ما أشبه الليلة بالبارحة
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 10 أيام
الجمعة 17 ديسمبر-كانون الأول 2010 05:55 م

ـلله سنن ثابتة في الكون لا تتغير ولا تتبدل إلا وفق مشيئته سبحانه .. ومنها سنة التدافع بين الحق والباطل .. الصراع بين الخير والشر .. وعلى مر العصور وتقلب الزمان نلمح تشابها وتماثلا لأطراف الصراع والمواجهات ولكل طرف شبيهه وقدوته التي بتمثلها ويسير على خطاها ونهجها .. وفي قصة موسى عليه السلام وفرعون وقومهما في كتاب الله الكريم يتضح هذا التشابه لأمثالهم في عصرنا الحاضر :

1 ـ الطغاة وفرعون 2 ـ الشعوب وبني إسرائيل 3 ـ الدعاة وموسى وهارون .. سلبا وإيجابا .. نفيرا وتثاقلا .. استجابة وعنادا .. وفي ثلاث حلقات وبمقتطفات سريعة سنرى التشابه في المواقف والشخصيات وكأنها تحدث اليوم

( 1 ) فرعون مصر وفراعنة العصر

فرعون عنوان التكبر والتعالي والجبروت على مدار الزمان .. شبه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أبا جهل بأنه فرعون هذه الأمة وكبر حين قُتِل الطاغية .. وفي يومنا هذا صار لدينا من بني جلدتنا فراعنة يسوموننا سوء العذاب .. قتلا واضطهادا وتسخيرا وتشريدا .. يتشابهون معه في كثير من المواقف إن لم يتفوقوا عليه في جوانب عديدة :

1ـ تشابه في التسلط والعلو والاستكبار :

ـ قال تعالى على لسان فرعون : (( ما علمت لكم من آله غيري )) وقال : (( فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى )) وقال : (( ما أريكم إلا ما أرى )) ـ هذا فرعون يرى أنه بلغ درجة الإلوهية وقمة العناد والتسلط , وأشباهه اليوم فاقوه عنادا واستكبارا وتسلطا وربوبية وان لم يقولوها صراحة إلا أن أحدهم يجلس على كرسي الحكم فلا يخرجه منه إلا موت عضال أو انقلاب دامٍ وكأنما هم مخلدون ولا يصلح لها غيرهم .. ولولاهم لخربت مالطة ولضاعت الأمة ـ أشباهه اليوم هم القانون بل فوقه .. تطأطئ لهم الرؤوس وتنحني لهم الرقاب .. رأيهم لا يُعلى عليه وأمرهم لا يرد أو يناقش .. وتفوقوا على فرعون بان الإلوهية والتسلط على العباد يرونها حقا مكتسبا لهم ولذريتهم من بعدهم .

شعارهم المتواصل ما أريكم إلا ما أرى .. فلو كان قراري خاطئا لأصبح صوابا لأنه وفق رؤيتي السليمة ولو كان باطلا فهو حق لأنه صادر من عقليتي الحكيمة .. المهم سريان قوانيني وتنفيذ قراراتي وبعدها فليكن ما يكون ..

2 ـ تشابه في الاستخفاف بالرعية والمن عليهم :

ـ قال تعالى واصفا فرعون : (( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين )) وقال : (( يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه النهار تجري من تحتي أفلا تبصرون )) ويخاطب موسى (( الم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين )) ـ قوم فرعون مطيعون فاسقون .. يصفقون لخطابه ويمدحون رأيه .. خوفا أو طمعا أو تلبيسا ونفاقا .

