كيف يصلح مؤتمر لندن ما أفسده الدهر ؟
بقلم/ على الصراري
نشر منذ: 18 سنة و أسبوع و يومين
الأحد 12 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 10:05 ص

تستعد السلطات اليمنية بتحضيرات كبيرة جداً لانعقاد مؤتمر المانحين في لندن (15-16 نوفمبر الجاري) لدعم اليمن، ومن المتوقع أن يكون ا لوفد الرسمي اليمني على اعلي مستوى، بأكثر مما هو مطلوب أو ضروري..

ويبدو واضحا أن السلطات اليمنية تعول كثيراً على النتائج التي سيخرج بها هذا المؤتمر، وتعلق عليها الغالبية العظمى من الوعود الرسمية المطروحة على المواطنين اليمنيين، والأكثر من ذلك أن العديد من الطموحات السياسية الرئيسية المثبتة على الأجندة المستقبلية للسلطة مرهونة بهذه النتائج..

وفي حين ان مشاركة المانحين في مؤتمر لندن محاولة جديدة من جانبهم لإصلاح الأوضاع اليمنية، وان لم يحالف التوفيق هذه المحاولة، فعلى اقل تقدير هي محاولة لمنع انهيار هذه الأوضاع، فان السلطات اليمنية ترغب ان يكون المؤتمر انتصاراً سياسياً جديداً لها، يكرس سيطرتها، ويمنحها مكسباً دعائياً جديداً في مواجهة الاستحقاقات التي بذلتها أثناء حملتها الدعائية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة..

وحسب التوجهات المعلنة فإن مؤتمر لندن يهدف الى مساعدة اليمن على التأهل للانضمام لمجلس التعاون الخليجي، وستكون دول المجلس هي الحاضر الأكبر في المؤتمر، في حين ان الدول المانحة الأوروبية والولايات المتحدة والتي ستشارك ايضاً في المؤتمر، ستتاح امامها الفرصة لإلقاء العبء الرئيسي في دعم اليمن على دول مجلس التعاون، دون ان يعني ذلك انها ستنسحب من هذه المسئولية، ولكن صارت لديها الرغبة في ان يغدو دورها ثانوياً، خاصة أن برامج الاصلاح التي مولتها خلال أكثر من عقد من الزمن لم تحقق النتائج المأمولة منها..

ومنذ سنوات عديدة بدأت الدول المانحة في المجموعة الاوروبية، وكذا الولايات المتحدة، وجهات دولية أخرى، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تطلق التحذيرات بشأن تدهور الاوضاع اليمنية، وتزايد مخاطر وصولها الى درجة أعلى من الفشل، واحتمال انتقالها الى مرحلة الانهيار، ولذلك حثت دول مجلس التعاون الخليجية على التخلي عن مواقفها السلبية نحو اليمن، ومساعدتها على الانضمام التدريجي للمجلس، بهدف الاستفادة من الإمكانيات المتوفرة لدولة من ناحية ولتشكيل عامل ضغط إقليمي يفرض العديد من الإصلاحات الضرورية على الأوضاع اليمنية تحفظ هذا البلد العربي من الانهيار من ناحية ثانية..

على أن الشروط التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي، وتطالب اليمن الالتزام بها لكي تحصل على مساعداتها، تتفق الى درجة التطابق مع الشروط التي طالما ظلت الجهات الدولية المانحة تطالب اليمن بتنفيذها، بما في ذلك إنشاء صندوق مستقل للتمويل الاستثماري في اليمن غير خاضع لسيطرة الحكومة اليمنية، وهو ما عبرت السلطات اليمنية عن قبوله أثناء اجتماع وزراء خارجية دول المجلس في صنعاء مؤخراً، كما لو ان هذا الشرط مقترح من جانبها، الأمر الذي يعكس تشدد الخليجيين في حذرهم من الفساد المسيطر على اليمن، وهو فساد كفيل بإحباط مساعيهم كما سبق أن حدث مع الأمريكان والأوروبيين..

