بلاد الفيلة والمعابد ...
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 18 يوماً
الخميس 03 مارس - آذار 2011 05:28 م
 
 

يبدو بابو أنه في عجلة من أمره، ويطلق السائق صوت البوق ليحث الحافلات والسيارات على إفساح الطريق أمامه وهو ينطلق بسيارته في شكل لولبي برابطة جأش وسط ازدحام حركة المرور

التأثير الفرنسي لا يزال واضحا جدا في بونديتشري ويمكن رؤية العلم الفرنسي بالوانه الثلاثة هنا

التأثير الفرنسي لا يزال واضحا جدا في بونديتشري ويمكن رؤية العلم الفرنسي بالوانه الثلاثة هنا

وتأخذ الفيلة والخيول والأبقار جانب الطريق عندما تسمع الإشارة عالية النغمة المنبعثة من بوق سيارة بابو، وعلى الرغم من أن طريقة بابو في قيادة السيارة تجعل شعر الراكب معه يقف من الخوف إلى أنه ينجح في شق طريقه بشكل متعرج مستغلا أية ثغرة تلوح في حركة السيارات أمامه مهما كانت ضيقة، وبالتالي يمكن الاعتماد عليه في توصيل زوار ولاية تاميل نادو الفيدرالية الهندية إلى مقاصدهم بأمان.

وتتيح ولاية تاميل نادو التي تقع في الركن الجنوبي الشرقي من شبه القارة الهندية للزوار الكثير من المعالم المتنوعة، فهي تفخر بالتمتع بساحل طويل حافل بالكثير من الشواطئ الرملية على طول خليج البنغال، بالإضافة إلى مجمعات المعابد ومنطقة منعزلة فرنسية تاريخية وعدد لا يحصى من حقول الأرز الخصبة.

وتبدأ الرحلة بطقوس من المرجح أن تبقى في ذاكرة معظم الزوار لفترة طويلة من الزمن، وتجرى هذه الطقوس في معبد سري ميناكشي في مادوراي، وينطلق بابو بالسيارة قبل أن يتوقف أمام مدخل المعبد، ويصيح قائلا : " إنها على وشك البدء ".

وكان صوت الموسيقى قد بدأ بالفعل يغمر المكان، ويحتفل الكهنة والمتعبدين بدخول الإله شيفا وهم يحملونه على شكل تمثال إلى داخل مبنى المعبد على مركبة تاريخية تحتوي على مقعد ومغطاة بالستائر، ثم يضعون التمثال بجوار تمثال آخر يمثل زوجته ميناكشي.

ويقضي الزوجان الليل بشكل رمزي معا كل مساء بعد أداء طقوس مصممة بعناية من الرقص والموسيقى والزهور والبخور والقرابين.

ولا يمكن تقدير الحجم الهائل للمعبد إلا في وضح النهار، وأهم المعالم المدهشة للمعبد الضخم الذي يتكون من مجمع مقام على ستة هكتارات هي الأبراج العالية العريضة ويبلغ عددها 12 برجا، وهي مزدانة ابتداء من الأرض حتى أعلاها بمجموعة متنوعة من الأشكال والتماثيل التي تمثل الآلهة والشياطين والحيوانات وحراس المعبد، ويمر بهذا المكان يوميا نحو عشرة آلاف زائر.

وتبدأ الرحلة المتجهة إلى الشمال من مادوراي لتأخذ الزوار إلى معبد سري رانجاناثا سوامي والذي يعد أكبر ضريح للإله فيشنو في جنوبي الهند، وتحيط سبعة من الأسوار بالمعبد الرئيسي ويحيطها بدورها 21 برجا للدخول يطلق عليها باللغة المحلية جوبورام.

وتدور أنشطة كخلية النحل داخل المعبد، فيعرض التجار أشياء ملونة للتعبد، وتبدو طوابير طويلة تنتظر شراء قطع الحلوى ذات الألوان البهيجة المثبتة على أعواد، وعند منتصف النهار يتجمع السكان المحليون الفقراء ليحصلوا على وجبة مجانية.

