آخر الاخبار
الأطراف المعنية بالتغيير في اليمن.. هل يتفقون على إزاحة النظام
بقلم/ علي الجرادي
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر و 11 يوماً
الخميس 12 مارس - آذار 2009 07:54 م

يمضي الوطن اليمني مترنحاً جراء حالة فقدان التوازن التي أصيب بها منذ نهاية حرب 94م، وبات اليمني يخشى أن يكون السقوط أقرب إلى وطنه.. تعددت أطراف المعارضة، معارضة حزبية منظمة، ومعارضة اتخذت شكل الحراك الجماهيري السلمي مع مخاوف من تغيير أدواتها السلمية، ومعارضة مقاتلة «حركة الحوثي».. وما يبدو للبعض مصدر الأمل، هو ذاته في نظر آخرين مصدر القلق، والعكس صحيح. الصراع محتدم بين الأطراف الفاعلة: النظام، المعارضة، الخارج. والوطن -أرضاً وإنساناً- هو وسيلتهم جميعاً، وهو الهدف في ذات الوقت، وبين وقت وآخر نحتاج لأخذ صورة عامة نلحظ فيها حجم التغير في المواقع والأهداف لهذه الأطراف.

المؤسسة العسكرية والأمنية.. قرابة تحميها من الانقلابات!

يقدر خبراء اقتصاديون مجموع ما ينفق على المؤسسة العسكرية والأمنية بأكثر من 25% من الموازنة العامة للدولة ويقول مسئولون في البنك الدولي إن ما تنفقه اليمن على شراء السلاح يساوي ما تنفقه بعض دول خليجية لذات الغرض!!

وآخر الصفقات التي كشفت «الأهالي» عنها في العدد الماضي صفقة سلاح روسية تقدر بأكثر من مليار دولار بالإضافة إلى صدور تكليف بالأمر المباشر -الأسبوع الماضي- بشراء أسلحة بـ 130 مليون دولار من معارض السلاح المقامة حاليا، وهناك جدل واسع حول الأموال التي تنفق على هذه المؤسسة إذ يسود الاعتقاد بأن بعض كبار القادة والمسئولين يستولون على معظم هذه الأموال عن طريق عمولات الصفقات وما يسمى «بالرديات» وهي مرتبات واستحقاق الغائبين والمنقطعين والوهميين والمزدوجين!!

لقد فقدت المؤسسة العسكرية والأمنية جزء كبيراً من هالة الإكبار التي كانت مرسومة لها في ذهنية المجتمع، بسبب استخدامها كأداة لصالح أشخاص بعيداً عن المصلحة الوطنية، الأمر الذي انعكس على مكانتهم وصورتهم الاجتماعية، على ذلك فإن الزج بهم في حروب داخلية خاسرة وشعورهم باسترخاص حياتهم ودمائهم من قبل صانعي القرار، انعكس سلباً على قناعتهم بسمو مهمتهم، وتضاعف هذا الانعكاس السلبي جراء المنهجية المتبعة في الترقية وفق معايير أسرية ضيقة على حساب المعايير القانونية والعسكرية تحت مبرر الخوف من الانقلابات الذي يستدعي حصر الثقة على المقربين، وهو ما لم يعد خافياً وصرح به الرئيس في أكثر من مناسبة.

ويتم تجاوز القانون العسكري بصورة فجة فيما يخص الترقيات والتعيين في المواقع القيادية ابتداء من «قائد كتيبة» وحتى قائد اللواء والمحاور ويتمتع قادة المحاور العسكرية بنفوذ سياسي واقتصادي يفوق كثيرا صلاحيات محافظي المحافظات والقيادات المدنية وكثيرا ما رفع المستثمرون أصواتهم بالاحتجاج جراء التدخلات والضغوط التي يمارسها بعض قادة المحاور العسكرية بخصوص الملف «الاستثماري».

خلال السنوات الماضية تم تنحية كثير من القيادات العسكرية في المواقع «الوسطى» والتي كانت تنتمي جغرافيا لغير قبيلة الحاكم أو لا ترتبط بولاء شديد لهذه القبيلة وأشخاصها.

