زيارة الرئيس صالح إلى أوروبا
بقلم/ عادل امين
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الأحد 10 فبراير-شباط 2008 04:10 م

على الرغم من الظروف الصحية الصعبة التي يمر بها الرئيس صالح إلا أنه مايزال يتميع بحيوية ودينا ميكية حركية تؤهلانه ـ لفترة أطول ـ للعب دور السياسي الأول القادر على رسم سياسات بلده وتوجيه مسارها خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية لليمن ، فالرئيس يظل هو اللاعب الأول الأكثر قدرة على الإمساك بملفي علاقات اليمن بأمريكا وأوروبا بالنظر إلى حساسية تلك العلاقات وما تمثله من أهمية قصوى لليمن على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية

تأتي زيارة الرئيس صالح الأخيرة لكل من أسبانيا وبلجيكا بالتزامن مع بعض الأحداث والمستجدات على الساحة اليمنية والتي عكست نفسها – في جزء منها – بشكل سلبي على العلاقات اليمنية الأمريكية ، فعلى المستوى الداخلي جاءت هذه الزيارة بعد تجدد نشاط تنظيم القاعدة في اليمن وتصاعد عملياته ضد السياح الأجانب والتي أودت حتى الآن بحياة ثمانية أسبان في مأرب العام الماضي (2/7/2007م) وسائحتين بلجيكيتين في حضرموت مطلع العام الجاري (18/1/2008م) وهو ما يفسر سبب اختيار مملكتي أسبانيا وبلجيكا تحديداً لتلك الزيارة .

كما تزامنت جولة الرئيس صالح الخارجية مع حركة دبلوماسية خارجية نشطة للحكومة اليمنية أفضت إلى التوقيع على اتفاق مصالح مع المتمردين الحوثيين رعته دولة قطر ونص على وقف إطلاق النار بين الجانبين وحل خلافاتهما سلمياً ، أضف إلى ذلك فقد جاءت الزيارة في ظل أوضاع متأزمة في جنوب البلاد التي ما تزال تشهد حالة غليان شعبي واحتقان سياسي أخذ ينمو باتجاه دعوات انفصالية تهدد مستقبل وحده البلاد ، هذا إلى جانب ما تشهده البلاد من تردي في أوضاعها الاقتصادية وانحدار في مستوى معيشة السكان ، وتزايد معدلات الفقر والبطالة في أوساطهم ، وهو ما عبر عنه بوضوح اجتماع مجلس الدفاع الوطني من خلال توجيهه باعتماد عشرة ملايين حالة فقيرة ضمن شبكة الأمان الاجتماعي .

أما على الصعيد الخارجي فتجيء هذه الزيارة الخارجية للرئيس في الوقت الذي تشهد العلاقات اليمنية – الأمريكية هذه الأيام أجواء متوترة وخلافات غير معلنة نتيجة لعدم تمكن البلدين من حل بعض الإشكالات الأمنية العالقة بينهما.

تعدد الشراكة

يُقدم الاتحاد الأوروبي مساعداته لليمن في جوانب تعزيز دعم الإصلاحات الاقتصادية ، وتطوير العملية الديمقراطية والتنمية السياسية المتمثل بدعم عملية انضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية ، ويشجع على أن تلعب اليمن دوراً أساسياً في إحلال السلام والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي ، وإلى جانب ذلك كله يُعد اليمن أحد أهم شركاء الإتحاد الأوروبي في مكافحة الإرهاب ، ولذا يقدم الإتحاد مساعدات كبيرة لبناء قوات خفر السواحل اليمنية وكذا بناء شبكات الرصد الراداري على بعض السواحل اليمنية.

وفي مجال دعم مشروعات التنمية أعلنت المفوضية الأوروبية زيادة الدعم لليمن إلى (81) مليون يوروا (حوالي 130 مليون دولار) للفترة من 2007-2011 .

وفي هذا السياق تجيء زيارة الرئيس صالح إلى مقر الاتحاد الأوروبي لتؤكد التزام اليمن بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية ، واستعراض الانجازات التي تحققت في تنفيذ الأجندة الوطنية للإصلاحات المتعلقة بمكافحة الفساد وتحسين بيئة الاستثمار والخطوات المتبعة في مجال مكافحة الإرهاب, وعلى ذات النهج نستطيع القول إن الرئيس صالح يهدف من وراء جولته الأوروبية إلى انفتاح اليمن بشكل أكبر على الفضاء الأوروبي حتى لا يظل أسير العلاقات الأمريكية التي غالباً ما تفرض مصالحها بقوة على البلدان الصغيرة ، إنها محاولة للإفلات من الضغوط الأمريكية ، ورسالة واضحة للجانب الأمريكي بأنهم ليسوا وحدهم في اليمن ، وأن هذا البلد شريك أساسي للأوروبيين في كل الجوانب التي يتشارك فيها مع الأمريكيين ، وبناء عليه يصبح من غير المفيد للجانب الأمريكي فرض وصايته على الشريك اليمني لأن ذلك قد يقود بالتالي إلى تصادم المصالح الأمريكية الأوروبية ، ولهذا السبب نجد اليمن حريصة على استقطاب الاستثمارات الأوروبية لتوازن بها علاقاتها ومصالحها مع الولايات المتحدة ، فبقدر ما تكبر المصالح الأوروبية بقدر ما يكبر التنافس مع الجانب الأمريكي ، وعندما يتنافس الكبار يجد الصغار متنفس لهم في ظل هذا الطرف أو ذاك .

وفي اتجاه آخر يسعى الرئيس صالح للحصول على دعم سياسي أوروبي لقضية الوحدة اليمنية التي صارت نقطة خلاف مع معارضة الخارج ، ويخشى الرئيس أن تنجح عناصر المعارضة في الخارج في كسب بعض التعاطف الدولي أو الإقليمي بما يمكنها من إعادة فتح ملفات حرب 94م بما في ذلك قراري مجلس الأمن الدولي رقم924 ، 931 اللذان دائما ما تلوح بهما معارضة الخارج في وجه الحكومة اليمنية ، ويستطيع الرئيس إقناع شركائه الأوروبيين بأن مصالحهم في اليمن (النفطية والغازية على وجه الخصوص) لن تستمر بغير الوحدة ، الأمر الذي يفرض عليهم ممارسة ضغوط قوية على شركائهم الأمريكيين في حالة ما إذا فكروا باللعب على ورقة الانفصال وغض الطرف عن تحركات معارضة الخارج ، أوإعطاء الضوء الأخضر لبعض القوى الإقليمية لاحتضانهم, وفي ما يتعلق بقضية مكافحة الإرهاب فإن الرئيس ربما يجد الفرصة سانحة بعد عمليتي مأرب وحضرموت الإرهابيتين ليشرح لشركائه الأوروبيين طبيعة التحول الذي طرأ على العمليات الإرهابية للقاعدة والتي جعلت من المناطق البترولية ساحة عملياتها الجديدة بهدف ضرب المصالح الوطنية والدولية معاً ، الأمر الذي يفرض مزيداً من الشراكة والتعاون بين الجانبين لوقف هذا الخطر ، وهو ما يلقي بتبعات إضافية على الشريك الأوروبي لزيادة مساعداته لليمن ليقوم بدوره في حماية مصالح شركائه.

رسائل ملغومة

بعد عملية مأرب الإرهابية كنت قد كتبت موضوعاً بعنوان الإرهاب في اليمن بندقية للإيجار نشرته في صحيفة العاصمة وبعض المواقع الأخرى ، وذكرت فيه أن في اليمن فقط تتصل القاعدة بوسائل الإعلام لتتحدث عن نفسها وعن عملياتها, وفي اليمن فقط تفصح القاعدة عن اسم الناطق الإعلامي المتحدث باسمها ، وفي الأسبوع المنصرم خرج علينا أحدهم عبر إحدى الصحف الأهلية يزعم أنه المسئول الإعلامي للقاعدة ليوزع بركاته على من شاء ، وباختصار شديد جداً هنا نظراً لضيق المساحة (سأعود لتناول الموضوع بتوسع في فرصة أخرى) فإن تلك المقابلة المزعومة مع من قيل إنه المسئول الإعلامي لقاعدة اليمن هي بمثابة رد على تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية وأعادت نشره صحيفة الشرق الأوسط (29/1) حيث اتهم التقرير الحكومة اليمنية بالتواطؤ مع تنظيم القاعد وتسهيل عملياتها الجهادية خارج اليمن وشبه ذلك التقرير اليمن بمحطة حافلات يرسل منها بعض الإرهابيين لخوض القتال في مكان آخر وفقاً لمبدأ حكومي يقول استثن اليمن من جهادك وستترك لحالك.

وتجئ تلك المقابلة (التسريب )لتنفي عن الحكومة اليمنة تلك الاتهامات ولتؤكد عمق العداء الحاصل اليوم بين القاعدة والنظام ،وأن اليمن هي أيضاً مستهدفه بدرجه أساسية من تنظيم القاعدة بسبب تحالفها مع الكفار بحسب المسئول الإعلامي ، وإنها تخوض حرباً شرسة ضد التنظيم وعناصره الذين صار لهم ثأرمع النظام ، أما المتعاطون مع القاعدة الساكتون عليها فقد أوحت المقابلة بأنهم يتواجدون في أحزاب (المشترك ) بمختلف توجهاتها ، كما يتواجدون أيضاً في أوساط القبائل ، وبذلك تكون الرسالة المطلوبة قد وصلت للأصدقاء الأوربيين متزامنة مع زيارة الأخ الرئيس ،وهي تقول لهم بوضوح إن النظام اليوم يقف وحيداً في مواجهة القاعدة في اليمن وهو مايضاعف عليكم مسئولية الوقوف إلى جانبه إذا أردتم حماية مصالحكم ، وعليكم ألا تلتفتوا لما تقوله أحزاب المعارضة أوتحاول الترويج له فهم متؤاطون بطريقة أو باخري مع تنظيم القاعدة مثلهم في ذلك كبعض القبائل التي توفرلهم ملاذاً أمناً.

إنها رسائل ملغومة تحاول تفجير كل المجتمع وتضعه بالكامل في كفة الإرهاب وتستثنى منه النظام الحاكم لتضعه في كفة حلفائه وشركاءه في الخارج، وتلك هي عبقرية صانع السياسة في اليمن !!!! 

• مدير تحرير صحيفة (العاصمة)