المجتمع المدني في اليمن
بقلم/ عبد الحكيم الفقيه
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و 21 يوماً
السبت 05 إبريل-نيسان 2008 05:36 م

مأرب برس - خاص

إن اطلالة على مآثر الحضارة اليمنية القديمة تدل على البعد المعنوي الذي وصل إليه اليمنيون من تجسيد لقيم العمل والتعاون وحب الحياة وإعلاء شأن العقل واحترام وشائج الألفة ومنظومة القيم التي تنظم علائق المجتمع وتشير إلى مستوى عال من القوانين والعقود الإجتماعية وليس المجتمع المدني الحديث هو وليد اليوم بل هو نتاج تراكمات وخبرات وتجارب موغلة في القدم فما شيده اليمنيون من منجزات حضارية مادية إبان ممالكهم القديمة ودويلاتهم في العصر الإسلامي يدل على أنهم امتلكوا أطرا اجتماعية راقية كانت نواة للمجتمع المدني الحديث حيث قننوا طرائق حياة الإنسان بل وصلوا لتقنين حياة البهائم وعلاقتها بالإنسان.

ولأن التعريف الشائع والحديث للمجتمع المدني هو " مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف" " وتشمل تنظيمات المجتمع المدني كلا من الجمعيات والروابط والنقابات والأحزاب والأندية والتعاونيات وكل ما هو غير حكومي وكل ما هو غير عائلي أو إرثي (من الوراثة )" فإننا سنسلط الضوء على المجتمع المدني في اليمن راهنا

عندما دشن اليمنيون ثورتهم الثالثة المتمثلة بالتوحيد السلمي لأداتي الثورة واعلان الجمهورية اليمنية كان المجتمع اليمني على موعد مع العهد الديمقراطي الجديد حيث تم السماح للأحزاب والصحف والمنظمات أن تمارس أدوارها التي نص عليها الدستور وشهدت اليمن ولادة العشرات من منظمات المجتمع المدني التي حاولت العمل باستقلالية تامة والاحتكام للقانون واللوائح المنظمة ولكن هذا الزخم الديمقراطي تقلص باختفاء شريك تحقيق الوحدة قسرا إثر اجتياح الجنوب ومحاولة اجتثاث الحزب الإشتراكي اليمني بالقوة ومنذ 1994 والحاكم يحاول احتواء مؤسسات المجتمع المدني وافراغها من مضامينها وتحويلها إلى ديكور للزينة فقط لكنها أي منظمات المجتمع المدني تحاول بصمود وبعمل دؤوب على استعادة أدوارها واستقلالياتها

إن نظرة فاحصة على الواقع الذي يعتمل في اليمن تكشف لنا أن ثمة تباين بين المحافظات الشمالية التي يغلب عليها الطابع القبلي والجنوبية التي تمتلك إرثا وتراكما مدنيا لذا من الطبيعي أن يكون الجنوب هو موطن الحراك والانتفاضات السلمية وذلك دليل على عافية المجتمع المدني ويحتاج مجتمع الشمال إلى فترة زمنية كي يلحق بركب الجنوب.

الجدير بالذكر أن المجتمع المدني له علاقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ويختلف معناه العربي عن معناه الأجنبي لكن معناه الأجنبي هو الطاغي بسبب مولد الديمقراطية من رحم الثورة البرجوازية الأوروبية الكبرى حيث تم مأسسة منظمة المجتمع تحت رعاية المؤسسة الكبرى المتمثلة بالدولة بينما ارتبط معناه العربي بالطابع الحضري ومعاكسة البداوة والتريف.

إن حركة المجتمع المدني اليمني راهنا وأنشطته وفعالياته تدل على عافيته رغم المضايقات والعراقيل التي تعترض سبيله وراهنا ينشط المجتمع المدني في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات من خلال الندوات والفعاليات التي تتطرق لأهم القضايا الحيوية ولعله الآن في مرحلة التأسيس والترميمات القانونية ليدخل مرحلة جديدة كي يغوص في أعماق الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية

يطرح البعض من المتفائلين بدور المجتمع المدني ومنظماته بأنه مستقبلا سيكون ذا جدوى وفاعلية وسيحل محل الأحزاب والتنظيمات ومؤسسات الدولة وسينتشر الوعي وستذوب القبيلة وستتمدن وسيكون المجتمع المدني على علاقة حيوية مع مجريات الحياة في المجتمع اليمني لكن البعض يرى بمنظار التشاؤم مفترضا بأن عمل المجتمع المدني يصب في مصلحة السلطة حيث يظهر ديمقراطيتها المزعومة كبراهين تدعم موقفها عند المانحين ويضيف مفترضا بأن بعض منظمات المجتمع المدني تعمل على الانتقاص من السيادة الوطنية عبر تسهيل عمل الأجانب وتوفير مظلة للأنشطة الأجنبية المشبوهة.

إن هناك ارتباطا وثيقا بين الديمقراطية والدولة والمجتمع المدني حيث تتولى الدولة رعاية المجتمع المدني بما يجسد الديمقراطية ويسعى المجتمع المدني إلى تحقيق حق الناس في قيامهم الطوعي بأدوارهم في تنمية مجتمعهم وفي إدارة أنفسهم بعيدا عن المناخ البوليسي القسري

والجدير ذكره أن المجتمع المدني الحديث في اليمن ظهر منذ ثلاثينات القرن المنصرم في جنوب الوطن حيث تم انشاء الجمعيات وبعدها ظهرت النقابات والاتحادات وكان لها شرف المشاركة في تنوير وتثوير المجتمع وظهرت في وقت لاحق بعض التجمعات في شمال الوطن وبعد اندلاع الثورة السبتمبرية والأكتوبرية توسعت فعالية المجتمع المدني حتى جاءت دولة الوحدة بنظامها الديمقراطي فوجدت منظمات المجتمع المدني نفسها في قلب المعترك.

وها هي راهنا منظمات المجتمع المدني تخوض معركة بقاء مصيرية عبر نضالها المستميت من اجل انتصار أهدافها التواقة إلى تمدين المجتمع وتوسيع المشاركة الديمقراطية والشعبية والتنموية

ويرتهن مستقبل المجتمع المدني في اليمن على مستقبل الديمقراطية وتوسيع نطاق الحريات واحترام حقوق الإنسان ويعتمد أيضا على استقلالية المنظمات وتوفير البيئة الخصبة والمناخ القانوني والديمقراطي الضامن لحرية المناشط وتفشي الوعي وحدوث إصلاحات جذرية سياسية واقتصادية واجتماعية.

ولأن المجتمع اليمني بيئة بحثية خامة فإن منظمات المجتمع المدني تنشط حاليا في اجراء دراسات مسحية وبحثية حول جوانب اجتماعية هامة وخصوصا في مجال المرأة والأسرة والفقر والتنمية الريفية والحضرية ولعل تراكم هذه الدراسات والخبرات سيفرز مجتمعا مدنيا نوعيا يتم الاتكاء عليه في التنمية المستقبلية في المجتمع اليمني

إن المزيد من الممارسات الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان والإهتمام بالمرأة وحماية حرية الرأي والفكر وضمان التجانس الإجتماعي وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء والتوسع في نشر التعليم والخدمات الصحية تعد من المهام العاجلة التي ينبغي أن تقوم بها الدولة بمساعدة المنظمات الأهلية والتعاونية وقطاعات المجتمع المدني بما يضخ تعجيل وتيرة الحرية وسريان السلوكيات الليبرالية الملتزمة

وليس مصادرة على المطلوب القول بأن تجليات المجتمع المدني في اليمن محاطة بمزالق ومخاطر عديدة تمثل بمثابة الأغلال في سيقان الجديد والحديث حيث تهيمن الممارسات القبلية والدينية والعشائرية على مجمل مناشط المجتمع بالإضافة إلى الاحتواء السياسي للحركة المدنية ولعل أهم العوامل التي تحد من فاعلية المجتمع المدني هو تلاشي الطبقة الوسطى من التراتب الطبقي في المجتمع اليمني، فالمجتمع المدني هو ابن الطبقة الوسطى لذا يلوح يتيما في اليمن.

لذا ليس ثمة رضا عن عمل منظمات المجتمع المدني في اليمن لأنها مطالبة بالمزيد ومغادرة قاعات الفنادق والعمل في أوساط المجتمع وبين الناس وكذلك على مؤسسات الدولة رفع الوصاية وانهاء المضايقات وعلى القانون أن يحتوي على قوة إجرائية لتنفيذه وسريانه.