خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت اللواء العرادة يطالب المجتمع الدول بإتخاذ تدابير عاجلة تجفف منابع الدعم الخارجي للمليشيات مليشيات الحوثي تحول مدارس صنعاء إلى معسكرات تدريب للطلاب حزب الإصلاح يلتقي بعيدروس الزبيدي مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية
«مدرسة صفا، مدرسة انتباه».. هكذا في نفس التوقيت الساعة السابعة والنصف من صباح كل يوم وحتى الساعة الثامنة صباحا أجدني مضطرا بشكل قسري إلى الاستيقاظ من أعز نومي على وقع نفس صوت مدرسة التربية البدنية بإحدى المدارس الخاصة المجاورة، وهي تصرخ من خلف ميكروفون إذاعة المدرسة، الذي يخترق الصمت ويحيله إلى حالة من الفوضى والعبث ، في وجه التلاميذ من الصباح الباكر.. مدرسة صفا، مدرسة انتباه.
رغم ثقتي في أن معظم التلاميذ إن لم يكن جلهم لا يعرفون الفرق بين «الصفا» و«الانتباه»، إلا أن تكرار المدرسة لهذه العبارة بواقع 10 مرات في الدقيقة الواحدة خلال الطابور، ربما يأتي انطلاقا من تقديس المدرسة للمقولة الشائعة القائلة "التكرار يعلم الحمار"! ولا اعتقد أن في المقولة من التهذيب في شيء!
ما يثير أكثر من سؤال حول الموضوع- وأن بدا غير ذي أهمية بالنسبة للبعض - لماذا حولت بعض المدارس طابور الصباح إلى مجرد التزام صباحي ليس إلا لإسقاط الواجب إن لم يتعمد بعضها الاخر تحويله إلى عامل إزعاج وإقلاق لراحة وسكينة الآخرين من سكان الجوار عبر مكبرات الصوت المستخدمة على نحو عبثي؟
إذا كان الطلاب في محيط المدرسة المعنيين بطابور الصباح –وليس المستفيدين- فلماذا لا يتم استخدام ميكرفونات داخلية لا تتعدى حدود ساحة المدرسة ؟ وما معنى إزعاج سكان الإحياء المجاورة بمكبرات الصوت وإجبارهم على الاستماع لمسلسل "الشرشحه" اليومي للتلاميذ على الملأ بما يفضح بدائية وغياب المنهجية التربوية والتعليمية والتهذيبية والاخلاقية السليمة المستخدمة في التعامل مع أبنائنا بداية من طابور الصباح وما خفي كان اعظم؟
إن كان من سوء حظ المرء العاثر اليوم أن يسكن بجوار مدرسة تتعمد إزعاج الآخرين بمكبرات الصوت، في تعدي وتحدي سافر على الخصوصية وإقلاق السكينة العامة، رغم كثرة الشكاوي المقدمة إليها بهذا الخصوص هو نفسه ما يحتم عليه تحمل النتائج على قسوتها فإلى متى يستمر الحال على ما هو عليه ؟ وأين دور الجهات المختصة بوزارة التربية والتعليم والمجالس المحلية نحو وضع حد لمثل هذه التصرفات التي تتم تحت مبرر الحصول على ترخيص "إزعاج" من وزارة التربية والتعليم! حسب القائمين.
