بين الثورة والدولة يتآمر الأنذال "2 "
بقلم/ علي بن ياسين البيضاني
نشر منذ: 9 سنوات و 10 أشهر و 23 يوماً
الأربعاء 31 ديسمبر-كانون الأول 2014 02:47 م

نعود مرة أخرى لنستكمل الموضوعين السابقين ( هل نحن بحاجة إلى ثورة ) و ( بين الثورة والدولة يتآمر الأنذال ) ، ونأسف لعدم استطاعتنا الإلمام بالموضوع من كل جوانبه في مقال واحد ، كان غرضنا الإيجاز قدر الإمكان في ألا يطول الموضوع الواحد ليتمكن القارئ المتابع من سرعة قراءته دون الحاجة إلى أن نضطره إلى المرور عليه باستعجال ، فقمنا بتجزئتهم عسانا نفي بالغرض إن شاء الله تعالى ...

خلاصة ما توصلنا في مقالاتنا السابقة هو أن الثورات السابقات رغم عظمتها لم تحقق الغرض الذي أقيمت من أجلها ، ويعود السبب في ذلك إلى سيطرة الأنذال على مقاليد البلاد في شمال اليمن وجنوبه ، وأبعدوا فى الغالب كل رئيس أو وزير كان يرغب في إصلاح البلاد حينها ، وأخص الآن بالذكر أن للرئيس / سالم ربيع علي ، والرئيس / إبراهيم الحمدي ، والرئيس / علي ناصر محمد بصمات واضحات في تحسين أمور البلاد ، ولقي الشعب منهم الإستحسان والرضا ، لكن لم تدم مدد حكمهم الكثير من الأعوام ، ولم يسمح لهم من تحقيق متطلعات الشعب اليمني في شمال اليمن وجنوبه ...

إذن نستطيع القول أن مشكلة البلاد قاطبة تكمن في قيادات سياسية واهنة باطشة لم تقدم شيئًا للبلاد ، وإن قدمت من شيء إلا بما يسمح لها بالإستمرار والبقاء فقط دفعًا للإطاحة والغضب الشعبي فيما إذا استمر حال البلاد إلى خراب اقتصادي شامل ...

ثم المشكلة الأخرى التي عانتها البلاد خلال خمسين عامًا الماضيات هي العصبية المناطقية ، والمذهبية الدينية ، والعنصرية النتنة ، فساهمت تلكم المشاكل في تفتيت المفتت ، وتمزيق الممزق ، وكل ذلك على حساب يمنية اليمنيين ، وطننا اليمني الجامع ، فانتشرت خلال تلكم السنين حروب طاحنة بين الدولتين شمالاً وجنوبًا ، وانتشر التخريب ، وحروب قبلية مسيسة هدفها تمزيق الروابط القبلية وإشغالها عن مركز الدولة أن يكون مخترقًا بمشاركتهم في السلطة ، وكذلك الإنقلابات العسكرية ، والمؤامرات الحزبية بين الأطراف السياسية والإنقلابات وغيرها مما جعل فيح دخانها يلتهم كل جميل في هذا البلد الآن من آثار تلكم الصراعات ..

إذن نحن في حال قرر الشعب اليمني إقامة ثورة أو انتفاضة أو غضب شعبي عام بحاجة أولاً إلى قائد شعبي من عيِّنة خاصَّة لا تغريه المناصب والجاه والسلطان ، قائد يُجْمِع عليه اليمنيون ، بعيدًا عن الحزبية السياسية ، والعصبية القبلية ، يكون منقذًا ملهمًا ، بشرط ألا يكون ممن حكم سابقًا فيتم اصطياده من قبل من عارضهم أو عارضوه سابقًا ...

ثم إزاحة كل الأطراف المتصارعة فيما بينها كأشخاص وليس كأحزاب وفقًا لمبادرة إنقاذ وطنيـــــــــة لا تكون خليجية ولا عربية ولا أممية ، لأن ذلك معناه استحضار الصراع الإقليمي والدولي إلى المشهد السياسي اليمني فيتم تخريب البلاد من جديد ..

ثم نسأل : هل الأطراف المسيطرة على المشهد السياسي الآن وأقصد بهما الحوثيون والعفاشيون سيسمحون بهكذا ترتيب على الأرض ، أم أن الأمر يحتاج إلى ثورة عارمة ، سلمية أم مسلحة ، شعبية أو حزبية ، أعتقد أن ذلك مستحيلاً خصوصًا إذا ما علمنا أن الدولة الحوثية تثبِّت الآن مداميكها في مفاصل الدولة لتكون اليمن خاضعة للسيطرة الإيرانية الفارسية ، وعفاش وعصابته كذلك لن يسمحوا بذلك فلن يقبلوا أن تقام ضدهم ثورتين خلال ثلاث سنوات ، وهادي ما زال يفكر بأن يعود لحكم اليمن من جديد ، ولو على كرسي من حديد ، المهم أن يقال له رئيس ولا يهمه على ماذا يكون رئيسًا ..

