خيار الحسم العسكري في ظل مواقف الأطراف الداخلية والخارجية

الأربعاء 14 أكتوبر-تشرين الأول 2009 الساعة 09 مساءً / مارب برس – عادل أمين
عدد القراءات 9856

بخلاف الأيام الأولى للحرب أظهرت السلطات اليمنية مؤخراً مقدرة لابأس بها في إدارة معركتها الإعلامية مع المسلحين الحوثيين، إذ تنبهت لأهمية العمل الإعلامي المفترض مواكبته للعمل العسكري، ومدى التأثير الذي تُحدثه الصورة في ذهنية المتلقي، فشرعت تنقل صوراً حية من قلب معارك صعدة لطمأنة الشارع اليمني بأنها مازالت مسيطرة على الوضع الميداني، وبأنها تحرز تقدماً مطرداً على جبهات القتال وإن كان موضوع الحسم العسكري وإنهاء فتنة التمرد ما زال بعيداً.

المرجح أن التفوق(الإعلامي) الذي أبداه الحوثيون في بداية سير المعارك وبالأخص ما ضخوه من صور عبر شبكة الانترنت كان حافزاً قوياً للحكومة كي تسارع لتفعيل أدواتها الإعلامية- وفي مقدمتها الفضائية اليمنية باعتبارها أحد أهم أذرع الدعم اللوجستي للجيش- في نقل وقائع وصور المعارك المحتدمة في صعدة والتي أظهرت الجيش في وضع السيطرة الكاملة على محاور القتال.

بيد أن الأمر لا يخلو من مبالغة يتعمدها الطرفان، فكلاهما يحاول إظهار تفوقه في المعارك، وبأن النصر حليفه، وأنه بات قاب قوسين أو أدنى من إعلان انتصاره الكاسح على خصمه، ولا ننسى هنا تأكيد المصدر المسئول بوزارة الدفاع في الأسبوع الأول من الحرب قرب نهاية فتنة التمرد، منوهاً بأن عناصر التمرد تعيش في الرمق الأخير، وأن استئصال شرور فتنتهم باتت في مراحلها الأخيرة(الثورة نت 17/8)، وفي العشرين من شهر أغسطس الفائت (أي بعد تسعة أيام فقط من اندلاع المواجهات) أعلن مصدر عسكري سيطرة الجيش على مدينة حرف سفيان بالكامل، وأن القوات الحكومية تقوم بتصفية جيوب الحوثيين ومطاردتهم في الطرق المؤدية إليها، في الوقت الذي ما تزال المعارك على أشدها في مديرية حرف سفيان بعمران إلى اليوم!! وهي أحد المحاور الثلاثة التي يقاتل فيها الجيش بالإضافة إلى محوري صعدة والملاحيظ.

الحسم والموقف منه

في الأيام الأولى من الحرب اتجهت كل التصريحات الرسمية صوب مسألة الحسم العسكري كخيار وحيد لا رجعة عنه، فالرئيس صالح تعهد بأن تستمر القوات المسلحة في أداء مهامها العسكرية حتى» يتم القضاء نهائياً على فتنة التمرد الشيطانية» بحسب وصفه، وأضاف» نحن مصممون وصادقون فيما نقول بالقضاء على هذه الفتنة، وسننهي هذا السرطان الموجود في محافظة صعدة وأينما وجد بأيد صلبة وقوية(صحيفة الشرق الأوسط 22/8)، فيما قال مجلس الوزراء إن حسم القضية عسكرياً يأتي استجابة للدعوات والمناشدات الشعبية بضرورة التعامل الصارم والحازم مع هذه العصابة وضبط عناصرها وتقديمهم للعدالة.

وكان بيان لعلماء اليمن حث أبناء الشعب اليمني الوقوف صفاً واحداً مع القيادة والجيش للتصدي لهذا التمرد ومثيري الفتنة والكراهية بحسب وصف البيان(الثورة نت 3/9).

لكن دعوات الحسم سرعان ما اصطدمت بقرار تعليق العمليات العسكرية الذي صدر يوم 4/9 عقب زيارة قام بها عبدالرحمن العطية أمين عام مجلس التعاون الخليجي لليمن لإطلاع الحكومة اليمنية على نتائج اجتماع المجلس الوزاري الخليجي على مستوى وزراء الخارجية الذي انعقد يوم الثالث من سبتمبر في مدينة جدة، وهو ما فُسر من قبل البعض بأن ثمة توجه خليجي للوصول إلى حل سلمي لأزمة صعدة بين الحكومة والمتمردين.

