المستور في العلاقات الإيرانية الإسرائيلية
بقلم/ موقع محيط
نشر منذ: 15 سنة و 6 أشهر و 17 يوماً
الأربعاء 03 يونيو-حزيران 2009 05:32 م

مارب برس

- جهان مصطفى 

رغم أن الظاهر على السطح هو وجود عداء صارخ بين طهران وتل أبيب ، إلا أن الكاتب الأمريكي تريتا بارسي كان له رأي آخر ، حيث ألف كتابا حول العلاقات السرية بين إسرائيل وإيران ، وأخيرا خرج بتصريحات كذب فيها ما أسماها "الأسطورة الزائفة" عن التنافس الإسرائيلي – الإيراني.

ونقلت "شبكة أخبار العراق" عن بارسي القول في تصريحات له في 31 مايو / أيار إن إدانة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لإسرائيل وتشكيكه في عدد ضحايا المحرقة اليهودية تعد مثالاً أيضا لتلك "الأسطورة الزائفة" ، مشيرا إلى أن إيران هى الدولة الثانية في الشرق الأوسط بعد إسرائيل التي تضم يهودا ، كما يضم البرلمان الإيراني نوابا من اليهود.

وأضاف أنه في الأيام الأولى للثورة الإسلامية الإيرانية ، أصدر الإمام الخميني فتوى تقضي بحماية اليهود كأقلية دينية ، كما أن بعض المسئولين الإسرائيليين أصولهم فارسية ومن أبرزهم الرئيس الإسرائيلى السابق موتشيه كاتساف.

وشدد بارسي ، الذى ترأس في السابق المجلس القومي الأمريكي – الإيراني ، على وجود تعاون استخباراتي وصفقات أسلحة ومحادثات سرية بين طهران وتل أبيب ، موضحا أن إسرائيل وإيران يمثل كل منهما للآخر حليف خارجي محتمل.

التحالف الغادر

وكان بارسي ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز" الأمريكية ، قد فجر مطلع مايو / أيار مفاجأة من العيار الثقيل عندما كشف عن وجود اتصالات سرية بين إسرائيل وإيران تتم خلف الكواليس.

وفي كتابه بعنوان :"التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية" ، أشار بارسي إلى اجتماعات سرية عديدة عقدت بين إيران وإسرائيل في عواصم أوروبية طالب فيها الإيرانيون بالتركيز على المصالح المشتركة للبلدين في المنطقة.

وشرح في هذا الصدد الآليات وطرق الاتصال والتواصل بين الأطراف الثلاثة التي تبدو ملتهبة على السطح ودافئة خلف الستار في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات والخطابات والتصريحات النارية بينهم ، قائلا :" إن إيران وإسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي كما يتخيل الكثيرون بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل، مستشهدا على ذلك بعدم لجوء الطرفين إلى استخدام أو تطبيق ما يعلنه خلال تصريحاته النارية، فالخطابات في واد والتصرفات في واد آخر معاكس.

وأضاف أن المسئولين الإيرانيين وجدوا أن الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق عام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه ، مقابل ما ستطلبه إيران منها على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تنهي مخاوف الطرفين وتحسن العلاقات بينهما.

وشمل العرض الإيراني والذي أرسل إلى واشنطن عبر وثيقة سرية مجموعة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمت الموافقة على "الصفقة الكبرى" والتي تتناول عددا من المواضيع منها: برنامجها النووي وسياستها تجاه إسرائيل ومحاربة تنظيم القاعدة.

كما عرضت الوثيقة إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة أمريكية - إيرانية بالتوازي للتفاوض على "خارطة طريق" بخصوص ثلاثة مواضيع هى أسلحة الدمار الشامل والإرهاب والأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي.

وتضمنت الوثيقة السرية والتي حملها الوسيط السويسري "تيم جولدمان" إلى الإدارة الأمريكية أوائل مايو عام 2003، قيام إيران باستخدام نفوذها في العراق لتحقيق الأمن والاستقرار وتشكيل حكومة غير دينية ، كما عرضت إيران شفافية كاملة لتوفير الاطمئنان والتأكيد بأنها لا تطور أسلحة دمار شامل والإلتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل ودون قيود.

كما وافقت إيران على إيقاف دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية والضغط عليها لإيقاف عملياتها الفدائية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وكان من أهم بنود الوثيقة السرية أيضا التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني وكذلك قبولها بالمبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت عام 2002 والتي تنص على إقامة دولتين والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع إسرائيل مقابل انسحابها إلى حدود 1967.

كاتساف من أصول فارسية 

وتبقى المفاجأة الكبرى في الوثيقة السرية والتي تمثلت في استعداد إيران للاعتراف بإسرائيل ، إلا أن صقور الإدارة الأمريكية المتمثلة بديك تشيني ووزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد كانا وراء تعطيل هذا العرض الإيراني ورفضه على اعتبار أن الإدارة الأمريكية ترفض التحدث إلى ما تسميه بدول محور الشر .

وجاء في الكتاب أيضا أن إيران حاولت مرات عديدة بعد رفض هذا العرض التقرب من الولايات المتحدة لكن إسرائيل كانت تعطل هذه المساعي دوما خوفا من أن تكون هذه العلاقة على حسابها في المنطقة.

