خارطة الطريق: الجريمة السياسية.. من يجرؤ على ارتكابها ؟
بقلم/ سيف الحاضري
نشر منذ: 3 ساعات و 7 دقائق
الإثنين 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2024 06:45 م
 

مجريات الأحداث وتسارعها تتجه نحو ارتكاب أكبر وأخطر جريمة سياسية في حق الشعب اليمني.

 

إنها جريمة سياسية لا يمكن غفرانها أو تبريرها، مهما كانت التحديات والضغوط التي تُمارس على القيادة السياسية للشرعية ومكوناتها. ومن هذا المنطلق، أتحدث بوضوح ودون مواربة، وأقولها بالصوت العالي براءة للذمة أمام الله وأمام الشعب والتاريخ: 

 

"ما يتم الترتيب له تحت ما يُسمى بـ"خارطة الطريق" هو في جوهره محاولة لتبييض صفحة مليشيات الحوثي من كل الجرائم التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها بحق الشعب اليمني".

 

نداء إلى النخبة السياسية:

أوجه رسالتي هذه إلى النخبة السياسية، بعيدًا عن التنظيرات البيزنطية، وإلى كل العقلاء في اليمن، من خبراء ومشرعي القانون، ورئاسة وأعضاء مجلس النواب، ليحدثونا ويحدثوا الشعب بكل وضوح وشفافية:

 

من يملك دستوريًا وقانونيًا الحق في التنازل عن:

1. دماء أكثر من نصف مليون قتيل قضوا بسبب انقلاب وجرائم مليشيات الحوثي؟

2. حقوق قرابة مليون ونصف جريح، عسكري ومدني؟

3. حق خمسة ملايين يمني مهجّر قسرًا في العودة إلى منازلهم؟

4. 30 مليار دولار نهبتها المليشيات من خزينة البنك المركزي، منها 6 مليارات من الاحتياطي والباقي من أموال البنوك والمودعين؟

5. حياة المواطنين المهددة بزراعة أكثر من خمسة ملايين لغم أرضي؟

6. أسلحة الدولة المنهوبة بكل أنواعها، وإعطاء المليشيات صك امتلاكها؟

7. حقوق الآلاف ممن فُجّرت منازلهم على يد المليشيات؟

8. حق 50 ألف مختطف ومخفي قسرًا في سجون الحوثيين؟

9. استعادة مؤسسات الدولة وممتلكاتها؟

10. حقوق المختطفات والمخفيات في سجون المليشيات؟

11. حماية الأجيال الحالية والقادمة من الفكر الطائفي وسمومه الهدّامة؟

12. تضحيات ثلاثين مليون مواطن وتسليم رقابهم للمليشيات، باعتبارهم عبيدًا؟

13. حرية وكرامة شعب بأكمله لمليشيات طائفية إجرامية؟

14. حاضر ومستقبل الجمهورية اليمنية؟

15. إرادة الشعب اليمني في التحرر واستعادة دولته؟

 

من يملك الجرأة ليقول إنه يملك الشرعية الدستورية والقانونية للتنازل عن كل هذا؟

 

إن هذا الأمر ليس مجرد "اتفاقية سلام"، بل هو في حقيقته "اتفاقية استسلام"، وجريمة سياسية مكتملة الأركان في حق الشعب اليمني. فمن يجرؤ على ارتكابها عليه تحمل تبعاتها ومسؤولية الأحداث الكارثية الناتجة عنها.

 

إن الرئيس هادي، بصفته الشرعي، ومجلس القيادة، ومجلس النواب، وكل مكونات الشرعية السياسية، لا يملكون الحق في التنازل عن دماء نصف مليون قتيل، أو عن حق الشعب في استعادة الجمهورية ومؤسسات الدولة.

 

الشعب وحده هو من يمتلك ذلك الحق عبر استفتاء حر، وفي أجواء تمكّنه من التعبير عن إرادته بعيدًا عن الضغوط والابتزاز.

 

أقولها لله، وللشعب، وللتاريخ: يجب أن يرفع كل مواطن صوته عاليًا رفضًا لهذه الجريمة السياسية التي يُزمع ارتكابها بحق الشعب اليمني تحت مسمى "خارطة طريق السلام" المزعومة.

 

إن السكوت لم يعد خيارًا. بات ضربًا من الجنون أن تذهب نخبة سياسية مستلبة الإرادة وفاقدة للشرعية لتقرير حاضر ومستقبل شعب قبل بها في إدارة معركته المقدسة، التي كان هدفها واضحًا: هزيمة الانقلاب الحوثي واستعادة مؤسسات وسلاح الدولة وتحرير العاصمة صنعاء.

