رأي في الحوار الوطني (2) المشترك والمؤتمر.. و الحوار !
بقلم/ د . عبد الوهاب الروحاني
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و يوم واحد
الثلاثاء 26 يناير-كانون الثاني 2010 03:50 م

أن تتفق كل القوى الوطنية في الساحة اليمنية على أن الحوار الوطني \"العام والشامل\"، هو المخرج العملي من الأزمات التي تعيشها البلاد، تلك هي الخطوة الأولى في مسافة الألف ميل المطلوب تجاوزها، ولكن الأمر الذي لابد من التأكيد عليه، هو أنه لا يمكن الترتيب بداية، لإجراء حوار وطني جاد ومسؤول يفضي الى نتائج إيجابية بين أطراف العملية السياسية في البلاد ، بمعزل عن مشاركة تكتل المعارضة في \"اللقاء المشترك\" .

ذلك لأن \"المشترك\" الذي يضم أحزابا فاعلة ومؤثرة في الساحة السياسية ، دخل في حوارات عملية وناجحة في فترات مختلفة مع المؤتمر الشعبي العام، حول قضايا وضوابط الحوار، وبالذات خلال الأعوام (2006،2007،2008م) ثم إتفاق فبراير2009م، الاّ أن التنافرالحاد في المواقف تجاه مختلف القضايا (السياسية والأمنية والأقتصادية والدستورية) ظل هوسيد الموقف، بما في ذلك الموقف من قضية \"الحراك السلمي\" في المحافظات الجنوبية والشرقية، وأيضا حرب تمرد الحوثيين التي كانت مواقف السلطة والمعارضة بشأنها شبه متقاربة حتى مجيء الحرب السادسة في اغسطس 2009م، التي افترقت عندها الأراء والتوجهات، ليس فقط بسبب تأخر عملية الحسم العسكري، وكثر الخسائر البشرية من بين افراد الجيش والمواطنين وأعمال التخريب والدمار والكوارث الإنسانية التي سببتها الحرب، وإنما أيضا، لإعتقاد يسود في أوساط \"اللقاء المشترك\" أن هناك اجندة خاصة لدى قيادة الدولة في الحرب التي تذيكها وقتما تشاء وتوقفها وقتما تشاء.

وظل \"المؤتمر\" ينظر الى أحزاب اللقاء المشترك بكونها ضليعة في تأزيم الوضع السياسي والإقتصادي في البلاد، من خلال التحريض والتعبئة ضد السلطة عبر فعالياتها المختلفة، فيما ظلت أحزاب المعارضة تكيل التهم للسلطة، وتعتبرها المسؤولة عن هذا التأزيم ، وتشعر في نفس الوقت أنها مغيبة وبعيدة عن كل مايجري في الساحة، وأن قيادة المؤتمر تسعى لتحويل كل أحزاب المعارضة الى \"ديكور ديمقراطي\"، يمكن تفكيكها بالحوارات الإنفرادية حينما تشاء وكيفما تشاء ، الأمر الذي اندفعت معه المعارضة الى وضع ضوابط محددة و(مُحصِّنة) للحوار مع الدولة والمؤتمر، كما وضعت آليات لأنشطتها، ولتدوير السلطة بداخلها، من رئاسة وممثلين وناطقين رسميين..الخ ، الأمر الذي اعتبرته قيادات في المؤتمرالشعبي العام تحديا صارخا لإرادة النظام، وتطورا مخيفا في نشاط المعارضة.

وقد استطاعت أحزاب \"اللقاء المشترك\" - فعلا- أن توحد نشاطها، وبإيقاع مثل حدا كبيرا من التماسك والثبات، وصل ذروته أثناء الإنتخابات الرئاسية الأخيرة 2006م، الأمر الذي صعب معه على المؤتمر الشعبي العام إختراق التكتل أو كسب وإحتواء ولاءآت بعض أعضائه - كما كان يحدث في السابق- وهو مالم يكن في توقع وحسبان قيادة المؤتمر، مادفع الى مزيد من المكايدات السياسية والإعلامية والتخندق كل من موقعه، وكل بأدواته وبإمكاناته .

لم تقف الأزمة السياسية عند ذلك الحد بل أتخذت أبعادا جديدة من أوجه الصراع تمثلت باللعب بأوراق (أمنية، مناطقية، مذهبية، قبلية، عنصرية وسلالية)، شكلت منحدرا خطيرا في الأزمة، وأوصلتها حد الإنسداد الفعلي، رغم محاولة التقارب عبر توقيع إتفاقيات نمطية لم يلتزم بها أحد كما اشرنا الى ذلك سلفا.

