الرعب يملأ قلب ملك أفريقي بعد مقتل صديقه الرئيس السابق معمر القذافي

الإثنين 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 الساعة 05 مساءً / مأرب برس- العرب اليوم
عدد القراءات 14444
 
   

ظلت مملكة سوازيلاند لعقود طويلة واحة للاستقرار في جنوب القارة الأفريقية، يعيش أهلها في هدوء بالرغم من سيطرة الحروب الأهلية والاضطرابات والفصل العنصري على الدول المحيطة بهم، ولكن هذه الدولة الصغيرة أصبحت حاليا على حافة ثورة ضد ملكها الذي يعد آخر ديكتاتور متسلط يحكم حكما مطلقا في القارة الأفريقية ، والذي شاهد الإطاحة بصديقه العقيد الليبي معمر القذافي، فأصابه الرعب وقام الملك بشراء كميات كبيرة من الأسلحة ، من بينها مروحية هجومية، لوأد أية احتجاجات، مع قيام نظامه بإقالة الجنود المشتبه في دعمهم للاحتجاجات الشعبية وتسوية منازلهم بالأرض.

ويشتهر ملك البلاد مسواتي الثالث بسنه الصغير، بالرغم من سنوات حكمه الطويلة، وبملابسه التقليدية المكونة من جلود الفهود والأسود، وبزواجه من 13 امرأة وتنظيمه لاحتفالات تقليدية سنوية تتنافس فيها آلاف العذارى، ليرقصن عاريات الصدر، في محاولة للفت انتباهه. فهو يعيش حياة ملك مسرف من العصور الوسطى، ويُصر على إبقاء بلده بعيدًا عن حركة التقدم العالمية. ويدافع عن إبقاء عادات بالية تشجع على الانحراف في بلاد يمزقها مرض الأيدز، ويتزوج فيها الأمراء المسنين من طفلات غير بالغات تحت مظلة التقاليد والثقافة الوطنية.

تعاني مملكة سوازيلاند من أعلى معدل للإصابة بمرض الإيدز في العالم، وبأدنى متوسط عمر متوقع للمواطنين. ويستمر اقتصادها في الانهيار لدرجة إلغاء المعاشات التقاعدية بالكامل، كما يضرب الفقر مواطنيها لدرجة اضطرار بعضهم لأكل روث الأبقار، بينما يعيش الملك في غطرسة وعزلة كاملة تجعل بلاده الأقرب لانتقال عدوى الثورات التي اجتاحت شمال القارة السمراء.

وقد كتب المحرر الصحفي بيكي ماكوبو في صحيفة "ذا ناشون" أن البلاد في حالة انهيار، بينما يعيش الملك منعزلا، كما لو كان في كوكب آخر. وعند زيارة المملكة تجد الهدوء سائدًا ظاهريًا، فالمتاجر تعمل بكفاءة والشوارع نظيفة إلى حد كبير، ما جعل أحد الناشطين السياسيين في البلاد يرفض وصف سوازيلاند بأنها دولة فقيرة. ووصفها بأنها دولة متوسطة الدخل، تدار بشكل سيئ، لأنه ذهب من قبل لدول أفقر مثل "توجو وإثيوبيا". ويعرف ما هو الفقر الحقيقي. لكن الأرقام الحقيقية تشير إلى أن سوازيلاند مفلسة بالفعل، وأن ثلثي سكانها يعيشون تحت خط الفقر، و40% منهم يعانون من البطالة، بالإضافة إلى قرارات حكومية بخفض الإنفاق وصلت لإطفاء أضواء الشوارع وإغلاق المدارس وإيقاف الفوائد والاقتطاع من الجامعات. وتضرب الفوضى المحاكم وتم تقليل طعام السجناء، حتى منتخب كرة القدم اضطر للانسحاب من تصفيات كأس العالم.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن شخصًا من كل أربعة مواطنين في سوازيلاند يعاني من فيروس الإيدز. والأرقام الأسوأ بين الحوامل التي أثبتت دراسة أن 41% منهن مصابات بالمرض، ويعاني أكثر من نصف عمال المصانع من نفس المرض. ولهذا السبب فإن ثلث أطفال البلاد أصبحوا أيتاما، وانخفض متوسط عمر الفرد في المملكة بشكل مخيف من 60 سنة إلى 33 سنة فقط.

