أحدهم عاد من الفلوجة حاملا وسام «القلب الأرجواني».. وزوجة آخر تظاهرت ضد الحرب

الخميس 10 أغسطس-آب 2006 الساعة 01 مساءً / مأرب برس / خدمة «نيويورك تايمز
عدد القراءات 3014

   قليل من الناس رأوا وسام القلب الارجواني الذي يحمله اسماعيل الثيباني والمخفي في خزانة الملابس. وبدلة المارينز العائدة له محفوظة في الخزانة ايضا. ولم يعد يحلق شعر رأسه تماما. وقد مر 20 شهرا على عودته من العراق بعد تفجير عبوة ناسفة على جانب الطريق ادت الى تمزيق قدمه اليسرى. ولم يكن يتوقع استقبال الأبطال، ولم يحصل ذلك.

كان الثيباني (23 عاما) آخر خمسة مارينز عاد الى بيته حيث عائلته الكبيرة التي تضم مهاجرين يمنيين في بروكلين. وشأن الآخرين نشأ معتادا على النظرات غير المريحة والأسئلة الفضولية. وتعلم ان لا يتحدث عن خدمته أمام الجيران او الاقارب المسلمين. قال الثيباني، وهو جندي احتياط في قوات المارينز «احاول أن لا أجعل الناس يعرفون انني في الجيش».

والطريق الى الوطن من العراق كان صعبا بالنسبة لكثير من افراد القوات الأميركية. فهم يصارعون من اجل التخلص من آثار صدمة الحرب. فقد واجهوا الموقف المزدوج للبلد بشأن نزاع قتل او عوق فيه الآلاف من اقرانهم الجنود. ولكن بالنسبة للأميركيين المسلمين من امثال الثيباني كانت التجربة مليئة بالأحداث. فقد جرت دعوتهم لمقاتلة عدو مسلم، مع رفاق يرتابون احيانا بولائهم. وعادوا الى الوطن في احياء حيث السكان عادة ما يرفضونهم باعتبارهم صليبيين امبرياليين وحيث المسلمون الذين خدموا في العراق غالبا ما يوصفون باعتبارهم خونة.

وقد ارسل ما يقرب من 3500 من المسلمين الى العراق وأفغانستان مع القوات الأميركية وفقا لما تظهره ارقام الجيش. وقتل سبعة منهم ومنح 212 منهم ميدالية العمل القتالي.

وكان عاصي المنتصر ابن خال اسماعيل يحس بمسافة جديدة تبعده عن الرجال في الجامع. أما أبي الثيباني شقيق اسماعيل الأكبر، وهو ضابط شرطة في نيويورك، فقد تعلم أن يتجنب النقاشات السياسية. أما ابن خالهما عبد الباسط المنتصر فقد اتخذ موقفا مختلفا. فقد كان يجيب على أسئلة حول ما اذا كان قد خدم في الجيش في العراق بقوة، قائلا «أجل سنتوجه الى اليمن في المرة المقبلة!». وقد ساعد على التجنيد في صفوف المارينز ويفتخر بالميدالية التي حصل عليها ابن خاله أمام الجيران.