الغريب أن استخدام بعض هذه المدارس الخاصة منها على وجه التحديد لمكبرات الصوت يتم على عكس ما هو مألوف من قبل مدارس حكومية وخاصة كثيرة، تحترم نفسها، وتقيم حرمة لسكان الجوار، باعتباره التزام تربوي وأخلاقي حثنا عليه ديننا الاسلامي ، الامر ذاته الذي يدعونا في ظل اتساع انتشار مثل هذه المدارس على نحو غير مسبوق من قبل إلى التساؤل عن شروط ومعايير منح تراخيص افتتاح كل هذه المدارس الخاصة، والتي للأسف يوحي غيابها أو عدم تطبيقها أن وجدت وغيرها من القوانين والتشريعات التي تحكم عمل ونشاط المدارس الخاصة والحكومية على حد سواء ومدى مساهمتها في تعزيز العملية التربوية والتعليمية والارتقاء بها وكأن الحبل متروك على الغارب ولمن يمتلك رأس المال أيا كان وأيا كانت صفته ومؤهلاته، دون اكتراث للنتائج العكسية الخطرة على المنظومة التعليمية برمتها والاجيال التي ندعي أعدادها لمواجهة المستقبل بكل احتمالاته المجهولة!
بالعودة إلى طابور الصباح محور موضوعنا هنا، نتساءل إذا كان الاخير فريضة واجبة على التلاميذ تماما كما هو- أي طابور الصباح- فريضة واجبة على سكان كل حي مجاور لمدرسة ما من المدارس.. فهل يؤدي طابور الصباح دوره .. وهل يؤدي الوظيفة التي أوجد من أجلها .. وأيضاً ما الوظائف التي يخدمها طابور الصباح .
مما لا شك فيه أن لطابور الصباح دور هام جدا في العملية التربوية التي لا غرابة أن تكتشف من التناقضات والمفارقات المثيرة فقدان بعض المدارس لهذه القيمة التربوية بازعاجها للاخرين تحت مبرر طابور الصباح وتصريح الوزارة ومدرسة (فاملي سكولز) نموذجا!
أعتقد أن طابور الصباح يخدم عدة أهداف وقيم تربوية واخلاقية وتعليمية وتهذيبية وبدنية وذهنية أهمها إعداد جيل قيادي وذلك من خلال مساهمات الطلبة وتنظيمهم للبرامج الإذاعية، وكذا إرساء دعائم الديمقراطية في المدرسة : من خلال برامج إذاعية هادفة قادرة على النقد لواقع المدرسة وبذلك فهي تربوية أيضاً.
كما أن طابور الصباح يهدف للعناية بالتربية الصحية واللياقة البدنية والذهنية من خلال مجموعة التمارين التي يؤديها الطلاب، فضلا عن تنمية الإنتماء الديني : من خلال البرامج الدينية الهادفة، وتنمية حس الإنتماء الوطني من خلال تحية العلم والموضوعات التي تحاكي الواقع وتربط المدرسة بالبيئة المحيطة، وتدريب الطلاب على الانضباط المدرسي : حيث يتعود الطالب على النظام والحضور في المواقيت المحددة، وتقوية العلاقة بين الطالب والمدرسة وبذلك فهي تزيد من إنتماء الطالب للمدرسة.
إذا كانت هذه الأهداف تتحقق من خلال طابور الصباح فما هي ملاحظاتنا عليه هل حقا يفي طابور الصباح بهذه المتطلبات ولماذا يلجأ بعض الطلاب للهروب من الطابور، فيما يبدو البعض الأخر وقد وصل إلى مرحلة الملل منه؟
من واقع متابعة يومية من تحت البطانية لمجريات طابور الصباح يبدو أن التلاميذ يحركون أقدامهم يرفعونها عاليا ثم يخبطونها بالأرض، وبمجرد أن يجد المدرس طلبته قد انتظموا واستيقظ اخر تلميذ منهم من نومهم حتى يبدأ في تمارين الصباح على نحو : ثني ومد، يمين شمال، فوق تحت، صفا انتباه!
طابور الصباح في المدارس اليمنية والذي لم يعد يتم الانضباط والتقيد بمواعيده التي تبدأ في السابعة والنصف صباحا وينتهي في تمام الثامنة مع دقات الحصة الأولى في بعض المدارس، يرى الكثير من الطلاب وفي مقدمتهم طفلي أنه عبارة عن صفوف غير منتظمة وحالة من الفوضى والعشوائية ولا يوجد فيه ما يثير فضول المتابعة والرغبة في الاستمرار «الطابور ضبح بين البرد وتحت الشمس».
طابور الصباح في فترات سابقة من أيام دراستنا كان له نكهة خاصة، حيث كان له طقوس معروفة ساهمت في غرس الكثير من القيم على الاقل في نفسي شخصيا ، تبدأ بالجرس الذي يضربه حارس المدرسة، لتعليمنا الانضباط واحترام الوقت، قبل أن يهرول طلاب كل صف دراسي إلى المكان الذي اتفق سلفا على أن يقفوا فيه في صفين متجاورين، ليبدأ بعد ذلك المدرس، والذي عادة ما يكون معلم التربية البدينة في إصدار التوجيهات إلى الطلبة، وهو يعتلى منصة الإذاعة الاسمنتية ليرى الصفوف غير المنتظمة فيصدر أوامره إليها بالانتظام والترتيب، أما تعيس الحظ فهو ذلك الذي يعرف المدرس اسمه لأنه سيوبخه به على الملأ!
بعد تمارين الصباح تبدأ الإذاعة المدرسية بالتناوب بين فصول المدرسة المختلفة بقراءة القرآن، ثم حديث الصباح وحكمة الصباح ودعاء الصباح وكلمة الصباح، قبل أن يمر المدرس أو مدير المدرسة للتفتيش على النظافة الشخصية لكل طالب، ويتابع الطابور بالتكريم للطلاب المبرزين وبغيره من النشاطات الموسيقية والإبداعية التي تجعل من الطابور حافز يحرص الطالب على حضوره للتعرف على الجديد واكتشاف مواهبه ومواهب زملائه ويعتبر منبر للتوجيه والإرشاد وتقويم السلوك وليس مجرد صفا انتباه!
أحد الجيران المنزعجين مثلي من طابور الصباح بإقلاقه لمنامه(أب لطفلتين)، قال لي :إن طابور الصباح لا يمثل لي سوى عامل إزعاج ومناسبة للصياح واختبار القدرة على الصراخ وتحديد درجة الصوت، أن لم يكن فرصة لمدرسة التربية البدنية على معاقبة الطلاب.
فعلا عندما اسمع طابور الصباح على ذلك الوقع الاثيري المزعج أجد نفسي في وضع لا أحسد عليه، حيث التداخل بين ميكروفونات المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، الصبيان والبنات، كل مدرسة تقدم ما عندها، وكثير من أسرار هذه المدارس، وأسرار طلابها تستطيع أن تسمعه من خلال ميكروفون الإذاعة فيما يبقى مجرد الضجيج الذي تحدثه تلك الميكروفونات، هو ما يعلق في الذهن!
يفترض أن يشعر المستمع لطابور الصباح سواء كان طالب معني أو متابع مرغم وكأنه يستمع لسيمفونية متناغمة تبدأ بالترتيب والانتظام واحترام الوقت مرورا بفن الاستماع والإصغاء انتهاء بتحية العلم آخر طقوس طابور الصباح، حيث يخرج طلاب الكشافة لترديد السلام الوطني، ويردد من خلفهم جميع طلاب المدرسة بصوت جهوري.
كما يفترض في هذه اللحظة – لحظة ترديد السلام الوطني – أن يقف المدرسين احتراما وإجلال ومهابة لهذه اللحظة التي يبدأ خلالها الطلاب بخطوات ثابتة منتظمة دخول الفوصل لتلقى أصول العلم والمعرفة، وقبل أن يذهب المدرسين إلى تفتيش نظافة الملابس، وقص الأظافر وحلاقة الشعر واستبعاد الطلبة غير الملتزمين، كل هذا على أنغام موسيقى السلام الوطني التي يعزفها الطلاب الموهوبين، ويرددها معهم جميع من سيتذكرون، بعد سنين طويلة، وقفتهم هذه ويقولون : «كانت أياما جميلة» وليس العكس!