أربعة ملايين شخص بحاجة ماسة إلى خدمات التغذية باليمن

الأحد 07 أكتوبر-تشرين الأول 2018 الساعة 08 صباحاً / مأرب برس- أحمد الأغبري
عدد القراءات 2591

في الثلاثين من أيلول/سبتمبر الفائت تداول ناشطون يمنيون على منصات التواصل الاجتماعي صور الطفلة هند، النازحة من الحديدة، غربي البلاد إلى مدينة عدن، جنوب، حيث توفيت هناك بعد أن التهم الجوع وسوء التغذية الحاد لحم جسمها، ولم يبق منه سوى ما التهمه الموت، ليختزل موتها ما وصلت إليه معاناة الطفولة في بلد يعيش حرباً منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويعاني في الشهور الأخيرة من تدهور غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية جراء انهيار متسارع في قيمة العملة الوطنية وتواتر ارتفاع أسعار السلع بشكل مخيف مع تراجع دخل الفرد لمستويات غير مسبوقة، بشكل أصبح معه ملايين الأطفال، باعتبارهم الشريحة الأضعف، مهددين بحرمانهم من أبسط الحقوق، وفي مقدمتها الحق في الحياة مع انتشار المجاعة والاستغلال والتسرب من التعليم في كل مكان في هذا البلد الأفقر في الشرق الأوسط.
شهد شهر أيلول/سبتمبر في اليمن أحداثاً اقتصادية جسام أثرت بشكل مباشر على معدلات الأمن الغذائي، وهددت الملايين بالمجاعة جراء الانهيارات المتوالية في قيمة العملة الوطنية التي تجاوزت 350 في المئة عما كانت عليه قبل الحرب، ومعها شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعات متسارعة لدرجة تشهد السلعة الغذائية في اليوم الواحد أكثر من ارتفاع في سعرها ما ضاعف من التحديات التي تواجه «أسوأ مأساة إنسانية من صنع البشر» التي يعاني منها اليمن. وهو ما يفتح الباب لقراءة التداعيات الاقتصادية الأخيرة على الجانب الإنساني للمأساة اليمنية، وعلى وجه الخصوص الأطفال باعتبارهم أبرز ضحايا هذه الحرب الدائرة بين قوات الحكومة الشرعية مسنودة بتحالف تقوده السعودية وقوات جماعة «أنصار الله» الحوثيين.
وجراء هذه الحرب وما ينتج عنها من انهيار في قيمة العملة الوطنية وارتفاع في أسعار المواد الغذائية بموازاة انهيار شبه كلي للخدمات العامة، فإن اليمن، وفق منظمات دولية، معرض لخطر الانزلاق إلى المجاعة، فهناك حوالي 4 ملايين طفل وامرأة حامل أو مرضعة في حاجة ماسة إلى خدمات التغذية.
يقول رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا في عدن باسم الشعبي لـ «القدس العربي»: «مما لا شك فيه أن انهيار العملة وارتفاع الأسعار في ظل هذه الأوضاع التي يعيشها اليمن له تأثير سلبي وكارثي على كل فئات المجتمع، وفي المقدمة منهم شريحة الأطفال وهي الشريحة الأكبر في اليمن والأهم في تصوري باعتبارهم جيل المستقبل علاوة على أنها الشريحة الأضعف، وبالتالي تكون النتائج عليها وخيمة في حرمانهم من أبسط حقوقهم.
انعكس وينعكس تردي الوضع الاقتصادي على شكل نتائج وخيمة على شريحة الأطفال، فتراجعت حقوقهم في الحياة، وهو ما نلمسه في الأخبار المتناقلة عن واقع الجوع وسوء التغذية في بعض مناطق اليمن، وكم هي مشاهد صور أولئك الأطفال مؤلمة، وقد صاروا أشبه بهياكل عظمية». وأضاف «انعكست الأوضاع الاقتصادية المتردية على الأطفال في مختلف المجالات بما فيها مجال التعليم، وقد رأينا كيف ذهب أطفالنا في المناطق اليمنية المحررة الواقعة تحت حكم الحكومة الشرعية إلى المدارس بدون زي مدرسي، وهذا ناتج عن ضعف قدرة أولياء الأمور على شراء الزي المدرسي لأطفالهم، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ اليمن. والانعكاس الخطير هو أن بعض الأسر أصبحت ترسل أطفالها لجبهات للقتال بدلاً من المدارس لعدم قدرتها على دفع تكاليف الدراسة، وهذا لعمري أمر خطير للغاية وفي حاجة لوقفة ومراجعة سريعة. أطفال اليمن مهددون بانعكاسات سلبية سوف تقضي على مستقبلهم وتهدد مستقبل البلد كلما زاد تدهور الأوضاع الاقتصادية».