كما تم التخطيط بدقة متناهية للأعداد التي يتم قبولها في الكليات العسكرية بحيث يتم تغليب المناطق الجغرافية ذات الولاء للحاكم.

قانون التقاعد تم تطبيقه سياسيا وبطريقة ممنهجة كرست إقصاء الضباط والقياديين المحسوبين على «اليسار» والمحافظات الجنوبية والشرقية والوسطى وأبناء تعز وتهامة وريمة وإب.

وكان من نتائجها الكارثية تصاعد الاحتجاجات في الجنوب وبروز «الحراك الجنوبي» وتطور مطالبه نحو فك الارتباط بالوحدة!!

حاليا يتم تكريس ثنائية ذات خطورة مستقبلية عن طريق دعم أجهزة أمنية ضد أخرى ودعم الجيش والحرس الخاص على حساب ضد الجيش العام وتفعيل قانون التقاعد في الجيش والأمن العام وإنشاء وحدات خاصة عن طريق التجنيد الجديد لضمان ولاء خالص للأشخاص لا للوطن.

يتم ممارسة التحريض على نطاق واسع سواء بخطابات سياسية معلنة أو تلك المنشورات الصادرة عن التوجيه المعنوي والتي تصف أحزاب المعارضة بالحاقدين والخونة والإماميين والانفصاليين والمتآمرين على وحدة البلد واستقراره وأن واجب المؤسسة العسكرية والأمنية هو التصدي لهم والضرب بيد من حديد تجاه كل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار الوطن (يقصدون بالطبع كل من يعارض الحزب الحاكم).

المعارضة حتى الآن تؤجل الملف السياسي للجيش والأمن ولا تحبذ وضع هذا الملف على طاولتها السياسية لإجراء نقاشات عامة وبحسب بعض المصادر فإن هذا الملف على درجة من الحساسية وربما سيكون من آخر الأوراق التي سيتم تداولها إذ أن الحديث عن قانونية ومشروعية وجود كثير من القيادات العسكرية والأمنية ومدى مطابقتها للقانون والتمثيل الوطني قد يقود باتجاه مفاصلة نهائية ويبدو أن المعارضة لا تتعجل الخوض فيه في هذه المرحلة!!

لا يمكن مقارنة الجيش والأمن اليمني بتلك المؤسسات العريقة التي تلتزم الحياد في الصراعات السياسية إذ أن هذه التقاليد لا زالت بعيدة المنال ويغلب الولاء الشخصي في التعبئة السياسية الموجهة إليها.

وعلى المستوى المنظور فإن المؤسسة العسكرية والأمنية في اليمن ليست قادرة على اتخاذ خطوات بعيدة عن الولاء للحاكم بعد تنحية الكثير من القيادات الوطنية وتلك التي احترفت العمل العسكري والأمني بعيدا عن الولاء الشخصي ولكن المخزون الضخم من القيادات الموجودة الآن على كشوفات المتقاعدين وآخرين «خليك بالبيت» من القطاع العسكري والذين قد يمثلون قوة تملك الرؤية والتجربة والجاهزية لمساندة أي تغيير وفحص ملفات قيادات الحراك الجنوبي سيتضح أن هؤلاء «القادة السياسيين في الميدان» هم دون استثناء «قادة عسكريون» في الأصل وسرعان ما تحولوا إلى حركة سياسية متمرسة ويخشى أن يذهبوا بعيدا عن استخدام التعبير السلمي إلى ضفة أخرى بحكم تكوينهم النفسي والعقلي.

المشائخ.. استقطاب إقليمي ودولي

تعد القبيلة في اليمن من المؤثرات الرئيسية والفاعلة ويذهب الكثير من المحللين إلى كونها هي الحاكم الفعلي -وإن بشقها الأسري- ومن الناحية الثقافية فإن القيم القبلية هي السائدة لدى صناع القرار ومعظم القيادات العسكرية والمدنية إذ تم الإطاحة بطبقة التكنقراط في مواقع القرار منذ سنوات ولم يعد لهم من النفوذ سوى استخدامهم في مهمات مؤقتة تتصل بالقيام بحملة علاقات عامة لصالح النظام أو في مواقع هامشية لا تأثير لها سواء كوظيفة أو أشخاص ويتداول الوسط السياسي عبارات «كوز مركوز» للدلالة على عدد من الشخصيات التكنقراط المحسوبة على غير جغرافية النظام.