أي شخص تقابله وتتحدث معه يخبرك ببساطة عن معرفته لأكثر من شخص توفي من مضاعفات الإيدز، حتى أن الجنازات التقليدية التي يتم السهر فيها طوال الليل أصبحت أمرا يوميا مألوفا. الحقائق المفزعة الماضية تجعل زوجات الملك الكثيرات وتبذيره وانحلاله أمرا مثيرا لغضب المواطنين، لدرجة تصريح أحد المنظمين للمظاهرات ضده بأنه يتمنى أن يشعل قنبلة ويلقيها على الملك مسواتي الذي ينفق أموال البلاد، بينما يعاني أبناؤها من الأمراض والبطالة.

تولى الملك مسواتي الحكم قبل 25 عامًا بمجرد إنهائه لدراسته في مدرسة شيربورن البريطانية. وكان خليفة غير متوقع لوالده الملك شوبوزا الثاني الذي حكم البلاد لما يقرب من 83 عامًا، وهي أطول مدة موثقة لحاكم في تاريخ العالم. شهد خلالها استقلال بلاده عن بريطانيا عام 1968. وعند وفاته كان شوبوزا يمتلك 70 زوجة و210 أبناء وأكثر من ألف حفيد. واستغلت والدة مسواتي التي قيل إنها كانت خادمة أوقعت الملك العجوز في شباكها فراغ السلطة لتنصب ابنها ملكا للبلاد.

ومثل والده يتمتع مسواتي ذو الثلاثة وأربعين عامًا بحب المتع النسائية، وعلى رأسها عيد القصب السنوي الشهير الذي تقوم آلاف العذارى فيه بجمع أعواد القصب للملكة الأم من جميع أنحاء البلاد، ثم يقمن بالرقص عاريات الصدور لمدة يومين أمام الملك أملاً في لفت انتباهه. وقد اتخذ مسواتي منذ عشرة أعوام قرارًا

بسبب انتشار مرض الأيدز، فقام بإحياء قاعدة العفة القديمة في البلاد ومنع الجميع من ممارسة الجنس لمدة خمس سنوات. لكنه كسر القاعدة بنفسه عندما اختار فتاة في السابعة عشر من عمرها، لتكون زوجته التاسعة دافعًا غرامة قدرها بقرة واحدة.

وبعد ذلك بعامين لفتت فتاة في الثامنة عشر من عمرها انتباهه ليرسل أتباعه لإحضارها من مدرستها مباشرة إليه، فتقوم والدتها بتحد واضح لسلطته ورفع دعوى قضائية ضده، وهي الدعوى التي أسقطتها الأم بعدما تمكن الملك من إقناعها لتكون الفتاة هي زوجته العاشرة. وتركت فتاة أخرى من أسرة ثرية البلاد هربا منه. بينما قالت زوجته رقم 12 التي كانت ملكة جمال المراهقات في المملكة إنه وضعها تحت الإقامة الجبرية بعدما اكتشف وجود علاقة بينها وبين أحد أفضل أصدقائه في فضيحة شغلت البلاد لفترة.

