رياح المصالحات في الشرق الأوسط
بقلم/ عبدالرحمن عبدالله السقاف
نشر منذ: سنتين و 11 شهراً و 28 يوماً
الثلاثاء 30 مارس - آذار 2021 07:09 م

شهدت المنطقة العربية وماحولها في الفترة الزمنية الوجيزة منذ مطلع العام الجديد تغيرات دراما تيكية مدوية على مستوى السياسات الخارجية لكثير من دول المنطقة.

فقد هبت على المنطقة رياح المصالحات المتلاحقة، حاملة معها كتل الهواء البارد، لتأتي على بؤر التوتر المشتعلة فتطفئها واحدة بعد الاخرى.

وكل ذلك جرى في خلال اقل من ثلاثة أشهر وهي الفترة التي أنقضت منذ مطلع العام الجديد.

جاء أول اندفاع لكتل الهواء البارد يوم ال5 من يناير حين انعقدت القمة الخليجية في العلا بالمملكة العربية السعودية وبحضور الامير تميم أمير دولة قطر، وصدر البيان الختامي للقمة الذي قال عنه ولي العهد السعودي بأنه "جرى التأكيد فيه على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي".

وكان مما يلفت النظر انه وعلى غير العاده، حضر المؤتمر الخليجي وزير الخارجية المصري ووقع هو الآخر على البيان الختامي.

ولم يقف اندفاع الرياح المفاجئ عند هذا الحد، بل حدث انه وفي نفس اليوم طار وزير المالية القطري على متن طائرة خاصة الى العاصمة المصرية القاهرة في زيارة هي الأولى من نوعها منذ ما عُرف بالأزمة الخليجية والتي كانت مصر أيضاً ضمن اطرافها.

كان واضحا للجميع ان الازمة اجتازت مرحلتها الاخيرة، وان الستار قد بدء بالفعل بالنزول على مشهد الأزمة الخليجية.

ثم في ال12 من مارس جاءت تصريحات قيادات تركية تؤكد على مايبدو انه تحسن في العلاقات التركية المصرية المتصدعة، مبشرة بهبوب نسائم باردة هذه المرة من جهة الأناضول، فقد قال يومها جاويش اوغلو وزير الخارجية التركي بأن "تركيا بدات اتصالات دبلوماسية مع مصر" ثم ذهب إلى إضافة انه "لايوجد سبب يمنع تحسن العلاقات مع السعودية"

ثم فجر المعارض المصري المفاجأة حين كشف ان السلطات التركية تطلب من القنوات التلفزيونية المصرية المعارضة التي تبث برامجها من تركيا أن تخفف حدة النقد للحكومة المصرية.

ثم جاءت الرياح الباردة هذه المره الى الشرق الاوسط قادمة من وراء المحيط الأطلسي، فقد أبدت إدارة الرئيس بايدن في أولى أيامها انفتاحها على إحياء الاتفاق النووي مع ايران لكبح طموحات ايران النووية مع إدخال تعديلات تتناول موضوع الصواريخ الباليستية والتدخلات الخارجية الإيرانية.

ومع أن ايران ترفض هذا التوجه بشدة، إلا انه يبدو ان العقبة الرئيسية في طريق التفاهم الأمريكي الإيراني في طريقها الى الزوال، تلك العقبة المتمثلة في عدم وجود اتفاق بخصوص ملف ايران النووي، فهاهي الادارة الامريكية الجديدة تتحدث عن احياء الاتفاق مع ضبط ايقاع الاداء الايراني بخصوص برنامجها الصاروخي والتدخلات الايرانية في المنطقة، وهما امران يسهل التوصل لحل بشأنهما اذا ما تم بالفعل تفكيك تعقيدات الملف النووي الذي يُعد دون ادنى شك، الملف الحاسم في تحديد طبيعة العلاقات بين البلدين.

ثم جاءت الرياح هذه المره من شبة الجزيرة العربية، على شكل مبادرة سعودية لوقف إطلاق النار في اليمن تحت اشراف الأمم المتحدة وفق محددات قرارات مجلس الأمن والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني. وجاء رد جماعة الحوثي بالرفض المباشر بحجة ان المبادرة لاتقدم جديد.

وفي حقيقة الأمر فإن المبادرة وبظروف إعلانها، والأجواء المحيطة بها، بدت وكأنها لرفع العتب اكثر منها اي شى آخر، فقد جاءت في ظل تصاعد وتيرة هجمات الطائرات المسيرة والصواريخ على المطارات والمنشآت الحيوية السعودية مثل شركة ارامكو كبرى الشركات المنتجة للنفط في العالم.

وجاءت المبادرة ايظا في ظل تكثيف الضربات الجوية من قبل التحالف بقيادة السعودية، واستماتة جماعة الحوثي في جبهات محافظة مارب دون تقدم يُذكر منذ بدء التصعيد هناك قبل اكثر من شهر.

وهكذا بدت المبادرة وكأنها لرفع الحرج من ضغوطات دولية لوقف إطلاق النار الذي يبدو انه لن يتحقق إلا بتقديم تنازلات من جميع الأطراف، فما يطيل أمد الحرب هو تمسك كل طرف من اطراف القضية -وهي اطراف عديدة- بمفهومه الخاص لوقف إطلاق النار، فكل طرف يرى ان توقف الحرب يكون ممكنا فقط اذا تحققت مطالبه السياسية والأمنية واستقرت جميع الأهداف في يده. 

اذا نظرنا الى تلك الرياح وتمعنا في كل محطات هبوبها المتلاحقة على الشرق الأوسط فسنلاحظ انه لم تكن هناك مستجدات موضوعية تفسر تلك التطورات الإيجابية.

ففي ملف الأزمة الخليجية رأينا ان دول المقاطعة لم تحصل على مطالبها بتنفيذ نقاطها ال13 التي سُلمت لقطر عند اشتعال الازمة عن طريق الوسيط الكويتي حينها.

ومع ذلك جاءت رياح الصلح لتطفئ نار التوتر وكأنها لم تكن.

ونجد الأمر ذاته في ملف العلاقات التركية المصرية، فلم يستجد ما يفسر تلك الاستدارة التركية المعاكسة باتجاه مصر، فمن ينظر الى بؤرة التوتر المصري التركي يظن انها بحاجة الى مزيد من الريح الباردة، فبين الطرفين من اسباب الخلاف اكثر مما بينهما من اسباب الوفاق.

 فبعيدا عن كون تركيا عارضت ازاحة نظام الرئيس المصري الراحل مرسي باعتباره رئيسا منتخبا، هناك ملف فاصل في علاقة البلدين وهو ملف غاز المتوسط، فقد قامت مصر واليونان بترسيم حدودهما البحرية للاستفدة من ثروات الغاز الكامنة في قاع شرق المتوسط، الامر الذي تعارضه تركيا بكل قوة، محذرة من أن الاتفاق يتجاوز حقوقها في الجُرف القاري التركي.

ومع كل هذا جاءت نسمات الصلح الباردة ومن جهة الأناضول بكل لطف.

ويتكرر ذات الأمر في قضية حرب اليمن، فكل التطورات على الأرض لا تفسر صدور مبادرات او حلول وشيكة، بل كل الشواهد المستجدة تشير الى ان وقف اطلاق النار لا يزال بعيد المنال.

ومع ذلك جاءت الرياح - وان لم تكن باردة كثيرا - من جهة وسط شبة الجزيرة العربية المعروفة بحرارة هواء صحاريها، لتوحي بوجود جهود مبذولة للتوصل الى حل.

وحدها المحطة الاخيرة لمحطات هبوب الرياح الباردة على الشرق الأوسط كانت مختلفة، وهي تلك القادمة من وراء المتوسط، والتي حركت قضية الملف الإيراني واعادت مناقشته.ووجه الاختلاف ان هبوب هذه الرياح كان متوقعا من الجميع بعكس رياح المحطات الاخرى، ذلك ان مخالفة الإدارة الأمريكية الجديدة ممثلة بالرئيس بايدن لم تخفي معارضتها لسياسة الإدارة السابقة بخصوص ايران وملفها النووي، وقد كان توجه الادارة الامريكية الجديدة منتظرا والكل يترقبه.

وفي واقع الأمر قد يكون هذا هو مفتاح حل لغز كل تلك الرياح الباردة الغير مفهومة والتي هبت على الشرق الأوسط في غضون اقل من ثلاثة اشهر لتطفئ الكثير من بؤر توتره على غير انتظار.

فإذا اعدنا التامل في كل تلك المحطات وظروف المصالحه التي تمت فيها فسنلاحظ أن ظِل الإدارة الامريكية الجديدة لم يكن غائبا.

وليس بالضرورة ان تكون هناك ضغوط، فوجود الظل يكون في احيان كثيرة كافيا للتعبير، على الاقل بالإيحاء، خاصة أن الإدارة الأمريكية الجديدة توجهاتها متوقعة وواضحة نحو التفاهم والسلام وازالة كل اسباب التوتر الممكنة.

فكل محطات الرياح الباردة التي شهدتها المنطقة مؤخرا من تصالح، بعد إعادة النظر بهذا الاعتبار، يمكن فهمها، بدءا بالازمة الخليجية ومرورا بتوتر العلاقات التركية المصرية، ومرورا بحرب اليمن وملف ايران النووي، ويظل الملفان الاخيران هما العالقان وربما يكونان كذلك متشابكان، وبحاجة لمزيد من الرياح ومزيد من كتل الهواء البارد وربما الثلوج لإطفاء لهيبهما.