وحاليا فإن القبيلة هي قوة الحماية والدرع لمنتسبيها تجاه إساءة استخدام السلطة للمصالح الفردية، واكتسب المشائخ خبرة تراكمية في إطار الصراع السياسي ويتسم معظمهم باحتراف نيل المصالح واستثمار الأوضاع لانتزاع المكاسب الفردية ويتقن الكثير منهم التوازنات الإقليمية ويرتبطون بشبكة علاقات مالية ابتداء من السعودية ومرورا بليبيا وإيران اللتين دخلتا -مؤخرا- على مشهد الخارطة القبلية.

وحتى الولايات المتحدة الأمريكية أولت -مؤخراً- اهتماما خاصا بالمشائخ والخارطة القبلية وبدأت مشاريع تنموية وسياسية لاستقطاب المحافظات الملتهبة والعمل من خلال العمق القبلي لتغيير البيئة التي تزعم الإدارة الأمريكية أنها حاضنة للإرهاب والتطرف وربما خلال السنوات القادمة تبدأ مشروع عمل سياسي منظم في أوساط القبيلة اليمنية.

يتعرض المشائخ للاستنساخ وزرع الأنداد المنافسين من قبل السلطة وكذلك إضعاف القبائل الموحدة وراء مشائخها خدمة للمشروع «العائلي» الحاكم حاليا حسب اعتقاد كثير من مشائخ القبائل اليمنية.

لا يوجد مشروع سياسي محدد ينتظم القبيلة اليمنية وكان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -رحمه الله- في سنواته الأخيرة بدأ الإعداد لمشروع سياسي حاضن للقبيلة وهو ما تلقفه حسين الأحمر في «ملتقى التضامن» لولا أن هذا الملتقى خلق توأماً مع الخلافات بسبب المزايا المالية وطريقة توزيعها وغياب المؤسسين أو انتظام دورات مؤسساته واستطاع الرئيس تقريب قياداته وإشراكها في ملفات شكلية كان يهدف من ورائها إلى إضعاف الثقة بها من قبل مؤيديها وهو ما حدث بالفعل، وهناك ملتقيات كملتقى مأرب والجوف وعدد آخر من الملتقيات القبلية وإذا توفر مشروع سياسي ودعم مالي فإن القبيلة مؤهلة بشكل كبير لترجيح كفة الصراع السياسي.

حركة الحوثي.. شروط النصر السياسي

كانت البداية في التسعينات بتنظيم الشباب المؤمن كحركة تجديد في إطار المذهب الزيدي ثم تحولت إلى حركة مقاتلة واقتربت كثيرا من الفكر الإيراني، فهي حركة مقاتلة تقوم على فكرة الاصطفاء العرقي ولا تحمل حتى الآن مشروعا وطنيا وهناك مراهنة على أن فترة السلام والهدوء في محافظة صعدة ستحولها إلى حركة مدنية سلمية، تحتفظ لنفسها بحرية الفكر والتنظيم والحماية وتبشر به دون استخدام البندقية فذلك حق شرعي ودستوري لا خلاف عليه ولا يوجب الانتقاص من حقوق المواطنة أو استباحة أيّ من حقوقه لمجرد الاختلاف الفكري أو العقائدي!!

وهناك من يعتقد ولديه قرائن قوية بأن السلطة هي من يتحمل المسئولية كاملة بتغذية صراع الأطراف المتنافسة ثم استخدام القوة في القتل والخراب والتشريد. وأن حركة الحوثي لم يكن أمامها من خيار سوى الدفاع عن نفسها بالقوة في مواجهة قوة أخرى استخدمت خارج إطار المؤسسات ونصوص الدستور.

