من أول فذاحة حتى آخر بحشامة
بقلم/ أحمد غراب
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 6 أيام
الأربعاء 19 مايو 2010 01:49 م

القات في قاموس إبن غراب هو "مصيبة وقات على دماغنا" واصطلاحا هو الحاسة التي لايستطيع الموالعة بدونها التمتع بالحواس الاخرى.

ننفق سبعين بالمائة من دخلنا على القات ويذهب تسعين بالمائة من ماءنا على زراعة القات ونقضي ثلاثة ارباع عمرنا في جلسات القات وكما يقول الشاعر الغرابي: "وللقات اوقات وللقات مثلها ولكن اوقاتي الى القات اقرب..

بإختصار نحن اصحاب المعلـ(قات) السبع الصوطية والمشتـ(قات) النفطية ومحطة التخديرة التي تولد طاقة كهربائية بسعة الفين "ميجاقات" ، أحرزنا كأس العالم لكرة القات عدة مرات.

نحن رواد الرومانسية والوهاسية ..

"حبيتبي الغالية! في هذه الساعة السليمانية من حياتنا، أهديك غصن السلام، يا قطل ‏عمري، يا صوطي أحلامي، يا غيلي أيامي، يا حشيشي عقلي، يا وهاسي نفسي! ‏حبيتك من أول فذاحة إلى آخر بحشامة، فأنت مدكا حياتي، ومائي المبخر، إن ‏غبت عني يجيني الرازم (الشوق)، وأخاف من الشانني (العاذل) لا يدخل من ‏الطاقة ويفرق بيننا".‏

مؤخرا قررت الصين العظيمة أن تصنع لشعب اليمن: دقيق قات صيني مطحون (احصل مع كل كيس على خمسه متافل دعاية مجانا) بالإضافة كبسولات قات صيني تمنع الرازم وتخلي المواطن مكيف طول اليوم. تناول شريطا منها، واعمر قصور طول الليل.

كما تود الصين الشعبية أن تعلن لجمهورها المولعي في اليمن أنها دشنت مصانع الماء المبخر، ولوازم القات: بخور صيني، لمبات سهاري حمراء خافتة الضوء، ستائر غامقة تمنع دخول الشاني، (اشترِ المجموعة كاملة واحصل على شريط مجاني لعلي عنبة بالإيقاعات الصينية).

عابر القارات 

وأنت تتصفح الـ"يوتيوب" تصادف مقطع فيديو ليمنيين في الصين مكيفين في جلسة، وآخرين في "تل أبيب" مؤنسين والماء المبخر أمامهم. وعبر المازنجر من بريطانيا ظهر أحد المغتربين وهو "مبحشم" بالحالين. ليس هذا فحسب بل إن أكبر هدية يمكن أن يقدمها لك مغترب يمني في الخارج هي رُبطة قات مستورد، وأكبر هدية يمكن أن ترسلها لصاحب في الخارج هي كيس قات مطحون. وقد تفاجأ حينما تعلم أن سفيرنا الفلاني أو العلاني لا يخزن بعلاقية قات وإنما بشنطة، لا أقول دبلوماسية ولكن وهاسية.

ومن الطرائف التي سمعتها أن إحدى الجامعات الصينية أقامت رحلة لمجموعة من الطلاب، بينهم يمنيون، إلى مناطق طبيعية خضراء مليئة بعشرات الأنواع من الأشجار والأعشاب، وأثناء ذلك وقعت عينا أحد الطلاب على شجرة القات، فاندهش وشعر بالدم ينساب في وجهه وعروقه من الفرح، وأسرع يقطف ويضع في الحقيبة، ثم أرسل دعوة لزملائه الدارسين في الصين يدعوهم فيه إلى غداء ومقيل، والدعوة قصر على الطلاب اليمنيين.

فوجئت برسالة عبر الايميل عنوانها "أصالة مبحشمة" تظهر فيها صورة لا أعرف مدى صحتها للفنانة الرائعة أصالة وهي تتناول القات.

أحد المغتربين في أميركا أخبرني أنه يغرس القات في حوش منزله مقابل ضرائب يدفعها.

مؤخرا نصح الأخ الرئيس أفراد الأمن المركزي بتجنب القات، وقبل ذلك منعت الحكومة القات في المطارات والمؤسسات العسكرية، وقرأنا في الصحف عن عسكري تعرض للحبس شهرا بسبب علاقية قات، كما بث التلفزيون صورا لمزارعين يقتلعون أشجار القات... ومع ذلك تبدو كل هذه التحركات قطرة في بحر لجلج، أو كما يقال: بحر من حلبة؛ فالحكومة التي عجزت عن وقف مافيا تهريب المبيدات الفتاكة التي تستخدم في زراعة القات يستحيل أن تفلح في منع القات. وبالعودة إلى التاريخ يتضح لنا أن كل محاولات منع زراعة القات باءت بالفشل، بل إن أحد المشايخ وصل إلى رئيس سابق وقال له معلقا على قرار تردد في ذلك الوقت عن منع القات: "هل تصدق الشعب أم المشعبين؟"، ويقصد أن الشعب يريد القات و"المشعبين" يريدون منعه.

القات أصبح عادة اجتماعية يومية، متعاطوه بالملايين، والعاملين فيه بمئات الآلاف. ورغم أن دخل الدولة من ضرائبه يصل إلى مليارات الريالات إلا أن الخسائر المادية تصل إلى ملايين الدولارات سنويا، ناهيك عن خسائره البشرية، إذ إن نسبة الإصابة بالسرطان وصلت إلى عشرين ألف حالة سنويا، وما تزال في ازدياد.