والمشكلة الرئسية التي تظهر مابين الوقت والآخر في علاقة المؤتمر بـ\"المشترك\" هي تجاوزات مايتم الإتفاق عليه بين الطرفين، ولعل إتفاق فبراير2009م أبرز مثل على هذه التجاوزات أو الخروقات التي تمت ، وتمثلت- برأيي- في النقاط الأبرز التالية:

أ‌) تجاوزات المشترك:

- الدعوة والترتيب الى حواروطني منفردا.

- إصدار وثيقة الإنقاذ الوطني.

- التعبير عن مواقف بشأن الحراك وحرب صعدة ( اعتبرها المؤتمرالشعبي العام تأييدا لأعمال العنف ومقاومة السلطة) .

ب‌) تجاوزات المؤتمر

- القيام بإعتقالات سياسيين وأصحاب رأي وصحفيين ومحاكماتهم.

- إيقاف ومنع تداول بعض الصحف المستقلة .

- إجراء الإنتخابات التكميلية.

ومن هنا ولأن التجاوزات أصحبت قاسما مشتركا بين المؤتمر واللقاء المشترك، فضرورة إحياء الحوار واللقاء حول طاولة واحدة يتطلب التفاهم حول القضايا المختلف عليها، والتهيئة لتنازل الطرفين في قضايا أخرى لإعتبارات المصلحة الوطنية.

وعليه أعتقد أنه يمكن التفاهم مع \"المشترك\" للمشاركة في الحوار الوطني تحت قبة مجلس الشورى على ضوء الأسس والإعتبارات التالية:

1- إعتبار إتفاق فبراير 2009م أحد مراجع الحوارالوطني .

2- إعتبار الإنتخابات التكميلية أمراً واقعا.

3- وقف المحاكمات السياسية واطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والصحفيين وأصحاب الرأي، وإلغاء الحجز عن الصحف الموقوفة.

4- مناقشة آلية مشاركة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الحوار الوطني في ضوء ما حددته رسالة فخامة الأخ الرئيس.

5- إعتبار وثيقة الإنقاذ الصادرة عن (اللجنة التحضيرية للحوار الوطني)، أحد أوراق العمل في مؤتمر الحوار الوطني.

وإذن، فالترتيب والإتفاق على مشاركة أحزاب \"اللقاء المشترك\" في الحوار يمكن أن يسهل عمليا أجراء حوار وطني يفسح المجال أمام كل القوى السياسية للمشاركة فيه، ويناقش مختلف القضايا المسببة للأزمات القائمة.

فالحوار هو سنة اليمنيين وهو لذلك فعل ميسور، بل ومقدور عليه اذا ما توفرت الإرادة السياسية والرغبة في تجاوز الأزمة لدى كل الأطراف ، ولعل فخامة الأخ الرئيس الذي أمضى حوالى 32 عاما في قيادة البلاد، قد أبلى في الحوار بلاءً حسناً، فقد ضم الى طاولة الحوار الجبهة الوطنية التي كانت في الثماتنينات تتقاسم السيطرة مع الدولة على ما كان يسمى بالمناطق الوسطى ، واحل الحوار بالكلمات معها محل الحوار بالبنادق والرصاص، ودخل في رحلة طويلة وشاقة من الحوارات المكوكية حول الوحدة اليمنية مع قيادات الشطر الجنوبي منذ تسنمه قيادة الشطر الشمالي من البلاد وحتى قيام دولة دولة الوحدة 1990م، وكان قبلها أيضا قد دخل في حوارات شاقة مع حركة الإخوان المسلمين التي كان قادتها شركاؤه في حرب المناطق الوسطى ضد ماكان يسمى بـ \" الزحف الشيوعي\" القادم من الجنوب، وأدار حوارات شاملة وناجحة مع كافة الأحزاب (السرية) وأطراف العمل السياسي في عقد الثمانينات، واستطاع بالحوار أن يخرج في اغسطس 1982م بوثيقة \"الميثاق الوطني\" التي أجمعت عليها كل القوى من أقصى اليمين الى أقصى اليسار ، وانضوى الجميع - حينها- تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام ، الذي استمر حتى قيام دولة الوحدة واعلان التعددية السياسية حيث ذهب كل الى سبيله.

فتلك الفترات والمراحل التي حفلت بالحوارات والتنازلات الكبيرة أيضا، كانت كفيلة بشحذ الهمم والإمساك بزمام المبادرة ، وذلك مانحن بحاجة الى استحضاره الآن، وماهو مقدور عليه أيضا اذا احتكم الجميع للعقل ومنطق القبول بالآخر.

***

*رئيس مركز الوحدة للدراسات الإستراتيجية