بروية أنصح..اعتذروا لقناة الجزيرة ؟
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 8 أيام
الأحد 14 مارس - آذار 2010 12:07 م

الحقيقة أن التصعيد الرسمي في صورته الأخيرة تجاه قناة الجزيرة خطأ ، حجمه هذه المرة جسيم ، به رعونة ولا يخلو من النزق، كما أن الممارسات والمواقف السابقة المتقطعة تجاه الجزيرة كانت هي الأخرى محلها التهور والارتجال وفي دائرة اللوم ، إلا أنها لم تكن بهذه الحدة والعجالة والخبط .

لا أدري لماذا الموقف الرسمي في السنوات الأخيرة لم يعد بتلك الحنكة في الكسب وجني الأرباح ، بل أصبح يسير باطراد في حسابات الخسائر فحسب في كل المحاور والقضايا ودوائر العلاقات .

فبشأن قناة الجزيرة إن لم يحسبها في التعامل معها على أساس من رد الجميل والبقاء على المعروف إزاء المواقف السابقة والتي كلها ايجابية ، والمتراكمة لقناة الجزيرة وحكومة قطر تجاه اليمن وحدة وحكومة وقضايا وشعبا ، فضلا عن الموقف المبدئي للجزيرة تجاه قضايا الأمة والإنسانية .

فليحسبها الموقف الرسمي على الأقل من الوجهة البرجماتية النفعية الصرفة ، وهنا دائما ما تغيب العاطفة والاستلطاف الشخصي من عدمه أمام حسابات ومصالح الدول .

فالذهاب إلى قناة الجزيرة وجرها بالقوة إلى أن تكون حاضرة داخليا وإقليميا ودوليا كخصم متخندق أمر في غاية السذاجة ، وقرار غابت عنه تماما العلمية والرؤية ومعالم الإستراتيجية ، إلى موقف لا يمكن أن ننعته بالقبلي ، فللقبيلة حسابات وأبعاد وحدود ومعالم تقف عندها سواء في علاقاتها مع مكونها الداخلي أولا أوفي السياق مع القبائل الأخرى ..

إنما على الأرجح أنه فردي لشخص أو ثلاثة لا يزيد اتخذ في أريحية مقيل قات ، قام مشعب في المقيل يهاجم الجزيرة ويقترح ، رد عليه آخر في حالة النفخة بالويل والثبور على الجزيرة ومباركة الاقتراح .

وأنا هنا احمل وزارة الإعلام ومن بعدها الحكومة النتائج القريبة والبعيدة التي ستنجم جراء هذا الموقف الأخرق .

إن قناة الجزيرة وهذا ما يجهله الموقف الرسمي اليوم صاحبة قرار ونفوذ إقليمي ودولي ، وهي عابرة للقارات ، وتمتلك رصيد من الخبرة والعلاقات ومن نقاط القوة ما تتجاوز به بكثير ما عند النظام الإقليمي العربي كله مجتمع ، وهي تستطيع أن تسقط حكومات وتغير معالم دول .

حتى حكومة إسرائيل رغم حقدها وبغضها للجزيرة كانت كلما أوشكت أن تشتبك معها رجعت القهقري ، وتراجعت خطوات في اعتذار وتسليم عملي ، ولقد استطاعت قناة الجزيرة أن تحقق ضربات لإسرائيل في داخلها وأمام الرأي الدولي ومؤسساته المدنية وحتى الرسمية ، وأن تكون للمقاومة أما حانية ، وظهرا وسيف .

ولقد حاولت السلطة الفلسطينية بفعل تلقيها الضربات من الجزيرة وهي تكشف مخبوء السلطة المقيت أن تصطدم معها ولكنها تراجعت رغم فجور السلطة ، وموقفها من القناة ، وهي كلها حسابات لا يمكن أن تقرأ في السياق المبدئي ، أو الكيدي ، وإنما مصالح الدول ، وميزان أرباح وخسائر .

وعندما كشفت الجزيرة وثيقة تفصح عن نية كان بيتها الرئيس بوش لقصف قناة الجزيرة مع رئيس الوزراء البريطاني ، فإنها جعلت منها فضيحة ونكسة أخلاقية لقيم المجتمع الغربي والإنساني برمته لا تقل في أثرها ووقعها على الداخل الأمريكي عن ووترجيت .

خيبة النظام الإقليمي العربي في وقوفه عند بداياته ولم يتطور البتة ، وظلت في حساباته مرتكزاته على قوة القبيلة والمال والعسكر في اعتقاد ابدي منه أن التاريخ يقف عند تيك المقومات فحسب ، ونسي بل ربما لم يع في الأصل أن التغيير والنماء دينامية الحياة .

وقد أصبح الإعلام اليوم في موازات الرأي العام من أهم ما يجب أن يعتمد عليهما النظام الحاكم ، ولعل الشواهد الأخيرة في تركيا والجنرالات تتجه للمحاكم والسجون تثبت بالعملي فساد نظرية الأمس بالنسبة للراهن .

ما يجب التذكير به هنا أن قناة الجزيرة رغم مهنيتها إلا أنها كانت تسير بعاطفه ظاهرة أثناء تعاطيها مع قضايا وأحداث اليمن والسودان ، وأنه كانت هناك شبه حميمية بين القناة والرئيس صالح شخصيا ، وقد عملت الجزيرة على التسويق الإقليمي والدولي للنظام اليمني ، ومع التعاطي المستمر أصبح لليمن بفضل الجزيرة وبفضل تلك السياسات التي اتسمت يومها بالحكمة حضورا وقبولا إقليميا ، ولدى مؤسسات صنع القرار الدولية الغير رسمية .

قد تكون الجزيرة اليوم تقوم ببعض القرصات للنظام الرسمي اليمني، لكنها في نظري وخزات حانية لعتاب مبطن ، كرد فعل لاستفزازات سابقة للجزيرة وقطر لم يكن هناك ما يبررها سواء في السلوك السياسي الحاصل أو في هوامش العلاقات السابقة ، إذ كانت كلها سمن على عسل ، وقد كان فعلا الانقلاب الرسمي اليمني مفاجأ ، ربما كانت في مقاصد هذا الأخير من المتطلبات الهامة لإثبات هوية وكنه العلاقات الإقليمية الجديدة في مصفوفة المحاور،أو في مداولة الكروت ، لكن الحال لم يكن يفرض تقديم خسائر بهذا الحجم لكسب مواقف مؤملة ليس لها سند أو ما يعززها في الخبرات السابقه ، التي كانت في مجملها نمط صراعي إن لم يظهر بسفور في بعض الحالات والمواقف ، فهو كامن تغطيه بعض الاعتبارات والتكتيكات السياسية ليس أكثر .

في المحصلة ، فإنه ليس من مصلحة الحكومة في اليمن أن تفتح جبهة لحرب من لون آخر مع قناة الجزيرة ، فإذا كانت إسرائيل تفر من هذا النوع من المواجهة وهي من هي إمكانات وعلاقات ، فكيف بمجتمع شبه مفكك وغير متماسك ، ونظام سياسي مترهل ، يتآكل من داخله ، ولا يتماسك إلا بالتكتيك الذي لا يعقبه إلا تكتيك ، وكلها آنية .

هل يقوى النظام الرسمي اليمني على مواجهة ملفات من الحجم الثقيل تكشفها الجزيرة ، وشيئا آخر من هذا القبيل ، فضلا عن أن تكون منبرا سافرا لمعارضة تتجه للهوية ، أو المذهبية والأرض .

مصلحة اليمن كدولة ونظام تقتضي عدم الدخول في دوامات ومعارك جديدة ، وعدم التفريط بعلاقات تاريخية خدمت اليمن وعززت من رصيده .

وإني انصح لله ، ثم لليمن بتقديم اعتذار عملي لقطر وقناة الجزيرة من خلال التضحية بوزير الإعلام ، وحمله إلى الأرشيف ليكتب مذكراته ،أو ليكون معلما أثريا ، وتعيين وزيرا آخر يليق باليمن، في الداخل وعلى مستوى العلاقات الخارجية ، يكون مواكبا للمتغيرات وجديد العولمة ، يعي الحريات والحدث .

وللتدليل على المواقف الخرقاء لوزير الإعلام ـ حتى في المواقف السطحية والقشور ـ .... قراره في تحويل اسم قناة اليمانية في عدن إلى قناة عدن ثم اليمانية بين قوسين ، وقد كان قرار الأخ الرئيس موفقا بتسميتها قناة عدن وكفى ، لكن االوزير الجهبيذ وكبير الطحاطيح يريد أن يثبت تفرده وزيادة ، وعظيم وطنيته ووحدويته القح فجعلها مضاف ومضاف إليه.

فعدن معروفه أنها يمنية ،كما صنعاء ، ولا تحتاج إلى معرف ، لكن تعريف التعريف هذا وبهذه السذاجة يجعلها بهذه الصيغة ذات أشكال ، ووجهات نظر ، وكلمة تحتها خطوط .

وتعريف المعرفة نكرانها ، على الأقل بالحط من قدر المعرف أو من أردت أن تعلنه .