ـ وفراعنة اليوم هكذا استخفوا بعقول شعوبهم فصاروا لهم ممجدين بلا أفعال .. مصفقين بلا أعمال .. يعلمون كذبهم في خطبهم وزيف وعودهم ولكنهم يهللون لهم وترتفع أصواتهم بالشعارات : بالروح بالدم .. وقد امتص دمهم كاملا

يعدهم بالخيال وتبليط الرمال .. وظيفة لكل امرأة ورجل.. لعبة لكل طفل ..ويمُنُ عليهم ألم أشيد لكم البنايات وافتتح الجامعات وأشق الطرقات .. عرايا فأكسيناكم .. جوعى فأطعمناكم .. ألا ترون منجزاتي العظيمة وعطاياي الكريمة .. بلى نراها ويدوي التصفيق الحاد .. عاش الرئيس كريم الخصال .. ويخرج المهلل المسكين وقد ارتفعت الأسعار وهبطت قيمة الريال .. وصارت الوظيفة بدفع المال وكل شي فاق الخيال فيردد ما تدرب عليه : عاش عاش عاش ؟!

3 ـ تشابه في التهكم والسخرية من المعارضين :

ـ قال تعالى على لسان فرعون : (( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )) وقال: (( إنّ هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون )) ـ هذا فرعون مصر يسخر من موسى وطلباته ويقارن وضعه الرفيع ووضع موسى الوضيع من وجهة نظره القاصرة ويسخر من معارضيه بأنهم قلة والقصد من خروجهم إغاظتنا فقط ...

ـ واليوم فراعنة العصر هكذا يتعاملون مع معارضيهم والذي يطالبون بحقوقهم المسلوبة .. زوبعة في فنجان .. حثالة .. فرق مارقة .. خونة .. عملاء .. أعداء للوطن .. وتنشر صحف الولاة ما يساعد على زيادة فجوة البعاد

4 ـ تشابه في تغيير الحقائق وتضليل الناس والكذب عليهم :

قال تعالى : (( وأضل فرعون قومه وما هدى )) وقال على لسان فرعون (( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد )) ـ لا آله إلا الله .. موسى سيضل قومه ويظهر في الأرض الفساد .. وماذا تُسمي قتلك الأطفال واستحياء النساء .. استعباد الناس وتنصيب نفسك ربا لهم .. أهذا عدل ؟! أهذه حرية .. بئس الحاكم أنت !!!

ـ وفراعنة العصر يضللون الناس ويغيرون الحقائق .. كيف لا والإعلام معهم وبيدهم .. فجعلوا الإسلام وأهله البسطاء إرهابيين .. وصارت حماس المجاهدة سببا في قتل الفلسطينيين الأبرياء وحجر عثرة للسلام العالمي

وجعلوا المطالبين بحقوقهم أهل فتنة وخروج ودعاة ضلالة وشر .. استطاعوا قلب الحقائق فصار الأمن المتفلت والوضع المتدهور دعاية من الأعداء وإلا فإن كل شي متطور ومزدهر ولا وجود لقطع الطرقات ولا لتهجير العائلات والفساد المستشري في مفاصل البلاد كذبا يروج له الخونة وإلا فكل شي يسير وفقا للنظام والقانون ولا يوجد من يخالفه من رجال الدولة .. وعدم رغبتك في تداول الحكم سلميا مهزلة يروج لها بياعو الكلام وإلا فالشعب لا يريد إلا إياي ويصر على ابني حاكما من بعدي .. وسجن الغربال الإبرة لأن فيها ثقبا !!

5 ـ تشابه في البطش واستعمال القوة ضد المعارضين :

قال تعالى : (( قال سنقتل أبنائهم ونستحيي نسائهم وإنا فوقهم قاهرون )) وقال على لسان الطاغية : (( ذروني أقتل موسى وليدع ربه )) وقال : (( فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى )) هذه القرارات العشوائية والتهديد بالعنف علامة إفلاس ويأس لكل حاكم فرعوني لم يستطع أن يستوعب شعبه .. أبدلا من حمايتهم روعتهم ؟! وبدلا من العدل بينهم سجنتهم وأرهبتهم ؟!

