الأزمة الوطنية ومداخل الخروج
بقلم/ عادل الاحمدي
نشر منذ: 15 سنة و شهر و يومين
الإثنين 19 أكتوبر-تشرين الأول 2009 04:48 م

اليمن اليوم يعيش فترة انتقالية تؤهل، ولا بد، لوضع مختلف وعلى قدر فعالية ونوعية الفعل اليمني في هذه الأثناء يترتب الوضع القادم سلباً أو إيجاباً وهو ما يوجب على القادرين في البلاد تمثل المسؤولية التاريخية والقيام بأدوار من شأنها أن تجعل انتقالة اليمن إلى الأمام وليس إلى الخلف..

هذه الأزمات الكبيرة التي تمر بها البلاد فرصة ثمينة لتصحيح الاختلالات واكتساب القدرة على تجاوز الصعاب، ومعرفة نواحي الخلل لأخذ العبرة والحيطة والتعود على الصبر والصدق والصراحة والتواد ومراجعة القناعات.

الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية هي في حقيقة الأمر دعوة ملحة لبناء الدولة وتحقيق العدالة والقانون والتمرد الديماغوجي المسلح في صعدة (وغيرها) ناقوس مهم لأهمية استعادة ثقافة الثورة وبلورة المشروع الوطني الذي تذوب حال وجوده كافة الدعوات والنعرات والعصبيات.

واليوم من غير اللائق أن نغالط أنفسنا ونقول أن المعالجات الحالية سوف تؤدي إلى وضع أحسن مما نحن عليه.. بل على العكس تؤدي بعض المعالجات إلى تقوية المخاطر..

اليوم يكابد الجيش صعوبات حقيقية في صعدة وسفيان، والتعليم من سيء إلى أسوأ، والوفاق الوطني يذبح بخناجر العناد والعدامة، والولاء للحزب والقبيلة والمذهب يتفوق على الولاء لله والوطن والأمة.. والجشع يأكل إيرادات الدولة، والانتهازية والشخصنة تعقر أداء المؤسسات..

هناك اعتداء صارخ على التخصصات.. أصحاب الخبرة في كل مجال ليسوا في مواقعهم المفترضة.. والأصوات المرتفعة في البلد هي لأشخاص ليسوا ذوي خبرة ولا يطيلون التأمل ولا تحترق قلوبهم خوفاً على مستقبل اليمن..

كل المؤشرات تقول إن اللعبة الدولية القادمة ستتركز حول باب المندب.. وتمرد الحوثي جاء ليسحب اهتمام الرئيس من البحر إلى البر.. وليس ثمة استبصار ولا ثمة استعداد وتأهب يتناسب مع هذا القدر المهول من الأعباء والمخاطر..

لا بد من الحوار الصادق والحقيقي مع القوى الوطنية التي يهمها أمر اليمن وتتمتع بثقل حقيقي وفعالية فاصلة عند اشتراكها في إدارة الهم العام وأعني بذلك أحزاب اللقاء المشترك وكذلك كافة فصائل الحراك في المحافظات الجنوبية وفي مقدمتهم طارق الفضلي والمعطري والبيض وباعوم والخبجي حوار يفضي إلى مكاسب حقيقية لعامة الشعب في كل المحافظات ولصالح بناء الدولة وليس مكاسب للأشخاص أو الجهات..

هنالك فرق منهجي بين السلطة الحاكمة والدولة.. وهنالك فرق بين صراع الفرقاء في الظروف الطبيعية وبين الوفاق الذي تفرضه الظروف العصيبة..

الذين يراهنون على أن صلاح البلاد يتمثل في سقوط الدولة ( أياً كان وضعها اليوم) سيكونون أول النادمين..

واليوم من لم يكن جزءاً من الحل فعليه ألا يكون جزءاً من المشكلة.. وتقريب الرؤى والمشاعر بين المؤتمر والمشترك والحراك هو واجب وطني يجب أن يشترك فيه كل الشباب النيرين (ذكوراً وإناثاً) الذين آن أن يكون لهم اسهامهم في تسيير دفة الأمور..

ملف الجنوب يحتاج إلى حوار وحكمة، وملف صعدة يحتاج إلى دهاء وحزم.. لا يمكن الحفاظ على الوحدة ومعالجة الأزمة في الجنوب بدون الانصات العميق والمسؤول لكل مكونات الحراك، والمعالجة الملموسة لكافة الاختلالات، والتلبية لكل المطالب المشروعة..

ولا يمكن الحفاظ على الدولة ومعالجة الأزمة في الشمال والجنوب بدون التوافق الوطني بين المؤتمر والمشترك.. ولا سبيل لانهاء التهديد الأمني في صعدة وإعادة الاستقرار إليها ما لم يتم إجبار الحوثيين على تسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة طوعاً أو كرهاً.. وعدا ذلك فإن أي محاولة للمصالحة والحوار هي عبث يطيل زمن الأزمة ويضاعف خطرها ويضع المزيد من الأشواك والتعقيدات في طريق الحل.

إلى ذلك فإن ترشيد الخطاب الإعلامي الحاكم والمعارض هو المدخل لإحداث توافق وطني لامناص منه..

أياً تكن المشكلات فالحلول موجودة وهي أسهل من استمرار المشكلة.. ولكل حل مدخل ومفتاح ووسائل ضغط معينة.. وعلى كل حرٍ في اليمن أن يثق أن بمقدوره فعل شيء بل أشياء من شأنها تكوين ضغط إيجابي واعٍ سيتكفل ولا ريب بتغيير مجرى الرياح..

من منا يرضى أن تتحطم البلاد وهو على قيد الحياة..إذن فلنغرس القدرة في النفوس.. والصبر اليوم يتمثل في قدرتنا على اطراح العناد وتقريب القلوب.. لن نختلف على حجم المسؤوليات وتوزيع الإدانات وإلقاء اللوائم.. فلنبحث اليوم عن المخارج.. ولنضع نصب أعيننا أنها جد سهلة، وجد ممكنة.. واللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..

صديقي الأمل

مضى الليل والليل حل

وبينهما لا أرى غير أشواقنا في مرايا الغروبْ غير أن لنا همةً لا تذوبْ رغم عنف الدجى نسرج الصبح أرواحنا كي يعود الضحى باسماً مفعماً بالحياة ولا بد لا بد أن يورق الصدق ثانية في الشمال ويغمر فجر الندى كل أرض الجنوب.