وخلاصة ما توصل إليه بارسي في كتابه أن إيران ليست خصما للولايات المتحدة وإسرائيل كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدام حسين وأفغانستان بقيادة حركة طالبان ، فطهران تعمد إلى استخدام التصريحات الاستفزازية ولكنها لا تتصرف بناء عليها بأسلوب متهور وأرعن من شأنه أن يزعزع نظامها وعليه فإن تحركات إيران لا تشكل خطرا حقيقيا بالنسبة لإسرائيل وأمريكا ، بل إن هناك تشابها بين تل أبيب وطهران في العديد من المحاور بحيث أن ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما .

فالدولتان تميلان إلى تقديم نفسيهما على أنهما متفوقتان على العرب، حيث يرى العديد من الإيرانيين جيرانهم العرب أقل منهم شأنا من الناحية الثقافية والتاريخية ويعتبرون أن الوجود الفارسي على تخومهم ساعد في تحضرهم وتمدنهم ولولاه لما كان لهم شأن يذكر.

وفي المقابل، يرى الإسرائيليون أنهم متفوقون على العرب بدليل أنهم انتصروا عليهم في حروب كثيرة، ويقول أحد المسئولين الإسرائيليين في هذا المجال لبارسي :"إننا نعرف ما باستطاعة العرب فعله، وهو ليس بالشيء الكبير" ، في إشارة إلى استهزائه بقدرتهم على فعل شيء حيال الأمور.

ورغم أن هناك بعض الآراء التي تتفق مع وجهة نظر بارسي إلا أن هناك آخرين يشككون في صحتها بالنظر إلى قلق إسرائيل الشديد من البرنامج النووي الإيراني والذي هددت أكثر من مرة بتوجيه ضربة عسكرية له ، بل إن المناورات التي بدأتها في 31 مايو / أيار اعتبرت بأنها بروفة نهائية على عمل عسكري وشيك ضد إيران. 

أكبر مناورة بتاريخ إسرائيل

وكانت إسرائيل بدأت في 31 مايو / أيار أكبر مناورة عسكرية في تاريخها تستمر خمسة أيام ويتم خلالها اختبار مدى استعداد إسرائيل لمواجهة هجمات محتملة من مختلف الجبهات.

ورغم أن نتنياهو زعم أن تلك المناورة التي أطلق عليها "نقطة التحول 3" تأتي في إطار النشاطات الاعتيادية الهادفة إلى إعداد الجبهة الداخلية لمواجهة حالات الطوارئ ولا علاقة له بأي تقييمات استخبارية لدى إسرائيل ، إلا أن مسئول عسكري إسرائيلي كشف لشبكة "سي ان ان" الاخبارية الأمريكية أن المناورة تتضمن التدريب على مواجهة هجمات صاروخية وغارات جوية وهجمات افتراضية أخرى على منشآت البنية الأساسية ومؤسسات حيوية بالإضافة إلى تدريب المدنيين على استخدام الأسلحة.

ويأتي إجراء هذه المناورة بعد أن كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في 25 مايو / أيار أن كل المؤشرات تدل على أن إسرائيل تنوي شن حرب على إيران في غضون أيام قليلة ، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدأ الإعداد للحرب بعد زيارته للولايات المتحدة في 18 مايو / أيار.

وأضافت أن زيارة نتنياهو لواشنطن وتصريحاته بأن أمريكا وإسرائيل اتفقتا على أن لا تصل إيران إلى مرحلة التطوير النووي وأن المسألة لا تتعدى سوى بضعة أيام وبعدها يتخذ قرارا بشأن إيران ، هى أمور تشير إلى أن الحرب على الأبواب.

واستطردت قائلة "بدأت إسرائيل فعليا حربها ضد إيران دبلوماسيا وسياسيا وإعلاميا ، حيث عرض التليفزيون الإسرائيلي لأول مرة تقريرا أظهر تدريبات عسكرية على اعتراض صواريخ تماثل صواريخ إيرانية الصنع في حال أطلقت على إسرائيل " ، مشيرة إلى أن التقرير أظهر أول محاولة لاعتراض صواريخ مماثلة لتلك التي تملكها إيران وتفجيرها في الجو قبل إصابة هدفها.

وفي المقابل ، هدد رئيس مؤسسة الدراسات الإستراتيجية للقوات المسلحة الإيرانية الأدميرال علي شمخاني بأن الرد العسكري الإيراني على أي عدوان إسرائيلي على بلاده سيكون مباشراً وفي بضع ثوان ، مشيراً إلى أن التهديدات الإسرائيلية محاولة يائسة لإستعادة ثقة بعض الدول الغربية التي باتت تشعر أن دعمها لتل أبيب بات مكلفاً.

وأضاف شمخاني في تصريحات له في 26 مايو / أيار أن إسرائيل تفتقر إلى القدرة العسكرية التي تمكنها من تحويل تهديداتها إلى أمر واقع على الأرض وأنها غير قادرة على مهاجمة إيران عسكرياً ، معتبراً التهديدات التي يطلقها القادة الإسرائيليون ضد إيران مجرد لعبة سياسية يريدون من خلالها فرض وجودهم في المنطقة وإظهار طهران على أنها عدو للعرب.

وشدد على أن الرد الإيراني على أي عدوان إسرائيلي سيكون "موجعا" ويفوق أي تصور بفضل تعزيز طهران لقدراتها الدفاعية الصاروخية ، واختتم تصريحاته قائلا :" إيران تتبنى سياسة الصداقة والمودة مع العالمين العربي والإسلامي وتل أبيب أصبحت اليوم أمام طريق مسدود كما أن الولايات المتحدة ليست في ظروف تمكنها من توجيه تهديدات لأحد".