 

ما يحدث اليوم يهدد اليمن من المهرة إلى صعدة، ويهدد وجودية جميع الأطراف السياسية والعسكرية، من المجلس الانتقالي إلى حزب الإصلاح، وطارق صالح، والمقاومة الوطنية، والمؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي، والتنظيم الناصري، وحزب الرشاد، وكل التيارات السلفية، وكذلك القبيلة.

 

لقد بات الجميع يستشعر المخاطر التي تهدد وجوديته، ويدرك أن بقاء الآخر المختلف معه سياسيًا يمثل حالة أمان لوجود الجميع.

 

ما يتم الترويج له على أنه "خارطة طريق" ليس إلا وسيلة لتفريغ الشرعية من محتواها، ووأدها، وتسليم اليمن إلى مليشيات طائفية إجرامية:

1. سياسيًا: أي اتفاق يشرعن مليشيات الحوثي يُكرّس لتقسيم اليمن ويقوّض فكرة الدولة.

2. اجتماعيًا: سيؤدي إلى تفاقم النزاعات الطائفية وإضعاف النسيج الاجتماعي.

3. اقتصاديًا: يعيد سيطرة المليشيات على موارد الدولة، مما يزيد من معاناة الشعب.

4. عسكريًا: يمنح المليشيات شرعية لحمل السلاح واستخدامه ضد الشعب.

 

كما أن تجاربنا مع مليشيات الحوثي تكفي لتعزيز قناعتنا أن هذه الجماعة الإرهابية الطائفية لا عهد لها ولا ميثاق وأنها لا تعدو عن كونها نسخة مكررة لشواهد تاريخية لدروس مشابهة تؤكد الخطر جراء توقيع الاتفاقيات معها:

1. اتفاقية ميونيخ 1938: عندما تنازلت بريطانيا وفرنسا لألمانيا النازية عن أراضٍ تشيكوسلوفاكية، لم يؤدِ ذلك إلى السلام، بل دفع هتلر للمزيد من التوسع واندلاع الحرب العالمية الثانية.

2. اتفاق أوسلو 1993: رغم أن السلطة الفلسطينية قدمت تنازلات كبيرة، لم تلتزم دولة الاحتلال الإسرائيلي بالاتفاقيات، واستمرت في التوسع الاستيطاني حتى وصل الأمر إلى الإبادة الممنهجة بحق الفلسطينيين في غزة والضفة.

3. الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990): أدى فشل النخب السياسية في تحمل مسؤولياتها إلى استمرار الحرب لسنوات، وتعمق النفوذ الطائفي والإقليمي في البلاد، حيث باتت لبنان دولة رهينة لسلاح مليشيات حزب الله الطائفية.

 

الواقع الراهن يفرض معطيات جديدة تُحتّم على الجميع التعامل بمسؤولية.

 

إن بقاء الإصلاح أصبح ضرورة لبقاء المجلس الانتقالي، والعكس صحيح. وعودة المؤتمر الشعبي العام أصبحت مصلحة وطنية للجميع. بقاء كل مكونات الشرعية، سياسية كانت أو عسكرية، بات ضرورة وجودية إذا توحدت في مواجهة التحديات.

 

صرخة للشعب والتاريخ:

أقولها لله، وللتاريخ، وللشعب اليمني:

يجب أن يُرفع الصوت عاليًا لرفض هذه الجريمة السياسية التي تُرتكب تحت مسمى "خارطة طريق السلام" المزعومة.

 

إن التنازل عن دماء الشهداء، وحقوق الجرحى، والمظلومين، ومستقبل الجمهورية اليمنية، هو جريمة يتحملها كل من يشارك فيها سياسيًا وقانونيًا ودينيًا.

 

حماية اليمن ليست مجرد مسؤولية سياسية، بل واجب وطني وديني وأخلاقي.

 

إن تسارع الأحداث يفرض علينا التحرك فورًا. من كان يتوقع أن يجد الشعب اليمني نفسه أمام أخطر عملية ابتزاز في التاريخ؟

 

اليوم، يُخيّر الشعب بين الموت جوعًا أو التنازل عن حاضره ومستقبله، عن حريته وكرامته، ليعيش عبدًا لدجالي الادعاء بالحق الإلهي في حكمهم واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

 

إنها لحظة فارقة في حياة شعب. "نكون أو لا نكون."

 

ة