تصدير القلق!!
بقلم/ علي الجرادي
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 29 يوماً
الثلاثاء 29 ديسمبر-كانون الأول 2009 05:09 م

كانت الأحداث الدامية عام 86م آخر ما جمع بين علي سالم البيض وعلي ناصر محمد وعام 1990م يوم تحقيق الوحدة اليمنية اشترط البيض ورفاقه مغادرة علي ناصر محمد لصنعاء فاتجه نحو دمشق، وطاب له المقام، والأسبوع الماضي التقى علي سالم البيض بعلي ناصر محمد على خلفية الضربة العسكرية لتنظيم القاعدة وذهب ضحيتها 49 طفلا وامرأة.

وهكذا، في تاريخ اليمن المعاصر -عدا استثناءات محدودة- تتكون التحالفات وتنفض على رائحة الدماء طالما وأن الصراع على السلطة والثروة لم يحسم بعد شأن اليمن في ذلك شأن سائر الأنظمة العربية!!

منذ عام 94م استقر البيض في سلطنة عمان التي كان لها سابقا بمثابة الخصم اللدود والداعم لجبهة ظفار، ثم صار لاجئا فيها بجواز عماني، ومن يدري من يكون غدا لاجئا في عمان من القيادات السياسية اليمنية!!

* خرج علي سالم البيض في 22 مايو 2009م بخطابه الشهير مطالبا بفك الارتباط ليعيد تكرار تجربة فاشلة عام 94م إذ كان لا يزال بريق الوحدة في أوجه والإقليم –باستثناء قطر- ضد الوحدة.. واليوم تبدلت الظروف وأصبح الإقليم \"ظاهريا\" مع الوحدة وباطنيا تقدم بعض دوله شيكا مفتوحاً لبعض قيادات الحراك!!

ومنذ عام 2007م استطاع الحراك انتزاع اعتراف شعبي وسياسي \"بالقضية الجنوبية\" ثم تقاطرت قيادات المعارضة الجنوبية في الخارج لتسجيل مواقفها وحجز مواقعها المستقبلية في أي تسوية قادمة وتتنازع الحراك قيادات وجهات متعددة وأطراف إقليمية ودولية.

علي سالم.. العاطفي العنيد

يوصف البيض بالعاطفي، وأنه –في ذات الوقت- صلب وعنيد في اتخاذ قراراته، وهو ما ينعكس على تصرفاته التي يغلب عليها النزق والتفرد وعاطفته تجعله أكثر وضوحا في التعبير عن مواقفه دون مواربة، وحسب قيادات سياسية في السلطة فإن البيض خرج بترتيب إقليمي ودولي، وتشير تسريبات السلطة التي نشرتها عبر وسائل إعلامية خارج اليمن إلى \"ترتيب قطري وعماني وبريطاني\"، ويتم الربط بين العلاقة الوثيقة بين بريطانيا ذات الاهتمام الخاص بما يجري في عدن والمحافظات الجنوبية وبين صلاتها الوثيقة بسلطنة عمان.

وتضيف التسريبات أن دولة قطر بعد انضمام اليمن إلى محور \"الاعتدال العربي\" أخذت على عاتقها تأديب السياسة الرسمية لليمن وخصوصا بعد اتهامات رسمية يمنية لقطر بمساندة حركة الحوثي في اتفاقية الدوحة. وبرأيي أن قطر التي وقفت مع وحدة اليمن ودعمت اليمن في المحيط الخليجي \"لتشكيل معادلة توازي الضغط السعودي في الجزيرة والخليج\" لن تفرط بسهولة في إنجاز هذه المعادلة، وربما فقط تقوم بالتلويح ببعض أوراقها لتراجع السلطة في اليمن سياستها الانتهازية في السنوات الأخيرة.

والسلطة اليمنية ارتكبت خطأ فادحاً بانتهاج سياسة الدخول في صراعات الأقطاب والتحالفات الثنائية وهي تحتاج إلى دعم ومساندة جميع أشقائها في محيطها الإقليمي كما أن سلطة عمان تشعر بقلق بالغ إزاء تسارع خطوات تحلل السلطة اليمنية وتخشى ما يسميه المراقبون \"بالانفجار نحو الخارج\"، وحرب الحوثي مع السعودية أصابت دول الخليج بالذهول وكما يقول ميكافللي: \"الحاكم الأحمق الذي لا يتدخل في نزاع على حدود بلاده\"، وسلطنة عمان أكثر دول الخليج عرضة لأخطار انهيار السلطة في البلاد، أو حتى ضعف سيطرتها لذلك قد يكون جزء من حماية أمنها القومي التدخل -وبرعاية بريطانية- في الأزمة اليمنية وإسناد تغيير وطني يضمن مستقبلا وجود دولة مستقرة.