وبعد خمس جولات من الحروب المدمرة دفعت خلالها السلطة بالجيش والأمن إلى محافظة صعدة، تبدو النتائج سياسيا وعسكريا واجتماعيا لصالح حركة الحوثي التي تلقى تعاطفا من أطراف مؤثرة داخل السلطة وخارجها، وتشكل حاليا رقما في شمال اليمن كقوة على الأرض وامتداد سياسي واجتماعي في بقية المحافظات. وفي تقديري فإن المعارضة التي طالما انتقدت السلطة لاستخدامها القوة كخيار وحيد، تريد أن تقدم نموذجاً مختلفاً في التعامل من خلال إشراك حركة الحوثي في حوار وطني في إطار لجنة التشاور التي يرأسها حميد الأحمر.

تعتقد المعارضة أن السلطة استثارت لدى حركة الحوثي الطاقة القتالية، لتتجه هي -أي المعارضة- لاستثارة الطاقة المدنية البناءة في إحداث تغيير وطني، مع فارق بسيط يتمثل في أن السلطة ظلت طيلة الحروب الخمس تشكو من أطراف إقليمية تساند الحركة، بينما لا ترى المعارضة بأساً في حال التحاور معها من توجيه هذا الدعم الإقليمي في مصب التغيير المنشود، وأتصور -فوق ذلك- أن «التحجر ورفض الآخر» الذي وصمت به حركة الحوثي، كان انعكاساً لطبيعة موقع الحركة في المواجهة القتالية التي تنعدم فيها الخيارات، ما يعني أن هذا الوصف قد لا ينطبق عليها في ظل ظروف أخرى، خاصة وأن حركات مماثلة أثبتت قدرة فائقة في التعامل مع مختلف الأطراف وفق قواعد اللعبة السياسية بعيداً عن قوالب الفكر الجامدة.

ويتوقف مساهمة حركة الحوثي في إنجاز تغيير وطني على مستوى عموم اليمن بالمساهمة مع أحزاب المعارضة يتوقف هذا الدور على قناعة عدد من قياداتها السياسية هنا في صنعاء وتوظيف الأوراق الإقليمية التي بحوزتها لصالح هذا التغيير مقابل ضمان المكاسب التي انتزعتها من السلطة بالسيطرة على محافظة صعدة وامتيازات سياسية أخرى في بعض المحافظات.

تحاول السلطة «بكبرياء المهزوم» استرضاء حركة الحوثي قبيل الانتخابات في الوقت الذي تقوم بعقد صفقة سلاح بمليار دولار وأخرى بالتكليف المباشر بـ 130 مليار دولار ضمنها عدد كبير جدا من الأطقم المدرعة استعدادا لما بعد الانتخابات!!

والسلطة لا تتسامح مع صحفي يكتب مقالا حادا، فكيف ستتسامح مع من أخرجها من محافظة صعدة وأجبرها على إعلان وقف الحرب من طرف واحد!؟

ويقول مقربون من الحركة إنهم تنبهوا مبكراً إلى مخطط سياسي يسعى للإيقاع بين عبدالملك الحوثي وعبدالله عيضة الرزامي وأنهم وفق خبرات سياسية يدركون جيدا سلوك السلطة تجاه خصومها وأعدائها وحتى حلفائها.

ما لم تتقدم الحركة باتجاه الحياة المدنية والتعاطي الإيجابي مع المغاير لها فإنها لن تصمد طويلا أمام المتغيرات المتسارعة وكان لافتا اقترابها من أطروحات المعارضة وتأييدها لمطالبها الانتخابية إلا أن الانتخابات القادمة إذا انفردت الحركة بالمشاركة فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة قد تعني انتكاسة جديدة لمسيرة التقارب الوطني بين أحزاب المعارضة وحركي الحوثي وسيدفعها للتخندق مجددا تحت ظلال البندقية.

الحراك الجنوبي.. القادم أخطر

في عام 1990م غادر علي سالم البيض ورفاقه مدينة عدن بعد ثلاث ساعات من إعلان الوحدة اليمنية المباركة والحدث الأعظم في تاريخ اليمنيين جميعا.

حمل الرئيس علي عبدالله صالح مشروع الوحدة الفورية والاندماجية وكان هناك معارضة في المكتب السياسي باستثناء علي سالم البيض وبعض رفاقه.