علم نفس "المقاوته":

لا يعلم إلا الله كم عدد المقاوتة الذين سيدخلون "الجنة"! ولو حسبناها بالأعمال بالكاد توصّلهم "شعوب"، ولو جمعت عدد الأيمان الغليظة التي يقسم بها المقوت للزبون الواحد وضربتها في عشرين زبونا تطلع لك مجموعة أيمان تهد جبال الهملايا.

والمقاوتة مقامات وخبرات، أحذقهم ولد مهرة ولا متعلم سنة، حاوي فنون الكلام ساحر الأنغام، يحرك العلاقية القطل بين يديه كمن يحرك ذهبا تحت أشعة الشمس، ويخليك تشتري السم وأنت مبتسم.

عباقرة في فن الحوار والإقناع، "ح نجيبك يعني ح نجيبك". تأملوا معي بلاغتهم: "القات الفصيح من الخرقة يصيح"، "معي لك علاقية إسبيشل كنت مخبيها لزبون"... ويتدرج في وصفها: "نزية، مطيورة، لا سم ولا سماد، ما فيش منها الا ثلاث علاقيات، ثنتين معي وواحدة معك"... وهات يا أوصاف تجعلك تخرج كل ما في جيبك وتضعها أمامه، فلا ينظر إليها ولا يبالي بها، ويقول لك وهو ينشغل بشيء آخر: كم هي؟ ما فيش خراج؟ أنت تشتي بنت شيخ بشرط خادمة؟

وبلغ من تأثير المقاوتة أن أحد الموالعة سافر الولايات المتحدة وذات يوم اتصل بأخيه وطلب منه أن يذهب للمقوت في السوق الفلاني ويطلب منه أن يفتح تلفونه!

استغربت وقلت له: وما الداعي ان يتصل بالمقوت من امريكا؟ قال: "لكي يوصف له القات فيشعر بالنشوة ويخدر".

وبلغ من دهاء المقاوتة (بائعي وزارعي القات) أنهم يرشون القات بالسكر بعد تسميمه لكي ينتشر فيه النسة الحشرة الخضراء الصغيرة التي يعتبرها الموالعة علامة للقات الجيد وغير المسمم. ويقال إن الصين صنعت لهم زجاجة ممتلئة بـ"النسة" الخضراء يرشها المقوت على القات مثل الفليت!

أحد المقاوتة يهتف الآن: لا تلوموا المقاوتة ولوموا أنفسكم أيها الموالعة، ما احد ضربكم على أيديكم وقال لكم تتمولعوا، ما يتمولع إلا سترة، أنتم عارفين اننا نسمم القات، بتشغلونا اتصالات!

كم عدد الذين لن يناموا الليلة إلا بعد أن يسألوا أنفسهم: من أين سأدبر قات بكرة؟ على طريقة المثل حلم القطط كله فئران!

قات' في الجنة !

فوق الباص فوجئنا بشاب فصيح على وجهه سيماء ‏الصالحين، أخذ يصف الجنة: "فيها نهر من عسل مصفى، ونهر من لبن، ‏ونهر من خمر لذة للشاربين، ونهر من ماء. وفيها نهر الكوثر، أشد ‏بياضا من اللبن وأحلى من العسل"! ‏

‏ وفجأة وبلا مقدمات هتف سائق الباص، وهو رجل نحيف يتعاطى القات ‏من صباح الصبح: "السؤال اللي مجنني ومش لاقي له إجابة عند العلماء: ‏هل يوجد في الجنة قات أم لا؟!"!‏

ـ "القات في جهنم"! (هتف أحد الركاب).‏

ـ لو كان القات في جهنم لنزح ثلاثة أرباع اليمنيين من الجنة إلى جهنم ‏بحثا عن الكيف!‏

ـ "مش بعيد ان شجرة القات هي شجرة الزقوم"! (راكب ثالث).‏

ـ وأي شخص عاقل يترك الجنة وينزح إلى جهنم من أجل تخزينة؟

ـ وهل هو عاقل ذاك الذي يتناول شيئا وهو يعلم أنه مسموم؟!‏

ـ أمام كل سوق قات سوق فاكهة من جميع الأنواع، وأمام دكان القات ‏تجد بسطات الزبيب واللوز والمكسرات... ومع ذلك يمر الناس من أمام ‏الفواكه والمكسرات وعيونهم تتقافز إليها ويشتهونها؛ لكنهم يواصلون ‏طريقهم باتجاه القات، ليسلموا ما في جيوبهم للمقاوتة.‏

ـ تقول القات في جهنم مبودر والا لا؟!‏

ـ مؤكد يبودروه بحمم بركانية.‏

ـ "تكون مدمن قات أحسن مما تكون مدمن حشيش وبانجو ومخدرات ‏كما يحدث في البلدان الأخرى" (السائق).‏

ـ لكل شعب بلوى؛ شعب ولعته المخدرات، وشعب ولعته الحشيش، ‏وشعب ولعته الشيشة... وشعبنا ولعته القات، وهي أهون الولع.‏

ـ القات يلتهم سبعين بالمائة من دخل اليمنيين.‏

‏ ـ مش مهم الفلوس! المهم انك ترتاح.‏

ـ والقات يستنزف تسعين بالمائة من المياه.‏

ـ شربة ماء تكفي.‏

ـ القات يضيع الأوقات نصف عمرك يضيع في جلسات القات.‏

ـ القات مسامير الركب، على شان اقدر أذاكر واشتغل واجلس مع الناس ‏واكون اجتماعي لازم أتعاطى القات.‏

ـ القات سبب رئيسي في ارتفاع الضغط والسرطان والتهابات وسرطان ‏اللثة.‏

ـ تعددت الأسباب والموت واحد.‏

ـ قصدك: تعددت الأسباب والقات واحد!‏