ويجد السياح الكثير من الأماكن المقدسة التاريخية الأخرى في تاميل نادو مثل معبد روك فورت المنحوت داخل الصخور بالقرب من سريرانجام أو معبد بريهادشفارا في ثانجافور الذي بني منذ أكثر من ألف عام، ويوزع الفيل المقيم بالمعبد البركات على الراغبين نظير تبرع بسيط.

وتعد الجولات الريفية من بين معالم الجذب الرئيسية في تاميل نادو، وتمتد حقول الأرز حول ثانجافور على مدى البصر، ويقف الرجال والنساء وسط المياه التي تصل إلى ركبهم في بداية موسم زراعة الأرز وهم يزرعون الشتلات بأيديهم العارية، وفي قرية أخرى مجاورة يقود الرجال الماشية والأغنام عبر الشارع وتنشر النساء الملابس المغسولة، ويلهو الأطفال ويعدون بين الأكواخ البسيطة.

والمكان التالي المثير للاهتمام هو بونديتشري، وتركت فترة الاستعمار الفرنسي أثرا لا يمكن محوه على هذه البلدة المطلة على خليج البنغال، وتذكرنا المنازل المقامة على طول ممر التنزه على الشاطئ والمعروف باسم جوبيرت أفنيو بشرفاتها بالبيوت المستخدمة في قضاء العطلات في جنوب أوروبا، وتقدم المطاعم طبق " كوك أو فان " وهو صنف مصنوع أساسا من الدجاج وتفوح من المكان رائحة الخبز الفرنسي الطازج المنبعثة من المخابز.

وتحمل شوارع وسط بونديتشري أسماء فرنسية مثل شارع دي لا مارين أو شارع فرانسوا مارتان، بينما يرتدي رجال الشرطة ملابس بيضاء ناصعة تعلوها أغطية رأس تسمى كيبي وهي أغطية الرأس التقليدية التي يضعها رجال الجيش الفرنسي.

ويمكن مشاهدة أسلوب الحياة الهندية التقليدية في الحي المسمى بذات الاسم بونديتشري والذي يقع على الناحية المقابلة من القناة، وفي البازار الكبير يبيع التجار أنواع التوابل المختلفة مثل الفلفل الأسود والشطة والهيل والماسالا بينما تمتلئ متاجرهم بأجولة من البهارات، وفي منصات بيع الزهور يقف الرجال والنساء يفرزون وينسقون أكوام من الزهور الناعمة ذات الألوان المتنوعة البهيجة أو يربطونها بخيوط على شكل باقات.

وتقع بلدة مامالابورام على مسافة تقطعها السيارة في رحلة نحو الشمال تستغرق ساعتين فقط، واعتادت هذه البلدة التي يقطنها 15 ألف نسمة أن تكون ميناء مهما على الساحل الشرقي للهند وهي لا تزال تجتذب الكثير من السياح.

وتشتهر مامالابورام بمبانيها الحجرية وتم وضع أجزاء من البلدة تحت حماية التراث الثقافي العالمي لليونسكو، وتشتهر أمكان المعابد غير العادية بتماثيل منحوتة على نطاق واسع تمثل بعض المناظر من ملحمة هندوسية.

وهذه التماثيل المنحوتة هائلة الحجم تشمل عائلة من الفيلة وعلى الرغم من قدمها التاريخي إلا أن خطوط النحت يمكن رؤيتها بوضوح حتى اليوم.

ويفضل كثير من المسافرين إلى ولاية تاميل نادو التوجه إلى مامالابورام عن زيارتهم لمدينة تشيناي التي تقع على مسافة تقطعها السيارة في ساعتين، وتفخر هذه المدينة التي كانت تحمل في السابق اسم مدراس بتمتعها بأحد أطول الشواطئ في القارة الآسيوية، غير أن هذه المساحة التي تكسوها الرمال ليست نظيفة تماما ولا توجد بها معالم جذب بارزة.

وتعد مامالابورام أثر استرخاء بسبب شاطئها الرملي الجذاب، ويعود صائدو الأسماك بقواربهم في المساء، وتصطدم الأمواج بالشاطئ وتغمر الشمس الغاربة الساحل بضوء أزرق وهذه هي أفضل طريقة لاختتام رحلة شاقة ولكنها ممتعة