آخر الاخبار

عتاولة الجمارك : ( هيئة مكافحة الفساد نائمة ، لعن الله من ايقظها )

الأربعاء 10 أكتوبر-تشرين الأول 2012 الساعة 11 صباحاً / مأرب برس ـ رضوان الهمداني
عدد القراءات 10600


في مصلحة الجمارك بإمكانك ان تستولي على ملايين الريالات من إيرادات الدولة دون خوف ، وفي فترة وجيزة تتحول الى ثري ، دون يسألك احد ، من اين لك هذا ؟ فليس هناك دولة تحاسب اللصوص ، وهذا ما يشعر ناهبي المال العام بالغبطة والسرور.

وكلما كانت علاقتك وطيدة مع محيطك الفاسد في الجمارك ، وتقاسمهم جزء من الغلة ، فأنت في مأمن اكثر ، حتى وإن تسربت وثيقة الى الخارج ، تكشف عملية احتيالك ، فستكون ايضا بطل مسرحية هزلية تحت مسمى التحقيق ، فهناك دائما ايدي خفية تساندك وتميع القضية.

أما ان كنت مديرا ﻻحد المنافذ الجمركية فستنهال عليك رشاوى التجار بعشرات الملايين شهريا ، مقابل سماحك بادخال سموم زراعية اسرائيلية ومواد غذائية ، غير مستوفية للشهادات الصحية (فاسدة)، وكلما تغاضيت عن عمليات التهرب الجمركي ، كنت مديرا محمودا.

ذلك ما تؤكده وثائق عدة حصلت عليها صحيفة الناس ، والتي تكشف عن عمليات نهب للمال العام وتلاعب خطير في اجراءات الترسيم الجمركي ، وغالبا ما يقف خلفها ذات العتاولة في مصلحة الجمارك وفروعها في المحافظات والمنافذ الجمركية البرية والبحرية والجوية.

 54 مليون يا مفتري

تشير احدى الوثائق الى اختفاء قرابة 54 مليون ريال من جمرك رقابة صنعاء ، وبعد ان اكتشف اﻻمر وجهت ادارة الرقابة والتفتيش بوزارة المالية مذكرة الى وكيل مصلحة الجمارك في 4 يناير 2012م جاء فيها : ان الوزارة تبين لها من خلال التقارير الرقابية قيام جمرك رقابة صنعاء بالتلاعب في الرسوم الجمركية والعوائد الاخرى المستحقة على المعدات والسيارات التابعة لشركة( اميلي سيني هوك) العاملة في مجال الغاز والبالغة 133 مليون و930 الف ريال بحسب كشوفات الاصدار الالي ، بينما المورد الى الخزينة العامة مبلغ 80 مليون دوﻻر فقط أي أن المبلغ المختفي يبلغ قرابة54 مليون ريال.

لكن التوجيه المذيل بتوقع مدير عام الرقابة والتفتيش في الوزارة عبدالكريم عامر تعرض لعملية تهميش ﻻ يعلم اسبابها سوا الراسخون في علم الفساد الجمركي ، الامر الذي دفع المسئول ذاته في الوزارة الى توجيه رسالة تعقيبية بعد شهر ونصف تقريبا الى وكيل مصلحة الجمارك في تاريخ 18 مارس 2012م.

وحتى اللحظة لم يتم التحقيق في الامر ، والمعلومات المتوفرة ـ كما يقول احد المختصين في الجمارك ـ ان مسئولين في الجمارك يستميتون لتمييع القضية كون المتهم بنهب المبلغ تربطه علاقة قرابة اسريه باحد وكلاء مصلحة الجمارك السابقين.

تربط شلة الفساد في الجمارك علاقة حميمة ووفاء قل ما تجد له نضير ، كما انهم يتكاتفون مع من تفوح رائحته النتنة ، يؤكد ذلك الفساد الكبير الحاصل في منفذ الوديعة الجمركي.

فقد صدرت عدة توجيهات منذ نهاية 2011م حتى الان بالتحقيق مع ادارة الجمرك بسبب الاختلالات المالية والاحتيال اﻻ ان شيئ لم يحدث.

حيث وجه رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مذكرة الى رئيس مجلس الوزراء ، ومدير مكتب باسندوة وجهها الى وزارة المالية ومصلحة الجمارك للتحقيق في المخالفات المالية والاجرائية القائمة في منفذ الوديعة الجمركي.