في نفس الاسبوع الذي توجه فيه اُبي الثيباني الى العراق مع الكتبية 25 التابعة للمارينز انضمت زوجته الى آلاف المتظاهرين احتجاجا على الحرب وكانت تهتف معهم: «لا دم مقابل النفط». وقالت زوجته، اسمهان، انها ذهبت لأنهم عرب. إلا ان الجيش الاميركي في حاجة ماسة الى اشخاص مثل زوجها يتحدث العربية ولديه معرفة ثقافية ودينية بمنطقة الشرق الاوسط. وأصبح هؤلاء من العناصر المهمة في العراق يعملون كمترجمين ووسطاء وحتى احزمة فاصلة بين الجنود والمدنيين. تدرك اسرتا الثيباني والمنتصر مدى فائدة عملهم، فهم يريدون المساعدة في إحداث تغيير في العراق، لكنهم لا يعرفون مدى التغير الذي سيحدث لهم بسبب الحرب. عاش آل الثيباني والمنتصر حياتهم المبكرة في عالمين. فقد كانوا يقومون برحلات صيفية الى ارض اجدادهم في القرى التي تعمل في الرعي، فيما كانوا يقضون فصول الشتاء في إزالة الجليد من على منحنيات بروكلين. كانوا ايضا يحضرون دروسا في القرآن. كانوا ينظرون الى انفسهم كأميركيين وعرب على حد سواء. وتخرجوا في وقت لاحق من المدرسة الثانوية وانضموا الى قوات الاحتياط التابعة للمارينز، إلا ان بعض ابائهم وامهاتهم وجدوا ان هذا امر غريب ويبعث على الاحباط. إذ ان أطفال أبناء المهاجرين اليمنيين عادة ما يتبعون آباءهم في الأعمال التجارية او يتجهون الى دراسة القانون والطب. الخدمة العسكرية بالنسبة لأصغرهم، والأول الذي يولد في الولايات المتحدة، كانت بمثابة طقس تشريفي، فضلا عن انها تزود الشخص بالانضباط اضافة الى جانب المغامرة، كما انها تعود بنوع من الاحترام لصاحبها من جانب اميركيين آخرين. وابتداء من عام 1992 سجل ثمانية من شباب الاسرة أسماءهم للخدمة العسكرية غالبيتهم تقريبا قبل 11 سبتمبر 2001. يقول ناجي المنتصر ان احتمالات خوض قتال في دولة اسلامية تسبب في شعور بعدم الارتياح لدى خمسة من أبناء العمومة الذين تقرر عملهم ضمن القوات الاميركية في العراق. إذ ان التجربة كانت ثقيلة على ضميرهم، كما يقول ناجي المنتصر وتصادف ان توجه اربعة من أبناء الاسرة ضمن القوات الاميركية في العراق مع نفس الوحدتين. التلفزيون هو الخيط الرابط بين سعدة الثيباني وأبنائها. ولكن على العكس من أمهات العسكريين اللواتي يشاهدن سي إن إن وفوكس نيوز تتابع سعدة الثيباني الحرب عبر محطات الأخبار التي تظهر صورا أكثر والتي تبدو أكثر انتقادا للولايات المتحدة.

ويوما بعد يوم تتابع هي مع زوجة ابنها اسمهان الأخبار. وقالت اسمهان، 26 سنة، «أنت ترى ما يحدث هناك. الضحايا على الجانبين. العراقيون يتحدثون مع انفسهم ويقولون نحن لم نكن نريد الغزو. وهم سيرفعون رضعا قتلى فوق رؤوسهم».

وفي عصر يوم من أيام مايو امتلأت شاشة التلفزيون بطريق جانبي بالدم داخل بغداد. قالت سعدة، 65 سنة، «انظر. انظر». كانت هناك امرأة جميلة مع تقطيب عنيد برز على وجهها. «إنهم يغسلون الدم عن الأرض». وأخبرت سعدة الثيباني الآخرين عن أن ابنائها يعملون كمترجمين لا جنود مارينز. وعلى تلفزيونها شاهدت التقارير التي تتحدث عن قتال الشيعة مع السنة لكنها متمسكة بفكرة أن المسلمين يجب ألا يقاتل بعضهم البعض. وقالت «إنه اثم. لا أحد يقتل مسلمين آخرين. إنهم جميعا كالأخوة». وبعد القتال تطرح الأسئلة. وأحدها هل أن ابناءها قتلوا أي شخص؟ ونفس السؤال يسكن داخل أي جندي يعود من ساحة القتال لكن بالنسبة للمسلمين الاعتراف مختلف.

فعبد الباسط منتصر، 23 سنة، الشاب النحيف ذو النبرة الهادئة قال إنه أطلق النار فقط من أجل الدفاع عن نفسه ولم يصوب على أهداف يمكن تمييزها بالعين. وقال «أنا لم أر أي شخص وجها لوجه». وهو مقتنع أن مواجهة المتمردين مبرر له لأنهم لا يتبعون قواعد الإسلام. وما يثير الاضطراب في نفسه هو المدنيون الذين وقعوا وسط النيران. وقال «ليست مسألة شعور بالذنب في حالة ذهابي إلى هناك بل أنك تحارب شعبك بطريقة ما».

وبين هؤلاء الخمسة لم يشاهد أي منهم قتالا أكثر ضراوة مما شاهده اسماعيل الثيباني والذي كان متمركزا في الفلوجة خلال خريف 2004 حينما وقع الهجوم الأميركي على المتمردين هناك. وعمل في أمن قافلة مع فرقة المارينز الأولى. وحينما سئل إن كان فخورا من خدمته في العراق قال بعد تفكير قصير «إنها مشاعر مختلطة». وحصل الثيباني على ميدالية العمل القتالي إضافة إلى ميدالية القلب الأرجواني. وهو لا يريد التكلم عما إذا قتل أي شخص هنا أو عن العنف الذي شاهده. قال «كل ما عليك هو أن تحاول النسيان».

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن