مثقفون: مشروع الشيخ والأسرية عطلت القدرات الذاتية ونحلم بمشروع مدني يعيد للمحافظة القها التاريخي ويستغل الإمكانات المتاحة

الأربعاء 01 سبتمبر-أيلول 2010 الساعة 12 صباحاً / مأرب برس - حجة - علي حسن
عدد القراءات 6497

حجة محافظة اسثنائية بتناقضاتها الجغرافية والاجتماعية والثقافية وتعيش وضعا استثنائيا في خياراتها ومقدراتها وجل مفردات حياتها ،فهي الاخيرة في كل شيء حتى في نشرة الأحوال الجوية (يعلق احد الأهالي)، وفي الممارسات الديمقراطية الحرة، ربما لأنها الأكثر ميلا الى قيم السلم والنماء والأكثر اشتغالا على الهم الثقافي منذ الأمد الغابر وربما لأنها تعيش مع المتغاير والمختلف وتنبذ قيم الصراع.

يقول أدباء حجة وقادة الرأي والسياسيين أن استهداف حجة بالمشاريع العقيمة كمشروع الشيخ ، والأسرية ، عطل إمكانات الذات ووقف عائقا أمام تنمية حقيقية وفاعلة.

حيث يؤكد الأديب عبد الرحمن مراد ذلك بقوله لعل عشرين شيخا لتمثيل حجة في البرلمان ومثل ذلك مشائخ وكلاء المحافظة من أنحاء اليمن لها من الدلالات الكبيرة ما يختزل كثيرا من العبارات وإضافة إلى ذلك النسبة الكبيرة لهذه الشريحة في بنية السلطة المحلية في عموم المحافظة.

ويضيف مراد نحن لسنا ضد هذه الشريحة لكننا نظن انها غير قادرة على التفاؤل الايجابي مع معطيات العصر ، وهي فئة متمردة على سلطة القانون ولا تحمل الا قيم الفوضى والنرجسية والعبثية وهذا يترك اثرا مدمرا للبنى النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية في المحافظة، مشيرا الى أن طغيان هذه الشريحة على مجريات الفعل السلطوي كان متضادا مع السياق الثقافي للمحافظة ومع هويتها التاريخية والحضارية القائمة على الرؤى والمرتكزات الفكرية ، هذا التضاد عمل في مسارات تدميرية لقيم النماء.

ويؤكد مراد بان الأسرية ومشاريعها الضيقة في المحافظة لم تترك وراءها الا المناطقية والعصبية ومركزية الذات تلك المركزية التي تجاوزها الواقع ، كما أن الأسرية تختزل كل شيء حتى الجغرافيا وخيارات الناس وقد حاول رموز من الحزب الاشتراكي العمل على تفكيك منظومتها في المحافظة ونجحوا ولكننا بدأنا نشعر بعودة تلك الأسرية ونشعر انها تصادر خيارات الناس وتختزل الجغرافيا كلها في ذات بعينها ،ونظن أن هناك توجها من قبل النظام لتعزيز مثل تلك المشاريع سواء منها ماكان يشتغل على مشروع الشيخ أو مشروع الأسرية .

ويستطرد مراد قائلا : دلت القراءة المتأنية للعقدين الآخرين أن المشروع المدني الذي عمل عليه رموز من اليسار من عند با شماخ ، حتى فريد مجور(المحافظ الحالي للمحافظة) هو الأقرب إلى روح حجة وتوجهها الثقافي وهي أبعد ما تكون عن روح الفوضى والارتجالية وغوغائية القبيلة أو عصبية الأسرية ومركزيتها التي ربما كانت أقرب الى روح الملك.

ويقول مراد لعل ما نقرأه الآن من معطيات في واقعنا قد لا تكون دالة على روح المشروع المدني ، لأن مفردات السلطة المحلية وتجلياتها جعل من الواقع (مخضريه ) وربما اخذ التيار المدني أسوأ ما في المشاريع الأخرى التي تتجاذب المحافظة .. ، إذ أضحى الفساد بيئة مناسبة لنمو القيم التي تتعارض مع الخير والعدل وقيم الضمير الوطني وفق مفهومه المدني الحديث .

ويضيف مراد نحن نحتاج الشيخ لكن في إطار منظومته الاجتماعية أما في بنية الدولة فظننا انه أصبح عبئا ثقيلا ،أما الأسرية فقد تجاوزها الزمن وإعادة إنتاجها ليس أكثر من عبث، ويؤكد مراد أن المشروع المدني هو الطريق الأمثل لأبناء محافظة حجة حتى يصلوا دولة عادلة ورشيدة تعيد التوازن إلى مفردات الحياة وتعمل على قيم النماء وآمال وتطلعات المستقبل ، وتملك القدرة على تفجير الإمكانات الذاتية وتوظيفها التوظيف الأمثل .

ويختم مراد بالقول أن القائمة النسبية هي الخيار الأمثل لتمثيل كل شرائح المجتمع ، متمنيا أن تصبح خيار وطنيا في الانتخابات القادمة .

