يشارك في افتتاحه اليوم رسمياً علماء ومفكرون من الوطن العربي والعالم الاسلامي

الجمعة 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 الساعة 09 صباحاً / مأرب برس - متابعات
عدد القراءات 12428

يفتتح اليوم الجمعة رسمياً جامع الصالح في العاصمة صنعاء بحضور وفود رفيعة المستوى من كبار المفكرين والشخصيات الدينية في العالمين الاسلامي والعربي، ابرزهم أمين عام منظمة المؤتمر الاسلامي الدكتور كمال الدين أوغلو، والدكتور محمد سيد طنطاوي، وأية الله محمد علي سخيري والدكتور يوسف القرضاوي.

ويعد جامع الصالح تحفة معمارية ومنبر اشعاع فكري وديني على مستوى اليمن والمنطقة العربية، يعول عليه القيام بدور كبير في تقديم الرسالة الاسلامية السماوية بكل ما تحمله من تشامح ووسطية واعتدال المنهج الفكري للاسلام من خلال ما  

ستقوم به الكليات والاقسام العلمية في تدريس وتعليم الطلاب الملتحقين بالكليات الشرعية والعلمية للجامع.والجامع الذي بلغت كلفته حوالى «60» مليون دولار تصل مساحته الكلية والمرافق التابعة له الى 224 ألفاً و 813 متراً مربعاً، شاملة الطرق والحدائق وممرات المشاة ومواقف السيارات.. في حين يصل ارتفاع بناء الجامع الى 24 متراً ويتسع لاكثر من 40 ألف مصل داخل الجامع، بالاضافة الى الباحات الجانبية.. كما يشتمل الجامع على مرافق وخدمات متكاملة ومواقف تتسع لحوالي ألف سيارة، وتحيط بالجامع مجموعة من الحدائق والمسطحات الخضراء.. 

وتتضمن فعالية افتتاح الجامع بتنظيم فعاليات مصاحبة تتمثل في اقامة ست ندوات ومحاضرات علمية وفكرية تحت شعار «من أجل إحياء رسالة المسجد ودوره في حياة الأمة».. يشارك فيها نخبة من المفكرين وعلماء ومشايخ دين من اليمن والوطن العربي والاسلامي..

ومن ابرز عناوين تلك الندوات «الاسلام دين المحبة والسلام، وحدة أمة الاسلام واجب شرعي ومطلب حياتي».

واذا ما عدنا الى الحديث عن التحفة المعمارية والمركز التنويري والمعلم الاسلامي- جامع الصالح فإنه يمكننا القول وبكل فخر ان فخامة الرئيس قد ادرك أن هناك حاجة الى مشروع يُبرز إبداعاً نوعياً، يتخطى الحاضر، ليرتسم أفقاً في الازمنة القادمة، فكان قرر إنشاء مسجد جامع جديد في صنعاء يكون معلماً في فن العمارة، تتمثل فيه النهضة التي تشهدها اليمن في هذه الحقبة من تاريخه.

المكان.. التحفة

ووقع الاختيار على اقامة جامع الرئيس الصالح في منطقة السبعين وهي المنطقة المفتوحة التي تتقاطع مع الحركة الرئيسية للعاصمة صنعاء، وعلى مساحة قدرها (224) ألفاً و(813) متراً مربعاً، تشمل مبنى الجامع وكلية علوم القرآن والدراسات الاسلامية، والاصواح والمواضئ، ومواقف السيارات، والمناطق الخضراء.

ويتألف مبنى الكلية من ثلاثة ادوار ويضم خمسة وعشرين فصلاً للدراسة اضافة الى قاعات صلاة ومكتباتٍ وقاعات اجتماعات.

الارادة.. الرؤية

وقضت توجيهات الرئيس في بناء الجامع بوجوب المحافظة على الطابع العمراني اليمني، لاسيما بالنسبة للمنارات والواجهات الحجرية، فكان الجامع الكبير في صنعاء الملهم الاساسي للمهندسين في ذلك.وقد روعي ان يتخذ المشروع الشكل المستطيل، وقسمت قاعة الصلاة الرئيسية الى جناحين شرقيٍ وغربي، أما الانطلاق من المنطقة الطرفية الى المنطقة الوسطى فتتأمن بتدرجاتٍ في جسم الجامع من الاسفل الى الاعلى وبتكوين فراغاتٍ أسفل القباب الرئيسية البالغة ثلاثاً وعشرين قبةً جاءت تحقيقاً للفكرة المعمارية وتأكيدها، وروعي فيها تدرج علاقة المصلي بالجامع عن طريق الاروقة حتى الوصول الى القبة الرئيسية الكبرى.

