آخر الاخبار
عن حماس وإيران من جديد.. ماذا يحدث؟
بقلم/ ياسر الزعاترة
نشر منذ: 5 سنوات و 5 أشهر و 14 يوماً
الأحد 09 يونيو-حزيران 2019 08:59 م
 

تصريحات جديدة لقادة من حماس، ما لبثت أن جدّدت الجدل حول موقف الحركة من إيران وحلفها، ما جعلها تستحق التوقف، لا سيما أنها أثارت جدلاً حتى في الأوساط الداخلية للحركة، وليس من قبل آخرين بدت التصريحات مستفزة لهم، كما استدعت توضيحا من النظام.

لا نتحدث هنا عن الغضب التي عكسته لعبة "الذباب الإلكتروني" التي يعرف الجميع منظومتها التي لن ترضى عن الحركة، ولو ناصبت إيران العداء بالكامل، وهي ذاتها المنظومة التي وقف قادة الحركة على بابها زمناً دون جدوى، وذلك بعد قطيعة مع إيران إثر الموقف من سوريا.

وزاد الموقف افتضاحاً حين ذهبت حد وصف الحركة بالإرهاب، فضلا عن إطلاق موجات تطبيع سري وعلني مع الكيان، بل وتخريب أجواء العداء معه، وفي النهاية وصل الحال حد دعم "ورشة البحرين" التي يعلم الجمع حقيقتها كمحطة أساسية من محطات تمرير "صفقة القرن" التي لن تمرّ بإذن الله.

   يدرك الجميع أن حسابات إيران لا تتعلق بالقدس ولا بفلسطين، بل بمشروع التمدد المذهبي، وما فلسطين سوى أداة لتزيين المواقف وتسهيل التمدد

نقول ذلك، حتى لا يسخّف بعض المتعصبين لحماس موجة الغضب عبر القول إنها من جهات ذات موقف سلبي من الحركة، ذلك أن حجمها في أوساط التأييد كان واسعاً بكل تأكيد، ولسنا من النوع الذي يجرّه هراء "الذباب" بعيداً عن حقيقة المواقف الشعبية التي شملت أوساط الفلسطينيين أنفسهم، بمن فيهم مؤيدون للحركة في القطاع ذاته، فضلاً عن الضفة وبقية التجمعات الفلسطينية في الشتات.

ما فعلته إيران بالأمة خلال الأعوام الأخيرة، بخاصة إثر تدخلها في سوريا ضد الشعب ولصالح الطاغية، والذي خدم الكيان الصهيوني على نحو لم يحلم به، وقبل ذلك وبعده في العراق، ثم في اليمن، ليس من النوع العادي الذي يمكن المرور عليه مرّ الكرام، إذ صنع عداءً كبيرا مع احتقان طائفي واسع، ولن يتغير الموقف منها (من إيران) مهما قدمت لحماس والمقاومة.

يدرك الجميع أن حسابات إيران لا تتعلق بالقدس ولا بفلسطين، بل بمشروع التمدد المذهبي، وما فلسطين سوى أداة لتزيين المواقف وتسهيل التمدد (هل تمت سرقة ثورة الشعب اليمني وإشعال هذا الحريق المدمّر لأجل فلسطين؟!). ولا أعتقد البتة أن قادة حماس يجهلون ذلك، وتسريب "أبو مرزوق" الشهير عن طائفية قيادتها دليل واضح.

نفتح قوساً كي نشير إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين التعامل مع إيران، بحكم الاضطرار في ظل حصار عربي رسمي مُدان (المواقف بالطبع ليست سواءً)، وبين الخفة في مديح مواقفها على النحو الذي جرى، فالتعامل يمكن تبريره بالحصار، بجانب حقيقة أن عقوبات أمريكا على إيران ذات صلة بتركيع المنطقة أيضاً، وليس بمناهضةً عدوانها على الغالبية، لأن الصراع يخدم واشنطن، بل روسيا والصين أيضا، ولا يضر سوى شعوب المنطقة، بما فيها الشعب الإيراني.

وهنا نشير إلى ما ذهب إليه الكاتب صالح النعامي قبل شهور، حين ذكّر قادة "حماس" بنموذج الحوثيين الذين صنعتهم إيران، وموّلتهم، لكنهم يحرصون على إظهار مسافة بينهم وبينها.

أسوأ ما في التصريحات الأخيرة هي تجاوزها لمديح إيران إلى الحديث بشيء من الإيجابية عن العلاقة مع نظام بشار، وغالبا عبر استدراج إعلام التابعية الإيرانية (الناطق بالعربية) لبعض قادتها، فضلا عما يشي بإمكانية فتح خطوط مع ذلك النظام الذي قتل من الفلسطينيين ما لم يقتله أحد بعد الصهاينة، وهذا بالغ الخطورة بكل تأكيد.