ونفس الخطورة تتسحب على جميع دول الخليج ذات الجغرافيا والسكان المحدودين والمتنوع الاجتماعي والطائفي لديها ووجود تهديدات إقليمية فإن من مصلحتها أن تسارع لدعم أي حوارات سياسية في اليمن تفضي إلى مصالحة شاملة لتعود اليمن دولة مستقرة إن كان ذلك لا يزال هو الحل الممكن.

ويدرك علي سالم البيض ما يعنيه موقع اليمن بالنسبة لدول الخليج لذلك أطلق دعوة علنية لإيران وطالبها بدعم دعوته \"لفك الارتباط\" وهو ما استفز الأشقاء في مصر بإرسال وزير الخارجية ومدير المخابرات إلى اليمن باعتبار اليمن بوابتها الاقتصادية وبوابة أمنها القومي من خلال \"باب المندب\"، إذ لو تحققت سيطرة إيران على هذا المضيق لأصبح العمود الفقري للاقتصاد المصري \"قناة السويس\" في قبضة إيران، وذلك واحد –فقط- من تداعيات هذا الأمر، لكن الاهتمام والحرص المصري ربما اصطدم بانتهازية السلطة اليمنية وخصوصا علاقاتها الغامضة والمريبة مع إيران.

علي ناصر.. الإمساك بمنتصف العصا!!

يوصف علي ناصر محمد –الرئيس السابق في اليمن- بالذكاء والحذر، وحتى اللحظة \"يمسك العصا من المنتصف\" تجاه قضية الوحدة اليمنية ودعوة خصمه السابق البيض بفك الارتباط، ويرتبط علي ناصر بعلاقات جيدة مع معظم الفرقاء السياسيين في عموم اليمن وهناك شخصيات قوية ومؤثرة داخل السلطة اليمنية محسوبة عليه!!

وهناك توجس داخل السلطة اليمنية من علي ناصر أكثر من غيره لاعتبارات بينها قدرته على نسج علاقات مع إيران عبر أحزاب أو أطراف عربية وتأثيره في الداخل على عدد من قيادات الحراك.

وحتى الآن لا يزال أداؤه السياسي أقرب إلى رجل الدولة بالمستوى الوطني، وتقوم السلطة بين كل فترة وأخرى بتحريك ثأرات قديمة، ونجا من محاولات اغتيال سابقة، ولقاءه الأخير بعلي سالم البيض لن يذيب \"جبل الجليد\" لاسيما وأن الصراع الحالي مرتبط بالزعامة المستقبلية, وما يوحدهم حاليا هو غطرسة السلطة في صنعاء تجاه القضية الجنوبية.

وغياب حيدر العطاس عن لقاء بيروت يعني أن \"إيران\" ربما كان لها صلة ونوع من الاستجابة للدعوة التي أطلقها البيض سابقا.

العطاس.. بوابة حضرموت وحليف المملكة

يوصف العطاس في الأوساط السياسية \"بالتكنوقراط\" وصاحب أول برنامج إصلاح اقتصادي في اليمن عام 93م، وهو الأقرب إلى علي ناصر محمد، ويتفق الاثنان في كثير من القضايا إلا أن العطاس يحتفظ بعلاقات متينة مع المملكة العربية السعودية التي تولي اهتماما خاصا بمحافظة حضرموت وترعى الرأسمال الحضرمي في المملكة عن طريق شراكته مع العائلة المالكة وتطمح السعودية إلى وجود منفذ بحري على ساحل حضرموت في أي تسوية قادمة بعد أن استطاعت ضم مساحة واسعة من المناطق الغنية بالنفط الموجودة في الربع الخالي بواسطة اتفاقية جدة حيث توجد ما يسمى \"بالبحيرة النفطية العظمى\" وتخطط السعودية لاستثمارها عند تأمين منفذ بحري على بحر العرب، ويعتبر حيدر العطاس مع عدد من رجال الأعمال الحضارم في المملكة بمثابة \"بوابة حضرموت\" التي من خلالها ستحقق السعودية مكاسب استراتيجية مستقبلا، ويقترب العطاس من قضية الوحدة ويبتعد عنها بالقدر المشترك مع الضغط السعودي وعلاقته بالسلطة في اليمن، وحاليا تميل السعودية إلى تسوية حربها مع الحوثي عن طريق إيران –تقود مصر فيها دور الراعي الإقليمي والشقيق الأكبر والأقوى في المنطقة العربية- بعد فشل السلطة في اليمن بالتضييق على الحوثي واستمرار علاقتها بالغامضة مع إيران والتي ألقت بشكوك واسعة على الجانب السعودي.