ويضم الجامع مصلى للنساء يقع أعلى الرواق الخلفي ويتصل بالجامع عن طريق نوافذ مطلة على قاعة الصلاة عبر مداخل خاصة، تحقق الفصل بين الرجال والنساء. 

ومن الواضح أن الفكرة المعمارية قد خلفت تكويناً وشكلاً هندسياً رائعاً من الخارج يتيح للناظر فهم عناصر المشروع من كل الجهات.. ويتميز الجامع بست مناراتٍ فريدة ذات تصميمٍ خاصٍ، ارتفاع أربعٍ منها يبلغ مائة وستة امتار مع الهلال، وقد استخدمت فيها اساسات خاصة تصل الى عمق خمسة وثلاثين متراً، وبقطر سبعين سنتيمتراً لكل مئذنة، وهو ما سيساعد في تقوية المبنى على مقاومة الزلازل.

استغلال الميزة الفريدة

ونظراً لاهمية المشروع من الناحية الدينية والتاريخية، فقد تم اختيار المواد المستخدمة فيه بكل دقة وجرى اختبار خواصها ومدى مطابقتها للمواصفات العالمية، وذلك للحصول على مواد ذات قدرة عاليةٍ في مواجهة العوامل البيئية والجوية.

وتعتبر الخرسانة المسلحة هي المكون الاساسي للهيكل الحامل للجزء الرئيسي والاهم في المشروع،ولذلك فقد تم إلى ابعد الحدود في استغلال الميزة الفريدة التي تتحلى بها المواد المكونة للخرسانة في اليمن والتي جعلت منها الخرسانة الاجود عالمياً.

يمني المصدر

إضافة الى ذلك وجه الرئيس علي عبدالله صالح بأن تكون جميع مواد البناء المستخدمة في المشروع من مصادر يمنية، لا سيما بالنسبة للعناصر الرئيسية كالاحجار والغرانيت والرخام، وعلى هذا فقد ادت عملية البحث عن مصادر يمنية جديدة الى اكتشاف مقالع لم تكن معروفة سابقاً، والى التوسع في استغلال هذه المصادر مستقبلياً.

وهكذا برزت مجدداً الاحجار التي اشتهر اليمنيون عبر التاريخ باستعمالها كمادة للبناء، اضف الى ذلك احجار البناء والزينة بصفتها مصادر طبيعية تمتاز بقدرة فائقة على مقاومة العوامل البيئية وبتناغمها مع الطبيعة المحيطة، فضلاً عن عمرها الافتراضي الكبير، ولهذا الغرض تم اخذ عينات من احجار سد مأرب التاريخي، وعرش بلقيس، للمقارنة بين احجار الموقعين واحجار المصدر المعتمد لبناء جامع الرئيس الصالح.

اصناف الاحجار

وبناء على ذلك تم تحديد مواصفات المشروع باربعة اصناف من الاحجار، احجار بازلتية باللون الاسود واحجار جيرية بالالوان السوداء والبيضاء والحمراء، كما حددت المواصفات مقاسات احجار البناء بحيث لا يقل طول الحجر عن (160) سنتيمتراً ولا يقل ارتفاعه عن (80) سنتيمتراً, وخلال تنفيذ المشروع كان يتم عمل عينات معمارية بالشكل المطلوب وبعد موافقة الرئيس عليها يتم اعتمادها وتنفيذها.

واستخدم الحجر الجيري الابيض للواجهات الخارجية، والحجر الاحمر في الاحزمة الزخرفية في الواجهات فقط لقلة كمياته ولصغر احجام الاحجار المطلوبة، واخيراً تم اعتماد الجرانيت الاحمر المنقط بالابيض من اجل تكسية الاعمدة الداخلية للجامع.

اما الياجور الذي يمتاز بجمالية نادرة وبعمره الافتراضي الكبير، فتم اختياره كمادة بناء لتكسية واجهات المنارات حفاظاً على التراث المعماري اليمني العريق.ومن صميم التراث اليمني الزاخر باعمال خشبية فنية، تم استمداد تصميمات الاعمال الخشبية للجامع، ولهذا جرى اعتماد افخر انواع الاخشاب المعتمدة عالمياً لصناعة (15) باباً رئيسياً يزيد حجم الواحد منها عن (23) متراً مزخرفة بالخط العربي ومطعمة بالنحاس المعالج باحدث تقنيات ال« PDV ».. أما اعمال السقوف الخشبية فيفوق عددها (30) الف قطعة زخرفية معتقة بالذهب الخالص والالوان، ومثبتة بارتفاعات وصلت الى (23) متراً. اعمال الزخرفة

ولاكساء قباب الجامع من الخارج، استخدمت مادة عصرية متطورة اسمها (الجي آر سي) وهي مادة تحاكي الجص اليمني لجهة الطواعية في اعمال الزخرفة، اضافة لميزاتها العالية لجهة الديمومة والمحافظة على الشكل، وبذلك تحققت رؤية فخامة الرئيس متجسدة بأبهى حللها في التوأمة بين التراث والتقنيات العلمية الحديثة.