أضف إلى ذلك فقد أكدت أحزاب اللقاء المشترك(المعارضة) في بيان لها رفضها للحرب واستخدام القوة والزج بالمؤسسة العسكرية في الصراعات الداخلية، وطالبت بحل المشكلة جذرياً من خلال تفعيل مؤسسات الدولة وفي الإطار الوطني، وما ينزع فتيل الأزمة ويعالج آثارها ويحول دون تجدد الحروب(الصحوة نت 24/8).

وبالنسبة لحلفاء الحكومة اليمنية فإن الموقف الأمريكي كان متردداً في بداية الحرب ويميل نحو الحلول التفاوضية، حيث أعربت سفارة الولايات المتحدة بصنعاء عن قلقها من تجدد القتال في محافظة صنعاء وعمران بين القوات الحكومية وأنصار الحوثي، وقال المتحدث الرسمي للسفارة في تصريح لـ « الصحوة» نأمل عودة كلا الطرفين إلى وقف إطلاق النار والتزام الجانبين مسئولية حماية المدنيين والنازحين(الصحوة نت 19/8).

كما ناشدت وزارتا الخارجية والتنمية البريطانيتان الحكومة اليمنية على أعلى مستوى في بيان لها التوصل إلى تسوية سلمية للصراع في صعدة ، فيما دعا الاتحاد الأوروبي في بيان له جميع الأطراف إلى وقف المعارك فوراً، طالباً منهم العمل في شكل مكثف على حل تفاوضي(الصحوة نت/ الثوري،27/8)

وبالجملة فقد تعرضت الحكومة اليمنية في الأسبوعين الأولين للحرب إلى ضغوط دولية من أجل إيقاف المعارك والعودة إلى اتفاق الدوحة وبخاصة من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي والعديد من المنظمات الدولية كمنظمة العفو الدولية والمفوضية السامية لشئون اللاجئين، وهو ما حدا بالحكومة إلى تعليق عملياتها العسكرية وإطلاق مبادرة لوقف إطلاق النار بشروطها الستة المعروفة، ثم جرى تعديل تلك المبادرة بإلغاء الشرط المتعلق بمطالبة الحوثيين الكشف عن مصير الأجانب المختطفين في صعدة منذ عدة أشهر، على أن المبادرة في مجملها كانت أشبه ما تكون بوثيقة استسلام طُلب من الحوثيين قبولها، وهو ما جعلهم يرفضونها، وذلك أمر توقعته الحكومة وربما سعت إليه، لذا فقد انهارت سريعا كل جهود التهدئة ومبادرات وقف إطلاق النار ولم تصمد لأكثر من ساعات قليلة، لكن الحكومة خرجت منتصرة في جولتها الأولى تلك، فقد نجحت في امتصاص الضغوط الخارجية المطالبة بالحلول السلمية، وقدمت نفسها داعية سلام، فيما ظهر الحوثيون في موقف المتعنت الرافض لكل المبادرات السلمية والحلول التوافقية، وكان من نتائج ذلك استمرار التصعيد في سير المعارك، وبدخول ألوية عسكرية جديدة ومشاركة رجال القبائل والطيران الحربي تمكنت قوات الجيش من تحقيق تقدم ملحوظ في المعارك التي تدور رحاها في ثلاثة محاور هي: محور صعدة ، الملاحيظ ، وحرف سفيان.