طارق الفضلي.. خاطف الحراك

هو حفيد سلطنة الفضلي في أبين وتوجه في بداية حياته إلى أفغانستان من مقر إقامته في المملكة العربية السعودية وشارك في حرب 94م كحليف للسلطة وسبق أن حاول اغتيال أمين عام الحزب الاشتراكي عام 93م ولجأ لجبال المراكش، وتم توقيفه في وزارة الداخلية حينها، أو بالأحرى استقطابه والتحفظ عليه!!

بعد الحرب تحول إلى مركز نفوذ في السلطة وسيطر على معظم أراضي أبين وقام بتمليك معظم قيادات السلطة في صنعاء أراضي خصبة في دلتا أبين ومنح عضوية مجلس الشورى ونافس أحمد الميسري محافظ أبين الحالي على مقعد الأمانة العامة في المؤتمر الشعبي العام.

عام 2008م تحول فجأة إلى قائد في الحراك الجنوبي واتهمته السلطة بالإرهاب ونهب الأراضي وتميز بمواقفه المتناقضة وقراراته الانفرادية ويحتفظ بخصومة تجاه الحزب الاشتراكي ودوره في الجنوب، ورغم دعوته للانفصال ورفع أعلام الشطرية على منزله وفرض عصيان مدني بالقوة إلا أن تصرفات السلطة تجاهه تحمل علامات استفهام كبيرة مقارنة بالإفراط في استخدام القوة بحق نشطاء الحراك المدنيين والصحفيين، ويتصرف الفضلي بحرية داخل محافظة أبين وتراجعت القوات العسكرية عن فرض الطوق العسكري أو مضايقته، وبين فترة وأخرى يعلن قرارات بتشكيل هيئات سياسية ومجالس يوزع فيها المناصب والأدوار حسب رغباته، وترتبط مواقف الفضلي الساخنة بأي برود يشوب علاقة السلطة في صنعاء بالمملكة العربية السعودية.

وحدة الحراك.. دوافع غير مكتملة

ومن خلال هذا الاستعراض السريع يتبين أن مدى إمكانية نشوء تحالف بين جميع أطراف الحراك في الجنوب يتوقف على التوافق على مواقع الأشخاص حاضرا ومستقبلا وفق الأدوار التي يستطيعون القيام بها وهذا التوافق يبدو مستحيلا من خلال قراءة الأحداث السنوات الماضية التي يغلب عليها الأنانية المفرطة والبحث عن الزعامة.

ارتباط قيادة الحراك بممولين متعددي التوجهات ومتضاربي المصالح، وليس بينها رابط سوى الانتقام من السلطة اليمنية التي تعتمد سياسة انتهازية تجاه محيطها الإقليمي وتصدير الأزمات والحروب والفشل نحو الخارج، وخلال المدى القصير لن يحدث وحدة حقيقة داخل الحراك الجنوبي وستبقى القضية الجنوبية حية ومتصاعدة بعدالة قضيتها والتضحية الشعبية في الداخل لاستنزاف السلطة في صنعاء، وتآكل سيطرتها سيدفع دول الخليج ومصر على وجه التحديد لاستشعار الآثار المدمرة لهذا الانحدار وأي خيارات تتعلق بغير حوار وطني شامل في البلد قد يكون ثمنه استقرار الخليج والإقليم.

ولربما نشهد لاحقا استشعاراً من الإقليم \"دول الخليج ومصر\" وبرعاية دولية تدفع السلطة مرغمة إلى حوار مع المعارضة!! وسوى ذلك هو انفجار هائل في العمق الاستراتيجي للجزيرة في الخليج واليمن التي يسكنها 21 مليون مسلح فقير ليس لديهم ما يخسرون –بحسب تعبير وزير التخطيط- وما يصحب ذلك –بالضرورة- من انتشار للإرهاب والفوضى، وهذه الصورة لا يمكن للخليج ومصر ولا حتى إيران أن تسمح بها، لأن ذلك ببساطة يعني فوضى وإرهاباً لا يستثني أحدا!!

ربط الحراك بالقاعدة.. مكمن الخطر

وعودة إلى الداخل، تسعى السلطة في اليمن لربط الحراك بالقاعدة، مستهدفة –من وراء ذلك- إدانة الحراك، وكسب تعاطف دولي ضده، وخلق مبررات للتعامل معه بقوة السلاح، والخطورة تكمن في الغفلة عن نتيجة أخرى واردة ومحتملة بذات القدر، وهي منح القاعدة عمقاً اجتماعياً وتعاطفا مجتمعياً بحيث يغدو التمازج بين الاثنين (الحراك والقاعدة) عاملاً يحول دون إمكانية أي حلول مستقبلية للقضية الجنوبية، فكما سيستحيل الحوار –يومها- مع طرف إرهابي، فإنه سيستحيل –أيضا- استخدام قوة السلاح ضد مجتمع بأسره!!

****

*نقلاً عن الاهالي