أطفال ومجاعة
وانطلاقاً من ذلك الواقع حذر عدد من المنظمات الدولية خلال الشهر الفائت من تداعيات الانهيار الاقتصادي وتأثير ارتفاع أسعار الغذاء والوقود في جميع البلاد على حياة السكان وخاصة الأطفال. ونبهت منظمة «انقذوا الأطفال» ومقرها بريطانيا، من أن مليون طفل يمني معرضون لخطر المجاعة مع تداعيات الانهيار الاقتصادي، وقالت المنظمة، في بيان 19 أيلول/سبتمبر، إن أي توقف في الإمدادات الغذائية والوقود من خلال ميناء الحديدة يمكن أن يسبب تجويعًا على نطاق غير مسبوق. وتحدثت عن مليون طفل يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد في اليمن سيواجهون خطر الوقوع في المجاعة، حيث تكافح الأسر لتوفير الغذاء الأساسي والنقل إلى المرافق الصحية للعلاج. وبذلك يرتفع العدد الإجمالي للأطفال في اليمن المعرضون لخطر المجاعة إلى 5.2 مليون، حيث سبق وحذرت منظمات دولية من أن 4.2 مليون طفل في اليمن معرضون لخطر المجاعة.
وتشهد محافظة الحديدة، وفيها ثاني أهم مرفأ في البلاد منذ حزيران/يونيو الماضي، قتالاً من أجل سيطرة القوات الحكومية المسنودة من التحالف العربي، على مركز المحافظة والميناء، وتسبب الصراع في نزوح عشرات الآلاف من الأسر وتدمير بعض المرافق والمنشآت. ويشكل ذلك القتال خطراً حقيقياً لاسيما وأن ميناء الحديدة يشكل شريان لواردات نحو 80 في المئة من سكان اليمن، وفي حال تضرره أو إغلاقه سيؤدي إلى الإقلال من المعروض من الطعام والوقود، وبالتالي رفع الأسعار، وهو ما سيعرض مئات الآلاف من الأطفال للخطر المباشر بينما يدفع ملايين آخرين إلى المجاعة.
وحذرت الأمم المتحدة من أن الفشل في استمرار تدفق الغذاء والوقود والمساعدات إلى اليمن، لا سيما من خلال الحديدة، يمكن أن يؤدي إلى واحدة من أسوأ أزمات الجوع في التاريخ المعاصر.
لا رواتب
ويكلف الآن أكثر من 700 ريال يمنيّ لشراء دولار أمريكي واحد، بعدما كان يكلف 215 ريالاً قبل تصاعد الصراع قبل أكثر من ثلاث سنوات. وبناء على ذلك ارتفع سعر سلع الوقود مثل البنزين والديزل وغاز الطهي بنسبة تجاوزت 400 في المئة في معظم مناطق البلاد عما كان عليه الوضع قبل تصاعد القتال. فبعدما كان سعر الغالون البنزين (20 لترا) قبل الحرب 2500 ريال فقد تجاوز سعره اليوم أكثر من عشرة آلاف ريال، ويصل سعره في السوق السوداء إلى عشرين ألف ريال يمني.
ويعاني معظم سكان البلاد، وخاصة في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين، من توقف صرف الرواتب الحكومية منذ أزيد من عامين ما فاقم من معاناة الناس لاسيما مع تعطل كثير من إمكانات القطاع الخاص، فازدادت أوضاع الناس سوءاً، وأصبح، وفق الأمم المتحدة، 75 في المئة من السكان بواقع 22.2 مليون في حاجة للمساعدات، و17 مليونا يفتقدون للأمن الغذائي و8.4 مليون يفتقدون للأمن الغذائي الحاد ويعانون من خطر تعرضهم للمجاعة و10ملايين شخص آخرين يمكن أن ينزلقوا إلى ظروف ما قبل المجاعة بحلول نهاية العام ما لم يكن النزاع قد انتهى.
ويعاني ما لا يقل عن 1.8مليون طفل و1.1مليون امرأة حامل أو مرضع من سوء التغذية الحاد، بما في ذلك 400000 طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد والشديد. وبناءً على ذلك، قدرت إحدى المنظمات الدولية أن 4.2 مليون طفل دون سن 18 عامًا معرضون لخطر المجاعة في اليمن. وحذرت من أن من المحتمل أن يموت أكثر من 36000 طفل بسبب الجوع الشديد هذا العام في اليمن ما لم تكن هناك جهود حقيقية لإنقاذهم.
وقالت هيلي ثورنينغ شميدت، الرئيس التنفيذي لمنظمة «أنقذوا الأطفال»: «إن لأزمة التغذية في اليمن تداعيات خطيرة. الملايين من الأطفال لا يعرفون متى أو كيف ستأتي وجبتهم المقبلة. في إحدى المستشفيات التي قمت بزيارتها في شمال اليمن، كان الأطفال الرضع أضعف من القدرة على البكاء، وكانت أجسادهم منهكة بسبب الجوع».