العودة إلى خيار الحسم

نستطيع القول أن خيار الحسم العسكري لحرب صعدة كان مطروحاً بقوة منذ البداية بصرف النظر عن جديته من عدمها، إلاّ أن الضغوط الخارجية ساهمت إلى حدٍ ما في تأجيله لأسباب ربما بعضها متعلق بالوضع الإنساني للنازحين، والبعض الآخر ربما له علاقة بمدى ثقة الحلفاء بقدرة النظام على الحسم لاسيما بعد تأخره لأكثر من أسبوعين، لكن سرعان ما تغير الوضع لصالح النظام، واستحالت الضغوط الموجهة عليه من شركائه إلى دعم سياسي لا محدود ، فقد أكد وزير خارجية بريطانيا وقوف بلاده مع الحكومة اليمنية في التصدي لأي تمرد وخروج على الدستور والقانون من شأنه أن يعيق مسيرة اليمن التنموية(سبأ نت 27/9)، وعلى الفور أكد السفير البريطاني بصنعاء استعداد بريطانيا تقديم كافة أوجه الدعم لجهود الإغاثة الإنسانية التي تقوم بها الحكومة اليمنية في صعدة ، مؤكداً دعم بلاده لأمن واستقرار اليمن(الثورة نت 29/9/)، أما الخطوة الأكثر أهمية في دعم الموقف اليمني وإفساح الطريق أمامه لتبني خيار الحسم فقد جاءت من لقاء مشترك جمع وزيرة الخارجية الأمريكية بنظرائها في دول مجلس التعاون الخليجي الست، ومصر والعراق والأردن(محور الاعتدال في منطقة الشرق الأوسط) أكدوا فيه عن دعمهم الكامل لحكومة الرئيس علي عبدالله صالح ولوحدة اليمن وأمنه واستقراره، وللجهود الرامية إلى إقامة حوار سلمي(الحياة 28/9)، وبذلك تكون الدول المعنية بأزمة اليمن قد حددت موقفها بوضوح من الحرب في صعدة ، بل واصطفت إلى الجانب الحكومي، وبالتالي لا غرابة في أن يعود الخطاب الرسمي لتبني خيار الحسم العسكري بأشد مما في السابق، حيث أكد الرئيس صالح أن الجيش اليمني لديه استعداد لمحاربة المتمردين لسنوات، وقال» إن اليمن لن يتراجع ولن يتوقف حتى لوطالت الحرب لخمس أو ست سنوات»في الغضون أكد مجلس الدفاع الوطني « أن لا خيار أمام تلك العناصر سوى الاستجابة لما جاء في مبادرة الحكومة من نقاط لإيقاف العمليات العسكرية حقناً للدماء وتحقيقاً للسلام (الثورة نت 28/9)، في حين أكد وزير الخارجية(القربي)أن السلطة لم تعد تقبل أية وساطة سواء داخلية أو خارجية إلاّ في ظل الشروط الستة، مشيراً إلى أن صنعاء تتلقى دعما سياسياً من كافة دول الخليج والدول العربية، وقد تمثل الدعم العربي في رسالة خطية من الرئيس المصري للرئيس اليمني حملها كل من وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط ورئيس جهاز المخابرات اللواء عمر سليمان أكد من خلالها رفض بلاده لأي تدخلات خارجية في الشأن اليمني واستعداد بلاده لدعم اليمن بما يكفل التصدي لدعاوى الفرقة والانقسام التي تحركها مصالح ضيقة تستهدف النيل من أمن اليمن وزعزعة استقراره(الثورة نت 4/10)، ومرة أخرى يعلن الرئيس صالح أمام عدد من الوحدات العسكرية المتوجهة إلى المنطقة الشمالية الغربية(صعدة ) عزمه على إخماد فتنة التمرد بصعدة ، وبأن الشرذمة الباغية ستدحر قريباً (الثورة نت4/10)، في هذا السياق يمكننا القول بأن اليمن نجح في حربه السادسة وإلى حدٍ كبير في حشد حلفائه الدوليين والإقليميين وراءه لمواجهة متمردي صعدة ، وهو ما يعني تراجع كل الخيارات المطروحة لصالح خيار وحيد هو الحسم، بغض النظر عن تبعاته ومخاطره، لكن هذا الخيار يبقى رهينة حلفاء النظام في الخارج وما إذا كانوا سيثبتون على مواقفهم حتى النهاية، والأرجح أن النظام تمكن من إقناعهم بخطورة التدخلات الخارجية الداعمة للتمرد، وأن هزيمته في صعدة سينعكس أثرها على محيطه الإقليمي بالكامل، وسيضيف أعباء إضافية -أمنية بدرجة أساسية- على شركائه، ويبدو أن المخاوف المتزايدة لدى الغرب من احتمالات تحول اليمن إلى دولة فاشلة نتيجة الأزمات التي تعصف به على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية بما يمكن تنظيم القاعدة من استغلال تلك الأجواء الملائمة لبناء قواعد عسكرية خلفية آمنة لضرب المصالح الغربية وأمن الخليج والسيطرة على القرن الإفريقي كانت حافزاً قوياً لحلفاء النظام لتقديم الدعم الكامل له على طريق تحقيق الأمن والاستقرار لهذا البلد بما يمكنه من القيام بدوره في منطقة حساسة تشتعل بالأزمات من كل اتجاه.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن