كل عيد والعرب بخير (أفراح في ثلاثة مشاهد)
بقلم/ غسان الإمام
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و يوم واحد
الجمعة 25 سبتمبر-أيلول 2009 05:13 م

مبروك. أفرجوا عنكَ أخيرا.

ـ أخيرا. لكن بعد هياط ومياط، وشفاعة من..

ـ شفاعة من نقابة الصحافة، طبعا.

ـ أبدا. شفاعة من نقابة الإسكافية، قالت للحكومة:

ـ تصليح الأحذية ازدهر في العراق، بعد ضرب بوش بالحذاء.

ـ لكن. أراكَ حافيا بلا حذاء! ـ ما زال الحذاء معتقلا للتحقيق معه.

ـ ألم تناشد منظمات حقوق الإنسان الحكومة الإفراج عن الحذاء؟

ـ بيني وبينك. الحكومة عرضت علىَّ الإفراج عن الفردة اليمين.

ـ والفردة اليسار؟! ـ خاضعة إلى مزيد من التحقيق. الحكومة تشتبه بأني أمشي ضدها على اليسار.

ـ بعد الذي جرى، ألا ترى أن القلم الحر أقوى من الحذاء الناسف؟

ـ أبدا. ست سنوات وأنا أكتب وأتكلم عن الاحتلال.

-لم يحدث ما حدث، إلا بعدما خلعت الحذاء.

ـ رسم صدام بوش الأب على مدخل الفنادق. داسته الأحذية. فأسقطه بوش الابن.

ـ أنا اقتديت بخروشوف. تحدى خروشوف الأميركان.

خلع حذاءه. وضع الفردتين أمامهم على مائدة الأمم المتحدة.

هددهم: سندفنكم.

ـ أنا خائف. أخشى أن تدفنني الأجهزة.

ـ تشعر بالندم؟

ـ أشعر بالأسف. قررت أن أكون صحافيا. كان عليَّ أن أكون إسكافيا.

** ـ سَلامو عليكو.

ـ شالوم عليك.

ـ هويدا. كيف تستقبلين السفير في المكتب؟

ـ أُمَّالْ. عايزني أستقبله في الشقة؟

ـ ما اجتمع عربي وإسرائيلي، إلا وكان نتنياهو ثالثهما.

ـ السفير راجل مؤدب. مهذب. يكذب في الخارج باللغات الأجنبية، وبالنيابة عن وزيره ليبرمان.

ـ أخاف على مصر من إنفلونزا التطبيع. أنتِ تستقبلين السفير. الشيخ طنطاوي يشد على يد شمعون بيريس...

ـ وفيها إيه يعني؟! سيدنا الشيخ افتكره محمد هنيدي.

عندما اكتشف أنه فخامة رئيس إسرائيل، انتهز الفرصة.

طالبه فورا بالتوبة ودفع الجزية.

ـ وهل طالبتِ أنت السفير بدفع الجزية؟

ـ وعدني بالدفع بعد التطبيع، كان صريحا. اعتذر. قال إنه يدفع الآن ضريبة باهظة لجيش الاحتلال. ويتبرع لمستوطني الضفة الذين طردتهم غزة.

ـ مش عايز يدفع الجزية. كان أحسن يدي صوته لفاروق بتاع اليونسكو.

ـ بَرْضُهْ. السفير كان صريحا. قال انه صوّت للمرشحة إيلينا خرشوفا بتاعة بلغاريا. قال بلغاريا دولة صديقة وحضارية. بلغاريا لا تَرْفَع الصوت ضد الاستيطان.

ليس فيها أحزاب وصحافة ضد تهويد القدس.

ـ بأه. بالذمة. عشان إيه الضجة دي ضدك؟! ـ عشان أنا مثقفة وكاتبة. السفير جاب معاه شوية كتب لعاموس عوز ودافيد غروسمان هدية لفاروق حسني. يقترح إخراجها أفلام سينما.

( يصدح الراديو بصوت عبد الوهاب:

كل ده كان ليه. لما شفت عينيه.

قاللي كام كلمة. يشبهوا النسمة...

في ليالي الصيف)

** ـ عيدٌ، بأية حال عدت يا عيدُ؟

بما مضى؟ أم لأمر فيك تجديد؟

أصخرة أنا؟ مالي؟

لا تحركني هذي المُدامُ ولا هَذي الأغاريد؟! ـ كفى. كفى. تكاد تبكيني، يا شيخ، على اللي جرى.

كل عيد وأنت بخير. يكفي أنك في اليمن السعيد.

ـ كان اليمن سعيدا، ويا ولدي، كان اليمن أصل العرب العاربة. البقية تفاصيل. عرب مستعربة.

ـ هاكَ منديل أصالة. امسح دموعك. واحكيلي على اللي جري.

ـ غنت أصالة. صَدَّعَ صوتها سد مأرب.

ـ الحق ليس على أصالة. الحق على الفئران. قرضت الفئران السد. فَعَمَّ الخراب.

ـ لا تصدِّق الفئران، يا ولدي. فَتِّشْ عن الأصالة.

فتش عن قبيلة الإنجليز. استعمرت الجنوب.

نسيت استعمار الشمال. تعلم الجنوبيون الانجليزية. فطالبوا بالانفصال.

ـ النضال، يا عمّاه، من أجل الإصلاح، يجب أن يتم من داخل الوحدة، وليس بالانفصال عن الدولة.

ـ صدقتَ، يا ولدي. هاتِ المنديل. أمسح دموعي.

لأحكيلك على اللي جرى في الشمال: أرسلت الحكومة وابورات الزلط لشق الطرق. استولى عليها الحوثيون.

مشايخ القبيلة استغنوا عن الحمير. يستخدمون وابورات الزلط في تنقلاتهم الخاصة.

ـ أراك تحمل خنجرا في وسطك. هل القتال يدور بالخناجر؟

ـ هات المنديل، يا ولدي، مرة أخرى. أمسح دموعي.

أحكيلك على اللي جري: القتال يدور بالصواريخ والمدافع.

ـ لماذا، إذن، الخناجر؟

ـ الخناجر لإثبات الرجولة والشجاعة. العرب المستعربة تعتبر اليمن العاربة المؤنثة. لكن من حاول فك ضفائرها.

فهو، يا ولدي، مفقود. مفقود.

ـ لكن خنجرك يقطر دما.

ـ آه يا ولدي. عندي ثلاثة أولاد. ولد يقاتل في الجيش. ولد متمرد مع الحوثيين. الثالث يتظاهر مطالبا بالانفصال مع الجنوبيين. أنا أب، يا ولدي، الخنجر يقطر دما من قلبي.

ـ والعلاج؟

ـ خذ المنديل. هات حزمة القات هذه بجانبك. لعلي أنسى. (يقطف الشيخ الأوراق. يُخزِّن. يمضغ. ينطلق الصوت كفحيح قطار شحن عتيق: أصخرة أنا؟ مالي؟ لا تحركني هذي المدام ولا هذي الأغاريد؟)

*الشرق الأوسط