أيها الجنوب الحبيب : أما آن لجرحك أن يطيب 3
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 15 سنة و شهرين
السبت 26 سبتمبر-أيلول 2009 08:04 م

وبداء عرش المنظومة الاشتراكية في الاهتزاز ابتداء من الام الكبرى روسيا العظمى .. بعد مشروع بروستاريكا جورباتشوف ,وبداء التفكك ينخر في بلاد كنا نظنها واحدة فاذا بها عدة دول , كان ثمن الحرب العالمية الثانية ضمها والحاقها بالمنتصر .. فصارت يوغسلافيا اربعا وتشيكوسلوفاكيا اثنتين وروسيا العظمى الى قوس قزح منتشر..

وفي خضم هذا التغيير كان جنوب اليمن ينظر بعد محنة 86 الى الام المرضعة لتمد له يد الحماية والدعم والعون ,, ولكن الباب كان مواربا وصار الخطاب من وراء حجاب .. فقيل لهم لقد تم اقفال الحساب .. ولم تعودوا تحت الوصاية ولا الحماية .. فابحثوا لكم عن ام جديدة .. فقد انفض المولد القديم وبداء عصر القطب الواحد وله كل التعظيم .. وعاد الرفاق المنتصرون يتدارسون في مكتبهم السياسي المخرج والحل .. وللتاريخ فقد كان بامكانهم الذهاب الى اكثر من اتجاه يمينا وشمالا ..

ولكنهم فضلوا الالتحام مع النصف الاهم .. ليكون اليمن موحدا .. ربما وضعوا في حسبانهم انهم بسياستهم سيستوعبون الشمال ويضعونه في خانة التحكم والضم لا سيما ولديهم قاعدة هناك من الجبهة الوطنية .. كان يخيل لهم انها قوية ووفية فاذا بها كثبان رملية .. وبداء التنقل بين الشطرين .. وفرح الجنوب بذلك .. وخرج الى صنعاء وتعز ورأى بعينية العز .. ويعود منها محملا باكياس المشتريات مما كان لا يجده في عدن من الملابس والأدوات .. وازدهرت بالشيخ عثمان منطقة السيلة .. وصارت مركزا للبضائع القادمة من الشمال .. بسكويت ابو ولد .. عصير الهنا .. والقات كل يوم بدلا من الخميس والجمعة .. فافرح يا شعب الجنوب فايامك طويلة وسعادتك أكيدة .. وياعين لا تذرفي الدمعة ..!!

مايو حقق القائدان الوحدة .. ورفع احدهما العلم بشدة وعانقت عدنُ صنعاءَ وايقن الجنوبي انه سيعيش اجمل ايام السعادة والهناء .. فقد ولى زمان التشرذم والعناء .. وانطلق الاولمبياد .. فالجنوبي تعود على العزلة والانزواء .. والشمالي على السياحة والسفر وعدم الانطواء .. فانطلق الثاني يعمل ويسيح في الارض الجنوبية .. عاملا وتاجرا ومعماريا .. فاستوطن ارضا بيضاء حرم الرفاق توزيعها وعمر ديارا اهمل الرفاق تشييدها .. فصارت ارض الكادحين للمانحين ومزارع الفلاحين للدافعين .. وكأنك يا بوزيد ما غزيت .. ومن شدة الانغلاق والحرمان الى تسيب الانفتاح وسعة الطغيان .. ولم يستطع الجنوبي مجاراة الشمالي المتخم بالمال والعقارات .. المثقل بالتقاليد .. المرتبط بالقبيلة والشيخ بقيد من حديد ..المتحررمن الاتيكيت والشكليات .. فصارت في عدن مناظر غريبة على المواطن فيها ,, سلاح يجوب الشوارع .. الفاظ بالخصام نابية .. اقوام على البسطات تتصارع .. اصوات بالحوار عالية .. مادة وتجارة بالملايين .. وصار سكين الجزار مشرط الطبيب .. فهل هذا ماكنت ترجوه ياشعب الجنوب الحبيب .. كالمستجير من الرمضاء بالنار .. وجاءك بعد الصقيع اللهيب الحار.. وبداءت ازمة البيض .. والاحتجاب في عدن .. وكان خطابه مؤثرا .. يريد العدل والمساواة .. ودولة النظام والقانون .. وللجنوب كيانه وسلطانه .. وما درى انه قد فات آلآوان .. فقد ذاب السكر في سد شهارة بعمران .. ما ذاق الجنوبي طعم الهناء .. حرمه الاولون من عيشة الرغد والغنى .. حرموه من ارض يبني عليها منزلا .. او تجارة يزاولها بحرية استيرادا وتصديرا .. او شركات واعمال خاصة ينعش بها كيان الوطن .. وعاش في قلق وهم .. من ايدلوجيات الى تناحرات .. ومن نظريات الى تصفيات .. ومن علاقات رفاقية الى عداوات قتالية .. وحينما ظن انه استراح .. وجد الجراح قراح .. فجاء بدل تضييق الرفاق انفتاح السراق .. وبدل التنظيرات الاشتراكية تطبيقات اجرامية.