أما الأطراف السياسية للأسف وعلى وجه الخصوص الإصلاح له حساباته الخاصة الذي وضع في مأزق من قبل الدول العشر والدول الخليجية ، وأظنه قد علم يقينًا أن المصيدة تُعَدُّ له ليكون فريستها ، ولذلك فهو وبقية الأحزاب ليس لهم من التأثير فى المشهد إلا بيانات لا تسوى قيمة مدادها ، ولن تغير في عصابة الحوثيين الذي لم يؤثر فيها الدم الأحمر فما بالك بالمداد الأسود .

أما دول الخليج فمصطلح ( ثورة ) هو الرازم الحقيقي والشيطان الأكبر أمامها ، ولذلك فهي تسعى للإطاحة بكل من يحمل إسم ثورة ولو كانت مخرجات تلك الثورة لصالحها فى الحال أو المآل .. فهل السعودية وعلى وجه الخصوص يمكن أن تدعم ثورة شعبية مجردة من الحزبية والعصبية والمذهبية والعنصرية ، هدفها الأساسي والوحيد تحقيق الأمن والإستقرار والرخاء ، وتضمن بقاء اليمن عامل استقرار لها ولشعبها ، هذا ما يجب أن تفكر فيه السعودية ، ولا ينبغي لها أن تنجرف ضمن المخطط الأمريكي الإماراتي الصهيوني الإيراني .. ولذلك يبدو أنها ما زالت مترددة في مثل هكذا دعم يضمن لها أولاً الأمان ولليمن ثانيًا الإستقرار .

ثم هل وضع البلاد الآن بحاجة إلى إقامة ثورة عارمة تنسف مخططات الأوباش والأنذال ، وتحقق ما لم يتحقق ؟ الوضع الآن في حقيقته حِمَم وبراكين تغلي في نفوس كثير من أبناء الشعب المطحون ، وكل أفراد الأحزاب السياسية الذين يسيرون في فلك قيادات زادت حساباتها السياسية على حساب بلادها وشعبها.

نقول للأسف أن الحسابات الدقيقة في مجريات الأمور كم هو متعب وشاق لكل ذي بصيرة مما يعتمل من مؤامرات تستهدف اليمن بتمزيقه ، والسير به نحو حرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس ، فالكل له حساباته ، فالخليج له حساباته والدول العشر لها حساباتها والحوثيون لهم حساباتهم والعفاشيون لهم حساباتهم والأحزاب السياسية لها حساباتها ، لكن اليمن وشعبها المطحون لم يفكر فيه أحد أن يضعه ضمن حسابه ، أو يضحي من أجله ، ولذلك أؤكد وبإذن الله ، إن ثورة التغيير الحقيقية قادمة تتجاوز آفاق المدى ، لأن الظلم فاق الحدود ، ودمَّر الكرامة والحرية ، والشعب الأبي لا يرضى بالهوان والذل والعار ، ستكون ثورة تفوق تخطيط الأحزاب وحساباتهم ، بعيدة عن الحسابات الآنية ، محققة كل طموحات الشعب ، لا لشيء إلا لأن الشعب يمني أكرمه الله بأعظم شهادة في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وحاشا على الله أن يتركه للأنذال والأوباش تفعل فيه ما شاءت ، لكن من سنن الله في خلقه منذ الأزل أن التغيير يكون أولاً فى النفوس ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وأن تحقيق النصر يكون من عند الله وحده على الظالمين ، لكن تتطلب عملية التغيير ، واستجلاب النصر هو قناعة أبناء هذا الشعب بالتغيير ، وعدم الصمت عن الباطل ولو كان كبيرًا وهائلاً .. حينئذ يتنزّل النصر ، ويعم الأمن والإستقرار والرخاء .. مع يقيني التام أن الظلم سيستمر من الحوثيين مدة ، لا ندري في علم الله كم تستمر ، لكن سيصلون بظلمهم إلى درجة يفيض فيه الكيل ، ويختل فيها التوازن ، فيتم الإطاحة بهم إلى غير رجعة ، وأملنا أن تكون ثورة تدمر طغيان الباطل وتدفعه ، وموعد انطلاقها ( عسى أن يكون قريبًا ) ..