بعد عامين من تحقيق الوحدة برزت الخلافات بسبب العقدة المزمنة في دول العالم الثالث «التفرد بالسلطة والثروة» وصولا إلى حرب 94م وانتهاء بيوم 7/7/1994م.

تم إقصاء القيادات المدنية والعسكرية من مواقعها وبرز مصطلح «خليك بالبيت» وتوزيع الأرض كهبات مجانية والاستيلاء على المؤسسات والشركات الاقتصادية، وتوالت الجروح وتضاعفت الآلام وبمجيء عام 1998م تشكلت اللجان الشعبية وملتقى أبناء المحافظات الجنوبية وصار الهمس مسموعا.

غرور القوة يمارس بطشه وأولئك مجرد انفصالين حاقدين موتورين ومنذ عام 2007م بدأ عدد من المسرحين من الجيش والأمن في الجنوب انتفاضات حقوقية تحولت إلى مطالب سياسية كإرث لدولة لم تبارح 18 عاما من عمر الوحدة لأن من يسمون أنفسهم وحدويين استولوا على منزل شقيقهم ومجوهراته وتركوا له وأولاده خيمة يعيش فيها ويرقب حياتهم المترفة، وأولئك المشاركون في السلطة يصرخون في الغرف المغلقة بأكثر مما يطرحه حسن باعوم وناصر النوبة والخبجي وشلال شايع ومحسن باصرة وإنصاف مايو.

المعارضة -من جانبها- حاضرة في الساحة مساندة لمطالب الحراك إلا أنها لم تسع لتصدر الموقف لتتبنى المطالب بالنيابة عن أصحابها الذين أصبحوا يشكلون جزء منها وهي تشكل داعماً لمطالبهم، وتدخلت السلطة كعادتها بأخطائها القاتلة بـ 250 مليار وزعت هنا سيارات «صالون» وهناك «طربال»، وشوالة هنا وشيكا هناك.

تصرفت كالمذنب والخائف وتعاضدت المظلوميات من تيار في السلطة وتيار المبعدين خارج البلد والمعارضة وأخيرا بعض دول الإقليم وأصبحت القضية الجنوبية مدخلا للإصلاحات في برامج المعارضة وقناة تلفزة لمعارضة الخارج ومسيرات واعتصامات واحتجاجات غاضبة لمقهوري الداخل، ورصاص وضحايا كقوة دافعة للمستقبل وما ينتظر «القضية الجنوبية» أخطر مما مضى فالانتخابات من طرف واحد ستضفي مشروعية جديدة للحراك وتنزع عن السلطة ما كانت تواري به سوأتها.

تدرك قيادات الحراك في الداخل والخارج وفي السلطة أيضا استحالة تحقيق مطلب الانفصال وفك الارتباط وجميعهم محترفو سياسية وإذا توافقت المعارضة مع قيادة الحراك على حلول أخرى فإن معادلة التغيير ستكسب بقية مشروعها الوطني ومعادلها الموضوعي الآخر وسيكون التحدي أمام أحزاب المشترك هو أن تستكمل بقية الشعار المطروح فكيف ستكون القضية الجنوبية بوابة الإصلاحات؟

فعليهم إكمال الشطر الآخر المسكوت عنه!!

ليس بوسعنا تحميل المعارضة مهمة إطفاء الحرائق التي تشعلها السلطة، فقط نود الاطمئنان إلى قدرتها على نسج رؤى وتحالفات استراتيجية للمستقبل وندرك في الوقت الراهن أن السلطة لن تتيح فرصة للتحالفات من هذا النوع وأنها إذا اقتضت الضرورة ستقوم بدور الشيطان!!