وبدل التناحرات احياء الثارات .. واراد ارضا ليبني عليها كوخا فوجد الجبال والسهول والسواحل قد اخذت وخططت .. ولكن لمن ؟!! .. ومن اراد حماية ارضه بنى المتسلطون عليها قسرا سورا وبحراسة اطقم امنية .. كان يفترض بها ان تحميه لا ان تعين العدوان عليه .. واكتشف الجنوب انه دائما ضحية دخل مع الأول مطبلا ومع الثاني مزمرا وخرج من الزفة باكيا .. فبدلا من الحلويات والملبسات كلبشات وانتهاكات .. وبعد فوات الاوان اراد ان يغير ما كان .. ولكن رشاش حسان .. السكوربيان .. كان فاضيا .. ومن محتواه خاليا .. وتلك ما قد جنت يداكم يارفاق التخاصم .. ومن باع سيباع .. وكما تدين تدان .. ولكن المظلوم هو الشعب المسكين يدفع دائما الثمن .. ليله كنهاره اهات واحزان .. الحرب 94 وانتصر الشمال برجال الجنوب ,, ممارسي القتل والحروب .. وبرجال العقيدة أهل الشدائد والعقول السديدة ,, وكانت الفرصة امام الرمز ليصنع يمن العز .. ويحقق يمنا مزدهرا مستقرا .. ببسط نفوذ الدولة لخلق امة للنظام مطيعة وللقانون منصاعة .. دولة بحق وحقيق يعيش امنا فيها العدو والصديق .. ولكن ضاعت حكمة بلقيس عن الاخ الرئيس .. فبدلا من ذلك .. انتشى بغرور المنتصر وفتح البلاد امام المتسلطين ليعيثوا في البلاد الفساد والقهر .. ومن هم الى غم ومن غدر الى شر وتلاشت احلامنا الصغيرة وتبددت امالنا الكثيرة .. وتفشى في الوطن طاعون الفساد ,, واستشرى سرطان الظلم في جميع جسد البلاد .. تحت سمع الحاكم وبصره .. وربما بتأييده وأمره ,, فساد قضائي .. ومالي واداري .. حكومي وامني ,, ومن يقترض فيه الامانة صار عنوانا للخيانة .. ومن صفته النزاهة صار ملجاء للتفاهة .. وحاميها حراميها .. وقاضيها صاليها .. ومكحلها عاميها .. والله يعين المساكين .. وما طاب بعد جرحك ياأيها الجنوب الحبيب ..

واستعاض الحاكم عن الشراكة بالاحتكار .. وانتهت المواطنة المتساوية بفعل الانتصار .. وجاء الاستيطان بديلا عن حسن الجوار .. وبسط النفوذ بدلا من حماية الاملاك وحقوق الجار .. وصرف الموارد اسرافا وتبذيرا بدلا عن الحرص والادخار .. وبدلا عن القصاص والحدود تم دعم القاتلين واهل الثار .. وبدلا من صلب القاطعين للطريق تم منحهم رتبا والقابا مابين عميد وعقيد وشيخ ومستشار .. وكل هذه ممارسات السلطة والحاكم .. لا يتحمل منها المواطن في الشمال شيئا .. فقد عاش في الشمال نفس الموال .. فهو مع الجنوبي في وسط الرحى .. يعاني ما يعانيه اخوه ويتجرع ما يتجرعه الا أنه قد اعتاد ذلك منذ عقود .. واخوه الجنوبي مازال لم يرتضيه .. بل زاد الظلم على اهل الشمال بسطوة السنة اخوانهم عليهم بالقيل والقال .. وسوء المقال .. وبالقاب لا تليق عليهم بأي حال .. وكأنهم هم المسئولون عن هذا الوضع المشين .. ومن لم يقتنص غريمه فالطارف غريم .. وفاض الكيل بما حوى .. وبلغ السيل الزبى .. وتسأل الشعب الى متى ؟! ومازال الجنوب الحبيب في حيرة من امره ..

فقد عاد الاقدمون يغازلونه وبالسعادة يوعدونه .. والحاضرون يحذرونه من الموت عطشا في سراب الصحراء .. ومن الاختناق غرقا في شراك الرمال المتحركة .. مسكين انت ايها الجنوب في حيرتك وتدبر أمرك .. وفي صبرك وتحملك لما قد قدر لك ..فقد يكون ما تظنه جنة هي النار .. وليس كل ما يلمع ذهبا .. وما قطع الزجاج بالالماس .. وهل سيسير الجسد بعد قطع الراس ؟! وهل تنفع الرقية بدون قل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس ؟!! فاين سعادتك ايها الجنوب الحبيب ؟! ومن ستتبع وتصدق ؟!! وهل ياترى سيطيب جرحك وتبرى جراحك ؟!! ذاك حلم لم يتحقق بعد .. لا في اليقظة ولا في المنام .. ولا في الحرب ولا في السلام .. ولا في حكم اشتراكي ولا بعثي علماني .. والامل ان يتحقق ذلك في دولة اخوان السلام .. دعاة الاسلام .. وجوه جديدة للوحدة مريدة .. عدل وايمان .. حب وأمان .. وعش ايها الجنوبي حتى موعد سعادتك تلك صابرا محتسبا ... فلم يسدل الستار بعد ولم تظهر على الشاشة كلمة النهاية والختام .