والحال ان السلطات اليمنية، وهي تستبعد للمشاركة في مؤتمر لندن تحرص على اظهار جدية كاملة في التعامل مع متطلبات التأهل للانضمام لمجلس التعاون الخليجي، وتبذل قصارى جهدها لاقناع الخليجيين بأنها لن تفوت الفرصة هذه المرة، لكنها تحرص ايضاً في نفس الوقت على عزل المعارضة الوطنية واستبعادها من المشاركة في فعالية لندن، وتهميش تصوراتها بشأن الإصلاحات التي تحتاجها اليمن، والكيفية ا لتي يمكن عن طريقها تنفيذ تلك الإصلاحات..

ولابد ان يكون واضحاً ان استبعاد الشركاء الداخليين يعكس عدم الجدية في التعامل مع موضوع الإصلاحات، وعدم جاهزية السلطات اليمنية في تفنيذ الالتزامات التي قطعتها أمام الشركاء الخارجيين، الأمر الذي يعطي مؤشراً سلبياً بشأ، مصداقيتها في مرحلة مابعد مؤتمر لندن..

غير ان هذا المؤشر السلبي لا يعطي المعارضة الوطنية اليمنية حق الحكم سلفاً... الدعوات التي يمكن أن تطالب بحجب المساعدات الخليجية والدولية عن اليمن، والأكيد أن المعارضة اليمنية ممثلة في تكتل اللقاء المشترك ليست لديها أية نوايا لطرح مطالب من هذا النوع، الا أنها معنية بطرح وجهة نظرها، وتقديم تفسيرها للأسباب التي ادت الى فشل المحاولات الإصلاحية المبذولة خلال العقد الماضي، وكانت الجهات الأوروبية والأمريكية المانحة تتبناها، وتساهم في تمويلها..

وربما أن البحث في أسباب فشل المحاولات الإصلاحية السابقة في اليمن لن يطول، إذ يستطيع كل من يمعن النظر في الأوضاع اليمنية، ويراجع تجربتها ان يكتشف بسهولة أن أسباب هذا الفشل تكمن في الفساد المستشري في كافة مفاصل الدولة، والممتدة على كل مساحة الوطن، وغدا يمثل الآلية التي تحكم كل أوضاع البلاد..

لقد ذهبت المحاولات الإصلاحية السابقة إلى البحث عن معالجات لمواجهة الفساد عن طريق اقتراح القوانين والأنظمة وإقامة الندوات وتدبيج الخطب الداعية إلى إعلان الثورة عليه، ولم يكن في جميع الأحوال يستتبع ذلك اتخاذ الإجراءات المنفذة لم تتضمنه القوانين وخطب الثورة ضد الفساد. وفي حالات عديدة كانت محاربة الفساد تتحول الى نوع من الدعاية والوعظ ولكن دون طائل، وظلت ممارسة الفساد موضوعا للتباهي وإظهار تفوق أصحابها، واستحقاقهم للثقة وللمكافأة..

ولم يعد من الجائز النظر الى أسباب الفساد على أنها تعكس حالة من الانحراف السلوكي او الانحطاط الأخلاقي، أو أنها شيء مشين تستدعي التخفي من ملاحقة القانون، اذ تنفرد اليمن بين كل بلدان العامل التي تعاني من الفساد تشهد ممارسته علناً، ويلقي ممارسوه الاهتمام والرعاية، ويفسر ذلك ان الفساد في اليمن سياسياً وليس أخلاقياً، ودوافعه سياسية بالدرجة الأولى، وهنا يمكن القول ان أية محاولة إصلاحية في اليمن محكوم عليها بالفشل ما لم تبدأ بالإصلاح السياسي، أي ما لم يجر القضاء على الدوافع السياسية المحركة له.

هذا ما ينبغي أن يدركه المشاركون في مؤتمر لندن حتى لاتتكرر محاولات الاصلاح الفاشلة..

متى تأتي طفرة الحاكم العربي الرشيد !!!
أحمد القيلي
كاتب/مهدي الهجرالدكتاتورية العربية...وما تجره عليها أولاً (نموذج صدام )
كاتب/مهدي الهجر
مشاهدة المزيد