

ارتفعت درجة حرارة لندن. كيف ولماذا؟

هاكم القصة..

بعد اتهام الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب الذي ذكر أنه تلقى تدريبا على أيدي عناصر من «القاعدة» في اليمن، بعد اتهامه بمحاولة تفجير طائرة شركة «الخطوط الشمالية» الأميركية فوق مدينة ديترويت، قفزت اليمن إلى صدارة الاهتمام البريطاني على مختلف المستويات السياسية والأكاديمية والصحافية.

رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون دعا على أثر هذه المحاولة إلى مؤتمر دولي عقد - فعلا - في لندن يوم 27 يناير (كانون الثاني) الماضي لمناقشة الأوضاع في اليمن بحضور دولي وإقليمي كبير. زاد اهتمام لندن بصنعاء، وزادت حمى «10 داوننغ ستريت» بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال السفير البريطاني في صنعاء توم تورلت في أبريل (نيسان) الماضي. وزير الخارجية في الحكومة الحالية حضر إلى مبنى البرلمان البريطاني لتقديم تقرير عن الأوضاع في اليمن ضمن تقريره عن أوضاع منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. الوزير البريطاني ذكر أن الأوضاع في اليمن خطيرة على اليمن والمنطقة، وأن بقاء الوضع على ما هو عليه سيشكل على المدى البعيد خطرا على طرق التجارة العالمية وعلى موارد الطاقة في الإقليم، وذكر الوزير ضمن نقاشاته مع أعضاء البرلمان أن «القاعدة» ليست الخطر الأكبر أو الوحيد الذي تواجهه الحكومة اليمنية، بل هناك تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية أخرى، غير أن تركيز الوزير وأعضاء البرلمان ظل محصورا في «القاعدة»، وهذا يشير إلى طبيعة التوصيف الرسمي البريطاني للمشكل اليمني، وهو توصيف ينظر من زاوية المصالح البريطانية العليا.

وبعيدا عن الدوائر السياسية نجد كذلك أن الدوائر البحثية والأكاديمية قد ركزت بشكل لافت على اليمن خلال الأشهر القليلة الماضية. فخلال هذه الفترة صدر عدد من الإصدارات والمطبوعات عن اليمن والأوضاع فيه، هذا عدا حلقات النقاش والندوات التي خصصت لهذا الغرض. وقد دعيت مؤخرا إلى ندوة عن الأوضاع في اليمن والعلاقة بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي وتقييم نتائج مؤتمر لندن. نظم الندوة المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مجلة «المجلة»، وركزت أوراق العمل على خطورة الأوضاع وعلى ضرورة وجود تفاعل سياسي واجتماعي داخلي تجاوبا مع الحراك الدولي والإقليمي تجاه اليمن.

الصحافة البريطانية وصلتها الحمى كذلك، ركزت صحف لندن على اليمن بشكل ملحوظ، فحسب دراسة قام بها غاي غابرييل من مؤسسة «أراب ميديا ووتش» ( Arab Media Watch ) فإن اليمن كان في المرتبة قبل الأخيرة في سلم أولويات الصحافة البريطانية في الشرق الأوسط حيث لم يأت بعد اليمن إلا موريتانيا، وذلك قبل المحاولة الفاشلة لتفجير الطائرة الأميركية التي قام بها عمر الفاروق، وأما بعد هذه المحاولة فإن اليمن أصبح يحتل المركز الثاني في سلم أولويات الصحافة البريطانية في لندن ولم يحل قبله إلا العراق، وهذا أيضا يعزز فكرة أن بريطانيا تنظر للمشكل اليمني من زاوية الأمن القومي البريطاني والحرب على الإرهاب بشكل أساسي.

خاضت صحافة لندن - إذن - في الشأن اليمني خاصة ما يتعلق بوجود «القاعدة» في اليمن وعوامل ذلك الوجود، وسبل القضاء على التهديد الذي تمثله «القاعدة» هناك.

يعزو واين وايتكار من «الغارديان» الوجود الملحوظ لهذه العناصر من «القاعدة» في اليمن إلى عدة عوامل خارجية، منها - حسب وايتكار - نجاح السعوديين في مواجهة هذه العناصر والضغط المتزايد عليها داخل الأراضي السعودية، وعزا آخرون وجود هذه العناصر في اليمن إلى الضغط الذي تواجهه تلك العناصر في كل من أفغانستان وباكستان، وفي ذلك شيء من الحقيقة وليس كل الحقيقة.

إد حسين من «الغارديان» يركز ضمن العوامل الخارجية على العامل الفكري، حيث يشير إلى أن اليمن بطبيعة مجتمعه بيئة غير مرحبة بـ«القاعدة»، وأن البلاد إنما هي ضحية لأفكار «القاعدة» المستوردة والطارئة على المجتمع اليمني وهذا صحيح.

وقد أشار بعض المحللين إلى العوامل الداخلية المساعدة على انتشار مجاميع «القاعدة» في اليمن. ومن هذه العوامل الداخلية - حسب توم كوجلان مراسل «التايمز» للشؤون العسكرية - عوامل الفقر والطبيعة الجبلية والقبيلة (التي تحتم أعرافها على أفرادها توفير الحماية لمن يلجأ إليها). ويضيف برانون مادوكس، كبير معلقي السياسة الخارجية في «التايمز»، عاملي الأمية وحركات التمرد التي - حسب رأيه - أضعفت سيطرة الدولة على المناطق القبلية والنائية مما مكن عناصر «القاعدة» من حرية الحركة والإعداد والتدريب والمواجهة. وأجدني إلى حد كبير موافق على ذلك، غير أن ما لم يتنبه له كثير من الكتاب هو حقيقة أن القبائل في مجملها تنفر من أفكار «القاعدة»، وأرى أن «القاعدة» ستخسر معركتها قريبا في مناطق القبائل اليمنية للخطأ ذاته الذي ارتكبته «القاعدة» في العراق وهو استعداء هذه القبائل بتهديدها واستهداف أعيانها من قبل «القاعدة».

وأما عن الحلول فيبدو أن الكثير هنا في لندن يرون أن الحلول لهذه الظاهرة لا ينبغي أن تكون أمنية فقط. فيكتوريا كلارك من «الإندبندنت» ترى أن التعامل الأجنبي مع «القاعدة» بالغ الحساسية، ففي الوقت الذي لا بد فيه - حسب رأيها - من وجود شكل من أشكال المساعدة الخارجية في هذا الملف، فإن إظهار هذه المساعدة سيصب في مصلحة «القاعدة»، عدا عن أن الحل العسكري، حسب جيمس هايدر مراسل «التايمز» في الشرق الأوسط، سيزيد من تعقيد المشكلة، وأنا متفق مع هذا الرأي.

وعن وجود اختلاف بين رؤيتي الحكومة اليمنية من جهة والغرب من جهة أخرى إزاء الأولويات، تقول فيكتوريا كلارك إن الحكومة اليمنية ترى أن خطر حركة التمرد الحوثي والانفصاليين في الجنوب أكبر من خطر «القاعدة» نفسها، وهذا يتعارض مع المطالب الغربية بضرورة تقديم الحرب على الإرهاب (القاعدة) على غيرها، وهنا مكمن الخلاف بين رؤيتين مختلفتين، كل منهما مرتبطة بأفكار ومصالح قد لا تتفق في كثير من الأحيان.

ومع ذلك فإن البريطانيين معنيون بشكل ملحوظ بتطور الأوضاع في اليمن، ورؤيتهم ينبغي أن تكون محط تأمل. أعتقد أنهم من أكثر الغربيين دراية بشؤون اليمن، فهم قد مكثوا في جنوبه فترة تزيد على المائة عام ولديهم خبرة واسعة وتقييم دقيق وأرشيف ضخم عن اليمن وطبيعة المجتمع اليمني وتقاطعاته الدينية والاجتماعية. وفوق هذا فإن لبريطانيا مصالحها في بلد يطل على بحرين وممر مائي بالغ الأهمية، صحيح أن البريطانيين معنيون بـ«القاعدة» أكثر من غيرها، غير أنهم لا يغفلون التحديات الأخرى.

من المهم استغلال الحرص الغربي على استقرار اليمن ووحدته لصالح البلد، مهم أيضا استغلال أموال مؤتمر لندن بصورة سليمة لتحفيز الاقتصاد اليمني، ولتحفيز المانحين على تقديم مزيد من الدعم. يمكن أن يكون لبريطانيا يد في إقناع بعض المعارضين في الخارج بضرورة الحوار على أساس اليمن الواحد الذي لا تشكل وحدته مطلبا يمنيا وعربيا فحسب، بل وضرورة دولية كذلك.

وباختصار، اليمن يشكل هاجسا بريطانيا بشكل أو بآخر، وعلى اليمنيين الاستفادة من هذه الحقيقة إلى أقصى الحدود لصالح هذا البلد الذي إذا حُمّ تداعت له سائر الدول بالسهر والقلق والترقب.

* كاتب يمني مقيم في بريطانيا

*عن الشرق الأوسط