تقول الرسالة الموجهة من مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء الى وزير المالية في يناير 2012م انه بعدما تم العرض على رئيس المجلس ، قضت توجيهاته باحالة الموضوع اليكم للاطلاع وسرعة الرد الايجابي على الملاحظات الواردة في تقرير الجهاز والعمل بتوصياته

وﻻسباب غير واضحة لم يصدر وزير المالية توجيهه بالتحقيق في الامر اﻻ في تاريخ 12 يونيو 2012م حينما بعث رسالة الى محافظ حضرموت يبلغه بانه قرر تشكيل لجنة برئاسة خالد عبدالولي السامعي ممثلا لوزارة المالية وعضوية توفيق عبدالرحمن الغوري ممثلا لجهاز الرقابة والمحاسبة وعارف موسى ممثلا لمصلحة الجمارك ، وذلك لفحص ومراجعة اعمال جمرك منفذ الوديعة للعام المالي 2011م والنصف الاول من عام 2012م .

وتؤكد مصادر في الجمارك ووزارة المالية ان اللجنة حتى الان لم تباشر نزلها الى منفذ الوديعة ، وان كان بعض موظفي الجمارك يشككون فيما ستخرج به اللجنة ، فعادة ـ كما يقولون ـ يتم اسكات اي لجنة تنزل الى المنافذ الجمركية بمبالغ كبيرة من قبل مدارء المنافذ.

 مدير منفذ الوديعة يتحدى

تؤكد وثائق عدة تورط ادارة منفذ الوديعة بالعشرات من قضايا الفساد والمخالفات ،ومنها انه في 27 يوليو 2012م وصلت الى المنفذ شاحنات تقل قرابة 11 طنا من البيض قادمة من السعودية.

ونظرا لان الشحنة ﻻ غير حاصلة على شهادة صحية بيطرية من بلد التصدير يؤكد صلاحيتها للاستهلاك اﻵدمي ، وعدم حصول الشحنة على ترخيص مسبق بالاستيراد بحسب القانون فقد اصدرت ادارة الحجر الصحي ـ ممثلة وزارة الزراعة في المنفذ ـ شهادة رفض صحي بيطري في نفس اليوم .

اﻻ ان ادارة جمرك الوديعة رغم ذلك سمحت بدخولها الى اليمن في نفس اليوم ببيان جمركي رقمه 4544.

وهو ما دفع ادارة الحجر الصحي ـ المخولة السماح بدخول المواد الغذائية من عدمها ـ الى رفع تقرير بالقضية الى مدير عام الصحة الحيوانية في 31 يوليو الماضي جاء فيها : “ ان مدير عام جمرك ميناء الوديعة البري قام بالافراج عن ارسالية حيوانية مخالفة للقانون رغم عدم حصولها على ترخيص مسبق بالاستيراد من الجهة المختصة وعدم حصولها على شهادة صحية بيطرية من بلد المنشأ.

كما ورد في الرسالة ايضا :” برغم قيامنا بإبلاغ مدير الجمرك ، ان الشحنة مرفوضة من قبل الحجر البيطري للاسباب المذكورة ، اﻻ انه وبتحدي صريح للقانون قام بالافراج عنها “ ، فهل سيتم الافراج عن مثل هذه الشحنة وبتحدي ، دون ان تستلم ادارة المنفذ رشوة كبيرة مقابل هذا التجاوز الخطير ، الاجابة متروكة لوزير المالية ورئيس مصلحة الجمارك وهيئة مكافحة الفساد.

نهب عيني عينك

تكشف وثائق اخرى ايضا عن ان ادارة منفذ الوديعة تفرض مبلغ مقطوع قدره مليون و300 الف ريال فقط على القاطرات القادمة من دبي ، بغض النظر عما تحويه تلك القاطرات ، بينما يفرض منفذ البقع ما بين مليونين ونصف الى اربعة ملايين ريال على القاطرة الواحدة القادمة من دبي ، فأين يذهب الفارق ؟

الاجابة ليست مهمة بالنسبة لرئيس مصلحة الجمارك الذي رفع له تقرير بهذا الشأن ، لكنه كان مهتما بكتابة تعليقات على التقرير من شاكلة ( ما نوع البضاعة ؟ وما لونها ؟ إن البضاعة تشابهت علينا )، متجاهلا ان التقرير يقول له ان المنفذ يفرض مبالغ مقطوعة على جميع القاطرات القادمة من دبي.

فيما كان يفترض ـ بدافع وطني ـ ان يكلف لجنة من اشخاص موثوقين للنزول والتحقق من صحة ذلك ومحاسبة ادارة الجمرك على مثل هذه الاجراءات التي تهدر على خزينة الدولة مئات الملايين من الرياﻻت سنويا ، فيما تتسول البلد اموال من الخارج لدفع مرتبات الموظفين.

