سيصيب قطر ما أصاب الكويت
بقلم/ سعد بن عمر
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 17 يوماً
الخميس 03 سبتمبر-أيلول 2009 09:53 م

نعم ..هذا العنوان ليس عنوانا صحفيا تشويقيا على هيئة (عض رجل كلبا) بل عنوان المقالة التي تدور حولها فكرة الكتابة. وأرجو أن أوفق في توصيل الفكرة بكل تجرد من الكتابة ( المائله)، وهو ما يجعل الكاتب يميل بأفكاره نتيجة عواطفه وما يؤثر في هذه العواطف سواء أمور مادية أو تأثيرات نابعة من الهوى والحب والكره.

والكويت أصيبت بكارثة في عام 1990 ميلادي نتيجة احتلال العراق لها وإلغاء اسم دولة الكويت من الخارطة الجغرافية لمدة سبعة أشهر تقريبا وهو ما لا نعنيه في العنوان، وما نعنيه اكبر من كارثة السبعة أشهر بل تتعداه إلى ما نحن فيه وما بعد ذلك .

فالكويت إلى يوم دخول الجيش العراقي البلاد كانت تنتهج سياسة خارجية مختلفة كليا عن ما تقوم به من تاريخ عودة الحكومة الشرعية إلى البلاد حتى الآن على صعيد السياسة الخارجية والمشاركة الفعالة في الحراك السياسي العربي، ورافق ذلك انفتاح في حرية النشر والإعلام لتصبح هذه الإمارة الصغيرة منارة إعلامية رائدة تصدر بها يوميا عشرات الجرائد التي توزع في مختلف البلدان العربية وما يرافق ذلك من ملاحق إعلامية وملفات في هذه الصحف التي توزع بإعداد كبيرة خاصة في السعودية ودول الخليج العربية، وعشرات المجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية ومجلات البحوث وغير ذلك من انتشار المطابع ودور النشر مع استقطاب في الكوادر الإعلامية والصحفية والمثقفين بصفة عامه من جميع أقطار العالم العربي، وتفوقت الكويت على القاهرة وبيروت وكادت تستفرد بالصدارة الثقافية في العالم العربي، رافق ذلك ظهور المجلات الشعبية التي اكتسحت بها الكويت السوق السعودية والخليجية.

فدولة الكويت دأبت على نشاط سياسي محموم وسريع وفعال بقيادة وزير الخارجية صباح الأحمد الصباح (حاكم الكويت الحالي منذو 2006) يدعمه في ذلك الوضع الكويتي الداخلي المستقر وحرية الوزير القديم الذي كان أقدم وزير خارجية في العالم (1963 – 1991) على الإطلاق.

وكانت الكويت ما أن يعقد مؤتمر أو يحدث مشكلة عربية إلا وتجد دولة الكويت أول الحاضرين إلى المؤتمر وأول الداعمون والمنتقلون إلى ارض الحدث إذا استدعت الظروف ذلك.

وشاركت بفعالية في حل كثير من المشكلات العربية- العربية وكانت من أوائل الدول التي تدخلت في حل الخلاف الأردني الفلسطيني أثناء أحداث جرش وعجلون والمعارك التي نشبت بين الجيش الأردني والحركات الفلسطينية المسلحة في الأردن حتى خروج منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان في عام 1970.

وكانت الكويت فعاله بوساطتها ومحاولة إيجاد الحلول وإطفاء نار الحرب الأهلية التي اشتعلت في لبنان عام 1975 وفي تشكيل قوات الردع العربية وإدخالها إلى لبنان بقياده سورية.

وقد بذلت كل جهودها وركزت على جنوب الجزيرة العربية وسعت إلى جمع رئيسا الدولتين فيما كان قائما وكان الاجتماع في دولة الكويت برعاية أميرها وبحضور زعيما الدولتين المقدم علي عبد الله صالح ( الجمهورية العربية اليمنية) والسيد عبد الفتاح إسماعيل رئيس مجلس الرئاسة ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) تتويجا لهذا النشاط والجهد الدبلوماسي الملموس في سبيل توحيد اليمنين وكان ذلك في 3/ 3/ 1979م.

ولم تكن النية لدى دولة الكويت صافية والرغبة سليمة بقصد الاتحاد ومنع الحروب الأخوية التي سالت الدماء بسببها في البيضاء وعلى حدود المشتركة، بل كان الهدف من العمل على قيام تلك الوحدة بين البلدين هو خلق توازن للمملكة العربية السعودية في الجزيرة العربية والارتكاء على هذه الوحدة في حال نشوب أي خلاف مع الجارة السعودية، وعملت الكويت كثيرا من الأعمال والمساعدات الإنسانية والمساعدة في البنى التحتية لكلا البلدين كان أهمها وأشهرها مبنى جامعة صنعاء.

 وقد تمادت الكويت في طرح الشكوك والنوايا تجاه السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية وعملت جهودها في إنجاح اتحاد الإمارات العربية وحاولت بكل حرص وعزيمة إكمال الاتحاد اليمني لنفس الغرض، وبالمقابل عملت العكس في الجارة الكبيرة الشمالية العراق فقد أمعنت في الخوف من الجار الشمالي لذا فقد اتخذت سياسة خفيه وحذرة وقدمت المساعدات للأكراد في الشمال لأشغال الحكومة المركزية في بغداد وكان ذلك عن طريق أطراف بعيدة إمعانا في الحرص على العلاقات الكويتية العراقية من الاهتزاز.

وعندما تمت الوحدة اليمنية ولم تكن للكويت يدا فيها في 22/5/1990م لم تباركها ولم تسئها، ولكن في حرب الانفصال 1994 ومحاولة النكوص عن الوحدة من قبل أعضاء الحكومة اليمنية من الشطر الجنوبي عملت الكويت وبكل جهد وإصرار على عقد مؤتمر في الكويت ( قد يكون في قاعة المؤتمر السالفة ذاتها) لإعلان الاعتراف بانفصال اليمن الواحد إلى يمنين كما كانت من قبل تريد وحدة اليمنين. فلا هي أفلحت في الأولى ولم تستطع وتسلم في الثانية.

ونتوقف عند هذا الرصد السريع للسياسة الكويتية قبل الغزو العراقي وما تابعه من مواقف من تلك الدول التي كانت الكويت تبذل قصارى جهدها في إبراز نشاطها فيها أو لعب دور ما بنية صافية او غير ذلك مما تطرقنا آو المحنا إليه.

وماذا بعد عودة الحكومة إلى الكويت من الخارج بعد الغزو.. انكفأت الكويت إلى ذاتها وتشرنقت حتى لا تكاد تسمع لوزير خارجيتها آو سفرائها صوتا إلا إذا كان الأمر يتعلق بالعراق قبل سقوط الرئيس الراحل صدام حسين، وآلت على نفسها أن تتدخل في الشؤون العربية وأصبح شأنها داخليا بحتا، ودأبت على البحث عن مصالحا الخاصة والضيقة دون الالتفاف إلى المجتمع العربي والإسلامي والدولي إلا ما ندر، وبهذا تصبح الكويت بعد الاحتلال العراقي دولة أخرى غير تلك التي عهدناها في هذا المؤتمر وفي ذلك المحفل تنافح عن القضايا العربية، وعضوا فعالا في كثير من المؤتمرات، وليس قصة جمع السفير الفلسطيني والمندوب الأمريكي في نيويورك بواسطة السفير الكويتي في الأمم المتحدة أوائل الثمانينات ببعيدة عنا عندما كان يستحيل أن يجتمع أي مسئول أمريكي بأي فلسطيني، وبهذا الانكفاء الكويتي أراحت الكويتي نفسها من عناء ومشاكل العالم العربي وأراحت نفسها أيضا من أعطاء النفس أكبر من الحجم ولعب الدور الذي لا يمكن أن تقوم به الدولة المتوسطة حجما ناهيك عن الدول الصغيرة في حجم وإمكانيات دولة الكويت مما أتاح للاعب صغير آخر على نفس المسافة منها بالنسبة للمملكة العربية السعودية بالظهور.

فبعد تولي الشيخ حمد بن خليفة أمور البلاد بدلا من والده في دولة قطر عام....... انتهجت قطر سياسة خارجية غاية في التقدم والتطور، وفي المدارس الجديدة في العلاقات الدولية تغلب المصلحة الذاتية والوطنية على أي اعتبار آخر في المجالات الدولية، وسعت دولة قطر إلى تغييرات هائلة في السياسة الخارجية القطرية نستطيع أن نطلق عليها المدرسة الحديثة في العلاقات الدولية وتعتمد على النظرية ( الواقعية) في العلاقات الدولية وعلى الشفافية في التعاملات مع جميع القضايا، ودعمت ذلك على الأرض بالانفتاح الإعلامي و التعامل بحرية مطلقة وبنفس الاتجاه مع القضايا العربية سواء سياسيا أو إعلاميا،

ودعمت قطر الخط الإعلامي المتمثل في قناة الجزيرة بكوادر عربية من محطات البي بي سي البريطانية وأعطتهم منتهى الحرية في التعامل مع جميع القضايا العربية والدولية مما خلق واقعا إعلاميا جديدا على الساحة العربية، وكذالك متاعب كثيرة للحكومة القطرية التي تتغلب عليها فترة بالإقناع وان ذلك الواقع هو ما سيئول إليه العالم العربي نتيجة الانفتاح الإعلامي، وتارة بقطع العلاقات السياسية مع قطر من قبل الدول التي تضررت من هذه الحرية الغريبة والجديدة على المنطقة حتى بدأ كثير من الدول يعمل ولو بحد أدنى من الحرية الإعلامية، وقامت بعض الدول بالجري في ذات الاتجاه بتأسيس قنوات إعلامية مشابهه لكنها لم تصل بعد إلى حدود الحرية المتمثلة في قناة الجزيرة.

وقد عملت الخارجية القطرية بقيادة وزير الخارجية حمد بن جبر بن جاسم على العمل بجد وبنشاط في العمل على خلق واقع سياسي جديد بعيد عن الأسلوب الخليجي والعربي بصفة عامة المحافظ والسري وابتعد عن التصريح المكرر بعد اللقاء مع وزير الخارجية الممل والمتمثل في: ( لقد ناقشنا العلاقات الثنائية بين البلدين واستعراض القضايا ذات الاهتمام المشترك).

وفيما كانت دول خليجية تنكر وجود قوات أجنبية على أراضيها تصرح وزارة الخارجية بوجود القوات وتنشر الاتفاقيات وان لا شي يخفى على الشعب .

وبالمقابل بدأت دولة قطر بهذه السياسة لدوله صغيرة الحجم والسكان والموارد والأرض البحث عن دور في محيطها الدولي، والتفتت أولا إلى المشاكل العالقة بينها وبين جارتها البرية الوحيدة المملكة العربية السعودية وجاراتها البحرية الأمارات والبحرين وتم حل جميع الإشكالات الحدودية سريعا.

وقد دأبت دولة قطر على تلقف ملفات الأزمات الإقليمية خاصة و الدخول فيها كطرف ثالث إما ضامن أو مقرب لوجهات النظر بين المتخاصمين، لتحل محل الكويت التي كانت كثيرا ما تكون نقطة التقاء في حل كثير من المشكلات العربية ودولة الجزائر التي ظلت رائدة في هذا المجال الى عام تخلي الشاذلي بن جديد عن السلطة في الجزائر أواخر عام 1991.

فقد دخلت في مشكلة اريتريا والسودان، ثم السودان وتشاد، وحاولت الدخول في الوساطة مع الرئيس الراحل صدام حسين قبل وصول القوات الأمريكية إلى العراق واحتلاله، وقد استغرق جهودا للوساطة بين ألدوله اليمنية والتمرد الحوثي في شمال اليمن تعثرت الوساطة نتيجة جهود العرقلة من قبل دول لا تريد لقطر من التمادي في مثل هذه التدخلات، وعملت كثيرا على حل الإشكال الفلسطيني لكنها لم توفق.

وقد حاولت قطر كثيرا من التدخل في مسألة إطلاق سراح الجندي الأسير الإسرائيلي لدى المنظمات الفلسطينية في غزة منذ عام 2006 حتى الآن ، لكن الدول المؤثرة في المنطقة لم يرق لها ذلك فعملت على إفشال جميع الوساطات القطرية.

 ودخلت في قضايا عديدة للوساطة وإنهاء الخلافات دون أن يكون لدولة قطر فائدة ملموسة بل يبدو التفسير الواضح في كثير من هذه النشاطات الدبلوماسية والتي يظهر صورة الخير على غلافها الأمامي بقصد ( الصلح) و(الإصلاح ) ذات البين للظهور على المسرح الدولي

ومن الملفات الشائكة التي عملت دولة قطر على تقليبها والعمل عليها بعد الكويت هو الملف اليمني الذي تخلت الكويت عنه بعد الغزو العراقي للكويت.

فقد عملت قطر على منع الاعتراف بدولة الانفصال في حرب الانفصال عام 94م لصالح اليمن الموحد وعملت كل ما من شأنه تأخير أي انعقاد لمؤتمر الدول الخليجية الست ومعها سوريا ومصر للاعتراف بالشطر الجنوبي لليمن دولة مستقلة وعودة الوضع السائد في جنوب اليمن على ما كان عليه قبل عام 1990، ثم دخلت كوسيط محايد في مشكلة التمرد الحوثي في صعدة ودفعت أموالا طائلة في هذا الملف دون جدوى .

وكان الهدف الرئيس من ذلك هو جعل التوازن الدولي في الجزيرة العربية لصالح قطر نتيجة خلافاتها الحادة مع الجارة البرية والوحيدة السعودية وخروج قطر بسياستها عن المألوف بين الدول الخليجية الست المعتمدة على المحافظة ووحدة القرار التي بدأ وكأن قطر تنتهج خطا مغايرا يعتمد على أسس جديدة في العلاقات الدولية ليست معهودة للدول الخليجية المحافظة.

وما أشبه الليلة بالبارحة فالحبل التي لعبت عليه الكويت سنين عديدة وعجزت في شدة وربطه تركته وهاهي قطر تنؤ بحمل ثقيل اكبر من أن يتحمله كاهلها، و تلعب اللعبة الخطرة التي بدأ أثرها واضح أمام العيان، فبعد أن عملت لفترات طويلة على خدمة الملف اليمني وهو ملف ثقيل لدولة مثل قطر وحساس وغير مسموح لها بالتقدم خطوة واحدة فيه سلفا، نراها تتوالى خسائرها في كثير من الميادين التي جرت فيها وخاصة الملف اليمني الخطير.

 ولإعجابي بالسياسة الواضحة والشفافية التي تنتهجها قطر فإنني اخشي من يوم يأتي على قطر لا تريد أن أن تقدم لمجتمعها العربي ما يتمناه المواطن العربي ولو بنسبة ضئيلة مما تقوم به الآن ، فحجم وزير الخارجية الكويتي قبل احتلال العراق كان اكبر من حجم وزير خارجية لدولة الكويت ، وارى حجم وزير الخارجية القطري الآن اكبر بكثير من حجم وزير خارجية لدولة مثل دولة قطر.

saadbinomar@hotmail.com