وبما ان القمريات سمة رئيسة اصيلة في العمارة اليمنية تعود بدايات استخدامها الاولى في اليمن الى ما قبل (4000) عام، غير ان التطور الذي شهدته صناعة القمرية لم يستغن عن الطراز العام الاصلي، ولا عن المادة الاصلية التي تصنع منها، وهي مادة الجص البيضاء التي تنتج من حرق الحجر الجيري في محارق خاصة.

أما الوظيفة الاساسية للقمرية فظلت على ما هي عليه، إن قديماً او حديثاً فهي تدخل الضوء الطبيعي الى الغرف بألوانها الزاهية، وتضفي على المكان آيات من السحر، ولا ريب في أن جمالية القمريات المتعددة في جامع الصالح انما تتجلي بخاصة في زخارفها التي تنفرد بها عن غيرها مما في اليمن.

والثابت أن الجماليات في الفن الاسلامي تبرز بالتأكيد في العناصر الزخرفية، التي تعتمد الدوائر المتماسة والمتجاورة، والخطوط المتكسرة والمتشابكة، والاشكال النجمية والمضلعات الهندسية، وقد ابدع الفنانون اليمنيون في مشروع جامع الصالح بابتكار التكوينات والزخارف الهندسية التي توزعت على واجهات المباني الداخلية من خلال التوافق العام بين المعالجات التشكيلية ووسائل الاظهار من مواد البناء، فتوافر بذلك كله عامل الانسجام والطابع المشترك للمجموعات العمرانية كافة.

الواحد المتعدد في صور مختلفة

اما المحرك الخفي لتشكيل هذه الصورة الظاهرية فهو السعي الى ادراك الواحد المتعدد في صور مختلفة، فالتوحيد الذي دعا اليه دين الاسلام يترجمه الفن الاسلامي عبر نظام رياضي هندسي، فيصبح الجامع هو الرمز الاكبر للشأن الديني الذي جاء به الاسلام، كرسالة.. أما بشأن الطبيعة فتقتدي الزخارف الاسلامية بنظامها وبقوانينها المطلقة في التشكل والتلون و النمو والانتظام عبر الثنائيات التي هي مرادف للظاهر والباطن، للخفاء والعلن، للاول والآخر، فترى الحسي والملموس يتشكل بالتالي في هذا الفن ذريعةً بل حاجةً لمقاربة التجريد، وصولاً الى الجوهر.

وبالنسبة لنقش وكتابة الآيات فقد تم نقش سبعمائة وثماني آيات من اثنتين وستين سورة قرآنية، فيما بلغ عدد السور المكتملة في الجامع والكلية ثماني سور هي:( الفاتحة، يس، والرحمن، والقدر، والعصر، والاخلاص، والفلق، والناس).

أما اللافت في نجفات الانارة الداخلية انها مصنوعة من الكريستال العالمي المعروف، فيما استخدمت لمبات اضاءة حديثة لانارة القباب والاعمدة داخل الجامع، وبالنسبة لإنارة المداخل الرئيسية ومصليات الرجال والنساء والممرات الداخلية والخارجية للكلية فقد تم استخدام النجف النحاسي النادر، المشغول يدوياً بنقوش عربية.

انظمة التقنية

وتتوافر في الجامع احدث الانظمة التقنية الحديثة لكل ما يتعلق بالصوتيات والبث التلفزيوني المباشر، إضافة الى أنظمة متطورة للحماية من الحريق والصواعق.

ويمكن القول إن ما بادر إليه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح أكثر من مشروع صرحٍ جليلٍ.. فهو درة لقلب المؤمن ولعين الناظر.. وحجر الزاوية في هذا المعلم الرائد انه يعيد في يمن اليوم صياغة الجامع بوظائفه العقائدية والمجتمعية المتعددة، متمكناً من استعادة دوره النهضوي التنويري منهلاً للمعارف والعلوم الدينية والانسانية.

إنه يختزل في بنيته وروحانيته الملهمة، ذلك التواصل بين عراقة اليمن القديم بعمارته وحضارته وموروثه الاسلامي العريق وبين استدعاءات الحداثة ونداءاتها وبهذا التناغم الراقي تتلاشى الخصومة المفتعلة بين التراث والمعاصرة، ليبقى جامع الرئيس الصالح ذاكرة للمستقبل .

* نقلا عن 26 سبتمر

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن