التمرّد الحوثيّ حينما يتمدّد
بقلم/ محمد يحيى
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و 26 يوماً
الخميس 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 07:27 م

لَقَد خرج التمرّد الحوثي من الدائرة المحلية اليمنية إلى دائرة أخرى أكثر خطورة وأهمية وحساسية.. ألا وهي الدائرة الإقليمية، حتى وإن كان هذا الخروج ليس الأول من نوعه.. إلا أنه الأكثر عنفًا ووضوحًا.. ولا سيَّما بعد أن أعلنت إيران صراحةً أنها معه بالمال والسلاح والعقيدة.

ولَمَّا كانت الدائرة الإقليمية ساخنة جدًّا ومتوهجةً أكثر مما ينبغي ومرتبطة بأجندات واستراتيجيات خارجية.. فمن الطبيعي أن تأخذ المشكلة بعدًا دوليًّا، وليس من المستبعد أن نستيقظ في الغد القريب على (دارفور) جديدة في جزيرة العرب التي كانت إلى وقت قريب أكثر المناطق العربية أمانًا واستقرارًا.

ونعتقد أن تعامل الحكومة اليمنية مع ملف (الحوثيين) لم يكن على المستوى المطلوب أو المناسب.. فقد فشلت فشلًا ذريعًا حين راهنت على الحل السياسي على مدى خمس سنوات استغلَّها الحوثيون في تخزين السلاح والمال الذي يأتيهم حلالًا بلالًا من الحوزات في (قم).. ولم يبخلْ "حسن نصر الله" ورجاله عليهم بالتدريب الراقي في (لبنان وإريتريا).

وقيل: إن (إسرائيل) قدمت دعمًا لوجستيًّا مهمًّا في البحر الأحمر لتوصيل الأسلحة الثقيلة إلى جبال صعدة الشاهقة.

حتى إذا بلغ رجال (الحوثي) اثني عشر ألفًا.. قالوا: لن نهزم اليوم من قلة.. فحملوا حملة رجلٍ واحد على الجيش اليمني الهزيل المهيض الجناح فشتتوه في الجبال.. واستوْلَوْا على عواصم المناطق المهمة في عمران وصعدة وحرف سفيان وغيرها.. وسيطروا على معظم المؤسسات الحكومية، ولم يحرز الجيش اليمني حتى هذه اللحظة بعد حوالي ستة شهور من القتال أيّ تقدم يُذكر، رغم استخدامه سلاح الجوّ بكثافة..

ويعتقد كثير من الناس أن الحرب في صعدة حرب عصابات.. وهذا هو سبب فشل الجيش اليمني في السيطرة على الأوضاع هناك.. غير أن هذا غير صحيح؛ فالمعارك تأخذ طابعًا شبه نظامي.. (والحوثيون) متواجدون في أماكن محددة لا يستطيع الجيش اليمني دخولها.. وكثيرًا ما ينسحب أمامهم معللًا ذلك بأسباب تكتيكية.

لكن بالتأكيد هناك أسباب أخرى وراء تقهقر وفشل الجيش اليمني، أبرزها:

الاختراق الحوثي للجيش ولا سيَّما أن الجيش اليمني لا يخلو من النعرات المذهبية والحزبية في ظلّ الشعارات البراقة التي يروجها (الحوثيون) والتي من شأنها أن تخلق ازدواجية في الولاء بين الوطن والدين.

ضعف إمكانيات الجيش في السلاح والتدريب.. إذا قورنت بالإمكانيات الكبيرة نسبيًّا التي يملكها الحوثيون.

الخلافات السياسية والارتباطات العائلية التي تسيطر على النظام السياسي اليمني.. فكثيرٌ من الأحزاب والشخصيات العامة المهمَّة لا تساند الجيش وتشكّك في جدوى وأهداف المعركة.. بل وقد تساعد (الحوثيين) ماديًّا ومعنويًّا.

وهذا يعني أن الجبهة الداخلية مهتزَّة ورخوَة.. ولا توفر الدعم الضروري للقوات في جبهات القتال.. ناهيك عن خلافات سياسية وصراعات على مصالح شخصية في النخبة الحاكمة.. بل وفي المؤسسة العسكرية نفسها.

فالصراع بين قائد الحرس الجمهوري (ابن الرئيس) والجنرال (علي الأحمر) قائد الجيش في صعدة وأخي الرئيس غير الشقيق على وراثة الحكم.. ليس سرًّا.

وقيل: إن (ابن الرئيس) يدفع في اتجاه هزيمة الجيش في صعدة ليظهرَ ضعف وقلة كفاءة الجنرال (علي الأحمر).. ثم يذهب هو كمنقذٍ للبلاد من هذه الورطة.. وكل هذه الألاعيب والدسائس معقولةٌ ومقبولةٌ وواردة في البلاد العربية.

ثم نأتي إلى الفصل الأكثر إثارةً في التمرد الحوثي، وهو دخولهم الأراضي السعودية وقتل وأسر عددٍ من الجنود السعوديين.. مما استوجب ردًّا سعوديًّا عنيفًا ومحددًا ومبرَّرًا حظي بتأييد عربي ودولي واسع.

لكن السؤال المهمّ هو ما الذي دفع الحوثيين إلى دخول الأراضي السعودية.. وهم يعلمون جيِّدًا قوة وكفاءة الردّ السعودي؟!!

اعتقد أنهم فعلوا ذلك لتدويل قضيتهم وإعطائها زخمًا إقليميًّا ودوليًّا.. ولا أستبعد وجود أوهام عقدية دفعتهم للانسياح في الأراضي السعودية بحثًا عن النصر والتمكين...وهذا محال.

أما القطب الإقليمي الثاني الذي له علاقة قوية (بالحوثيين) فهو إيران التي كانت إلى وقت قريب تتبرأ من أي علاقة لها (بالحوثيين).

فلما اشتدّ القصف الجوي السعودي واليمني عليهم.. أسفرت عن وجهها واستنكر وزير خارجيتها (منوشهر متكي) القصف السعودي واليمني.. وهدَّد بالتدخل في المعركة.

ثم تراجع قليلًا وألبس تصريحاته ثوبًا دبلوماسيًّا ليدخل على الخط (علي لاريجاني) رئيس البرلمان الإيراني ليؤكد ما أعلنه (متكي).. ويزعم أنه مشفقٌ على هؤلاء المواطنين الفقراء المساكين المسلمين المسالمين.

يا سيد (لاريجاني).. إن الشعب اليمني كله فقير.. والفقر ليس مبررًا للتمرُّد.. ثم مَن قال لك إنهم فقراء وأموال (الحوزات) تتدقق عليهم؟!!!

أما كونهم مسلمين.. فلعلك تقصد أنهم شيعيون.. وإلا فالشعب اليمني كله مسلم!!!

ثم لماذا لم تتأثرْ وتتألمْ لما يحدث لمسلمي الصين بجوارك.. وهم يعانون الخسف والقتل كل يوم ويعدمون في الميادين العامة؟!!!!

أعتقد أن التمرد الحوثي الذي تمدَّد وخرج عن السيطرة لن ينتهي قريبًا.. أو بسهولة.. وهو مرشح لمزيد من الانفلات.

واليمن أصبحت الآن داخل مثلث الرعب المخيف الذي تتكون أضلاعه من "القاعدة والحوثيين والحراك الجنوبي" فهل تصمد طويلًا؟

*اخبار البشير