تعز مهبط الوحي
بقلم/ إبراهيم عبدالقادر
نشر منذ: 9 سنوات و 8 أشهر و يومين
الثلاثاء 24 مارس - آذار 2015 10:50 ص

في عمره السبعيني يتكلّم عن (تعز) بألم وحرارة قائلًا: تعز ولّادة. عرف الناس الشعر وإرتباطه "بالفضول" وعرف الناس السياسة وإرتباطها برجال ثورة "سبتمبر" الخالدين، وعرف الناس الحب من هذه البوابة الكبيرة التي تهدي العاشقين "المشاقر" وفي بحثك العميق ستجد هذه المدينة المقدّسة زاخرة برجالات البحث، والأقلام، تمد الحياة بعمالقة الفكر، والعلوم المتنوّعة التي تعرف طريقها في مدينة تعز الإنسان والحياة، وفيها وحسب تسمع صوت الفاتنات يهتفن للحياة، للجمهورية اليمنية التي يعتقدن أنها مسرح خالد للإنسان اليمني بعيدًا عن تصنيفه وفرزه العفن.

عبر التاريخ أهدت هذه المحافظة اليمن (وطنًا) وعبر تاريخها حملت كفنها على يدها ودافعت عن شرف الرجال وفي ميادين الكفاح، أنتصرت للكادحين، والمقهورين، ووقفت شامخة كجبلها (صَبِر) رشقوها بالرصاص، والكاتيوشا ورمت على وجوههم (المشقر) ورصّت صفوفها كالبنينان المرصوص وأعطت كل واحدةٍ منهن قلمًا وعلمًا للوطن، إنتصرت على كل الغزاة، وحِينما عِجزوا أمامها وأصيبوا بالهوان والخسران قالوا عنها:

(حاضنة القاعدة) فردّت ببلاغة وكان الرد منها أن نصبت أولى خيامها، وكتبت:

لا تختبروا صبرنا، فالحناجر لا تسكت، لكنها تستريح.

في ثورتنا المجيدة 2011 أحرقها نيرون (صالح) وفي 2015 مهّد للجحافل القادمة من مؤخرة التاريخ فأجتاحت البلد على إستحياء ولبست (العباءة) السوداء وتنكرّت لرجولتها بلباس الزينة المسروق ـ لباس الجيش ـ تعز الحاضنة لأكبر معامل الرجال، وأعمق ميادين النساء كان لها رد آخر أن خرجت كيوم الحشر وصاحت بحناجر الملائكة:

يا مبردق برع برع

تعز حرة لن تركع

حينما تتكلم "تعز" الجميع يصمت، وحين يتكلم المرجفون تفضحهم، حينما تنتفض تعز عليك أن تبدأ بالإستعداد للرحيل، وفي خروجها لا ترجع إلّا كيوم ولدتها أمها.

حاول المتغطرس ـ علي صالح ـ أن يتألّه على هذه المحافظة فأخرج كل ما في جعبته من قرابين الموت، خطط لمحوها والقضاء على أبناءها فلم يتحقق له شيء على الإطلاق غير أنه منح أبناءها الثبات والصمود، ووضوح القضية وصدقها فكان منهم أن ثبّتوا خيامهم، وغرسوا حبر أقلامهم في موائد التنزيل التي ترتّل صباح مساء ( إرحل يا نكتةً سوداء في حياتنا ) وحينما عجز عن مجابتها أرسل لها وقود (العصبوية) منتقمًا لـ 33 عامًا من الفشل والتخبّط الذي كان للمحافظة هذه الدور الأكبر والعظيم في تعرية نظامه الهش وتشتيته، واليوم تواصل هذا التسطير المُشع في حشر (العصبة) الجديدة القديمة في زاوية الهزيمة والعار والدم، تهتف لليمن فيرشقونها فتلتحف العلم الوطني، فيضربونها بالرصاص فتصيح بأعلى الصوت: خسئتم يا سوء الوطن الكبير.

يُعاقبون (تعز) لإنها خالية من ماسحي جوخ الزعيم والسيد، يُدبّرون لها الدسائس والمكائد لأن مجدها عالي بالسلم والسلام، تؤرقهم (بنت) تعز التي خرجت عن النص الشاذ الذي غرسوه في عقول الناس بأنها (عورة)؛ يجتمع الناس بلا إستثناء ليقولوا لهذا الدخيل: إزرع السمّ في بطنك بعيدًا عن بطننا التي يشبع الناس جميعهم منها ولن نسمح لـ ( مهبط الوحي ) أن تتحوّل إلى (بيدق) على ظهور رجالات الحرب الباردة، وكهول وتجار الدماء التقليدين.

ماذا بالإمكان أن يكتب أحدٌ مّا عن ( تعز )؟ لقد إحتار القلم، وخارت كل القوى أمام عصبة الرأس، فخر كل اليمنيين، وتاج الأحرار. أن تقول كلامًا عنها فأنت تقول كلامًا عن الرجولة، عن الكفاح، عن النضال، والمرأة الأسطورة، عن الثقافة، والحضارة، والإنسان.

تعز يا مهبط وحي العلم، والفن، والنساء؛ إحمي ما تبقّى لنا من هذه التربة التي دنّسها تجار الحروب التاريخيين،لقد راهنت على معطيات كثيرة، بعضها نجحت، والبعض الآخر فشل، والآن إراهن عليك ووحدكِ من تكسبي الرهان مقدمًا، وتحشري السمساسرة في زواية الدم، والهزيمة، ويبقى رسمُكِ السلام، والمساواة، والمشقر الساحر، وأثق تمام الثقة أنكِ لن ترضخي للإجتياح المسلّح لإنك تُدركين أنه بداية لأكبر حفلة دم سيبتدأها علي صالح وحليفه الرخو عبملك الحوثي؛ وهذه المرّة سيكون الوقود هو (الجنوب)، لإنكِ أيضًا تعرفين جيدًا أن الجمهورية متعطّشة لمن ينتصرون لصقرها الذي أنتهكَ من عملاء السطو الخارجي المنظّم.

كم أنتِ جميلة وفاتنة حتى ورجل (القبو) يُبرر لقتلك بوصفك بـ"الداعشية" يعرف هذا الرخو أنه أمام إسطورة لن تُمرر هذه الخديعة وستتكفل بتعريته، وإنهاءه أيضًا.

أثْبت صَبِر

دماج، عمران، صنعاء، وإب.. لن تخذلهم يا أنبل الناس، وآخر معاقل الرجال.