أما الجانب الآخر المثير، فتمثّل في مديح القائد يحيى السنوار لإيران معطوفاً على الحديث عن خذلان الأمة، من دون التفريق بين جماهيرها وبين أنظمتها، فضلاً عن وضع كل الأنظمة في سلة واحدة. ولعلنا نذكّر الرجل (وهو يعلم، وربما خانه التعبير)، أن جماهير الأمة لم تبخل يوماً على الحركة، بما في ذلك السوريون أنفسهم ممن كانوا يلعنون النظام وطائفيته قبل الثورة.

المغامرة بفقدان تأييد حاضنة الأمة التي حملت حماس زمناً طويلاً قبل أن تحصل على دعم إيران، تمثل خطيئة كبيرة بكل تأكيد (ستكتمل إذا فتحوا خطا مع نظام الطاغية في دمشق). وإذا لم يُعد قادة حماس النظر في هذه القضية، فسيفقدون تلك الحاضنة، حتى في أوساط الفلسطينيين الذين ينحاز أكثرهم ضد نظام الطاغية وضد طائفية إيران ومغامراتها، فضلاً عن الغالبية الساحقة من الأمة. ولا خسارة لحركات التحرر تعدل هذه الخسارة.

ولعل من المفيد التذكير هنا أن من يعادون إيران (نظاما وليس شعبا) ليسوا من أولئك التابعين لبعض الأنظمة التي تمارس المراهقة السياسية، ويبثون هراءهم في مواقع التواصل، بل هم غالبية الأمة، بمن فيهم من يعيشون في ظل تلك الأنظمة، ويرون فشلها (بما في ذلك في مواجهة إيران)، وقمعها، وهم أنفسهم من أحبوا "حماس" ودعموها دائما بما وسعهم ذلك؛ ماديا ومعنويا.

المثير في حكاية النظام السوري أنه ردّ على التسريبات الخاصة بفتح اتصالات معه (نرجو أن لا يكون أحد ما قد تورط دون قرار من قيادة الحركة)، بطريقة مبتذلة إذ نقل تلفزيون النظام عن مصدر إعلامي القول إنه "لا صحة لكل ما تتم إشاعته ونشره من تصريحات حول عودة أي علاقات مع حركة حماس"، مشيراً إلى أن "موقف سوريا من هذا الموضوع موقف مبدئي بُني في السابق على أن حماس حركة مقاومة ضد إسرائيل، إلا أنه تبين لاحقاً أن الدم الإخواني هو الغالب لديها عندما دعمت الإرهابيين في سوريا وسارت في نفس المخطط الذي أرادته إسرائيل"

 

   تبقى ملاحظة ضرورية تخصّ المتصيّدين في الماء العكر، والذين يستسهلون اتهامات الطائفية، وبعضهم غارق فيها حتى أذنيه، وهي أننا لا نتخذ هذا الموقف من إيران لأسباب مذهبية

لاحظ المزايدة السخيفة، من قبل نظام لولا الكيان الصهيوني لانتهى منذ سنوات، وهو (أي الكيان)، من ضغط على الأمريكان الذين ضغطوا بدورهم على الجميع لحرمان الثوار من السلاح النوعي.

السياسة هي دقة تقدير الموقف، وموازنة المصالح والمفاسد، ومن لا يُحسن التقدير، فلا بد أن يتورط، وقد بدأ التورط منذ دخول انتخابات سلطة أوسلو، وبعد ذلك الحسم العسكري، ووهم جمع السلطة والمقاومة، وصولاً إلى التجييش وتضخيم المصاريف وتكرار تجربة "فتح" بمعظم تفاصيلها (الوثيقة الجديدة للحركة جزء من ذلك).

إنه مسلسل ينبغي أن يتوقف حتى لا يبدد رصيد حركة عظيمة قدّمت أروع البطولات والتضحيات وأعظم الشهداء، وما زال بوسعها أن تقدم الكثير لقضية الشعب الفلسطيني (ستفعل بكل تأكيد)، وإن حرمها من ذلك راهنا تيه قيادة فلسطينية تقدم التناقض مع الشقيق الفلسطيني على مواجهة العدو الذي تتعاون معه أمنيا، رغم قرارات صريحة من مرجعياتها السياسية التي تستدعيها عند الحاجة، ولا تأخذ بقراراتها!!!

تبقى ملاحظة ضرورية تخصّ المتصيّدين في الماء العكر، والذين يستسهلون اتهامات الطائفية، وبعضهم غارق فيها حتى أذنيه، وهي أننا لا نتخذ هذا الموقف من إيران لأسباب مذهبية، إذ من حق كل أحد أن يعبد ربه كما يشاء، من دون استفزاز الآخرين، وحين وقفت غالبية الأمة مع حزب الله في حربه مع الصهاينة، وقبله مع الثورة الإيرانية، لم يكن ذلك جهلا بمعتقداتها المذهبية، لأن أهل السنّة لم يعتبروا أنفسهم طائفة في أي يوم، بل حاضنة الأمة.

وفي النهاية لا مناص من التعايش بعيدا عن منطق العدوان واستعادة ثارات التاريخ الذي تلبّس القيادة الإيرانية الحالية، وصار واضحا بعد غزو العراق، ومن ثم التدخل في سوريا واليمن، ولا يمكن أن تغطيه التصريحات الدبلوماسية.