ـ وفراعنة اليوم على نفس الموال ـ سجون واعتقالات .. مصادرة وإغلاق صحف ومجلات .. محاكمات ظالمة .. والويل لمن عارض أو قال ما لا يجب أن يقال في رمز البلاد وموحد العباد

6 ـ يتشابهون في بطانة السوء وشلة الفساد :

ـ قال تعالى على لسان بطانة فرعون :(( أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وألهتك )) وقال : (( يا هامان ابن لي صرحا إلى السماء لعلي ابلغ الأسباب )) وقال عز وجل على لسان السحرة قبل إسلامهم : (( أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين ))

ـ لماذا لم تكن بطانة فرعون بطانة صلاح وتقى تبذل النصح له بدلا من تأجيج صدره على موسى وقومه وتوجيهه للتنكيل بهم .. لأنهم هكذا يريدون عرض الدنيا وعدم صلاح البلاد واستقرار الأمور واجتماع الأمة على أمر فيه خيرها .. وبطانة فراعنة اليوم على منوال واحد .. يشيرون عليهم بالقضاء على المعارضين فإنهم خطر على الوطن وأعداء لمنجزات الثورة ويريدون قلب نظام الحكم .. فاقض عليهم وأرهم قوتك وعذبهم فيكونوا لك خير رعية !! إياك أن تريهم رقة أو لينا .. ادخل الانتخابات وحدك فأنت لها وكلنا معك.. أرهم العين الحمراء وستراهم عند قدميك سجدا .. والنتيجة السير بالبلاد نحو الهاوية ومزيدا من التباعد والتناحر بدلا من التقارب والتآلف .. و لك الله يا وطن

7 ـ تشابه في اللجوء للمعارض عند المصلحة أو شدة الحاجة

ـ حينما ضاقت بفرعون ورجاله الحال من الرجز الواقع بهم لجأ إلى موسى ليدعوا ربه على وعد أن يتبع بعدها الله في علاه .. قال تعالى : (( ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ))

ـ واليوم إذا ضاقت بهم السبل رجعوا إليهم إلى من كانوا يسمونهم بالأمس معارضة وخونة ومارقين فلانوا لهم في الكلام وأطنبوا في الوعود الجميلة .. وحينما تحققت المصلحة كان فعلهم كفعل قدوتهم .. نسيان الوعود ونقض العهود .. سبحان الله ما أقوى التشابه بين أمس ويوم .. لقد تعلموا من فرعون لعبة الكروت استخداما وإحراقا

8 ـ يتشابهون في عدم جدوى الحوار معهم والندم بعد فوات الأوان :

قال تعالى : (( اذهبا إلى فرعون انه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى )) وقال : (( فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم )) أليس هذا مطلبا شرعيا أم انه انفصال وشر وخروج على الحاكم !!! وبدلا من إجابتهم إلى طلبهم الشرعي .. بدأ في إضاعة الوقت ومحاولة الالتفاف عليهم وتمييع القضية الأساس .. (( فمن ربكما يا موسى )) و (( فما بال القرون الأولى )) ومع كل إجابة شافية من موسى .. تكون النتيجة النهائية (( ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى )) .. ويُقبِل العقاب ويريد الطاغية أن يتوب : ((حتى إذا أدركه الغرق قال أمنت أنه لا آله الا الذي أمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )) ولكنها مرفوضة ((آلأن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين )) هكذا تأتي النهاية المحتومة والمتوقعة لكل طاغية .. الهلاك .. فيندم ويريد إصلاحا ومعالجات ولكن هيهات لقد فات الأوان .. كان بمقدورك فعل الكثير من الخير ولكنك استكبرت وأبيت .

ـ وفراعنة العصر على خط سير واحد مع المعلم الأول .. الشعوب تطالب بمطالب حقيقية بسيطة .. أمن وعدل .. مساواة واستقرار .. عيشة طيبة .. وهم يراوغون بحجج واهية وأعذار غير مقبولة .. حوارات كاذبة .. وساطات منحازة .. وعود عرقوبية .. ومن اعتصام إلى مظاهرة .. ومن منظمات حقوقية إلى هيئات إنسانية .. والوضع في انهيار وتدهور .. ويرفع المظلوم يده للسماء : (( أني مغلوب فانتصر )) . وتشابهت البدايات وحتما النهاية متشابهة