وبينما تسعى الكثير من الفتيات لإغواء الملك باعتبارها أفضل وسيلة للهروب من الفقر، ترى الجماعات النسائية تصرفاته حربا ضد الثقافة وترويج للمجون وقهر الإناث. لكن أحد أمراء الأسرة الحاكمة رفض الاتهامات مؤكدًا إنها معادية للثقافة في سوازيلاند، والتي تحتم على الجميع طاعة الملكة، كما لو كان إلهًا. وهو نفس ما قاله المحامي الموالي للملك سيبوسيسو شونغوي الذي أكد أن "ميراث الشعب السوازيلاندي الثقافي يؤكد أن تقديس الملوك هو واجب وفخر لكل مواطن"، واصفا البلاد بأنها أحد أماكن قليلة في العالم لا يزال الله يقرر فيها شخصية الحاكم.

لكن الفساد المستشري والقمع المتزايد وإسراف العائلة المالكة كلها أمور ساعدت على تغيير هذا الميراث الثقافي، فبالرغم من قانون الطوارئ المفروض منذ عام 1973 والذي يمنع إنشاء الأحزاب، فإن العام الحالي قد شهد أكثر من 30 مظاهرة، منها ما كان حاشدًا لدرجة إنهائه باستخدام العنف والقنابل المسيلة للدموع. قال خلالها محاسب عاطل إنه "سمع عن قيام ابنة الملك البكر بإنفاق مليون دولار خلال عطلة قضتها في أبو ظبي، وهو مبلغ قادر على تشغيل عشرات العاطلين".

وبينما كان والده الملك شوبوزا معروفًا بتواضعه واهتمامه بحاجات المواطنين واستخدام أفراد عائلته لحافلة في تنقلاتهم، فإن مسواتي لا يتمتع بنفس الصفات، لدرجة قيامه بزيادة ميزانية نفقاته بنسبة 24% مقابل خفض ميزانيات الوزارات، بل وقال بغطرسة لمتظاهرين خرجوا مطالبين برفع الأجور إن عليهم "العمل الشاق والتضحية أكثر". وزاد الغضب الشعبي ضده بعد سفره بصحبة 50 من حاشيته لحضور الزفاف الملكي البريطاني بعد أيام قليلة من استخدام رجاله للهراوات وخراطيم المياه لتفريق مظاهرات خرجت مطالبه بسقوطه على غرار مظاهرات الربيع العربي.

الآن تعيش سوازيلاند على حافة الانهيار لدرجة طلبها البحث عن مصدر تمويل لتتمكن من دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية الشهر المقبل. وإذا ما فشلت الدولة في تمويل المرتبات لن يؤدي الأمر فقط لأزمة اقتصادية في بلد يعول فيها الموظف حوالي عشرة أشخاص، بل سيكون بالتأكيد شرارة لاضطرابات قاسية في البلاد.

وسبب الأزمة النقدية هو الانخفاض الكبير في إيرادات الاتحاد الجمركي لدول جنوب أفريقيا وهو اتفاق تجاري عمره 100 عام بين خمس دول. تعتمد سوازيلاند عليه لتمويل ثلثي ميزانيتها، مع انخفاض واضح للمحاصيل الغذائية خلال العقد الماضي.

هذا وعرضت جنوب أفريقيا خطة إنقاذ اقتصادي لسوازيلاند، لكنها أرفقتها بمطالب لإدخال الديمقراطية للبلاد. وإذا ما رفض الملك مسواتي العرض ولم يعثر على مصادر تمويل أخرى، فربما يقوم بالتمويل من ثروته الشخصية البالغة 125 مليون جنيه استرليني، وهو ما يزال يصنفه ضمن أغنى 15 ملكًا في العالم، بالرغم من فقر مملكته.

وتقوم الأزمة المالية يوميًا بتدمير حياة آلاف البشر منهم مرضى الإيدز الذي قال عنهم نائب برلماني "إنهم يخلطون روث الأبقار بالمياه ويتناولونه لملء معدتهم قبل تناول أدويتهم التي يجب أن تؤخذ على معدة ممتلئة لتفادي الأعراض الجانبية".

وتتناقص الأدوية بشكل واضح في البلاد فتصل للمستشفيات متأخرة ومقتطع منها، في الوقت الذي تسبب العجز المالي في افتقاد المستشفيات حتى لأبسط الأشياء كالعلب التي توضع فيها الأدوية والأوراق لكتابة الملاحظات. ويقول ممرض في مستشفى كبرى "إن الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم فيجد المعالجون أنفسهم عاجزين عن مساعده مرضى يعانون، خاصة وإنهم يشاهدون دائما أعراض غريبة وجديدة ناتجة عن فيروس الإيدز".

ويقول مؤيدو الملك مسواتي إنه "أول من وضع دستورا للبلاد". ولكن الحقيقة إنه لا يزال فوق القانون، فهو من يعين جميع الموظفين الرئيسيين، وهو قادر على إملاء أوامره على البرلمان، حتى إنه أمر مؤخرا بإغلاق التحقيق في صفقات أراضي فاسدة يقوم بها مجلس وزراء البلاد. وتظل السلطة الحقيقية في أيدي جماعة لابادزالا أو مجهولي الهوية، وهم زمرة غامضة من أفراد العائلة والمستشارين الرئيسيين الذين يتملقون الملك، وتدعمهم شبكة من 300 زعيم محلي قادرين حتى على طرد المحتجين من منازلهم، وهو نظام إقطاعي يذكرنا بنظم العصور الوسطى الأوروبية.

وتظهر لقطات مصورة المستشارين وهم يركعون على ركبهم أمام الملك، بل لا تزال النساء ممنوعات من ارتداء البنطال في حضرته، وعليهن تجنبه لمدة عامين كاملين عندما يكن في حالة حداد. ويفسر أحد أمراء العائلة المالكة الوضع فيقول إن "الملك سجين بسبب منصبه. يحيط به مجموعة من الأشخاص ينافقونه ويتملقونه. من أجل الحصول على منح تفضيلية، وهو ما يجعله غير قادر على اتخاذ أي قرارات جيدة". بينما يؤكد المحاسب السابق وقائد المعارضة الرئيسي ماريو ماسوكو أن "الأزمة الرئيسية تتمثل في النظام الملكي القائم على ديكتاتورية متعمقة في البناء التقليدي للبلاد"، مؤكدا قناعته بأن عدم قبول النظام للتغيير سيؤدي لنتائج وخيمة بالنسبة للجميع.

وشاهد الملك مسواتي الإطاحة بصديقه العقيد الليبي معمر القذافي، والتي أصابته برعب دفعه لشراء أسلحة جديدة لقوات الأمن التابعة له، بالرغم من رفض بريطانيا بيع السلاح له خوفا من استخدامه ضد المدنيين. ولكنه اشترى أسلحة بينها مروحية هجومية قامت بالانحناء له في الهواء في وقت سابق من الشهر الحالي، مع قيام نظامه بإقالة الجنود المشتبه في دعمهم للاحتجاجات الشعبية وتسوية منازلهم بالأرض. وبينما يظل الصراع في البلاد يمكن تجنبه إذا ما انصاع الملك لدعوات خصومه بتأسيس ملكية دستورية على النمط البريطاني، ولكن مصير البلاد يبقى معلقا في أيدي الملك المتسلط.

هذا وقال شقيق الملك الأمير مانغاليسو والذي يرأس مجلسه الاستشاري إنه "من المبالغة في التبسيط أن يتم تعليق كل مشكلات البلاد على النظام الملكي". لكنه اعترف بعدم جدوى تجاهل ما حدث في شمال أفريقيا. ويرى الأمير أن الجميع يصر على موقفه وهو أمر سيئ، مناديا بمحاولة الجميع للعثور على بعضهم لأن الخيار الوحيد لسوازيلاند هو أن يعيش الجميع معا في مساواة. ولكن السؤال هو هل يستمع الملك لهذه النصيحة، أم تتسبب غطرسة آخر حاكم أفريقي متجبر في سقوط عرشه.