وعلى الرغم من وجود إمدادات غذائية في السوق في الوقت الراهن، إلا أن الأسر غير قادرة على تحمل إمكانات شراء حتى أكثر المواد الأساسية مثل الخبز أو الحليب أو البيض، مما يجعل الوضع أسوأ بالفعل، وهو ما سبق وأكدته منظمات إنسانية.
التعليم
وأعلنت السلطات في اليمن بدء العام الدراسي في المدارس في المحافظات الجنوبية من التاسع من أيلول/سبتمبر وفي 20 منه في المحافظات الشمالية، إلا أن الوضع الاقتصادي في كل مناطق اليمن انعكس سلباً على معاناة الطلاب والطالبات، وخاصة الأطفال. ففيما لم يستطع كثير من طلاب المدارس في المناطق الجنوبية الخاضعة للحكومة الشرعية شراء الزي المدرسي فإن وضع عديد من المدارس في المحافظات الشمالية الخاضعة لسلطة جماعة «أنصار الله» الحوثيين، أسوأ بكثير نتيجة توقف صرف رواتب المعلمين والتحاق بعضهم بأعمال أخرى، وما لحق ببعض المدارس من أضرار نتيجة الغارات الجوية والقتال البري، بل أن العديد من المدارس هناك لم تبدأ فيها الدراسة حتى الآن، وبعضها بدأ في جمع التبرعات من المجتمع المحلي بما يمكنها من استئناف الدراسة. وقبل هذا وذاك فواقع الحرب قد تسبب في تسرب عدد كبير من الطلاب من المدرسة إلى منصات عديدة، فمنهم من يذهب إلى أرصفة التسول في المدن ومنهم من يلتحق بسوق العمل ما يعرضهم للاستغلال بأبشع صوره، ومنهم من يلتحق بمعسكرات القتال…ألخ.
وحسب بيانات الأمم المتحدة فإن 29 في المئة من الأطفال في اليمن أصبحوا خارج المدرسة، وقد وصل عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدرسة، الذين سبق لهم التعلم بالفعل قبل الصراع، إلى أكثر من 2 مليون طفل. وعلى صعيد ما لحق بالمدارس من خراب واستغلال قالت بيانات دولية إنه ﻓﻲ نهاية أيلول/ﺳﺑﺗﻣﺑر 2017 ﺗم الإﺑﻼغ ﻋن تدمير 256 ﻣدرﺳﺔ ﺗﻣﺎﻣﺎً، فيما ﺷﻐل النازحون 150 ﻣدرﺳﺔ، و 23 ﻣدرﺳﺔ على يد ﺟﻣﺎﻋﺎت ﻣﺳﻟﺣﺔ.
وفي ظل واقع الصراع هذا، تؤكد منظمات دولية أن 55 من أصل 1000 طفل يموتون قبل عيد ميلادهم الخامس في اليمن و23 في المئة من الأطفال صاروا يعملون، فيما قتلت وأصابت الحرب 6500 طفل منذ بداية الصراع بمعدل خمسة أطفال كل يوم منذ بدء النزاع، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة، بل ذهبت إحدى تلك المنظمات إلى القول إن كل أطفال اليمن تقريباً معرضون للخطر بسبب الحرب.
ونقلت وسائل الإعلام عن جولييت توما، المتحدثة باسم «يونيسف» قولها: «من المحتمل أن نقول إنه في الوقت الحالي لا يوجد مكان آمن للأطفال في اليمن». وقالت المنظمة إنه «بعد أكثر من ثلاث سنوات من القتال، أصبح وضع الأطفال في اليمن أسوأ، وليس أفضل». 
وحسب المنظمات يحتاج أكثر من 11 مليون طفل في اليمن إلى مساعدات إنسانية، مشيرة إلى أن أكثر من نصف أطفال اليمن لا يحصلون على مياه شرب آمنة أو مرافق صحية ملائمة. وتحدث المنظمات عن تأثير الحرب على الفتيات على صعيد الزواج المبكر، حيث أن ثلاثة أرباع جميع الفتيات يتزوجن قبل سن 18.
ويتحدث رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا في عدن باسم الشعبي، مؤكداً أن أطفال بلاده يدفعون ثمناً باهظاً للصراع، وما يترتب عليه من انهيار اقتصادي الذي يفاقم من معاناة هذه الشريحة التي تدفع اليوم، كما يقول «ثمن نزوات الحكام والنُخب السياسية التي عطلت كل نوافذ التغيير في البلد ودفعته للاحتراب». معرباً عن الأمل في تعافي بلاده وعودته أفضل مما هو عليه، حيث يجد الأطفال حقوقهم وفرصهم كاملة على حد قوله.