نحن بانتظار ما تستطيع المعارضة فعله عن طريق التشاور الوطني فأين سيكون موقع القضية الجنوبية منها؟

أحزاب المعارضة، الاتفاق على توزيع الأدوار والمصالح

أحزرت المعارضة بكل أطيافها وتنوعها تكتلا واحدا باسم «اللقاء المشترك» وهي تجربة بنظر الباحثين والمراقبين «رائعة» ومكنت سلسلة الأخطاء الفادحة التي يرتكبها النظام في حق الحياة السياسية والتعددية الحزبية جميع الأطراف من إذابة الجليد وتخطي الحواجز ليلتقي «حزب الإصلاح مع الاشتراكي ويلتقي الناصري مع الحق واتحاد القوى الشعبية والبعث العربي» والقاسم المشترك بين الجميع هو إيقاف عبث السلطة وطغيانها وهي تجربة لم تتمكن الأحزاب العربية من إحرازها رغم تشابه ممارسة الأنظمة العربية تجاه الحياة المدنية والديمقراطية.

غير أن جوهر اللقاء المشترك الذي يرتكز في تنسيقه وتحالفه على «المظلومية» لا يكفي لإنجاز التغيير في اليمن الذي طال انتظاره ومكن السلطة من تدمير مقومات النهوض في البلد، فأحزاب المشترك هي بحسب الكثير من أبناء البلد محطة الرهان وعليها تعلق آمال عريضة لتجاوز مرحلة الانهيار والتصدع كآخر إنجازات السلطة في مراحلها الأخيرة.

ويبقى السؤال الجوهري، ما الذي تحتاجه المعارضة لإنجاز مثل هذا التغيير؟

قد تكون الإجابة مرتدة نحو الذات، وبعبارة أوضح فإن المعارضة تحتاج لقطع أشواط إضافية في بناء الثقة فيما بينها، وهندسة تحالفات حقيقية وفق قاعدة توزيع الأدوار والمصالح المترتبة عليها.

وهناك الكثير من الأسئلة التي تبحث عن إجابة في حالة قررت قيادة المعارضة فعليا الشروع بخطوات التغيير، والمفارقة الأهم أن النظام أثبت فشلا في مواجهة أي قوى مسلحة أو مدنية وأثبت أيضا عجزا مستديما عن إحراز نصر في ميادين التنمية والبناء وفقد معظم حلفائه، وأنصاره الذين كانوا رافعات يستمد منها تفوقه، وأخشى أن تكون حسابات المعارضة النهائية تجاه بعضها ترجح استمرار بقاء السلطة التي تعارض نفسها بأخطائها أكثر بكثير من مواجهة المعارضة للسلطة بأخطائها ومثل هذه السياسة التي تتبعها المعارضة «دعوا السلطة تقتلها أخطاؤها» قد تفضي إلى تشظّ يصعب على المعارضة تلقف أجزائه مستقبلا، في ظل تسارع الأحداث وبروز قوى اجتماعية وسياسية متعددة وإن كانت لا تحمل مؤهلات وطنية وامتداد اجتماعي وتماسك تنظيمي وخبرة سياسية كما هو شأن أحزاب المشترك حينما تغرق المعارضة في حسابات القوة قد تتحول إلى ضعف وبالضرورة أن يصاحب قرار التغيير شيء من المجازفة وقدر آخر من المغامرة إذ أن توفر معطيات التغيير في الحدود الآمنة ودون مخاطر محدقة ذلك هو عين الاضمحلال والتلاشي الطبيعي الذي لا يحتاج إلى قوة دفع كسنة إلهية «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض»، ويبقى التقدير النهائي باستكمال شروط الجاهزية وبذل الوسع واستيفاء نقاط الضعف التي بذرت في الانتخابات الرئاسية ومثل هذا التقدير منوط بقيادات المعارضة وفق حساباتها المبنية على المعلومات الدقيقة، وما يعيبه البعض على المعارضة -وأنا منهم- باكتمال شروط التغيير وفق الملاحظات المشاهدة وبلوغ ارتخاء القبضة مداها والعجز الدائم للسلطة قد لا يكون صائبا فهناك زوايا أخرى للصورة لا تتوفر معطياتها لدى شخص أو جهة واحدة!!

فعلى الأقل شاهدنا في الانتخابات الرئاسية ذلك الإسناد اللامحدود إقليميا ودوليا لبقاء النظام وسرى الخوف لدى دول الجوار حيث نقلت كاميرات التلفزة الاحتشاد الرائع لمهرجان المهندس بن شملان في ملعب الثورة الرياضي وما حدث في محافظة عمران أفقد السلطة صوابها وبدأت بالإعداد لتفجيرات وإلصاق التهمة بشخص ثم الزج به في حملة بن شملان كمرافق ثم تبرئته فيما بعد ليكون اتهامه السابق فضيحة سياسية وأخلاقية، ثم ينصب العتب على نظيف اليد واللسان فيصل بن شملان لماذا لم يهنئ الرئيس علي عبدالله صالح لفوزه في الانتخابات الرئاسية.

وشاهدنا بعضا من تيار قيادة حزب الإصلاح يؤيدون الرئيس وآخرين يلتزمون الصمت في أغرب واقعة سياسية في العالم تصدر عن أشخاص يتصدرون قيادة حزب معارضة ثم لا يسعهم حتى الاعتذار «رحمهم الله وغفر لنا ولهم»، وحتى أولئك الذين أعلنوا الانفصال عام 94م رأيناهم يعودون بأوامر سعودية على متن طائرة خاصة لتأييد الرئيس وعدد آخر ممن يرتدون العمائم السوداء والبيضاء وآخرون من دعاة «ولي الأمر» ووجوب الطاعة وتحريم المنافسة، إذ التقت كل عوامل مساندة الديكتاتورية والطغيان على مائدة السلطان، وتلك كانت بروفة ليس إلا وأتذكر المهندس فيصل بن شملان حين قطعت حوارا متلفزا معه للاستراحة وسألته: هل تدرك ما تفعله؟ فأجانبي: نعم إني أفتح لليمن ثغرة في الجدار ما أقوم به اليوم سيجنيه اليمن غدا!!

لا ننسى فهناك الكثير من حملة المباخر وغيرهم الكثير الذين هم على استعداد لأن يقفوا مع مصالحهم فقط!!

إذن فالمعارضة لا تتأخر عن التغيير جزافا، وإن كانت هناك وجهات نظر أراها صائبة تقول بأن الوقت لم يعد في صالح اليمن، ومزيد من التأخير قد لا يسعف المعارضة في لملمة أشلاء البلاد المتناثرة، لا سمح الله.

الخارج.. خطوط متعارضة نحو ذات الهدف

الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة العربية السعودية، بريطانيا، روسيا، قطر، ليبيا، إيران.. الجميع متواجدون بنسب مختلفة في اليمن، والجميع يريدون مصلحة اليمن، وفي خدمة هذا الهدف يبذلون جهودهم الحثيثة منذ عقود، ويبدو أن مصلحة اليمن التي يعملون من أجلها هي أن يبقى اليمن بلا مصلحة!!

السـعودية.. ماذا تزرع في «حديقتها الخلفية»!؟

تعتبر المملكة العربية السعودية أهم المؤثرين إقليميا على الساحة اليمنية بحكم الجوار والقدرة المالية والسياسية وارتباطها بقيادات المجتمع السياسية والاجتماعية.

ومجمل الأهداف السعودية في اليمن تلتقي عند الرغبة في إبقاء اليمن كما هو عليه الآن.. دولة فقيرة وضعيفة إذ ليس من مصالحها نجاح التجربة الديمقراطية اليمنية أو إحراز أي تقدم في المجال الاقتصادي وترى المملكة في محافظة حضرموت جزء من أمنها الاقتصادي ما يتعلق بمنفذ بحري على بحر العرب كأقصر الطرق لتصدير النفط وتحتفظ بعلاقات متداخلة ومتميزة جدا مع كبار التجار الحضارم الحاصلين على جنسيات سعودية.

لا تدعم المملكة العربية السعودية أي جهود للتغيير في اليمن وترى في النظام الحالي مناسبة لاستمرار ضعف البلد وإن كانت أحيانا تقوم بدعم الحراك الجنوبي لتأديب النظام إذا بالغ في ابتزازها وتدفع المملكة مبالغ مقطوعة تحت مسمى دعم الموازنة السنوية ومبالغ أخرى «كمصروف جيب» لعدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية في السلطة والمعارضة على المستوى الوطني (سبق نشر تفاصيل عن اللجنة الخاصة والمرتبات في اليمن في العدد ؟؟؟؟؟ من الأهالي) وتدعم تكتلات قبلية وترعى جماعات دينية في إطار دعم المذهب الوهابي الذي يبدو أنها تحاول التنصل منه منذ أحداث 11 سبتمبر 2000م.

إيـران.. فرصة التفوق في المنطقة

تمتلك إيران مشروعا مذهبيا «الإثنا عشري» وطموحا فارسيا مدعوما بدولة مؤسسية مستقرة من الناحية السياسية ذات برنامج نووي وتقوم بزرع الجماعات السياسية والدينية الموالية في كل أقطار الوطن العربي ومؤخرا نجحت في الوصول إلى القرن الأفريقي وعقد تحالفات مهمة ورعاية «جمعية النجاشي» في أثيوبيا وتدعم إيران حركات المقاومة التحررية كحزب الله في لبنان، وحركة حماس في فلسطين والحركات المقاتلة كحركة الحوثي «شمال اليمن وجنوب المملكة». فإيران دولة عظمى في الإقليم مقابل فساد بعض الأنظمة العربية والإسلامية ذات المشاريع العائلية سواء كانت ملكية أو جمهورية مما يعطيها فرصة التفوق والريادة في المنطقة وليس واضحا حتى الآن الأهداف السياسية لإيران تجاه النظام اليمني وربما تدعم أي تغيير إذا توافق مع مصالح الحركات القريبة منها.

ليبيا.. حضور بقانون «رد الفعل»!!

تقوم بدعم كل شيخ أو سياسي التقى بالرئيس معمر القذافي.. وتتمحور السياسات الليبية في اليمن بمناكفة تجاه السعودية وخوض حرب باردة على مساحة النفوذ، ويتوازى مع ذلك عدم وجود استراتيجية واضحة لها في اليمن، ولا يبدو أن هناك ما يمكن قوله عن الحضور الليبي سوى أن لكل فعل سعودي رد فعل ليبي مضاد له في الاتجاه وغير مساو له في القوة!!

أمريكا والاتحاد الأوربي..

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من أكبر المؤثرين الدوليين على الوضع السياسي والاقتصادي في اليمن، وتتمحور السياسة الأمريكية في اليمن في مربع مكافحة الإرهاب يليها دعم برامج الإصلاحات السياسية والاقتصادية والهدف الثاني مجرد لافتة لخوض حملة العلاقات العامة وتحسين الصورة ولا تبدي السياسات الأمريكية جدية كافية تجاه نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان إذ تتغاضى كثيرا مقابل خدمات ما تسميه بمكافحة الإرهاب، وكلما حدث انفجار يستهدف المصالح الأمريكية توغلت السياسات الأمنية الأمريكية أكثر في المؤسسات العامة والأمنية وتعاظمت مكاسب النظام اليمني.

ويتقن الجانبان الأمريكي واليمني الكذب المتبادل فالأمريكيون يدركون ماهية العلاقة بين السلطة والقاعدة والحكومة اليمنية تدرك ماذا يريد الأمريكيون فيقدمون لهم أكثر مما يرغبون بينما يفعلون ما يشاءون بقضية الإصلاحات السياسية والاقتصادية!!

لا يتحمس الأمريكيون والأوروبيون لأي تغيير في اليمن فالوضع الحالي يبدو ملائما إلى درجة كبيرة فبإمكانهم أن يحصلوا على جزر لإقامة قواعد عسكرية وبإمكانهم قتل أي يمني بتصريح رسمي واستلام التقرير اليومي من المطارات والجوازات وتحليلها عبر فرقها الأمنية والاستخباراتية في السفارات وبالنظر إلى النتائج النهائية لمثل هذه العلاقة المخادعة فإن النتائج تبدو تدميرية، فمزيد من التغاضي عن سلوك النظام الانحداري سيقود إلى أن تصبح الجمهورية اليمنية أرض الفوضى والاضطرابات، وسيدفع الإقليم والعالم ثمنا باهظا لانتهاج سياسة دعم الأخطاء، ولن تكون درس القرصنة الصومالية سوى نزر يسير إذا ما استفحلت الحالة اليمنية أكثر.