وربما لو كانت مثل هذه القضية في دولة اخرى لترأس المسئول الأول لجنة التحقيق بنفسه .

   البراميل يا زمام

في ذروة الازمة النفطية التي اجتاحت اليمن ابتداء من مايو2011م ، اغرقت الاسواق اليمنية بكميات كبيرة من البراميل (المستعملة) الداخلة للبلاد عبر منفذ الوديعة ، دون أن تحمل شهادات صحية بخلوها من الاشعاعات والمخلفات الكيماوية او المبيدات او السموم كما انها ﻻ مجهولة بلد المنشأ كما هو متعارف عليها في العالم.

وبعد ان تسربت المعلومات الى الجمعية اليمنية لحماية المستهلك ، وجهت رسالة الى وزير المالية للتحقيق في الامر وبدوه وجه مصلحة الجمارك في تاريخ 24 يناير 2012م بالتحقيق في القضية ، اﻻ ان مصلحة الجمارك طبقت براعتها مرة اخرى في تمييع اي قضايا مرتبطة بالفساد والمخالفات في الجمارك ، رامية بالمخاطر المحدقة بالمواطنين عرض الحائط.

فقد تم تشكيل لجنة ونزلت الى المنفذ ورفعت تقرير انها براميل جديدة ، بمعنى انه غير مشكوك باحتوائها على مخلفات كيماوية او اشعاعية ، فضلا عن أن اللجنة ، فرضت رسوم جمركية تتراوح بين 60 ـ 90 الف ريال فقط وهو رقم يقل بكثير عن تكلفة الشحن بحسب تقرير قدم لوزير المالية صخر الوجية من ادارة الرقابة والتفتيش في الوزارة المالية.

ويقول مختص في الجمارك على دراية بما جرى ان اللجنة حصلت على مبلغ اربعة ملايين من ادارة الجمرك مقابل رفع تقرير بسلامة التقارير.

كما جاء في التقرير المرفوع للوزير قضايا اخرى تشير الى حالة النهب المنظم للايرادات الجمركية في منفذ الوديعة.

فقد ورد ان مدير منفذ الوديعة الجمركي قد رسم سيارتين هايلوكس موديل 97 بمبلغ 36 الف ريال فقط بينما الرسوم الجمركية عليها 720 الف ريال وحتى هذا المبلغ يعد ضئيلا للغاية كون السيارتين يفترض ترسيمها بزيادة 120 في المائة ﻻنه مر على السيارتين اكثر من سبع سنوات من تاريخ الصنع ، بحسب قانون جمارك السيارات الذي لم يعدل سوى قبل ثلاثة اشهر فقط.

  وبحسب الوثائق فإن محافظ حضرموت هو من وجه بتخفيض الجمارك على السيارتين بنسبة 95 بالمائة ونفذته ادارة الجمرك رغم ان القانون ﻻ يعطية الصلاحية لمثل هذه التخفيضات الكبيرة .

 ابتزاز

من جملة التجاوزات القائمة في منفذ الوديعة تلك المتعلقة بعمليات التفتيش والمعاينة ، حيث يقوم رؤساء النوبات ورئيس قسم التفتيش في وحدة الركاب وهم الممارسين والداعمين لتلك المنظومة الغير قانونية ، بابتزاز اصحاب السيارات والدينات وسيارة النقل المختلفة المحملة بالعفش والبضائع واخذ مبالغ من سائقيها تتراوح بين 300 ـ 1000 ريال سعودي ، مقابل تنقيص وتنزيل عدد من الاصناف وعدم احتسابها عند الترسيم الجمركي.

وتلك المبالغ تذهب لجيوبهم الخاصة ويتم توزيعها على افراد المنظومة التي تنحصر بين خمسة اشخاص قياديين يديرون اعمال الجمرك وادارته ، وقد تم الرفع بتقرير بهذا الخصوص الى رئيس مصلحة الجمارك ، لكنه كعادته اكتفى بالتأشير على التقرير (من هم هؤﻻء ووظيفة كل منهم ).

العشرات من الوثائق تكشف عن حاﻻت نهب وتجاوزات كبيرة تجرى في الجمارك ، ﻻ يمكن ان تتم دون ان يجني المتورطين فيها ، رشاوى كبيرة من التجار ، وطالما الدولة غائبة والسرقة متاحة للجميع ، فلسان حال الفاسدين في الجمارك يقول “ هيئة مكافحة الفساد نائمة ، لعن الله من ايقضها).