بين المطرقة والسندان

ويقول عادل راجح شلي أعتقد بان حجة يمكن وصف حالها بأنها "بين مطرقة المشائخ وسندان الأسرية" وهذا أقرب توصيف لحالها ،مما يدفعنا إلى تحليل التركيبة الاجتماعية لسكان المحافظة التي يختزلها النظام في مفردتي القبيلة والأسرية ،أي في أفراد قلة لا يتجاوزون أصابع اليد ، مؤكدا بان حرص النظام على إرضائهم وإطلاق أيديهم في المحافظة أدى إلى تغييب مؤسسات الدولة وتضرر السواد الأعظم من أبناء المحافظة ، وهو ما يجعلنا ندرك أن هذا الإختزال المسف قد تحول إلى قالب متصلب لدى ذهنية النظام وصار بدلا عن الواقع بكل تجلياته وتحولاته ،لذا لا غرابة إذا جاءت النتائج عكسية ومغايرة للواقع فالمقدمات الخاطئة لا تفضي إلا إلى نتائج خاطئة ،والسقوط المكثف لرمزية الدولة لدى السواد الأعظم من أبناء المحافظة ما هو إلا نتيجة حتمية للمسات الوهمية التي يستند إليها صانع السياسات في تعامله مع واقع المحافظة والذي لن يفضي إلى نتائج حميدة بالطبع ..ويضيف "شلي" إن التنافس المحموم بين القوى القبلية "المشائخ" والقوى الأسرية ذات الصبغة العلمية والإقتصادية التي تختزل المحافظة في أشخاصها وانحياز السلطة التي تمثل القوة الثالثة في المحافظة لأي منها بدلا من انحيازها للنظام والقانون قد أدى إلى انفراط حبات العقد الاجتماعي في العديد من مديريات المحافظة وقاد إلى الطغيان وأخل بالتوازن الذي لا تستقيم الحياة بدونه ،فسيطرت وتفردت قوى بعينها بسبب انحياز السلطة لصالحها مما أدى إلى تغييب القوى الأخرى،و شجع ذات القوة المنفردة على التهام مؤسسات الدولة وتغييب النظام والقانون فسقطت رمزية الدولة وصارت الكثير من المديريات بالمحافظة أشبه بالإمبراطوريات والإمارات المستقلة التي ليس لها صلة بالنظام الجمهوري ودستور الجمهورية اليمنية، فقاد أمرائها مقاليد الحياة فيها إلى العصور الوسطى بدلا من الدفع بعجلة الحياة إلى المستقبل ، لذا لا نستغرب إذا ما فاجأنا المرصد اليمني قبل سنة ونصف وقناة الجزيرة قبل أسابيع أننا قد عدنا إلى عصور القنانة والرق ما دام الممسك بالسلطة يعتمد على القوالب المتكلسة في التعاطي مع واقع المحافظة.

مضيفاً؛ كل المعطيات تشير إلى أن النظام لن يتخلى عن القوالب المتكلسة التي تستمد الأوهام المكونة لها صلابتها وبقائها إلا بعد أن تكون قد خرجت المناطق المختزلة من السيطرة ، متمنيا أن لا يتأخر تجاوز هذه القوالب إلى أن تصبح حجة بؤرة صراع لا تهدد الأمن والاستقرار في اليمن والسعودية فقط وإنما تهدد المنطقة برمتها وأن تكون هذه القوالب قد أصبحت جزء من ذهنية النظام لكي يستحيل تجاوزها .

وامل (شلي) أن تكون قيادة المحافظة عند حسن الظن بهم حتى نرى روح المسؤولية التي تربوا عليها في هذا الوقت العصيب وأن يحولوا دون تحول حجة إلى صعدة أخرى.. لكن أوراق اللعبة فيها لن تكون بيد النظام وإنما بيد القوى الإقليمية .

دولة شبه غائبة

بشرى الغيلي "كاتبة وشاعرة" تقول بأن المجتمع المدني لا يولد مرة واحدة وإلى الأبد ، لأنه كما تقول "كائن حي يعبر عن قوانين تطور المجتمعات ، وانتقالها من طور لآخر ، ومفكرو وفلاسفة العصر درسوا تطور هذه المجتمعات ورصدوا تحولاتها الكبرى ، ومع الأسف يكاد يكون "حلم الدولة" الحديثة شبه غائب في معظم أماكن اليمن ،وخاصة مجتمع "حجة " الذي يعاني من غياب الدولة بشكل كبير ، مما جعل القبيلة توجد فلسفة ومعتقدا أثرا في التكوين الفكري والعقائدي في ظل فشل الدولة المركزية في عصور الإنحطاط ، وذلك ما قوَى شوكت "شيخ القبيلة" وجعله الكل في الكل ،فحتى مسؤولي الدولة عند كل حالة طارئة أو مشكلة مستعصية يعودون إلى "شيخ القبيلة" للأسف! ، كما أن ثقافة القبيلة لعبت دورا بارزاً وأساسياً في تعميق تلك الفجوة بين مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع ، ولعل الدليل على ذلك حين يلجأ الفرد في "محافظة حجة" إلى شيخ القبيلة في كل صغيرة وكبيرة والذي يدفعه إلى ذلك هي الدولة نفسها، أضف إلى ذلك تلاعب القضاء وتأخير البت في القضايا العالقة يجعله يتحاشى ذلك ، وكما يقول الكاتب عبد الباري طاهر "أن انقلاب 5نوفمبر1967م بداية العودة للمجتمع الأهلي وزعامة شيوخ القبائل والعسكر ،ودفعت الأحزاب السياسية والحركة النقابية والصحافة للعمل السري بعد تعرضها للقمع والمصادرة" ويضيف في جانب آخر"أن المجتمع التقليدي القبلي الراكد لا يستطيع مواجهة الجديد إلا بالسلاح" وهنا ننبه المعنيين بالأمر أن استمرار هيمنة القبيلة جعلها لا تتردد من رفع سلاحها في وجه الدولة.

وتضيف بشرى "على الدولة أن تكثف من حضورها في مجتمع حجة حتى لا يثمر غيابها عن نتائج ليست في صالحها أبداً ،فنحن في حجة نطالب بإعادة تأهيل المجتمع القبلي ودمجه في مختلف مناحي الحياة ليتقبل كل جديد ويتفاعل معه ، وذلك بيد الدولة الشبه غائبة بل الغائبة تماما عن هذه المحافظة ، الأمر الذي زاد من إقصائها وتهميشها ،مما أدى إلى تأخرها وإعاقة نموها الفكري والاقتصادي والاجتماعي والوعي الخلاق.

كثر الزعامات افسد الوضع

أحمد فراج الخميسي "سياسي" أكد أيضا انه لا مشروع الشيخ نجح في إبراز القضايا الحميدة والصفات الجيدة في المحافظة للقبيلة، معللا ذلك بسبب كثرة الزعامات في حجة وبالتالي فالصفات الحميدة في مشروع الشيخ غائبة أما مشروع الدولة فهو حكم في حجة كباقي سائر محافظات الجمهورية ، ولا حلم الدولة على مرور السنوات الماضية كاملة تحقق! ولهذا نقول أن حقوق أبناء المحافظة ضاعت بين هذا وذاك ،مؤكدا ان المحافظة لم تجني من المشروعين شيء.

واشار فراج الى أن الضعف المؤسسي في المحافظة امتداد للضعف في الجمهورية إضافة الى غياب التوعية وزيادة الأمية وغياب القانون والدستور عن حياة المواطن في المحافظة مما أدى الى تقوية مراكز المشائخ وتوسع نفوذهم.

توازن مفقود

من جانبه قال سمير النمر احد الكتاب بالمحافظة؛ أعتقد بان ظهور العديد من الاختلالات في أي مجتمع من المجتمعات هو نتيجة طبيعية للسياسات الخاطئة المتبعة في إدارة هذا المجتمع والمتأمل لواقع محافظة حجة وما تعانيه من تردي واضح في مختلف الجوانب الاقتصادية والثقافية يجعلنا ندرك بأن هذا الواقع وافرازته المختلفة ليس الا نتيجة طبيعية للسياسية التي تدار بها هذه المحافظة منذ ما يقارب عقدين من الزمن والمتمثلة في اختزال هذه المحافظة بكل مكوناتها في عدد من القوى القبلية والأسرية داخل المحافظة وتغييب دور مختلف القوى المدنية ولاجتماعية والثقافية ، هذا الاختزال والتهميش للقوى الحية داخل المحافظة ساعد على تردي مجمل الأوضاع وفاقم من حدة الاحتقانات والشعور بالغبن والتهميش من قبل غالبية أبناء المحافظة باعتبار ان هذه القوى القبلية والأسرية لا تمتلك الرؤيا والاستراتيجيات الأساسية التي تمكنها من خلق توازن اجتماعي ، وإحداث في مختلف المجالات وإنما ركزت اهتمامها على تعزيز وتقوية مراكز نفذها ولهذا نقول بأن على النظام السياسي في البلد أن يدرك ان سياسة الاختزال والاحتواء للمناطق في أشخاص وأسر لا يحقق أي مصلحة لا للنظام السياسي ولا للوطن ولا للمحافظة وإنما سيعود بردود فعل سلبية نحن في غنى عنها ، وما يحصل في عدد من المحافظات من اختلالات ونزوع نحو العنف ما هو الا ثمرة سياسة الاختزال بصوره المختلفة.

وأمل النمر من السلطة أن تراجع حساباتها وسياستها وتلافى أخطائها حتى لا تخرج المحافظة عن السيطرة لتدرك حينها بان القوى القبلية والأسرية التي تختزل المحافظة فيهم لا يمثلون إلا أنفسهم ولكن بعد خراب مالطة.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن